مسلمون وعرب لا فراعنة

أ.د/ جابر قميحة

[email protected]

لا أملُّ من مشاهدة فيلم "الناصر صلاح الدين"؛ لأنه فيلم رائع "مخدوم" إخراجًا وتصويرًا وتمثيلاً، وقد تسنم فيه الممثل المصري أحمد مظهر القمة في تمثيله شخصية صلاح الدين الأيوبي، ولكن المنطق الروائي في الفيلم ناقَضَ المسيرة التاريخية، والمنطق الواقعي، فمن المسلم به أن الحرب لم تكن بين "العرب" والصليبيين، ولكنها كانت بين "المسلمين" والصليبيين. أولئك المتعصبون المتوحشون الذين اتخذوا من المسيحية ستارًا، زاعمين أنهم ما جاءوا إلا لحماية قبر المسيح، فتصدى لهم صلاح الدين، وهزمهم هزيمة نكراء.

 وكان في جيوشه عدد كبير جدًّا من المسلمين التراكمة، وذوي الجنسيات غير العربية، وصلاح الدين نفسه لم يكن عربيًا، ولكنه كان كرديًّا.

 مع هذا التاريخ الثابت، واستجابة "للناصرية" وتأثرًا بل استجابة لدعوى "القومية العربية" التي تولى كبرها جمال عبد الناصر... رأينا صلاح الدين الأيوبي يقول بأعلى صوته "الدين لله والوطن للجميع"، وهي "عبارة علمانية" مستحدثة، لا يعرفها الإسلام، ولا يعترف بها.

 رأينا صلاح الدين كذلك في الفيلم لا يتحدث إلا عن صمود العرب، وأرض العرب، وانتصار العرب، ولم تردْ كلمة "المسلمين" مرة واحدة على لسانه، ولا لسان واحد من قواده أو جنوده، بل أُقحم في الفيلم ـ كضابط من ضباط صلاح الدين، شخصية مسيحية باسم "عيسى العوام" بصورة مفتعلة، لإثبات أن الذي انتصر على الصليبية، والصليبيين هم العرب والعروبة، والقومية العربية، لا الإسلام والمسلمون . ولتحترق.. أوراق التاريخ وأوراق الوعي.

 **********

 وفي عهد مبارك المخلوع عشنا خطأ فادحا، بل خطيئة قاتلة ، ما زال لها مكانها المؤسف حتى الآن ، وهي وصف فريقينا المصري لكرة القدم بـ "الفراعنة" في كل وسائل الإعلام المنطوقة والمرئية "الفراعنة يستعدون ... الفراعنة يحققون أكبر الانتصارات .. الشعب يكرم الفراعنة"!!!! .

 لماذا يا سادة ونحن عرب في هويتنا ونسبنا، ولغتنا ؟، ماذا لو استبدلنا كلمة "عرب" بكلمة "الفراعنة".. فتأتي العناوين على النسق الآتي: العرب يفوزون بكأس الأمم الأفريقية؟ سيُعترض على ذلك بالسؤال التالي: أي عرب تقصد؟ فالوصف غير مميز. أقول فليكن الوصف "العرب المصريون" وبالنسبة لسوريا، العرب السوريون، وهكذا.

**********

 وهذه الدعوة "لفرعونية" تفتح الباب ـ على مستوى الوطن العربي ـ إلى دعاوى مشابهة تجري في نفس الفلك، وعلى سبيل التمثيل والافتراض لو أن فريقًا لبنانيًّا أو سوريًّا، فاز بكأس بطولة معينة، لكان من حقه أن يعلن بأن "الفينقيين حققوا الفوز العظيم": والفينقيون أصحاب قوة، وتاريخ وحضارة، امتدت إلى أصقاع الأرض؛ لأنها أول أمة بحرية في التاريخ، ولهم عراقة في التجارة والريادات البحرية.

 وكان من حق العراقيين أن يعلنوا ـ في حالة الفوز ـ "البابليون أو الآشوريون يفوزون بالبطولة". علمًا بأن آشور هي أول دولة قامت في شمال بلاد ما بين النهرين، وكانت دولة عسكرية لها إنجازات معمارية مشهورة وكذلك في الفن والنقوش ، أي كان لهم إمبراطورية مشهورة معروفة. وهكذا تصبح الأوطان العربية ـ قياسًا على ما فعلنا نحن المصريين ـ مجموعة من الشعوب المنتسبه إلى عهود ما قبل الإسلام... عهود الفينقية والبابلية، والآشورية، وعلى الهوية العربية السلام ... ألف سلام .