أرتكاتا

أرتكاتا

هشام آدم*

[email protected]

العمل الأول للروائي الشاب هشام آدم

عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام؛ صدر في القاهرة رواية ( أرتكاتا ) للروائي السوداني الشاب "هشام آدم".

(أرتكاتا) الرواية الأولى لـ "هشام آدم" تُعالج حياة كاتب إسباني شاب من خلال تكنيك الاسترجاع. وهي ذات بُعد زمني واحد، هو الماضي، وبوتيرة سرد ذاتي واحدة ثابتة ومستقرة، امتدت في خمسة فصول، وتقع في نحو 134 صفحة من القطع المتوسط. تصميم الغلاف للفنان المصري أمين الصيرفي.

كلمة الغلاف الخلفي للناقد والأديب المصري سمير الفيل، أما تصدير الرواية للناقدة رانيا مأمون فجاء فيه:

( أدهشتني فكرة هذه الرواية القصيرة، فهي فكرة جميلة وجريئة، جميلة لأن الروائي تقمّص هوية كاتب إسباني متناولاً تفاصيل المجتمع الإسباني، وجريئة لذات السبب. أُعجبتُ بجُرأة وقدرة "هشام آدم" على الخوض في الكتابة عن مجتمع ليس مجتمعه، ودين غير دينه، وبيئة غير بيئته، وحتى أسماء غير ما يسميها قومه.

طبعًا هناك كثيرٌ ممنْ كتبوا عن مجتمعات وبيئات وأنماط حياتية غير تلك التي ينتمون إليها أصلاً، كثير من الكُتّاب سودانيين وغير سودانيين معظمهم كتب ـ وهذا ليس بجديد ـ عن شخوص وأبطال إن وجدوا في بيئة ووطن مغاير وتناولوا علاقة هذه الشخوص بالبيئة التي زُرعوا فيها، صدمتهم؛ دهشتهم، وخيباتهم، وصراعاتهم، وعشقهم، أثرهم وتأثرهم بها.

أما "هشام آدم " فنجده انتهج نهج الروائي "محسن خالد" في خرق المجتمعات المُغايرة في رواية (الحياة السِّرية للأشياء) التي دارت في أمريكا وتناولت تفاصيل حيوات ومعاناة مجموعة من الفنانين الشباب البوهيميين الذين يحاولون الحفر على الصخر كي ينقشوا اسمهم على لائحة مغنيي هوليوود وما يترتب على ذلك من فتح للأبواب.

(أرتكاتا) الرواية الأولى لـ "هشام آدم" تُعالج حياة كاتب إسباني شاب من خلال تكنيك الاسترجاع. الرواية ذات بُعد زمني واحد، هو الماضي، وبوتيرة سرد ذاتي واحدة ثابتة ومستقرة، امتدت في خمسة فصول، وأسجل إعجابي الشديد بالعناوين الفرعية للفصول.

يبدأها الراوي "كاسبر أورفل" بمشهد جدته وهي تقبّله بشفتيها الرطبتين، وتدس في يده عملة ورقية ظنها بائسة، وهم ـ الراوي، أمه، وشقيقته ـ في طريقهم إلى "كونيكا"، تتداعى بعدها الذكريات: طفولة شقية متمردة على أعراف العائلة المسالمة والأحمسية، مرحلة جامعية تتخللها مغامرات عاطفية، لتنتهي بـ " كاسبر" وهو وحيد ويتحسر على حب كان بين يديه وأضاعه. من خلال هذه المسيرة يعيش "كاسبر" وسط جو أسري أرستقراطي بارد العاطفة، وعلاقة متوترة مع والده الذي يريده أن يسلك عُرف العائلة، وأن يصبح قسًا من بعده؛ إلا أن هذه لم تكن رغبته.

أجاد "هشام" في تصوير الرحلة من "أرتكاتا" إلى "كوينكا" في الفصل الأول، فالبيئة الخارجية جاءت متوافقة تمامًا مع حالة الراوي النفسية والبدنية، الإسقاط والإحالة على البيئة الصخرية جاءت متقنةً وموفقةً إلى حدٍ كبير: "في الفترات القصيرة والمتباعدة التي كنتُ أفيق فيها من الإعياء، كنت لا أرى عبر نافذة القطار، غير أرضٍ صخرية مجدبة متلائمة تمامًا مع الحمى التي كانت تناوشني طوال الرحلة، الأمر الذي كان يوحي لي دائمًا بأنني قد أموت من العطش".

من العنوان (أرتكاتا) نستقرئ تسجيل "كاسبر" لذكرياته ومحطات حياته الأكثر تأثيرًا: كذبته الأولى، علاقته بالزنجي "اكسمن دو ريجيلو" الذي أثار موهبته الأدبية، حبه الأول "أماتا" الأنثى المُلهِمة، جهاد عوالمة العربي الذي استفزه فقرر أن يقرأ عن الدين الإسلامي، ثم حبه لـ "كارسيس" امرأة حياته وخطبته الفاشلة لـ "ساريسيا".

من خلال هذه المحطات وما يتخللها من أحداث، تتمظهر نزعة إنسانية شفيفة، تستتر أحيانًا وتبين ساطعة أحيانًا أُُخر.

لغة الرواية لغة متماسكة جيِّدة، تبرق من خلالها بعض الجُمل الشعرية التي ينثرها "هشام" من حينٍ إلى آخر في المتن، مثل هذه الجملة التي تصف تسلل خيوط أشعة الشمس من النافذة: "... كأنها يرقات الضوء تتيه من مصدرها في الفراغ قبل أن تنتحر على شيءٍ ما، دون أن تختار مكان انتحارها ولا طريقته". تمثّلت لي صورة ذهنية عن النيازك عندما قرأت هذه العبارة، وكأنه يصف النيازك في رحلة سقوطها من السماء.

فضاء المكان في الرواية جاء متّسعًا، شمل العديد من المدن والأماكن خاصة في الرحلة السياحية، والأحياء، ولكني طمعتُ لو لم يكتفِ الكاتب بملامح فقط عن هذه الأماكن، وإنما يتعداها إلى التفاصيل بحيث تُحقق للقاريء رؤية مكتملة مجسّدة أمام ناظريه.

تماهى الكاتب تمامًا مع المناخ الإسباني؛ إلا أنني تمنيتُ لو أنه صوَّر للقاريء البناء النفسي للشخوص، وحتى البناء المادي لها من شكل وبنية جسدية، كان هذا ليضيف عمقًا وغنًى لها، ويجعلها أكثر إقناعًا وحياة، فقد بدت لي كطيوف وليست كشخصياتٍ ملموسة لها أبعادها، تعيش، تأكل وتشرب وتمارس حياتها.

افتقرت الرواية أيضًا إلى الحوار عدا حوارين: "كاسبر" مع أمه، ومكالمة هاتفية قصيرة، علمًا بأن الحوارات تضيف ديناميكية للمتن وتُغني عن السرد أحيانًا، وتعُرِّف القارئ بفكر وآراء شخوص النص .

تطرَّق الكاتب إلى العديد من القضايا المهمة التي جاءت مكثفة، وكان يمكن تفكيكها وتفصيلها، مثل الحرب الأهلية الإسبانية التي ورد ذكرها أكثر من مرة، والأساطير التي ذكرت منها أسطورة "بوسويل كاستيلو" الذي سيصبح بطلاً ويحرر إسبانيا من المسلمين. وأيضًا علاقة الإسباني بالعربي، والإحساس بأن هذا العربي البدوي استطاع أن يستعمره في زمنٍ من الأزمان، وهذه رؤية من الجانب الآخر يُلفت "هشام" النظر إليها، فنحنُ دومًا ننظر إلى الأشياء من خلال ذواتنا وما يتفق معها، وإغفال ما دون ذلك، ولكنه هنا يُشير إلى غير العربي الذي ما زال يتغنى ويتحسَّر على ضياع الأندلس، كأنه ـ الكاتب ـ يريد أن يقول بأن هناك أشيًا أسبانيًا ما زال يشعر بالمرار من استعمار البدوي له في يومٍ من الأيام.

(أرتكاتا) فكرة برَّاقة أخذت المعالجة جزءًا من هذا البريق، أظهر فيها الكاتب قدرة على التقمُّص في هوية أخرى، هوية إسبانية ربما حاول من خلالها التماس مع إرثٍ ضائعٍ، وربما هو حنينٌ إلى أرضٍ ضائعة، أو هي محاولة لرؤية الفردوس المفقود بعينٍ من الداخل، ليس فقط؛ إنما بعينٍ أصيلة استعادت ما فقدته ذات غزو.

أيًّا ما تكوُن الاحتمالات؛ فإن "هشام آدم" يُنبئ بروائي واعٍ ومبدعٍ من خلال ما قرأت له من نصوص إبداعية أخرى، وأثقُ في قدرته على كتابة أجمل وأجود وأعمق وأكثر ثراءً، وهو حتمًا إضافة إلى تجربة السرد السودانية والعربية؛ لما له من مخطوطات، وما في خاطره من كتابة تتهيأ للمخاض الرَّصين بإذن الله. )

               

*هشام آدم

- روائي وناقد سوداني من مواليد القاهرة، في عام 1974م

- بكالوريوس لغة عربية، جامعة الخرطوم، 1998م

- ماجستير لغة عربية، جامعة الخرطوم 2007م

- البريد الإلكتروني: [email protected]

- الموقع الإلكتروني: http://hishamadam.maktoobblog.com