تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ 9
تَعْليقاتٌ عَلى مُتونِ الْكُتُبِ الْعَرَبيَّةِ = 9
مَنْهَجٌ مِنَ التَّأْليفِ بَيْنَ كُتُبِ الْعِلْمِ وَبَيْنَ طُلّابِها ، بِوَصْلِ حَياتِهِمْ بِحَياتِها
تَعْليقَةٌ عَلى مَتْنِ
"الْغَيْثُ الْمُسْجَم في شَرْحِ لاميَّةِ الْعَجَم" لِلصَّفَديِّ
د. محمد جمال صقر
قالَ |
قُلْتُ |
بَقِيَ سُؤالٌ آخَرُ : ما الْفائِدَةُ في تَثْنِيَةِ الْيَدِ ههُنا ؟ الْجَوابُ : إِنْ فَسَّرْنا الْيَدَ بِالنِّعْمَةِ فَالْمُرادُ نِعْمَةُ الدُّنْيا وَنِعْمَةُ الدّينِ ، أَوِ الْباطِنَةُ وَالظّاهِرَةُ ، أَوْ ما يَتَعَلَّقُ بِالدُّنْيا وَالْآخِرَةِ - وَإِنْ أَرَدْنا الْقوَّةَ فَالْمُرادُ الِاقْتِدارُ عَلى الْمَوْتِ وَالْحَياةِ ، أَوِ الْخِذْلانِ وَالنَّصْرِ ، أَوِ الْغِنى وَالْفَقْرِ ، وَما أَشْبَهَ ذلِكَ - وَإِنْ أَرَدْنا الْمُلْكَ فَالْمُرادُ مُلْكُ الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ ، أَوِ الْإيمانِ وَالْكُفْرِ ، أَوِ السَّعادَةِ وَالشَّقاوَةِ ، وَما أَشْبَهَ ذلِكَ ؛ فَعلى كُلِّ تَقْديرٍ مِنَ التَّفْسيرِ " يداهُ مَبْسوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ " ، أَيْ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إِعْطاءِ الدُّنْيا وَالدّينِ ، أَوِ الْإِماتَةِ وَالْإِحْياءِ ، أَوِ الْإِسْعادِ وَالْإِشْقاءِ |
ربما بين معنى التثنية ما ورد في حديث بسط اليد للتوبة بالليل ثم النهار أو العكس ، فيكون المعنى على نعمتي النهار والليل |
ما أَحْسَنَ قَوْلَ الْقائِلِ : اِسْقِني خَمْرَةً كَرِقَّةِ ديني أَوْ كَعَقْلي وَلا أَقولُ كَحالي خيفَةً مِنْ تَوَهُّمِ النّاسِ أَنّي قُلْتُ هذا في مَعْرِضٍ لِسُؤالي |
بل الصواب " لسؤال " ؛ ألا ترى كيف حيرنا إثبات ياء الوصل على جهة الكتابة العروضية ! |
قالَ آخَرُ : اَلنَّفْسُ مَلْأى مِنَ الْمَعالي وَالْكيسُ صِفْرُ الْجَنانِ خالي فَلَيْتَ مالي كَمِثْلِ فَضْلي وَلَيْتَ فَضْلي كَمِثْلِ مالي |
جنى عليك رونق المنطق |
قالَ آخَرُ : يَعِزُّ عَلَيَّ أَنْ أَرى ذا مُروءَةٍ مِنَ النّاسِ لا أَسْطيعُ تَغْييرَ حالِه وَلَوْ كانَ لي مالٌ لَصادَفَ مالِكًا يَجودُ بِبَذْلِ الْمالِ قَبْلَ سُؤالِه |
جزاك الله بِنيَّتِك خيرا |
بالَغَ أَبُو الطَّيِّبِ في قَوْلِه : وَكُلَّما لَقِيَ الدّينارُ صاحِبَه في مُلْكِهِ افْتَرَقا مِنْ قَبْلِ يَصْطَحِبا مالٌ كَأَنَّ غُرابَ الْبَيْنِ يَرْقُبُه فَكُلَّما قيلَ هذا مُجتَدٍ نَعَبا |
بل هذا كلام مُوَجَّه ، وهي شنشنة ينبغي لك يا صفدي ألا تنساها في كلام المتنبي |
( أريد بسطة كف أستعين بها على قضاء حقوق للعلى قبلي والدهر يعكس آمالي ويقنعني من الغنيمة بعد الكد بالقفل ) الْواوُ لِلِابْتِداءِ ، وَالدَّهْرُ مَرْفوعٌ عَلى أَنَّه مُبْتَدَأٌ |
بل هي واو الحال تربطه بصاحبه ( أنا ) ، وعامله ( أريد ) |
فَضَّلَ التِّهاميُّ الْخَيالَ عَلَى الْحَقيقَةَ ، فَقالَ : وَصْلُ الْخَيالِ وَوَصْلُ الْخَوْدِ إِنْ بَخِلَتْ سيّانِ ما أَشْبَهَ الْوِجْدانَ بِالْعَدَم اَلطَّيْفُ أَحْسَنُ وَصْلًا إِنَّ لَذَّتَه تَخْلو مِنَ الْإِثْمِ وَالتَّنْغيصِ وَالنَّدَم |
حدثت في هذا المعنى تلامذتي بما كنا نتداوله من الإغراء بالتخيل في الطريق ، قائلين : تأمل الحسناء ! فيقال : أين هي ؟ فيقال : تَخَيَّلْ ! وأول من فعلها بي عصام ابن خالي حمدي - رحم الله أباه ! - ثم مازحتهم بألا مأخذ علينا بذلك النظر إلى المتخيل ! وكأننا كنا في نهار رمضان |
اعْلَمْ أَنَّ الْقوَّةَ الْإلهيَّةَ الْمُظْهِرَةَ لِهذِهِ الْمَناماتِ تُعَجّلُ الْبِشارَةَ بِالْخَيْراتِ الْكائِنَةِ قَبْلَ أَوانِها بِمُدَّةٍ طَويلَةٍ ، لِتَكونَ مُدَّةُ الْفَرَحِ وَالسُّرورِ أَطْوَلَ ؛ فَتَكونَ النَّفْسُ مُنْبَسِطَةً بِالْبِشارَةِ ، مُرْتاحَةً بِتَوَقُّعِ وُصولِها قَبْلَ حُصولِها ، وَفِي الْجِهَةِ الْأُخْرى تُظْهِرُ الْإِنْذارَ بِالشُّرورِ الْكائِنَةِ في زَمانٍ يَقْرُبُ مِنْ حُصولِها ، لِيَقْصُرَ زَمانُ الْهَمِّ وَالْغَمّ |
ما زلتُ أرى انتظار السرور من السرور ، وانتظار الحزن من الحزن |
مِنَ النّاسِ مَنْ لَمْ يَحْلُمْ إِلى أَنْ يُسِنَّ ، ومِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَحْلُمِ الْبَتَّةَ ! |
سبحان الله ! قال الدكتور أيمن ميدان زميلنا ، للدكتور محمد حماسة عبد اللطيف أستاذنا ، على مسمع مني : أنا لا أحلم ! فقلت له وكنا جميعا مدرسين مساعدين : لأنك تعيش أحلامك ! |
الشَِّطاطُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ ، اعْتِدالُ الْقامَةِ |
قال ابن محلم : " وَبَدَّلَتْني بِالشَِّطاطِ انْحِنًا وَكُنْتُ كَالصَّعْدَةِ تَحْتَ السِّنانْ " . فأخذه ابن عبد الحليم أبو همام ، فقال في محمود محمد شاكر – رحمه الله ! - : " وَلَمْ تُبَدِّلْ بِالشَِّطاطِ انْحِنًا وَلَمْ تُذَلِّلْ مِنْكَ صَعْبَ الْبَيانْ " . |
قَرَأْتُ عَلى الشَّيْخِ الْإِمامِ الْكاتِبِ أَبي الثَّناءِ مَحْمودٍ ، كِتابَه الَّذي وَسَمَه بِحُسْنِ التَّوَسُّلِ إِلى صِناعَةِ التَّرَسُّلِ ، وَأَوْرَدَ فيه لِنَفْسِه قَوْلَه : رَأَتْني وَقَدْ نالَ مِنّي النُّحولُ وَفاضَتْ دُموعي عَلَى الْخَدِّ فَيْضا فَقالَتْ بِعَيْنيَ هذا السَّقامُ فَقُلْتُ صَدَقْتِ وَبِالْخَصْرِ أَيْضا ثُمَّ قالَ : وَمِنْ أَحْسَنِ ما سَمِعْتُ فيهِ قَوْلُ مَحاسِنَ الشَّوّاءِ : وَلَمّا أَتانِي الْعاذِلونَ عَدِمْتُهُمْ وَما فيهِم إِلّا لِلَحْمِيَ قارِض وَقَدْ بُهِتوا لَمّا رَأَوْنِيَ شاحِبًا وَقالوا بِه عَيْنٌ فَقُلْتُ وَعارِض قُلْتُ : وَمِنْ هُنا أَخَذَ ناصِرُ الدّينِ بْنُ النَّقيبِ قَوْلَه : وَما بي سِوى عَيْنٍ نَظَرْتُ لِحُسْنِها وَذاكَ لِجَهْلي بِالْعُيونِ وَغِرَّتي وَقالوا بِه فِي الْحُبِّ عَيْنٌ وَنَظْرَةٌ لَقَدْ صَدَقوا عَيْنُ الْحَبيبِ وَنَظْرتي |
بل هو أبو المحاسن . ثم أذكر أنني أولعت صغيرا بحكاية كلام نساء قريتنا أحيانا ، ومنه قولهن بعد مَصْمَصَة شِفاههن : حِكَمْ ! - وأنني مَصْمَصْتُ مرة في حضرة إحدى قريباتنا ، وقلت : حِكَمْ ! فقالت في التو مبتسمة : وتقارير ! فلم أنس ذلك ، ولكنني احتجت إلى زمان طويل حتى أقف على علاقة التقارير بالحكم ! |
قيلَ إِنَّ رَجُلًا رَمى عُصْفورًا ، فَأَخْطَأَه ؛ فَقالَ لَه آخَرُ : أَحْسَنْتَ ! فَغَضِبَ ، وَقالَ : أَتَهْزَأُ بي ؟ قالَ : إِنَّما قُلْتُ " أَحْسَنْتَ إِلى الْعُصْفورِ " ! |
الله ! |
( فارِقٌ بَيْنَ الصِّفَةِ وَالْوَصْفِ ) قالُوا : الْوَصْفُ ما يَجوزُ انْتِقالُه كَحُمْرَةِ الْخَجَلِ ، وَصُفْرَةِ الْوَجَلِ ، وَالصِّفَةُ ما لا تَتَغَيَّرُ كَالطّولِ ، وَالْقِصَرِ ، وَالسَّوادِ لِلزَّنْجيِّ ، وَالْبَياضِ لِلصَّقَلّيِّ |
في هذا كله نظر ؛ فما أكثر ما قرأنا عمن يخرج بصفة غير التي دخل بها ويذهب ويأتي ! إن شئت ففرِّق بين الطبيعة والصفة التي هي الوصف ، بل تجد الصرفيين يردون " صفة " إلى " وصف " ، كما يردون " عدة " إلى " وعد " . |
لِشهابِ الدّينِ مَحْمودٍ قَصائِدُ طَنّانَةٌ ، في مَدْحِ النَّبيِّ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! - كَتَبْتُها ، وَقَرَأْتُها عَلَيْهِ رَغْبَةً فِي الْبَرَكَةِ ، وَطَلَبًا لِلدُّخولِ في زُمْرَةِ مَنْ دَوَّنَ مَدْحَه ، وَكَتَبَه ، وَقَرَأَه ، صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَسَلَّمَ ! |
الله ! |
ما أَحْسَنَ قَوْلَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ ساباطَ الْكاتِبِ الْقَيْرَوانيِّ : قالَ الْخَليُّ الْهَوى مُحالٌ فَقُلْتُ لَوْ ذُقْتَه عَرَفْتَهْ فَقالَ هَلْ غَيْرُ شُغْلِ قَلْبٍ إِنْ أَنْتَ لَمْ تَرْضَه صَرَفْتَهْ وَهَلْ سِوى زَفْرَةٍ وَدَمْعٍ إِنْ لَمْ تُرِدْ جَرْيَه كَفَفْتَهْ فَقُلْتُ مِنْ بَعْدِ كُلِّ وَصْفٍ لَمْ تَعْرِفِ الْحُبَّ إِذْ وَصَفْتَهْ ! |
ما سمعت قول أمير الشعراء : " يقولُ أُناسٌ لو وصفتَ لنا الهوى لعل الذي لا يعرف الحب يعرف فقلت لقد ذقتُ الهوى ثم ذقتُه فوالله ما أدري الهوى كيف يوصف " ! |
حَكَى السِّراجُ الْوَرّاقُ ، قالَ : خَرَجْنا إِلى الدَّيْرِ وَصُحْبَتَنا جَمالُ الدّينِ أَبُو الْحَسَنِ الْجَزّارُ ، وَمَعَنا غُلامٌ مَليحٌ ، فَلَمّا اجْتَمَعْنا في مُشْرِفِ الدَّيْرِ ، حَضَرَ عِنْدَنا صَبيٌّ راهِبٌ مَليحٌ ، فَشَرِبَ مَعَنا ، وَأَطْمَعَتْنا أَنْفُسُنا فيه ، فَأَنْكَرَ الرُّهْبانُ عَلَيْهِ ، وَأَخَذوهُ مِنّا ، وَهَرَبَ الزّامِرُ |
صدق ما نبه عليه أستاذنا - رحمه الله ! - مما كان يكون في الأديرة آنئذ وقبلئذ من مفاسد |
أَنْشَدَني لِنَفْسِه إِجازَةً الْمَوْلى صَفيُّ الدّينِ الْحِلّيُّ : مَليحٌ يَغارُ الْغُصْنُ عِنْدَ اهْتِزازِه وَيَخْجَلُ بَدْرُ التِّمِّ عِنْدَ شُروقِه فَما فيه مَعْنًى ناقِصٌ غَيْرُ خَصْرِه وَما فيهِ شَيْءٌ بارِدٌ غَيْرُ ريقِه |
ما لك - يا صفدي - سكتَّ عن مواجهة الحبيب بالنقص والبرودة ! |
السَّرْحُ الْمالُ السّائِمُ ، تَقولُ : سَرَحَتِ الْماشِيَةُ ، وَأَنْفَشْتُها ، وَأَرَحْتُها ، وَأَسَمْتُها ، وَأَهْمَلْتُها ، وَسَرَحْتُها سَرْحًا ، هذِه وَحْدَها بِلا أَلِفٍ . وَمِنْهُ قَوْلُه - تَعالى ! - : " وَحينَ تَسْرَحونَ " . وَسَرَحَتْ هِيَ بِنَفْسِها سُروحًا ، يَتَعَدّى ، وَلا يَتَعَدّى . تَقولُ : سَرَحَتْ بِالْغَداةِ ، وَراحَتْ بِالْعَشيِّ ، وَسَرَّحْتُ فُلانًا إِلى مَكانِ كَذا إِذا أَرْسَلْتَه |
ما زلنا منذ أدركنا ، نقول في قريتنا : " سَرَح ، اسْرَح ، نِسْرَح " ، بهذا المعنى ، وإن لم أذكر المصدر منه في استعمالنا ، إلا أن يكون " السَّرَحان " ، الذي يستعملونه في شرود الذهن . وما زلنا في الجيش المصري نسمي إطلاق الجنود تسريحا ، ولكن يلتبس به التصريح لهم بذلك |