ملحمة أرض الرسالات
مبارك عبد الله
دأب عدنان النحوي الأديب والكاتب الإسلامي المعروف على تأصيل فن "الملحمة الشعرية" في الأدب العربي المعاصر، ورسم ملامحها تنظيراً وتطبيقاً. فأخرج مجموعة من الملاحم استقى مضمونها من التاريخ الحديث للمسلمين مثل ملحمة الأقصى وملحمة فلسطين وملحمة الغرباء، وملحمة المسلمين في الهند، وملحمة البوسنة والهرسك، وملحمة الجهاد الأفغاني وملحمة الدرة.. وتأتي هذه الملحمة "أرض الرسالات، ضمن هذا السياق الذي يشق طريقه في عالم الأدب والشعر راسماً السمة المميزة للمسلمين في إبداع أدبائهم في العصر الحديث.
يعد النحوي الملحمة فناً شعرياً أصيلاً في أدبنا العربي له سماته، ويدلل على ذلك بأصالة كلمة الملحمة في لغتنا ونصوصنا الأدبية ومناهلها، وهي ليست بالضرورة أن تكون عل غرار الملاحم لدى الشعوب الأخرى من حيث الطول والاعتماد على الأساطير، ووحدة الوزن والقافية والاقتصار على موضوع الحرب، بل الملحمة في الشعر العربي الملتزم بالإسلام تحمل الخصائص الآتية بإيجاز:
1- فصلها عن اليونانية وآدابها.
2- أن تنبع من طبيعة اللغة العربية والتاريخ الإسلامي.
3- عدم التقيد بالطول الكبير.
4- أن يكون لها تعريف فني محدد شكلاً وموضوعاً.
5- الحفاظ على المستوى الفني المطلوب في الشعر.
وخصائص أخرى يطول المجال بذكرها.
ومما لا شك فيه أن سمات أي أدب تؤخذ من واقعه بالاستقراء، فكما لا يصح أن تطبق مقاييس الشعوب الأوروبية من حيث البنية والعادات والرؤى الفكرية والثقافية على الشعوب الأخرى فكذلك لا يمكن مطالبة آداب هذه الشعوب أن تتحلى بسمات آداب شعوب أخرى مختلفة عنها تماماً.
هذا هو موضوع الجزء الأول من "ملحمة أرض الرسالات" أما الجزء الثاني فإنه تطبيق للنظرية التي يقررها الدكتور عدنان النحوي، وقد جعله في ستة فصول وافتتاحية وخاتمة.
ينطلق د. النحوي من وحدة الرسالات ووحدة الأرض ومن ثم فإنه يقوم بجولة أدبية مع ملاحم الأنبياء والرسل عليهم صلوات الله وسلامه من شعوبهم في الدعوة إلى الله سبحانه، موجزاً أهم المواقف، بل بعض المواقف في تاريخ الرسالات في غير ما تسلسل تاريخي دقيق، فقد بدأ بالجزيرة العربية ودعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وغزواته وسراياه، واستعرض عدداً من المواقع والمدن في الجزيرة العربية والرسالات التي قامت فيها.
وفي الفصل الثاني يتحدث عن أرض الرسالات في العراق، فيذكر نوحاً عليه السلام، ودعوته، والطوفان، ثم إبراهيم عليه السلام متنقلاً إلى فلسطين "الخليل" والمسجد الأقصى، وإلى بيت الله الحرام وبنائه ودعائه مع ولده إسماعيل – عليه السلام -.
ويذكر من الرسل في العراق لوطاً ويونس عليهما السلام.
وفي الفصل الثالث يتحدث عن فلسطين وأنها أرض الملاحم الكبرى.
ويتحدث عن عيسى عليه الصلاة والسلام ومسرى الرسول وصلاته بالأنبياء في المسجد الأقصى، ويذكر من الأنبياء أيوب وإدريس وإلياس عليهم السلام.
وقد جعل الفصل الرابع لأرض مصر وموسى – عليه السلام – ومواجهته لفرعون الطاغية، وهامان وقارون.
وخص الشاعر الفصل الخامس لواقع المسلمين، كما خص الفصل السادس لرحلته في أرض الرسالات، وهما فصلان متداخلان إذ من السهل أن نجعل رحلته في أرض الرسالات كاشفة عن واقع المسلمين، إذ نجد الشاعر يقرر ويأسى ويحث المسلمين على النهوض لاستعادة مجدهم الضائع.
لكن مما يلاحظ على الملحمة أنها لم تتناول خط سير الرسالات زمنياً، فهي لم تسر من القديم مثلاً، وقد يكون السبب أن الشاعر جعل العنوان ملحمة أرض الرسالات، فاعتمد المكان في سير الدعوة والرسالات، وهذا يدعوه إلى شيء من التكرار.
فمثلاً إبراهيم عليه السلام كان في العراق والشام ومصر والجزيرة العربية، وموسى عليه السلام كان في مصر وخرج إلى فلسطين ولوط كان مع إبراهيم في العراق وخرج مهاجراً معه إلى الشام ودعوته في فلسطين.
وتتبع الشاعر للمكان جعله يعدد مدناً في الجزيرة العربية ويطيل الوقوف عند بعضها واصفاً طبيعتها مثل الطائف وأبها، وكأنه شاعر الطبيعة بينما تجاوز أموراً مهمة كذهاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لدعوة أهلها، واختبائه في غار ثور بطريق الطائف في يوم الهجرة وحصار الطائف شهراً.
وكذلك ربط بلقيس بأبها لمجرد كونها محطة لهداياها، ولم يذكرها في اليمن موطنها الأساسي، وورد ذكر سليمان عليه السلام تابعاً لذكر بلقيس وكأنها هي الأصل، بينما موضع ذكر سليمان عليه السلام في فلسطين، كما أنه في فلسطين لم يذكر داود ولا زكريا، ولا يحيى عليهم الصلاة والسلام.
وفي رأيي المتواضع كان الأولى أن يكون العنوان "ملحمة الرسالات" فيتبع دعوات الرسل في سياق منتظم ويعنون لأولي العزم من الرسل ويقف من دعواتهم وأحداثهم طويلاً، ويضمن ما بين فصول أولي العزم من الرسل دعوات هود، وصالح، وشعيب ولوط فيقف عندها طويلاً كما فعل القرآن الكريم، ومثل ذلك مع سليمان وداود عليهما السلام ثم يشير إلى من ذكرهم القرآن الكريم من الأنبياء والرسل إشارات موجزة وينهي كل ذلك بدعوة محمد صلى الله عليه وسلم التي هي خاتمة الدعوات والملاحم إلى يوم القيامة.