قراءة نقدية في مسرحية وفاء والرحلة العجيبة

للكاتب: رشي شبلي

عندما يُعلن عن إنتاج مسرحي جديد من تأليف الأستاذ رشيد شبلي، فإنّنا نكون بصدد الاستمتاع بعمل جاد ورصين لا يمكن لنا إلاّ تثمينه والإشادة به.

هذا ما وجدناه في المسرحية الجديدة التي ألّفها الأستاذ وأخرجها عبد الحميد بوحايك، فيما كانت الجهة المنتجة هي المسرح الجهوي لولاية أم البواقي في أول إنتاج له.

والمسرحية التي عنوانها"وفاء والرحلة العجيبة"والتي قُسِّمت إلى ثلاث مشاهد رئيسية واستغرقت قرابة الساعة ، تدور أحداثها بسلاسة وترابط كبيرين وعقدة بسيطة على المشاهد الصغير لا يجد صعوبة في استيعابها، وتتلخّص المسرحية في البنت وفاء التي كانت تلعب مع صديقتها زهرة وأخيها عصام وصديقه سفيان في الحديقة إلى أن ينزل أحد المخلوقات الفضائية الغريبة الأطوار إلى الأرض(الحديقة) فيسخر منه الأطفال خاصة وفاء، ثم يلتحق فضائيون آخرون بالأول ويسأله قائدهم عن تعامل سكان الأرض معه إن كان لائقا، ويجيبه الكائن الفضائي بأنّ وفاء قد أساءت إليه، وهكذا يأخذونها إلى المريخ مختطفين إياها.

تتوالى الأحداث بعد هذا فيظهر" بوناطيرو" العالم الفلكي الجزائري كما جاء في العمل وهو الذي يساعد الثلاثة على الذهاب في المركبة الفضائية إلى المريخ للبحث عن وفاء وإنقاذها. وتدور بعض المناوشات(أو المناقشات) بين سكان الأرض وسكان المريخ لتحرير الفتاة ويطالب المريخيون الأرضيين بأن ينقلوا لهم المياه ليصبح الكوكب الأحمر قابلا للحياة، وهو ما يؤكّد استحالتَه العالمُ"بوناطيرو" ثم يكتشف الجميع أنّ سفيان ترك جهاز التدفئة(والذي حمله على جسده عند صعوده إلى الفضاء كباقي زملائه) وبسبب التيار الكهربائي الذي خرج منه تعرّضت صخرة من صخور المريخ للتفتت وترقرقَ الماءُ فيفرح سكان المريخ فرحا كبيرا ثم يطلبون من العالِم والأطفال أن يعيشوا في كوكبهم بعد توفّر أسباب العيش هناك، فيرفض الجميع لأنّ لهم مهاما في الأرض. وتنتهي المسرحية باتحاد سكان الكوكبين في سعادة غامرة.

وقد بدأ العرض المسرحي بأغنية تشدو بالحياة وانتهى بالأغنية ذاتها وهو الأمر ذاته الذي لوحظ في أعمال شبلي السابقة مثل" أميرة البستان". كما كان الديكور بسيطا وراقيا(منظر جبال ووديان في الخلفية وزهور وكرسي طويل وأرجوحة في الركح) وتميّز بألوان زاهية شجّعت الحضور الذي كان محتشَما وأغلبه من الأطفال على متابعة العمل إلى الآخر.

هذا بشكل مختصر ما يمكن أن يقوله المتفرج على المسرحية ، وهي (من ناحية النص) ذات قيمة كبيرة عند المشاهد حيث حفلت بالإشارات الهامة مثل بعض المعلومات عن الفلك وعلمائه والتي جاءت مستساغة بعيدة عن التكلف أو التلقين والتقريرية  مثال:

-                    من أنت يا عمّي؟

-                     أنا العالم الفلكي الجزائري بوناطيرو.

فجاء التعريف بهذا العالم بعيدا عن التلقين ، والأمثلة على ذلك عديدة (للمريخ قمر واحد...إلخ)

إلاّ أنّ المسرحية في رأينا لا تخلو من بعض ما يجب التنبيه إليه. فمن ناحية العنوان فإننا نجده يتمحور حول"وفاء" كبطلة مطلقة للعمل في حين أننا نجد المسرحية ذات بطولة جماعية لا تختلف فيها وفاء عن غيرها.

إضافة إلى ذلك فـشخصية"سفيان" غير مؤثرة ولا قيمة كبرى لها في العمل حيث لا نجد لها دورا فعّالا فيه عكس شخصية "عصام"فإذا كان وجود عصام مُهمًّا في العمل بما أنه شقيق وفاء ويسعى لاستعادتها فلا نرى لشخصية سفيان ذلك الأثر، عدا كونه صاحب جهاز الكومبيوتر الذي استعمله "بوناطيرو" فيما بعد واستمتع الأطفال بمشاهدة صور المريخ فيه. مما يعطي الانطباع بأهمية الكمبيوتر على الشخصية التي تملكه.

هذا من ناحية التأليف أو النص.

أما من ناحية أخرى فقد ظهرت بعض الهِنات التي ما كان لها أن تُوجّه للطفل ، مثل الرقص المبتذل الذي قام به عصام في المسرحية وهو رقص يصلح لأغاني الراي والأعراس والملاهي لا لمسرحية موجهة للأطفال ، اُستُخدم فيه كل الجسد بما فيه المؤخّرة!!  صحيح أنّ هذا الرقص أضحك الجميع صغارا وكبارا لكنّه كان عكس توجّه المسرحيّة التي أُريد لها أن تكون هادفة. في الوقت نفسه كان ّ رقص زميله سفيان جميلا ومحترما استمتع به الأطفال وإن لم يضحكوا له كما ضحكوا لرقص عصام.

كما ظهر في المسرحية مشكل تقني تمثل في عدم استخدام الستار بين المشاهد ، فالمسرحية يتغير فيها المنظر من حديقة في المشهد الأول إلى الفضاء في الثاني إلى الحديقة ذاتها في الأخير ، وتغيير المناظر يفترض أن يكون بعد أن يسدل الستار بين المشاهد وهو ما لم يحدث.

هذا الأمر جعل المشاهدين يرون التقنيين وهم يدخلون إلى الركح ويُغيّرون الديكور وهو ما أضفى نوعا من الشعور بعدم الرضا في هذا الباب، فللركح قدسيته أثناء العرض ويجب ألاّ يظهر للمتلقّي سوى أبطال العرض وهم يؤدّون أدوارهم.

هذا بالإضافة إلى أنّ الخلفية التي تمثّل جبالا ووديانا قد قُسِّمت إلى قسمين كبيرين يُبديان المنظر الجميل عندما يلتصقان ببعضهما البعض، إلاّ أنّ التقنيين وعند نهاية المشهد الثاني وأثناء تغيير منظر الفضاء إلى منظر الحديقة أغفلوا إرجاع النصفين متلاصقين كما كانا وبقي النصفان متباعدين.

وهذه النقطة الأخيرة هِنة أو هفوة  بسيطة لا تؤثّر في العمل وجودته رغم أنّ تلافيها كان ميسورا بانتباهة صغيرة من التقنيين.

في نقطة أخرى نريد الحديث عنها وهي مستوى أداء الممثلين، فقد ظهر جليا إبداع الممثلة التي قامت بدور وفاء في أداء دورها كما تميّز صاحب دور عصام في أداء دوره وهذا الأخير(رغم رقصه المبتذل) جلب الكثير من الانتباه، وكان السبب الرئيس في جرعة الضحك الكبيرة التي كانت على أفواه المشاهدين.

لقد أبدع المسرح الجهوي لولاية أم البواقي في تقديم هذه المسرحية وكان مديره الفنان لطفي بن سبع عند وعده عندما عاهد الجميع على تقديم أعمال جيّدة في المسرح وما نأمله نحن أن تواصل المؤسسة المذكورة عملها الجاد وألاّ تركن للصمت بعد عمل أو عملين كالكثير من مؤسساتنا الثقافية.

في الأخير نقول: هنيئا لعين البيضاء بكاتبها الأستاذ شبلي وبعودته بعد مدة طويلة من الانقطاع عن تقديم الجديد وهنيئا للمسرح الجزائري بهذه المسرحية.