قراءة في رواية البحث عن امرأة مفقودة
قراءة في رواية البحث عن امرأة مفقودة
عرض: يحيى بشير حاج يحيى
عضو رابطة أدباء الشام
المؤلف: عماد زكي
رواية اجتماعية، تعرض أكثر من قضية، تتشعب فيها الأحداث وتتداخل الشخصيات، يغلب عليها الطابع العاطفي إلى حد "الرومانسية" وكشف الخفايا إلى حد التطابق مع الروايات البوليسية!
أبطالها الرئيسيون ثلاثة زملاء من الأطباء "صلاح" وهو الذي يسرد الرواية "من طبقة متوسطة" وزميله "هاني" من طبقة غنية وزميلتهما "أحلام" من طبقة مليئة، فوجئوا ذات يوم بإحضار طفلة لقيطة إلى قسم الطوارئ تبعتها فتاة جرحت يدها، وأبدت اهتماماً بالطفلة؟! لم يتقدم أحد لأخذ الطفلة، تم الإعلان عنها في إحدى الصحف لدى "سعيد الناشف" وهو ذو توجه إصلاحي، لفت نظر صلاح فأعجب به، وكان له موقف مع والد أحلام "الملياردير عبد الغني الذهبي" لتسليطه الضوء عليه في حادثة انهيار مبنى كان تعهده.. ولكن استطاع بوسائل غير شرعية التخلص من التهمة والنجاة من العقوبة، وقد كشفت ابنته أحلام في أوراقه ما يثبت ذلك، فأحست بعدم احترامه في قرارة نفسها، وكشفت ذلك لزميلها "صلاح" الذي ازداد رغبة بالزواج منها لصدقها ورقتها!!
ثم تنتقل الرواية من خلال محور آخر إلى الطفلة اللقيطة، حيث قام صلاح بزيارة الملجأ، ففوجئ بامرأة تذكّر أنه رآها من قبل، ولكنها توارت حين رأته، وعلم أن اسمها "نورا" تعمل مشرفة في هذا القسم، وحين عاد مرة أخرى وجد أنها تركت الملجأ ولم تترك عنواناً، فاهتم لأمرها كثيراً وأكبرت أحلام فيه إنسانيته، ثم اتفقا على أن يذهب ليطلبها من أبيها، ووعدته أنها لن تتزوج غيره إذا رفضه أبوها!
تردد في الذهاب للفارق الكبير بينهما، حين علم "الذهبي" بمجيئه، نصب له فخاً عن طريق إحداهن، وقد أخذت مكان السكرتيرة وادعت بأن نوبة ألم نزلت بها وطلبت منه معاينتها في غرفة الاجتماعات، وحين انحنى للتعرف على موضع الألم طوقته بيديها وقبلته، فخرج غاضباً ليفاجأ بالذهبي وإلى جانبه مصور.. وفي أثناء اللقاء عرض عليه الذهبي العمل في التجارة ليتمكن من الزواج من ابنته، ومبلغ مائة ألف دولار ليقنع أحد التجار بشراء أغذية أطفال لديه، قاربت صلاحيتها على الانتهاء!! فأحس صلاح أن الذهبي رجل بلا ضمير، وأدرك لماذا تمقته أحلام؟! ويكرهه سعيد الناشف، فرفض بقوة!!
وحين وصل لمنزله فوجئ بمظروف فيه صورته مع السكرتيرة ليتصل به الذهبي ويهدده بالفضيحة إن هو لم يبتعد عن أحلام، أصابه الأرق، ولم يدر كيف يواجه أحلام.. فأصيبت بخيبة أمل وهي لا تدري ما حصل، فتركت المستشفى مستقبلة بحجة تفرغها للرسم، والاستعداد لإقامة معرض لها!!
حاول صلاح فتح باب آخر لفضح الذهبي الذي سرق حليب الأطفال، أخبر المسؤولين، ولكن جوبه بالرفض والزجر لصلتهم بالذهبي!!
وحين حضر إلى المعرض فوجئ بالفتاة "نورا" وتمكن من معرفة قصتها ومأساتها، وأنها حضرت لتفضح د. شريف أمام أحلام، وقد أصبح خطيباً لها منذ أيام، وأن شريف هذا كان قد اعتدى على عرضها يوم أن كان مديراً لإحدى شركات الذهبي، التي عملت فيها موظفة، ثم طردها حين كشفت تورطه في صفقات مشبوهة، وحين شكته للذهبي طردها..
ذهل صلاح بهذه الحقائق، وانطلقت نورا لتختفي عن أنظاره، وحين حاول اللحاق بها أمعنت في الهروب، وعجز عن العثور عليها.. وبعد أيام وجد نفسه معتقلاً بتهمة قتل نورا، وأبرز له المحقق صورته معها قرب المعرض، فأدرك أن الذهبي وراء هذا العمل القذر، فحكى للمحقق كل ما يعرفه، وأوضح له شكوكه، فانطلقا إلى ملجأ الأيتام ليسمعا قصة نورا من مديرة الدار.. وألقي القبض على شريف بتهمة الاعتداء على عرض نورا وقتلها.. فأنكر ثم اعترف أنه أمام حاجته للمال واستغلال الذهبي لذلك أقدم على كثير من الصفقات المريبة التي كشفتها نورا، فهو قد اعتدى علبيها بحيلة، ولكنه لم يقتلها، فحكمت عليه المحكمة بالإعدام بتهمة الاغتصاب والقتل العمد!!
وفي تلك اللحظات انطلق صوت أحلام في القاعة، وقدمت نفسها ومعها رزمة من الأوراق التي تدين والدها، وأنها رأت رجلاً مشبوهاً كان يتردد عليه، قبل مقتل نورا بليلة واحدة، وقد أعطاه صورة ليضعها في محفظتها.. تأثر الجميع وذهلوا، وسقط الذهبي منتحباًُ واعترف بكل ما ذكرته أحلام وغير ذلك.. وتختم الرواية باختفاء الدكتورة أحلام، والبحث المحموم عنها في كل مكان، وانتظار أمها لعودتها، واستمرار صلاح في البحث عنها لأنه لبن يتزوج غيرها!!
كان في ذهن الكاتب أكثر من قضية يريد معالجتها، فراح ينثرها في طريق أبطال روايته "قضايا الرشوة" خيانة المتعهدين، السرعة القاتلة، إهمال تربية الطفل، مسرح الأطفال، البرامج التلفازية وأثرها في الأسرة، السكرتيرات، العدول إلى الإنجليزية في مخاطبة المراجعين، فإن لم تسعفه يقظة الأبطال لمعالجتها فإنه لجأ بها إلى الحلم! كما تضم الرواية جزئيات لم تخدم العمل الروائي، ولا تساعد على تصعيد الحبكة وتفضيلات كثيرة تُشعر القارئ أنه أمام شرح مفصل للفكرة بأسلوب الشاشة، من خلال بيان شامل كامل لكل صغيرة وكبيرة، ومع ذلك، فقد استطاع الكاتب باقتدار أمنى يربطك بين القضايا المختلفة، والأحداث المتباعدة، ويعطي شخصياته ما يتناسب مع وصفها ودورها، وإن السرد الذي جاء على لسان بطل الرواية "صلاح" متتابعاً سلسلاً لا يكاد ينقطع حتى في حالات وجود القضايا التي أراد أن يعالجها..
وإذا كان هناك مسرح مقروء، فإن هناك رواية مشاهدة يعدّ هذا العمل نموذجاً ناجحاً، فهو شد القارئ على متابعته حتى النهاية.