امرأة الرسالة والخروج على المألوف

امرأة الرسالة والخروج على المألوف

جميل السلحوت

[email protected]

صدرت رواية " امرأة الرسالة " للأديبة رجاء بكرية عن دار الاداب للنشر والتوزيع في بيروت ، تقع الرواية في 366 صفحة من الحجم المتوسط.

 سبق وان قرأت للاديبة رجاء بكرية رواية " عواء ذاكرة " ولفتت انتباهي بمضمون روايتها الذي تحلى بجرأة لم اعهدها من قبل خصوصا في الكتابة عن العلاقية بين المرأة والرجل، وهذه المرة وانا امام " امرأة الرسالة " وقعت فيما يشبه " الكمين " قادتني اليه رجاء بكرية دون ان تقصد هي ذلك، ودون ان اقصده انا ايضا ، فلوحة الغلاف الخارجي تحمل صورة لامرأة لم استطع ان أتبين ان كانت حاملا أم هي بدينة، أم ملابسها فضفاضة الى درجة أخفت ملامح جسدها ، وامام المرأة كرسي وبعض كتب - ان استطعت تمييز ذلك - وتقرأ رسالة في يديها ، لكن ملامح المرأة لا توحي بأي شكل من الأشكال بانها عربية أو ذات ملامح شرقية ، انها اقرب ما تكون الى رسم النساء في اللوحات الاوروبية في القرون الوسطى أو قبل ذلك .

ثم جاء الاهداء " الى عكا واليك " فمن هي المخاطبة الاخرى بعد عكا ؟؟ هل هي مدينة اخرى أم امرأة اخرى أم ماذا ؟؟ هذا ما لم استطع تمييزه ايضا .

ومع ذلك دخلت صفحات الرواية التي جاءت على شكل رسائل تتحدث فيها الساردة بلغة المتكلم، أو بضمير الأنا ،وفيها من البوح الشيء الكثير . قرأت الرواية من الغلاف الى الغلاف، وأعدت القراءة باحثا عن الحبكة الروائية التي تعودت قراءتها ، فوجدت نفسي امام لغة ادبية جميلة ، وجدت الكاتبة تعزف على وتر جماليات اللغة ، تتلاعب بالمفردات وبالجمل كيفما شاءت، تتلاعب بها بشاعرية واضحة ، تعجن الكلمات فتخرج جملا تفوح منها رائحة الادب، وعبق لغتنا الجميلة ، لكنني لم استطع الامساك بتلابيب أو بطرق بناء الحبكة الروائية التي تعودناها في الادب الكلاسيكي ، أو في ادب الحداثة الروائي . ومع ذلك ما وجدت الفن الروائي الذي تعودته، فهل كل هذا البوح الجميل، وهذا التلاعب بجماليات اللغة في امرأة الرسالة خروج عن الفن الروائي المألوف الذي تعودناه ؟؟؟

في الواقع انه كذلك ، فامرأة الرسالة هي تجريب جديد تخوضه رجاء بكرية، وهذا من حقها ،ومن حق اي كاتب ان يلجأ الى التجريب، وان يخرج عن تصنيفات الالوان الادبية المعروفة، كالقصة والقصة القصيرة جدا والرواية والشعر والمسرحية والخاطرة والمقالة ، ومع ان التجديد في أي شيء مغامرة قد تـُحسب للمجدد أو عليه، الا انه يبقى تجريبا ستثبت الايام ايجابياته أو سلبياته، وانا اتذكر هنا رائعة اميل حبيبي " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل " التي صدرت في بداية سبعينات القرن العشرين، فقد كان خروجا عن المألوف في الفن الروائي العربي، ومع ان الراحل اميل حبيبي كان متأثرا فيها بـ " كنديد " رائعة الفيلسوف الفرنسي فولتير، الا انها لاقت اقبالا واسعا من الادباء والنقاد والقراء العرب ، ولعل شهرة اميل حبيبي كقائد سياسي وحزبي وصحافي واديب متميز قد ساهمت في هذا القبول، بحيث اخضعها النقاد الى الكثير من الدراسات المعمقة وما تبعها لاحقا من ترجمتها الى عدى لغات اجنبية، كنموذج للرواية العربية الابداعية الحديثة .

فهل تجديد رجاء بكرية في " امرأة الرسالة " سيلقى نفس القبول عند النقاد والقراء ؟؟ فهذا ما نأمله خصوصا وان الاحصائيات اشارت الى انها اكثر الكتب العربية مبيعا في باريس على الأقل .

لقد كان واضحا في رسائل " امرأة الرسالة " التركيز على نقطتين ، النقطة الاولى تتمثل حول الفلسطينيين الذين عضوا على تراب وطنهم بالنواجذ، وبقوا في مدنهم وقراهم داخل حدود دولة اسرائيل بعد قيامها المرافق لنكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948 ،وما تعرض له هذا الشعب من قمع قومي وطبقي واضطهاد ديني .فسياسة اسرائيل التي تعاملت معهم ولا تزال معاملة تميزيية وعنصرية واضحة ، مع انهم حسب القانون الاسائيلي نفسه يعتبرون مواطنين اسرائيليين ، بعد ان اصبحوا بقدرة الاستعمار والصهيونية العالمية الى اقلية في وطنهم ، فهم من ناحية مواطنون في دولة اسرائيل، ومن ناحية اخرى هم جزء من شعبهم الفلسطيني وامتهم العربية الذين تحاربهم اسرائيل ويحاربونها ، أو هم كما قال احدهم : دولتي تحارب شعبي وشعبي يحارب دولتي، وهذه الازدواجية بين الولاء للدولة وبين الانتماء للشعب والأمة قد وضعتهم في ازدواجية لم تكن خيارهم ابدا ، وهي مفروضة عليهم شاؤوا ذلك أم أبوا ،والقضية الثانية هي قضية الجنس أو علاقة الرجل بالمرأة ،وقد جاءت في امرأة الرسالة بجرأة متناهية حيث طرحت احتياجات المرأة وعلاقتها بالرجل، وما ينتاب هذه العلاقة من قيود دينية واجتماعية وتربوية .

وهنا لا بد من الاشارة الى ان رجاء بكرية ومن خلال كتاباتها امرأة تحترم انوثتها بشكل فائق، دون الاكتراث بالقيود المفروضة والتابوهات الاجتماعية، فهي تكتب ما تشعر به هي وبنات جنسها، وبعدها فلكل شأنه في كيفية فهمها أو عدم فهمها فكلا الحالتين سيان.