علي أحمد باكثير رائد شعر التفعيلة
ملاحظ عابرة على رد الدكتور
1- لو كنت أعلم أن تعليقي سوف يسبّب له كل هذا الحزن والثورة والقلق و ( الإزعاج ) لما كتبت ما كتبت ، ولكنها مشيئة الله ، وضعف الإنسان ، وأنا عبد قليل ضعيف أقل مما وصمني به الدكتور وأضعف ، وكل ما قدمت من أعمال كتابية ، ومسرحية ، وتلفزيونية ، وإذاعية ، قد تكون وبالاً عليّ يوم القيامة ، إذا لم تكن في سبيل هذا الدين العظيم ، وأمته المنكوبة بأعدائها وبعض المنتمين إليها .
والإنسان العاقل هو الذي يعمل لآخرته ، ومن عمل لآخرته ، حسنت أعماله لدنياه .
اللهم اجعل عملنا خالصاً لوجهك الكريم ، ولا تجعلني ممن يسيئون إلى أحد من الطيبين الأطهار من أمة الرسول القائد e .
من نال مني أو علقتُ بذمّته كيلا أعوّق مؤمناً يوم الجزا سامحته لله راجي منّته أو لا أسيء محمداً في أمّته (1)
2- عندما توهمت أن الدكتور من كتّاب مجلة ( الآداب ) وقرّائها ، فإنما جاء هذا الوهم من حسن ظني بالدكتور ، ولأن مجلة ( الآداب ) كانت ميداناً خصباً للأقلام العراقية ، وبسبب غربتي عن بلدي ومكتبتي منذ ربع قرن ، أي بعد كتابة مقالي ( يتيم دهره ) بعشر سنين .. وأنا الآن أعتذر إلى مجلة الآداب ، وإلى صاحبها ورئيس تحريرها – آنذاك - الدكتور سهيل إدريس ، من هذا الوهم أو الخطيئة الفظيعة التي ألحقتها بالمجلة وصاحبها ، وبالدكتور الذي عجزت عن الفوز بكتبه الخمسين ، لأنني لم أستطع أن أثبت أنه كان من كتّابها مجلة (الآداب).
3- وقد ساءني تعصّبك لعراقيتك ( كان الله في عون العراق شعباً وأرضاً ) في مقالك وردّك، وفيما كتبت قبلهما ، فأردت أن أنصحك نصيحة خالصة لوجه الله ، أن تتجافى بجنبيك معاً عنها ، فإنها منتنة ، كما أخبر الرسول أستاذ الحياة عليه الصلاة والسلام .
البحث العلمي يجب أن يكون بعيداً عن سائر ألوان التعصب الإقليمي والعرقي والديني والمذهبي .. بعيداً عن الأهواء والأمزجة التي تلوي عنق الحقيقة لتقرر ما يخالف الواقع والحقيقة ، وخاصة في العلوم الإنسانية .
وإلاّ .. عدنا إلى مقولة الجاهلية الأولى : _ كذاب ربيعة أفضل من صادق مضر ) عليه الصلاة والسلام .
4- كل ما تقدم من هذا التعليق على الرد ، وأكثر ما جاء في ( ردّ ) الدكتور ، خارج عن الموضوع ، ويستأهل الاعتذار من القرّاء الأعزاء ، لأنني والدكتور قد أضعنا الكثير من أوقاتهم الثمينة .
5- رحم الله أستاذي وصديقي الدكتور إبراهيم السامرائي ، فما كان أعرفه بالرجال ! .
6- والآن .. دعنا يا (دكتور ) ندخل في لبّ الموضوع الذي نلخصه بهذا السؤال :
من رائد شعر التفعيلة ؟
من رائد الشعر الجديد الذي استقرت تسميته بشعر التفعيلة .. كما عرّفته نازك ووافقها النقّاد على تعريفه وعروضه ؟
من الرائد ؟
من أول من نظم القصيدة الأولى فيه ؟
نازك ؟ السياب ؟ الزهاوي ؟ أم باكثير ، كما زعمت المقالة – يتيمة دهرها – ودراسات أخرى كثيرة ؟ نحن نتحدث – طبعاً – عن ريادة شعر التفعيلة ، وهو الشعر ذو الشطر الواحد، وليس له طول ثابت ، إذ يجوز أن يتغير عدد التفعيلات في القصيدة الواحدة من شطر إلى شطر .
وهذا الشعر الذي نريد ، هو الذي استقرّ عروضه أو كاد ، وكان لباكثير فضل الريادة في ابتداعه واكتشافه ، وفي إرساء بعض ملامح عروضه ، ثم جاءت الشاعرة الكبيرة نازك ، فأفاضت فيه ، وقعّدت عروضه .
وشعر التفعيلة هذا ، " يختلف اختلافاً أساسياً عن الطريقة التي سلكها كثير من الشعراء المحدثين كالزهاوي وأبي حديد وغيرهما ممن أسموه الشعر المرسل ؛ فالنظم على طريقتهم لا يختلف عن النظم العربي القديم إلا في إرساله من القافية . " (3)
وهذا ما ذهب إليه الدكتور عز الدين إسماعيل في التعليق على شعر شكري .
زعمت وأزعم وأصر على أن باكثير كان الأسبق إليه تاريخياً من كل الشعراء الآخرين .
السياب نفسه ، رحمه الله ، اعترف بريادة باكثير ، وأثنى عليه . ومحاولة تمييع سبقه فاشلة ، وتفتقر إلى الخوف من الله ، ثم من التاريخ وإلى الضمير العلمي ، والحس الخلقي ..
ولعل الدكتور لم يقرأ ما كُتب في حينه في مجلة الآداب ( التي يختلف مع صاحبها في توجهه الفكري ) وفي مجلة الأديب اللبنانية ، عن باكثير وريادة شعر التفعيلة سلباً وإيجاباً .. وأظنه قرأ ( وهو القارئ النهم كثير الاطلاع ، المختص بالأدب الحديث ، وليس كهذا العبد القليل الاطلاع على ما يكتبه الكاتبون ) .. أقول : لعله اطلع على ما كتبه الباحثون الذين نسبوا الريادة لباكثير ، وأذكر منهم للدكتور الكبير :
- الدراستين الطويلتين للناقد الكبير الدكتور عز الدين إسماعيل في مجلة ( المسرح ) القاهرية، في العددين : 70 و 71 لعام 1970 .
قال الدكتور عز الدين إسماعيل : " ولكن تجربة باكثير لم تقف عند حد التخلص من القافية الرتيبة ، مع الاحتفاظ للبيت الشعري بوحدته ، بل امتدت إلى وحدة البيت نفسه فحطمتها ، واصطنعت –بدلاً منها – وحدة التفعيلة . وهنا تبيّن لباكثير أن أوزان الشعر المعروفة لا تصلح جميعها لهذا الشكل الجديد ، وأنه لا يصلح منها إلا ما كان متجانس التفعيلات ، كالرجز والكامل والرمل والمتدارك ، ومن جهة أخرى ،عرف باكثير بالممارسة أنه لم تعد هناك – عندئذ – ضرورة للالتزام بالسطر الواحد بعدد ثابت من التفعيلات ، فالجملة الحوارية قد تطول وقد تقصر ، وفقاً لما يقتضيه الموقف ، ومن ثم حلت فكرة الجملة الشعرية المنطلقة محل البيت الشعري المغلق .
بهذا الأسلوب ترجم باكثير مسرحية ( روميو وجولييت ) لشكسبير ، فكانت أول عمل شعري كامل يترجم إلى العربية في شعر مرسل منطلق " .
ويقول الدكتور عز الدين إسماعيل – ومعذرة إذا طال الشاهد :
" ويحق لنا هنا أن نشير إلى أن هذه التجربة في مجال الشعر المسرحي قد تسربت فيما بعد إلى ميدان شعر القصيدة .. تسربت إليه بكل أبعادها الشكلية والمعنوية فحركة الشعر الجديدة التي بدأت منذ أواخر الأربعينات في العراق ، والتي امتدت – فيما بعد ، إلى سائر الأقطار العربية ، وما زالت حتى اليوم تنمو وتتطوّر ، لم تحدث في شكل القصيدة في البداية إلاّ ما أحدثه باكثير ، من كسر وحدة البيت ، واطراح القافية بصورتها القديمة ، واتخاذ التفعيلة أساساً للبناء الموسيقي . ومن الناحية المعنوية ، كان الدافع والمبرر لاصطناع هذا الشكل الجديد للقصيدة هو تحقيق التلاحم بين لغة الشاعر وما يجول بنفسه من مشاعر وأفكار ، حتى يصبح الشعر تعبيراً صادقاً عن الشاعر .
وهذا الهدف المعنوي نفسه هو ما تطلبته طبيعة الحوار المسرحي من باكثير " .
ويختم الدكتور مقاله الأول بقوله :
" ومهما يكن من أمر سبق باكثير لحركة الشعر الجديدة ، وتأثر بعض روّادها به ، فإن هذه الحركة تدين بالكثير لتجربته الباكرة في ميدان الشعر المسرحي المرسل " .
- وكتب الدكتور عبد العزيز المقالح – وهو أستاذ وعميد ورئيس جامعة وكاتب وشاعر قدّ الدنيا – كتب مقالة بعنوان : ( باكثير رائد التجربة ، وبطل الانقلاب في الشعر المعاصر ) في العدد الأول من مجلة (الأديب) اليمنية الصادر في ديسمبر 1999 قال في بدايته :
" تقتضي الأمانة الموضوعية ، الإشارة في مدخل هذا الحديث عن باكثير الشاعر إلى أن باكثير رائد الجديد الشعري .. إلخ "
وبعد أن نقل الدكتور المقالح بعضاً من كلام باكثير من كتابه ( فن المسرحية من خلال تجاربي الشخصية ) عن اكتشاف باكثير لهذا النمط الجديد من الشعر قال الدكتور المقالح :
" ذلك هو الاكتشاف الخطير المثير الذي تسبب بعد عشرة أعوام في إيجاد هذا المنحنى الشعري الجديد الذي أحدث انقلاباً في تاريخ القصيدة العربية ، ودفع بأهم المواهب الشعرية العربية المعاصرة إلى اختياره طريقاً حديثاً ومتميزاً وأصيلاً ومتفاعلاً مع حداثة الواقع العربي، ومعبراً عنه ، غير منعزل أو سجين في القوالب التاريخية الجامدة ، ولم تكن ثقافة باكثير التقليدية في منأى عن هذا الاكتشاف المثير ، فقد أمدّته معرفته العميقة بالشعر العربي ، وامتلاكه لخصائصه وأدواته الفنية امتلاك معرفة وممارسة وبقدرة على التجاوز والتفكير في إمكانيات الخروج على القافية أولاً ، ثم على وحدة البيت ثانياً .
وقد ظلت هذه التجربة أكثر من عشر سنوات موضع ريبة وخوف قبل أن تتحول إلى ثورة في شكل الشعر العربي ، فلا أحد يستطيع أن يتصوّر شعراً يقوم على التفعيلة لا على الشطر ، وأن تكون القصيدة منفصلة عن الصورة التي تشكلت بها تراثياً ، وعلى مدى ستة عشر قرناً."
ويتحد ث الدكتور المقالح حديث البصير بما يقول ، عن الشروط الأربعة التي وضعتها نازك للريادة فيقول :
" .. نعود إلى الموضوع الرئيسي في هذا الجانب من البحث ، وهو ريادة باكثير لحركة الشعر الجديدة "
" وقد اعترفت الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة كما اعترف زميلها في الريادة للجديد الشاعر الكبير بدر شاكر السيّاب بالأثر الذي تركته محاولات باكثير ، وبدوره الواضح على التجربة الشعرية الجديدة ، وإن كانت الشاعرة الكبيرة قد عادت فقصرت التأثير العام والشامل على دورها ودور زميلها السياب . وهي ، لكي تحقق لنفسها ولزميلها هذا الدور ، تضع شروطاً أربعة ينبغي – كما تقول – أن تتوافر لكي تعتبر قصيدة ما أو قصائد ، هي بداية هذه الحركة . والشروط الأربعة هي :
1- أن يكون ناظم القصيدة واعياً إلى أنه قد استحدث بقصيدته أسلوباً وزنياً جديداً سيكون مثيراً أشدّ الإثارة حين يظهر للجمهور .
2- أن يقدم الشاعر قصيدته تلك ( أو قصائده ) مصحوبة بدعوة إلى الشعراء ، يدعوهم فيها إلى استعمال هذا اللون في جرأة وثقة ، شارحاً الأساس العروضي لما يدعو إليه.
3- أن تستثير دعوته صدى بعيداً لدى النقاد والقراء ، فيضجون فوراً ، سواء أكان ذلك ضجيج إعجاب أم استنكار ، ويكتبون مقالات كبيرة يناقشون فيها هذه الدعوة .
4- أن يستجيب الشعراء للدعوة ، ويبدؤوا فوراً باستعمال اللون الجديد ، وتكون الاستجابة على نطاق واسع يشمل العالم العربي كله . (4)
يقول الدكتور المقالح تعقيباً على هذه الشروط : " ولن أتردد عن القول بأن هذه الشروط الأربعة لا تنطبق على أحد من الرواد ، أو على من اصطلح على تسميتهم برواد القصيدة الجديدة ، كما تنطبق على الشاعر علي أحمد باكثير .. فإن تجربة باكثير رائدة ، ومثيرة بكل المقاييس ، وتحت كل الشروط . "
ويختم الدكتور المقالح مقاله البديع المنصف بقوله الذي نؤمن به ونردده على مسامع الناس، وخاصة المثقفين منهم :
" لقد تطاول علينا ليل العصر الحديث ، لكننا ما نزال لأهلنا محبين ، وبهم مشفقين ، إلا أننا نحب الحق ونكره التعصب " .
وكتب الدكتور نذير العظمة مقالاً مهماً حول هذا الموضوع في مجلة الفيصل ، في العدد 107 بعنوان : ( علي أحمد باكثير وريادة الشعر الحر ) أدعو الدكتور إلى الرجوع إليه وإلى أطروحة الدكتوراه للدكتور العظمة ، أو ما نشر منها في اللغة العربية .. جاء في المقال :
" إلا أن ريادة هذا النوع الشعري ليست لنازك الملائكة ولا لبدر شاكر السيّاب كما يعترف هو نفسه في واحدة من مراسلاته لمجلة الآداب عام 1954 " .
ويقول :
" وتجربة باكثير تجربة كاملة ، رغم أن شرارة البداية فيها كانت ترجمته لرواية ( روميو وجولييت ) لشكسبير ثم في مسرحيته الشعرية المرسلة الجيدة ( إخناتون ونفرتيتي ) التي أنجزها بما لا يقل عن عقد من السنين لمحاولات بدر شاكر السيّاب وجيله " .
ويخلص الدكتور العظمة إلى القول :
" وعلى هذا ، فالتجربة ، والظاهرة ، ظاهرة الشعر الحر كما شاعت ، وكان حقاً أن تسمى بالمنطلق ، كما ذهب إليه أصل المصطلح بالإنجليزية ، وتمسك به السياب نقلاً عن باكثير . هذه التجربة واضحة الانتماء إلى بدايات علي أحمد باكثير "
" إذن ؛ فريادة النظام الجديد في بنيته الإيقاعية المولدة لحركة الشعر الحر لم تكن لشعراء العراق أو مصر أو الشام ، بل لشاعر من حضرموت " .
" نازك الملائكة ، رغم أنها في قصيدتها ( الكوليرا ) أطلقت البحر نفسه ( المحدث ) الذي أطلقه باكثير في مسرحيته ، تزعم بداية مستقلة تبرر اعتقادها أنها مكتشفة ورائدة ، والحيدري لا يقول شيئاً لكن بدر شاكر السيّاب أبكرهم إلى المحاولة والتجربة الجديدة يعترف بفضل باكثير . "
ثم يقول :
" هذه التجربة التي كان لها أكبر الأثر في شعرنا العربي الحديث والمعاصر ، تمت إذن على يد شاعر حضرمي من الجزيرة العربية ينزل في القاهرة . "
والكاتب يشير إلى ما نشره السياب في مجلة الآداب ، العدد السادس ( حزيران 1954 ) :
" وإذا تحرينا الواقع ، وجدنا أن الأستاذ علي أحمد باكثير هو أول من كتب على طريقة ( الشعر الحر ) في ترجمته لرواية شكسبير ( روميو وجولييت ) . "
وكتب الأستاذ الناقد كمال النجمي في مجلة ( المصور ) المصرية ، في العدد 2273 تاريخ 3 من أيار ( مايو ) 1968 بمناسبة صدور الطبعة الجديدة من مسرحية ( إخناتون ونفرتيتي ) وتحت عنوان : ( مخترع الشعر الجديد يعيد تسجيل اختراعه ) :
" .. فإذا قلنا إن الشعر الجديد له مخترع ، وإن هذا المخترع قد سجّل اختراعه سنة 1938 ثم عاد في سنة 1968 فسجّل اختراعه مرة ثانية ، لكيلا يجرؤ أحد ، فيدّعي ملكية هذا الاختراع .. "
" وتمّ له – لباكثير – هذا الاختراع منذ ثلاثين عاماً ، في هدوء ، وبساطة ، ولا مبالاة ، قبل أن يفكر فيه أو في مثله أحد من شعراء مصر والبلاد العربية كلها ..
ثم رأى – باكثير – أن ( المخترعين ) قد تكاثروا على اختراعه ، كلّهم يدعيه لنفسه ، ويلصق اسمه ولقبه على أبرز مكان منه ، فنهض باكثير كالأسد الغيور يدافع عن اختراعه، وأصدر طبعة جديدة من مسرحيته الشعرية ( إخناتون ونفرتيتي ) أعلن فيها بصراحة لا تدع مجالاً للشك ، أنه هو – دون سواه – صاحب هذا الاختراع .
بدأ باكثير اختراعه عندما ترجم ( روميو وجولييت ) لشكسبير شعراً عربياً منذ اثنين وثلاثين عاماً أو أكثر قليلاً ..
" ولكن هناك من يقول : لقد سبقه إلى هذه الطريقة جميل صدقي الزهاوي في العراق ، ومحمد فريد أبو حديد في مصر .. ويردّ باكثير قائلاً :
" إن النظم على طريقة الزهاوي وأبي حديد لا يختلف عن النظم العربي القديم إلا في إرساله من القافية ، وإذا اتفق أحياناً أن البيت ليس وحدة من حيث المعنى أو الإعراب ، فإنه ، على أي حال ، يكون وحدة مستقلة من حيث النغم الموسيقي ، أي أن النظم لا يطرد في بيتين ، بل ينقطع عند نهاية البيت الأول ، ويبتدئ من جديد في أول البيت التالي.. وهكذا .
ويؤكد باكثير : " في نظري أن هذه الطريقة الجديدة لم يسبقني إليها أحد " .
ويقول باكثير :
" هذه مسرحية إخناتون ونفرتيتي .. صارت نقطة انقلاب في تاريخ الشعر العربي الحديث كله ، فقد قدر لها أن تكون التجربة الأم فيما شاع اليوم تسميته بالشعر الحر ، أو الشعر التفعيلي ، وأسميته أنا قديماً ؛ الشعر المرسل المنطلق .. تجربة ظهر صداها أول ما ظهر في العراق لدى الشاعرين المجددين الكبيرين : بدر شاكر السّيّاب ونازك الملائكة بعد انطلاقها بعشرة أعوام ، ثم ما لبث أن شاع هذا الشعر الجديد في العالم العربي كله " .
ويتابع الأستاذ النجمي :
" وما زال باكثير يجد في قلبه برداً وسلاماً مما كان يسمعه أو يتلقاه من الشاعر بدر شاكر السيّاب من كلمات تؤكد اعتراف هذا الشاعر المجدد الكبير بسبق باكثير إلى ( اختراع ) الشعر التفعيلي .. فإن شهادة السياب في هذا المقام فوق جميع الشهادات ، لأنه الشاعر الذي زعم له كل النقاد تقريباً – وإن لم يزعم لنفسه – أنه ( باكثير ) الأب الشرعي للشعر التفعيلي بصورته التي نطالعها الآن . "
يقول باكثير : " كان الشاعر السياب – رحمه الله – يذكر لي هذا السبق في كلمات الإهداء التي كان يخطها على كتبه المهداة إلي " .
- وانظر مقال النجمي في كتاب ( علي أحمد باكثير في مرآة عصره ) تأليف الدكتور محمد أبو بكر حميد ص106-107-108 وهو بعنوان: ( الحضرمي الأندونيسي شاعر المسرح المصري ) ففيه شفاء لصدور الباحثين عن الحقيقة .
- وكذلك ما كتبه الأستاذ أحمد فضل شبلول في مجلة ( إبداع ) اللبنانية – العدد 2877 بتاريخ 8/11/1994 تحت عنوان : ( علي أحمد باكثير ابتكر الشعر الحر ، ثم انصرف إلى النثر ) .
- ويقول الدكتور محمد عبد المنعم خاطر في مقاله ( علي أحمد باكثير وبداية الشعر الحر : إخناتون ونفرتيتي ) المنشور في مجلة ( الكاتب ) العدد 206 مايو 1978 :
" وفي هذه الدراسة نعرض لأخناتون ونفرتيتي وللون آخر يعتبر امتداداً للشعر المرسل ، وتطويراً له ، هو الشعر الحر . ونتفق هنا مع باكثير في ريادته لهذا اللون ، تلك الريادة التي سبقت زمنها بعشر سنوات على الأقل ، سبقت محاولات بدر شاكر السّيّاب ونازك الملائكة وصلاح عبد الصبور وغيرهم من الشعراء المجددين وفي سبيل ذلك ، قمنا بتحليل وافٍ عن أول عمل من هذا اللون هو مسرحية أخناتون ونفرتيتي "
وقال الأستاذ محمد الحسناوي في كتابه القيّم : ( الفاصلة في القرآن ص 368 ) :
" إن الأديب الكبير علي أحمد باكثير تلميذ نابه من تلامذة القرآن الكريم ، يشهد له بذلك أدبه الإسلامي الضخم في المسرح والرواية والشعر ، كما يشهد له نقاده ، وهو رائد الشعر الجديد بلا منازع ، فقد ترجم مسرحية ( روميو وجولييت ) على شكل الشعر الجديد عام 1935 ثم كتب بعدها مسرحية ( أخناتون ونفرتيتي ) على الشكل نفسه عام 1938 قبل أن يعرف أي من أعلام هذا الشعر كنازك الملائكة "
- والدكتور عبد القادر القط في محاضرته التي ألقاها بمقر ( جمعية محبي الفنون الجميلة)
في القاهرة ، فجّر مفاجأة كبيرة إذ اتهم كلاً من الشاعرة نازك الملائكة والشاعر بدر شاكر السيّاب بالتقليدية والسباحة في أمواج الرومانسية ، وبأنهما لم يأتيا بالجديد الذي يجعل منهما رائدين لشعر التفعيلة .. ثم قال :
" أما علي أحمد باكثير فقد سبق إلى الشعر الحر ، مقدماً لمسرحيته ( أخناتون ونفرتيتي ) بما أسماه ( النظم المرسل ) . "
ويتابع الدكتور القط :
" ويقول في تقديمه لهذه المسرحية :
" لما ترجمت ( روميو وجولييت ) استعملت هذا النظم المرسل المنطلق كما عليه الأصل، إذ اهتديت إلى أنه الأصلح لترجمة شكسبير إلى العربية ، وقد وجدت أن البحور التي يمكن استعمالها على هذه الطريقة ، هي البحور التي تفعيلاتها واحدة مكررة ، ثم لاحظت أن أصل هذه البحور هو المتدارك ، فالتزمته في ترجمة هذه المسرحية ، وهو أيضاً الأساس الذي اعتمد علبه الشعراء المحدثون رواد الشعر الحر في اجتراحهم للنوع الجديد من الشعر " . (5)
وانظر ما كتبه الدكتور محمد أبو بكر حميد في العدد الأول من مجلة ( الأديب ) اليمانية تحت عنوان : ( علي أحمد باكثير بين خذلان اليمين وحرب اليسار.. سنوات الانتشار والازدهار ) . ففيه القول الفصل في ريادة باكثير .
- وكذلك أقرّ له بالريادة الأستاذ عباس خضر في مجلة ( الثقافة ) القاهرية ( 4/52 ) يناير 1978 ص 40 وكتاب ( علي أحمد باكثير في مرآة عصره ) للدكتور محمد أبو بكر حميد ص62 .
- وكذلك الدكتور محمد أبو بكر حميد في مقاله في مجلة الفيصل العدد 168 .
- وكذلك الأستاذ عبد الحكيم الزبيدي في مقاله ( فلسطين في شعر باكثير ) المنشور في مجلة (فلسطين المسلمة) عدد آب 1991
- وكذلك الأستاذ محمد الحسناوي في كتابه ( في الأدب والأدب الإسلامي . ص263 ) .
- وانظر مقال الدكتور عبده بدوي الموسوم ب ( التجديد العروضي عند علي أحمد باكثير المنشور في المجلة العربية العدد 211 يناير 1995
- وكذلك ما كتبه الأستاذ حسن محمد كتبي في مقاله ( باكثير وذكرياته في الطائف ) في كتاب : ( علي أحمد باكثير في مرآة عصره . ) تأليف الدكتور محمد أبو بكر حميد ص19
- وكذلك ما كتبه الأستاذ أنور الجندي في كتاب الدكتور محمد أبو بكر حميد ص 57
- وما قال الأستاذ الأديب الإعلامي فاروق خورشيد في الكتاب آنف الذكر ص96
- وانظر كتاب :
( اليهود في مسرحيات شكسبير وباكثير تأليف الدكتور عدنان محمد وزان ص142و150
وانظر مقدمة ديوان : أزهار الرُّبى في شعر الصبا لباكثير . تحقيق وتقديم ومقدمة الدكتور محمد أبو بكر حميد : 15
وما كتبه الدكتور أحمد عبد الله السومحي في كتابه :
( علي أحمد باكثير حياته . شعره الوطني والإسلامي ص67
وانظرما كتبته الباحثة الأستاذة مديحة عواد سلامة في رسالة الماجستير بعنوان : ( مسرح علي أحمد باكثير - دراسة نقدية. بإشراف الدكتورة : سهير القلماوي .
وانظر ما كتبه الأستاذ أحمد الجدع في كتابه : ( علي أحمد باكثير شاعر من حضرموت ) ص 14و17-29 .
- وكذلك ما كتبه الدكتور محمد صالح الشنطي في كتابه القيم : ( في الأدب الإسلامي : 421 )
- وكذلك الأستاذ محمد بركة في مقاله المعنون بـ( على أحمد باكثير .. أديب كتب تحت راية القرآن ) المنشور في جريدة الشرق ، بتاريخ 20 كانون الثاني / يناير 1999 . فقد اعتبر تجربة باكثير في ترجمة روميو وجولييت أول تجربة في الشعر المرسل ، ثم في إخناتون ونفرتيتي .
- استنكر الدكتور محمد أبو بكر حميد إنكار ( الآخرين ) ريادة باكثير للشعر الحر . في مقاله ( ثلاثة أدباء عرب قتلهم النقاد في حياتهم ) (6) .
- اعترف المحرر الأدبي في مجلة الطليعة القاهرية في مقاله ( باكثير من الريادة إلى الانتكاس ) في العدد 12 السنة الخامسة عدد ديسمبر 1969 اعترف بريادة باكثير للشعر الحر ، وقال :
" ولم تقتصر محاولة باكثير في تجديد الشكل الشعري على الترجمة فحسب ، بل أعاد المحاولة في مسرحية كاملة من تأليفه هي ( نفرتيتي وأخناتون ) اسمها الصحيح : (أخناتون ونفرتيتي )
ولم يكن التجديد الشعري الخالص هو ( تجربة ) باكثير في هذه المسرحية وغيرها ، وإنما كان تجديداً لروح المسرح الشعري الذي توقف عند شوقي وعزيز أباظة "
- ويقول الأستاذ إبراهيم الأزهري في مجلة الطليعة القاهرية ، في العدد الثاني (فبراير 1970 ) :
" ومن هنا يمكن القول بأن باكثير – رغم عملية التجهيل السائدة في هذا المجال - هو المجدد الحقيقي للشعر العربي ، ذلك لأنه بضربة واحدة استطاع أن يصل إلى التفعيلة الواحدة ، وأن يكتب بإمكانياتها الغزيرة . " .
وقد جمع الدكتور الدكتور محمد أبو بكر حميد عدداً من المقابلات التي أجريت مع باكثير وحققها ، وعلّق عليها في كتابه ( علي أحمد باكثير من أحلام حضرموت إلى هموم القاهرة ) ، وفيه الكثير مما يمكن الاستشهاد به في هذا المقام ، كقول الأديب الإعلامي الشاعر المبدع فاروق شوشة سائلاً باكثير عبر إذاعة البرنامج الثاني في القاهرة في5/11/1966 :
" في الحقيقة – أستاذ باكثير – يمكن أن تكون التجربة الأهم هي مسرحية ( أخناتون ونفرتيتي ) التي يؤرخ بها بداية حركة الشعر الحديث في الأدب العربي ، لأنها تعد أول كتابة عربية بالشعر الحر . " ص 133 .
وعدّ الأستاذ شوشة كتابة أخناتون ونفرتيتي بالشعر التفعيلي قد فتحت أفقاً كبيراً في الشعر العربي ،وأفقاً كبيراً في المسرح الشعري العربي . ( نفسه : 137)
وكذلك كان رأي الأستاذ شوشة في المقابلة التلفزيونية مع باكثير في تلفزيون الكويت في 6/4/1969
وجواباً لسؤال الدكتور نجم عبد الكريم في إذاعة الكويت في 10/6/1968 :
" إن ترجمتك لمسرحية ( روميو وجولييت ) وترجمة المرحوم محمد فريد أبو حديد لمسرحية ( ماكبث ) لشكسبير بالشعر المرسل كانت من أهم الإرهاصات التي سبقت حركة الشعر الحديث المتحرر من القافية والكثير من الأوزان والقيود . لماذا هذا النمط من الشعر ؟ "
أجابه باكثير :
" يجب التفرقة بين ما حاولته أنا في الشعر الحر ، أو الشعر المرسل ، وبين ما حاوله المرحوم الأستاذ محمد فريد أبو حديد .
الأستاذ محمد فريد أبو حديد كان من أوائل الناس الذين جربوا هذا النوع من الشعر ، ولكن تجربته تختلف عن التجربة التي قمت بها – بعده - بكثير . التجربة التي قام بها هي أنه أرسل الشعر من القافية ولكنه التزم حدود الشعر القديم . كل ما هنالك أنه أرسل الشعر من القافية ، أما الذي قمت به ، فهو التجربة الأم لهذا الشعر المرسل أو الشعر الحر الذي انتشر فيما بعد في العالم العربي واحتذاه أول من احتذاه الأستاذ بدر شاكر السيّاب ونازك الملائكة ص164
حشدت كل هذه الاستشهادات إرضاء لخاطر الدكتور ، حتى تهدأ بلابله ، حين يعلم أن هناك مقالات ودراسات كثيرة ، وهي أخوات للمقال ( يتيم دهره ) كلها أثبتت الريادة للشاعر والمسرحي والروائي الحضرمي الكبير علي أحمد باكثير وليست لسواه من شعراء العربية في العراق وسواه ..
نم قرير العين يا دكتور ، ودع عنك التعصب لهذا وذاك من شعراء العراق ، فالحق أحق أن يتبع ، كما تعلم ..
وأخيراً أحب أن أذكر نفسي ومن يشاء أن يتذكر بقول الأديب الكبير الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله :
" والثواب وحده الذي يبقى ، على حين يفنى الإعجاب ، وتذهب الأموال ، ويعود إلى التراب ما خرج من التراب ، ولدعوةٌ واحدةٌ لي بعد موتي ، من قارئ حاضر القلب مع الله ، أجدى علي من مئة مقالة في رثائي ، ومئة حفلة في تأبيني ، لأن هذه الدعوة لي ، أنا ، والمقالات والحفلات لكتّابها وخطبائها ، وليس لي فيها شيء . اللهم إني أستغفرك وأتوب إليك ، وأسألك حسن الخاتمة والوفاة على الإيمان . "
وصلى الله على سيّدي وقائدي محمد وعلى آله وصحبه ، ومن سار على دربه إلى يوم الدين .
ـــــــــــــــــــــــــ
الهوامش
1- من شعر الإمام الشافعي رحمه الله تعالى
2- نازك الملائكة : قضايا الشعر المعاصر : 58
3- باكثير : إخناتون ونفرتيتي : ط2 – ص13
4- قضايا الشعر المعاصر : 16
5- جريدة ( المدينة المنورة ) بتاريخ 28/1/1421هـ
6- جريدة الخليج . في 2/10/1988
وسوم: العدد 795