وطن اسمه آفيفان

كتابة تؤرخ للمكان والإنسان

د.هدية الأيوبي

شاعرة ومترجمة لبنانية مقيمة في باريس

القادم من الجبال البعيدة، ليرمي أحزانه في بحيرة نمساوية، لم يستطع أن يمحو من ذاكرته أماكن تجول حوله كسراب مهاجر. لم ينسه المنفى ناساً أحبهم حتى أصبحوا مقيمين دائمين في القلب. الذكريات لا تحتاج إلى تأشيرة دخول إلى غربة طاعنة في الشوق. هكذا، من أعالي كردستان تسيل قصائد الشاعر بدل رفو المزوري، على صفحات " وطن اسمه آفيفان".

تستحضر ذاكرة المنفي المدينة الأولى " الموصل"، عشق الروح وموطن الطفولة والأحلام. انكسرت أزمنة العشق في الوطن الأول فسار دون بوصلة يجتاز لهيب الغربة، ويكويه في القلب الحنين إلى الشوارع والأبواب والباعة والأطفال وأصدقاء ربما لم يعودوا في هذا العالم..

يحتفل الديوان بأسماء أمكنة مازال صداها يرجع في القلب.كما يحتفل بأصدقاء مازالوا يجيئون ويروحون في القلب الحزين.

لم تكن الغربة كافية لمحو المكان والزمن الماضيين.

ونشعر بألم الشاعر العميق ونحن نقرأ قصيدة الأرجوحة

التي تستحضرشهداء كارثة شباط في أربيل

الذين استحالوا غرانيقَ بيضاء في سماء كوردستان

بماذا يحلم المنفي الغريب؟ بالعسل؟ ولا عسل..لا عسل في الغربة. كيف تغسل الأماكن الجديدة ما حفر في القلب والروح والعيون عميقا حتى النخاع؟

حلم الحرية رافق الشاعر منذ طفولته . تحرر ربما حين غيّر المكان لكن الأحبة الذين سكنوا المكان رافقوا في هجرته الطويلة، ورافقته الطيور والجبال والأطفال والشجر.

يبدو الشاعر متأثرا بوقع الزمن السياسي المرير في موطنه الأول، وكيف لا وقد كان هذا الزمن بلون الدم وهو سبب كل هذه المنافي.

الألم يضيء نصوص الشاعر بدل رفو مسلطاً الانتباه على محطات في حياته تركت عميق الأثر في تركيبته الإبداعية والإنسانية.

تتدفق سيول الذكريات عنيفة وحنوناً.

أغنيات النوروز ملاحم الجراح الأزلية لشعب يعشق الرقص والحرية.

"كردستان" مفردة تتكرر في الديوان لأنها جمرة تحرق القلب والروح .. لتتفتح زهرة وقصائد.

يسيطر اللون الرمادي على بعض النصوص في الغربة رغم فتنتها والزمن رغم ضحكته أحيانا.

يحضر دوماً سؤال: من هو هذا الوطن " آفيفان" غير الموجود في خارطة الأوطان والبلاد؟

أهو وطن خيالي يعيش فيه الشاعر بديلاً عن الوطن الأصلي وعن المنفى؟

أهو الوطن-الحلم الذي لم وربما لن يتحقق؟

ويشير الشاعر بلمحة خجولة إلى آفيفان" إلى أفيفان توآم الروح"

أهو الجنة الموعودة؟

أهو وطن موجود في كوكب آخر؟

أم هو الوطن-الأسطورة؟

ولماذا لا تكون هي؟

أهي الوطن أو الأم أو الحبيبة ؟ أم هي سر يخفيه الشاعر في شرنقة القلب؟ هناك حيث يحفر الألم عميقا

ويترك للجسد الرعشات والتراتيل.

آفيفان وطن ..

ليس ككل الأوطان

آفيفان ...

وطن لعشق كلمة

ئافيفان هي الأمل هي الغد هي الحرية

تسكن الشاعر ويسكنها .. نشعر أنها جزء منه وأحيانا نشعر أنها هي هو.

آفيفان تروي صحراء المنفى ويروي بدل رفو المزوري حكايتها في ديوان " وطن اسمه آفيفان"

لعل آفيفان تجيء

لعل آفيفان تجيء .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*صدر ديوان "وطن اسمه آفيفان" عن مؤسسة سندباد للنشر والاعلام في القاهرة ، مصر 2009

مقدمة الديوان بقلم الدكتورة هدية الأيوبي

وكتب الخاتمة الشاعر الكردي جلال زنكابادي

لوحة الغلاف للفنان الكوردي فهمي بالايي