المرأة من يعيد للحياة الألوان

المرأة من يعيد للحياة الألوان

رحاب حسين الصائغ

شاعرة وكاتبة من العراق

الشاعر منير مزيد وقصائد عن المرأة ..

هي كاللغة، إذا تعلمت كيف تسكن جذوة نصفها الآخر.

سرت ببطئ نحو شلال لا أعلم مثواه، حاملة قصائد تسكنها نار محترقة، هناك استقيت من تلك الأشعار عذوبة الحب، شقاء الرغبة التي سكنتها، حروف وكلمات الشاعر منير مزيد، رذاذ الماء المتدفق؛ رطب نار العشق المحمومة عند الشاعر، استشفيت من طيف نقائها الناصع، فكر الشاعر منير مزيد يستنطق المرأة في فهم معاني وجوده التي تكمن بكينونتها كأنثى، كيف تنعم بعمق جذوة الرغبة حين تهيم في عالمه المنسوب لجسدها، وأنا أجوب مدن تلك القصائد الشاعر، تعبت واسترقني النوم، استرخت القصائد قربي، لم تغفو أو تنام، للحرارة التي تسري في ثناياها، أيقظني وجه الفجر، حين تبلل بعبق عطرها، أخذت أشيع كلماتها الوادعة، وجدتها كزهور حديقة غناء، بذرها الشاعر منير مزيد، يستحث المفردات على سرقة يئر عامر بطوفان الرغبة.

الشاعر منير مزيد كتب عدد من القصائد عن المرأة، مشكلاً صور مختلفة، منحها عناوين لها قدسية الاساطير، ففي قصيدة

 " قصيدة حورية" أنساب مع بداية القصيدة بهدوء يغلفه بعض الشرود، لكنه وضع كل ما يملكه الشاعر في الشطر الاخير، أحال حركة القصيدة إلى حزمة من الضؤ المنسجم، بضربة حازمة فانفرط عقد لسانه، واضعاً للشعر تاجاً في ذلك الشطر بقوله:

أبكي..

 تتعرى فيَّ الذاكرة

 فأبحث عن ألمْ .......!

 ألمٍ يتغلغلُ في روحي

 ويصلبني في اللغة......!

 لغة تعيد للحياة الألوان...!

بهذا الشطر ( لغة تعيد للحياة الألوان...! ) أدخل الكلمات مدخل الشعر ومساحاته الواسعة، معانيها حملت طوق العمق الانساني لمعنى الاحساس بالكلمة، لنقف مع كلمة ( لغة) اللغة تعني ثقافة شعب/ امساكية انسان/ تقويم لزمن معاش من سلف إلى سلف/، كلمة (تعيد) الاعادة كلمة تأخذك للعودة إلى/ التاريخ/ الوطن/ الجذر/ القيمة الحقيقية للفرد/الذكريات/ الاصل/ عنوان وجوده/ من هو؟/ من يكون؟/ لمذا يعيش؟/، أذاً العودة تأكيد يفصل بين حد الموت والحياة، العودة باللغة يعني الشيء الكثير، وكلمة (للحياة) يسبقها التأكيد في البحث عن تغيير، طلب يحمل رغبة ملحة تأتي من اللغة، لا يقصد لغة الكلام، بل لغة الحياة، واعداً نفسه بشروقات كبيرة مزجها بجمالية فائقة، مدعومة بسؤلات لا تنتهي الاجابة عليها، قد تدخلك الحيرة، كيف وان كل ما يحيط بنا (به) الشاعر منير مزيد اخرجها من زمكانية هذا العصر، حل محلها المفروض الصعب، كأنه يثبت فكرة، ما فائدة الحياة، ان لم تعاش خارج حدود الاوهام المتشابكة أشواكها حولنا، الحياة مصطلح لم يدخل فهم الادراكات الكبيرة عند أغلب الناس، في ظن البعض، الحياة هي توكل لسير الايام وما تجرف معها من انصياع لا بد منه كي تستمر، عند الآخرون، هي مجرد مفردة متوارثة لا تعني لهم شيئاً، أما عند الشاعر منير مزيد، هي مواسم العمر/ جزر القلب/ تداخل اللحظات بكل ذراتها المتماسكة باهداب الزمن، منذ أول ساعات الوعي للمدرك والمعاش، مع اشتعال الرغبة بالاحاسيس الفتية، الحياة سلة مملوءة بأنواع الفاكهة، ولذائذ السعادة، جسد يدركك/ شهوة تستعر/ رغبة تسن الأعماق/ التحام كوني بين آدم وحواء/، يحيل حتى رغبة الخالق إلى صفح وتعاطف ليوم البعث، والزمن المجهول بعد الموت، من أجل البقاء، والذي يعني الحياة، يحدث كل تطاحن في هذا العالم، نتيجة رغبة بينها وبينه لم تصل ذروتها، كلمة (الالوان) لو دققنا قليلاً في كلمة ألوان، نجدها تحتوي التناسب في التجاذب والتنافر، لأنها في تغير وتغيير دائم وتجدد مستمر، الطبيعة/ نفس البشر/ الولادة/ الجمال/ الحب/ الفرح والحزن/الموت والمرض/ يا لجمال هذا الشطر الاخير من قصيدة " قصيدة حورية" بل هو وحده قصيدة لا تنتهي، ولم تبدأ بعد، شملك جميع تعابير الشعر, هي الشعر كله، الشاعر منير مزيد أعطى أبهى صورة للمعنى الشعري في عصر حقاً يحتاج، إلى

 (لغة تعيد للحياة الألوان).

أما قصيدة " حلم من ألف ليلة وليلة " هذه القصيدة مشاعات من نار سماؤها ملبدة بالغيوم حيث المرأة والصمت ينفردان في عالم الشاعر منير مزيد، بينما هو يضفي الحركة بوجوده على طيف الكون، رجل يفك مسامات فكره من أجل المرأة، معترفاً بذلك بقوله:

في عيونها

 بريق الاغراء

 فمها سماء ملبدة بالغيوم

 ترعد وتبرق على الوردة

 تمطر ناراً وعسلا

شقاء / بقاء/ مطر/غيوم/ تلذذ برحيق/، مجمل قناعاته التي خارجة عنه تصب في أن المرأة هي التي قادرة بقر بطن الشهوة أن امتلكت مفاتيحها، تكون الجنون والرحيق لو اغتسلت بنهاراتها بقوله:

كفراشة تتلذذ بطعم الرحيق . . .

 في تلك اللحظة قذفت بجنون

 كل رحيقي المعطر

مربعات الشقاء الاسود والابيض تقرر مساحات الانتصار فيها المرأة، ليس موت الملك، حين تتراقص عصافير الحب باستئناس غريب، تناغي عزوف القلوب التي خاب أملها في الحب، تطرح فِراش العشق على اغصان متكاملة الاوراق، بدفء الجبال البعيدة، في قصيدة "مطرالعاطفة الناري"

يتبرأ الشاعر من كل شبهات جسده، وينسبها للمرأة حيث يقول:

 في أحلامي

 أراك ظبية

 ترعى على مروج جسدي

 شهب بركانية تتفجر من قصائده تحكي نفسها، تغزو/ تعبث/ تحمل الشهوة البهيمية/ ، المرأة في هذه القصيدة هي المتهم الاول حيث يقول:

 في عينك المثيرة

 أرى

 رغبات بهيمية

 عطشاً حسياً

 إثارة عاطفية

 ولمحات شبقية

يريد ان يبوح بسر وجده عند المرأة، ليس العاطفة ما يجيش في دوافعها الرغبة الحسية، بل لغة حيوانية تلبسها كطي البئر لجوفه، لماذا هذا التجني؟، أو ربما الشاعر أدرى بقولهِ:

قبلة واحدة تكفي

 لفتح باب الرغبة

 ولتشعل جمرات الجسد

المرأة متهمة دائماً، لكن أجدها تملك من حبال الشوق والعشق والهيام والرقة، ما يفوق الوصف، لذا تتهم، لأ نها صادقة بما تقدمه من رغبات تملكها، حتى تلك التي تحتوي القسوة، لو تحرك كل ما بداخلها لأغرق العالم، أما الشاعر منير مزيد يجد أنها حقاً تستحق المجازفة لذا يقول:

 من عمق الرغبة

 أناديك

 اصارع اشتياقي

 بخمري

 وأخضع نارك

 المشتعلة في جوانحي

 بتخيلات غرامية

المرأة تعمل بقوة على سبك خيوطها كي لا تنقطع سبل المودة مع الرجل، بينما الشاعر منير مزيد يشتغل على تخيلاته، راشقاً سهاماً نارية مؤكداً أن قوته يأخذها من المرأة / الانثى التي تطارحه الغرام التي مدفونة في كل جوانحه، بقوله:

 حبيبتي....

 أنا لا أعطش إلاَّ لحبك

 ولا أطلب شيئاً سوى

 وقوداً لناري

 وشفاه متلهفة

 تتلقى قبلاتي

 وتتذوق رحيقي....

 

حين تستفزه الرغبة يريد أن يعبر عن دواخله بدفع المرأة للتفتح، من أنفاسها تغدق عليه، مناغية الوتر الحساس لجسديهما، لذا هو يبحث عن المرأة التي تشعل كل جوانحه المنطفئة في خلايا شهوتة بقوله:

أجوع وأعطش

 للغرق في عيونك الغامضة

 وأحن للتلذذ بعذوبة جلدك الندي

 أن أستنشق عطرتنهداتك

حرصه على اشعال كل جذوة في جسديهما، ليصوغ من ذلك الالتحام، شعلة تحرق الروح، وتتلفظ حرارة عامرة لحظة اللقاء، فيعود للقول في آخر القصيدة معترفاً أن كليهما ناقص بدون الآخر، فينصف المرأة ويدعوها لتبادل نار الجسد، ليُكونا الندى في عالم الحب، أما قصيدة " انبعاث" تشبه ثمرة جوز الهند، من الخرج قشور خشنة ومن الداخل بياض ماء نقي، لا يكفي إلاَّ لإثنان هما شذرات هذا الكون، حيث يقول:

 وكيف يصير الشعر

 ناراً

 إلهاً متمرداً

 وحين يتحدان

 يخلقان العالم من جديد

في قصيدة " جدارية الحب والالهام " يبحث.. يبحث، ولا يسعفه الخيال حتى بنتفْ الاساطير من على نقوشها الطينية بقوله:

 حبيبتي

 سمكة إلهية

 خرافية الألوان

 هبطت من السماء

 في مياهي ....

يختلف طعم الحب، يتفق كعواصف تأخذ معها السكون المدرب على الجنون المتجذر في أعماقه، بقوله:

 آه يا حبيبتي

 ما أبعدني عنك

 وما أقربني إلى الموت

 وأراني أنتظر

تشكيلات من السأم، يحثه بالإدراك المنجز بجمالية الانتظار، المنبثق من ضرورة الفعل المستمر للحياة بقوله:

في صوتك

 خرير مياه خرافية

 توشوش الرمل والحصى

 ما يلج في حلم

 سنحياه معاً

 ونغادر مع أوراق الخريف

 مبتكراً صور تعمل على محاولة التعاقب في البوح، ينسج ديمومة لهذا الانتظار في الظاهر من حركة لإدراكهِ الواعي بقوله:

 طوبى لهذا الألم

 لهذا الألم الهجع في الاعماق

 يترقرق صافياً في الروح

ليحرك جانباً من جوانب النفس، حيال انفعالية يحسها الشاعر منير مزيد، للتبدلات الطبيعية، يعطي قيمة للزمن تتجلى في خطابه المعتدل بصورة حداثية رائعة بقوله:

 وأتيت...

 وأتيت يا من خلقت مني

 عاشقاً

 في زمن نسيت أن الحب

 مطر

 إذ يهطل على أرض ميتة

 تحييها...

 في قصيدة " الوردة الحمراء" يستبق القارئ في امتلاك الحيرة، حين يدخل لحظة التأمل في هذه القصيدة، نجده يخرج منها معطياً شخصية ثابتة في ذهنه عن المرأة، التي أدخلها دون قيد أو شرط دائرة واقعه أذ يقول:

 حتماُ أنها حبيبتي

في قصدية" كلا" يتسلل الشاعر منير مزيد من كوة الجنس إلى هوية الحب، ينزع لنقوشه المحسوسة، المتفجرة بالحضور الضارب في الحركة الداخلية لمشاعره بقوة في قوله:

 أحبك

 كلا.. إني أكرهكِ

ثم بيقى مستمراً يكمل:

لا ماوى يحتضن مخاوفي

 غير هذا الفراغ البارد

 الذي يظلل روحي المتعبة

 شاحب،

 بارد،

 وحزين

يستبدل المكبوت بخلق صيرورة تحمل انسجامية من شعاع الحب المنطلق داخله بقوله:

 كلا ..

 إني أحبكِ ...!

قصيدة " حين تنطفئ الانوار" يجد المرأة غير متحدة مع نفسها، لذا هو يبحث عن ما ينقصها في فكره بقول:

هذه الليلة

 أنوي أن أحبك على طريقتي

 أحبك إلى منتهى حدود العاطفة

نازعاً حروف خوفها وترددها من نفسها، ليزرع القبول والتألق في عالم يتجلاه هو بقوله:

دعيني أشرب نبيذ الحب

 وخذيني إلى عمق الرغبة

 وهناك

 إزرعيني

يُفهِمْ المرأة أنها بدون رتوش الموضة والديكورات الزائفة، هي فاتنة حتى وإن كانت عارية تحت خيمة من القماش الخرق بقوله:

 حبيبتي

 أوتار روحي تعزف

 لحن الرغبة

 على قيثارة الخلود.

هذا ما نجده في قصائده الثمانية عن المرأة، عندما نبحر في أجواء شعره العذبة ، المعطرة بنشوة أفكاره، الشاعر وصف المرأة بالحورية/ ثوب الرغبة/ الظبية/ امرأة النار/ الحبيبة، مؤكداً في أكثر من قصيدة أنها الحبيبة، المرأة عند الشاعر منير مزيد أمتزاج تخيلات، وميزاجات يدسكنها أحلامه فتنتعش رغبات مخيلته صارخة بأنينها، مع هذا لم تكن الطموح الذي يرغبه في مجمل تفاعلات يومه وليله، بدونها هو لا شيء، لأنها تكمل نواقصه كرجل يريد التلذذ بالحياة، حيناً يحتطاطها وحيناً يريدها أكثر أنوثة كي يحتويها بعمق رجولته، وحيناً ينظرها من زاوية واحدة ( أنثى تحمل جسد يفني جماله كل الحواس والمشاعر عند الآخر.