النص القرآني عند محمد شحرور 20
الفصل الرابع: القصص القرآني عند شحرور
ياسين سليماني
[email protected]
المبحث الأول: آراء شحرور في القصص القرآني
تكتسي القصة القرآنية أهمية كبرى، حيث شغلت القسم الأكبر من كتاب الله تعالى (ما
يقارب الربع إن لم يزد عليه) ولا غرو في ذلك، إذ أن القصة القرآنية لم تأت لتقرر
هدفا واحدا، بل كانت أهدافها العديدة من تربية للنوع الإنساني وترسيخ العقيدة في
النفوس، والسمو بالإنسان، وتقرير الكثير من الحقائق العلمية المتعلقة بالكون
والإنسان، وركزت القصة في التنزيل الحكيم تركيزا كبيرا على ما يضمن للمجتمع سعادته
وسلامته في حياته وآخرته، هذا إضافة إلى ما فيها من رونق الأسلوب وبديع النظم وجمال
الصورة.(1) وهذه القصة أو تلك مما ذكره الله تعالى في تنزيله الحكيم ترد
كجزء من نسيجه الديني، بمعنى أنّ القصة القرآنية ليست عملا فنيا مستقلا في موضوعه
وطريقة عرضه وإدارة حوادثه شأن القصة الفنية الحرة إنّما ترد مقيدة بغرض ديني، وترد
أساسا للدعوة ولقد كان المفروض طبقا لهذا التقيد أن تجئ القصص خالية من القيمة
الفنية(2)، إلاّ أننا نرى خلاف ذلك، فالقرآن حين يعرض قصة ما نراه يأخذ
مواد القصص من أحداث التاريخ ووقائعه، ولكنه يعرضها عرضا أدبيا ويسوقها سوقا عاطفيا
يبين المعاني ويؤيد الأغراض ويؤثر بها التأثير الذي يجعل وقعها على الأنفس وقعا
استهوائيا يستثير منها العاطفة والوجدان.(3)
يقول محمد الغزالي:" القصص في القرآن أوسع أبواب الكتاب الكريم لأن هذا القصص هو
ماضي الإنسانية، ولو فقدت أنا ذاكرتي أكون نصف مجنون، وسينتهي بي الأمر إلى الجنون،
والإسلام اعتبر أنّ التاريخ الماضي هو عقل الإنسانية فاستصبحه بكل ما فيه، والقرآن
ذكر الحضارات الأولى وذكر أسباب الازدهار وأسباب الانهيار(4)، حيث يقول
تعالى:" فاعتبروا يا أولي الأبصار"(5)
والقرآن عبر قصصه قسّم التاريخ كما يقول شحرور إلى قسمين: التاريخ القديم والتاريخ
الحديث والقديم هو الفترة الزمنية بين بداية الأنسنة وبين تشكل لغة مجردة في أبسط
صورها، وبالتالي تشكل مجتمع إنساني بحيث أصبح الإنسان قادرا على استقبال الوحي،
والإنسان الحديث بدأ من تشكل اللغة المجردة في أبسط صورها، ووجود مجتمع إنساني
يتكلم هذه اللغة، وامتدّ تطور الإنسان الحديث إلى يومنا هذا ويرى شحرور أن الإنسان
الحديث والمعاصر بدأ بنبوة محمد (ص).(6)
كما أن القصص القرآني لم يعط التفاصيل الجزئية بكل دقائقها وإنما أعطى مؤشرات مهمة
لاستنباط خط تطور التاريخ، لذلك قال تعالى: "تلك القرى نقص عليك من أنبائها"(7)
وقال:" وكلاّ نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك"(8) ففي هذه
الآيات وفي غيرها ذكر التبعيض في قوله "من أنباء"(9).
ويقسم شحرور حديثه حول القصص القرآني إلى ثلاث نقاط أو أجزاء، بداية بحديثه عن نوح
(ع) ثم هود (ع) وصولا إلى الأنبياء والرسل عموما وسمى كل نقطة أو جزء بالفرع.
1- عائشة رماش، البنية السردية ودلالاتها في القصة القرآنية، مجلة جامعة الأمير عبد
القادر للعلوم الإسلامية، قسنطينة، الجزائر، فيفري2002م، العدد11، ص133.
2- المرجع نفسه، ص134.
3- محمد أحمد خلف الله، الفن القصصي في القرآن الكريم، مكتبة الأنجلو مصرية،
القاهرة، مصر، دت، ط3، ص122.
4- محمد الغزالي، كيف نتعامل مع القرآن، دار الانتفاضة للنشر، الجزائر، دت، دط،
ص215.
5- سورة الحشر، الاية02.
6- شحرور،الكتاب والقرآن، ص674.
7- سورة الأعراف، الآية101.
8- سورة هود، الآية120.
9- شحرور، الكتاب والقرآن، ص675.