"عناق الأصابع" لعادل سالم
"عناق الأصابع" لعادل سالم
عناق التوثيق والخيال الأدبي
إبراهيم جوهر –القدس
يقدّم الكاتب عادل سالم في روايته (عناق الاصابع ) توثيقا للحركة الفلسطينية الاسيرة معدّدا أسماء أبطالها الذين ذاقوا مرارة الاعتقال فصمدوا من أجل الاعتراف بهم كأسرى حرب وفق القانون الدولي . ويتطرق بإسهاب الى تجربة معركة الأمعاء الخاوية وشهدائها ، منتقدا في مقارنة فنية لافتة التغيّر الحاصل على القناعات الفكرية والوطنية في شخصياته التي أنطقها مستعينا بخيال أدبي وفّر له التشويق والمتعة بعيدا عن فخ التوثيق الهادئ ، رغم حرارة التجربة الاعتقالية المعبّر عنها .
زاوج الكاتب في روايته بين الوثيقة التاريخية للمرحلة الاعتقالية ، وقصة حب جارف غريب بين الفتاة خولة والأسير على النجار . تلك التجربة التي تتكلل بالزواج في المعتقل انتظارا لإتمامه حين الخروج الى بر الحرية . وهو يشير في أكثر من موضع في الرواية الى الروح المعنوية العالية الواثقة بأن الثورة لن تترك مناضليها في السجون ، ولن تتخلى عنهم ...ليبدأ بتوجيه الانتقاد الى الصفقات التي استثنتهم فعلا ، وصولا الى اتفاق أوسلو . لتكون واقعة الاغتيال بصاروخ استهدف سيارة الزفاف . نهاية مأساوية لقصة عشق وانتظار فلسطينية ، كان مهد لها الكاتب في ثنايا الرواية التي لم توفّر للعاشقين الغريبين(!!) فرصة اكتمال اللقاء ، أو الحديث إذ كان الجندي ينهي الزيارة لتبقى الأحلام معلقة في الخيال .
(عناق الأصابع ) إشارة الى الشبك الفاصل بين المعتقل وذويه وقت الزيارة . هذا الشبك ذاته شهد عناق أصابع المحبين ، والآباء والأمهات . ولم يكن مهيّأ ليشفي الغليل بقدر تخصيصه للتنغيص وإشعار المعتقل بواقعه الصادم .
يسجّل للرواية موقفها من المرأة . فقد انتصر الكاتب للمرأة ؛ أما ، وعشيقة ، وأختا ، وزوجة ، وطالبة . وأومأ الى ضرورة منحها حقها في الحياة والمساواة بلا تفريق مع الذكر .
وانتقد الكاتب التغيّر الحاصل على معتقدات اليساريين في المجتمع الذين يتخلون عن مبادئهم ورؤاهم وأحلامهم التي بشروا بها لصالح التوجه الى الكسب المادي ، وكأنه يقارن بين المادة والفكر لصالح الفكر ، لأننا وجدناه هازئا ولائما لمن يعجبون بالنقلة الجديدة تحت ذرائع التطور والتغيّر ...
هكذا تغيّر فلاديمير الروسي ، وعمران الفلسطيني ، والثوار الذين كانوا يعملون في الثورة قبل العودة الى الوطن ، وهكذا انهار الاتحاد السوفيتي نفسه .
(عناق الأصابع) رواية جريئة في طرح قضاياها ، وانتقادها . وهي تضيف الى الأدب الذي يوثق لتجربة الاعتقال بعدا مهما بأشخاصه ، وأحداثه ، ومواقف أصحابه .
إنها تعانق التاريخ بالمتخيل الواقعي ، لتكون الملحمة الفلسطينية التي لم تنته بعد .
ولعل مخرجا سينمائيا يختارها لإخراجها سينمائيا .
لقد أحسن الكاتب صنعا حين استعان بلغة المونولوج العاطفية لشخصياته ، وفي استخدامه لتقنية المونتاج الفني ، وفي نقل قارئه من أجواء السجن الى البيوت وشوارع القدس ومستشفياتها وصحفها .
لقد زاوج بين الواقع الذي يوثق له والخيال الأدبي الذي يقول فيه رسالته : هذا هو العرس الفلسطيني الذي لا يلاقي فيه الحبيب حبيبه الا شهيدا أو اسيرا ، كما قالها من قبل (أديب نحوي ) في (العرس الفلسطيني) .
صدرت الرواية عن دار شمس للنشر والتوزيع ، القاهرة ، سنة2010 م.