محمد الحسناوي وشعر الأطفال
محمد الحسناوي وشعر الأطفال
محمد الحسناوي رحمه الله |
يحيى بشير حاج يحيى عضو رابطة أدباء الشام |
نستطيع أن نؤكد من خلال تتبع إنتاج الأستاذ الحسناوي أنه اهتم بأدب الأطفال مبكراً، وكتبه متأخراً.
ففي أواخر الستينيات من القرن الفائت قام بكتابة مقدمات مناسبة لأناشيد محمود أبو الوفا الدينية، ونشر الكتاب، للحاجة إليه. ثم شغلته أمور حتى عام 1996 فعاد ليتحف مكتبة الأطفال بعدد وافر من الأناشيد، وأقل من ذلك القصص والمسرحيات.
فما الذي جعله يكتب في هذا اللون، حتى إن ديوانه للأطفال (العصافير والأشجار تغرد للأطفال) قد فاز بالمرتبة الثانية في مسابقة رابطة الأدب الإسلامي العالمية عام 1999م.
يغلب على الظن أن الدافع لذلك عدة أمور:
أولها: دخوله في مرحلة الشيخوخة، ووجود أحفاد من حوله.
ثانيها: زواجه الثاني، وقد رزق بأربعة أطفال نجد أسماءهم تتردد في أناشيده وحكاياته، وقد جاء في الأثر: مَن كان له صبيّ فليتصابَ له.
ثالثها: تأثير صديقه الأديب عبد الله الطنطاوي الذي كان يشرف في تلك الفترة على مجلتين للأطفال، والحاجة إلى أناشيد، وكذلك مجلة الفاتح الإلكترونية.
رابعها: شعوره بنوع من الاستقرار، وتفرغه للكتابة بعد أن استهلك العمل السياسي والإعلامي أكثر وقته ومنذ 1979م.
كل هذه العوامل مجتمعة فيما نحسب، يضاف إليها تمكنه من الكتابة الشعرية والقصصية للكبار أولاً، كانت وراء توجهه في فترة من حياته إلى هذا اللون، فهو حين كتب هذا النوع من الأدب كتبه، وهو يملك الأدوات اللازمة وكان مَثَلُه كما يقول د. علي الحديدي، كمثل طبيب الأطفال الذي يمر أولاً بمرحلة الطب العام، ثم يطبق معلوماته على المرضى من الأطفال، كذلك الذي يكتب للصغار، لابد له من أن يعرف الأصول العامة للكتابة الأدبية، ثم يطبق معلوماته على ما يكتب للأطفال(1).
ولابد هنا أن نشير إلى ملاحظتين قيمتين حول نشيد الطفل:
الأولى للشيخ علي الطنطاوي –رحمه الله- إذ يقول:
النشيد كلمات معدودة، وألفاظ محدودة، لا يجوز أن يذهب لفظ واحد منها من غير أن يدل على شيء.
والأخرى للشاعر محمود أبو الوفا الذي يقول: يجب أن تكون اللفظة ذات إيحاء ونفاذ وقوة، ولا يصح أن تكون من ذوات الهمس، ولكن من ذوات الرنين، وبقدر ما تقل أدوات البيان بقدر ما يسمو النشيد إلى مراتب الإحسان.
ونضيف: أن يولد النشيد في حقل تجريبي كما فعل أحمد شوقي مع أطفال المصريين في الخارج، وكمال رشيد مع أبنائه في سلسلة (أناشيدي) 1984م، ويوسف العظم مع براعم الأقصى قبيل السبعينيات من القرن الفائت.
يمكننا أن نقول: إن الحسناوي حين كتب للأطفال كان في ذهنه هذه الملاحظات وغيرها، وكم كنا نتمنى أن نجد له آراء نقدية في هذا المجال، مع أنه كتب كثيراً من المقدمات لأعمال شعرية وقصصية، ولكن ليس بينها كتاب طفل(2).
كما لابد لنا من أن نلاحظ حين نقرأ ما كتبه للأطفال، أنه كان من مدرسة كامل الكيلاني الذي يجعل مما يكتب مجالاً يجد فيه الأطفال ألفاظاً جديدة، وكلمات عربية فصيحة تضاف إلى رصيدهم اللغوي، غير أن هناك نقاداً يعدون كثرة الكلمات المشروحة إشارة إلى أن الشاعر لم يستطع التأكد من وصول معنى الكلمة الشعرية التي استخدمها السياق الشعري المعين إلى الأطفال الذين يكتب إليهم، ولكن الحَكَم في ذلك هو تفاعل الأطفال مع النشيد واستجابتهم لإيقاعه وموضوعه.
وحسبنا –هنا- أن نضع بعض الصوى، وندل بالقدر المستطاع على ما كتبه الأستاذ الحسناوي في هذا الميدان، ونشير إلى أماكنه، مكتفين بملاحظات إجمالية، تاركين الإسهاب في ذلك لمن يفرد هذا الموضوع ببحث دراسي مستقل، وهو جدير بالإفراد ولنمضِ مع بعض أناشيده لنرى مدى انطباق ما ذكرنا عليها من فصاحة الكلمة، وخفة الوزن، ورشاقة الألفاظ، وابتعاد عن أدوات البيان، ودلالة كل لفظ على معنى، وإذا كنا قد عرضنا لشيء من طريقته في الكتابة للأطفال فإننا كما أشرنا سابقاً نطمح أن نجد دراسة معمقة توضح طبيعة الموضوعات التي طرقها وأسلوبه في تناولها، والأفكار والمعاني التي حرص على إبرازها، ونحث الذين يتتبعون ما كتبه في هذا اللون على جمع الحكايات والمسرحيات التي صاغها للصغار، فذلك أدعى إلى معرفة جهوده في هذا الميدان.
ونود أن نشير هنا إلى أن كثيراً من إنتاجه في هذا المجال متوزع ما بين مجلات فراس والرواد والفاتح الإلكترونية، ومجلة النور الكويتية.
وبعضه الآخر لا يزال مخطوطاً في ديوان (العصافير والأشجار تغرد للأطفال)، وقد أشارت زوجته الأديبة هيفاء علوان في موقع رابطة أدباء الشام في 14/3/2007 أن له ديواناًَ مخطوطاً بعنوان (هيا نغني للأطفال) كما أشارت إلى أن له مسرحيات إسلامية للصغار.
ونذكر بأن للشاعر –رحمه الله- أناشيد ملحنة بعنوان (مدينة الرسول) صدر عن مؤسسة الزاد في جدة عام 1421هـ، في كتاب وشريط حوى ثمانية أناشيد تحدثت عن المدينة المنورة ومشاعر الطفل المسلم نحوها، وعن مسجد قباء وجبل أحد، وساكني المدينة، ووادي العقيق، وغزوة الخندق، والمسجد النبوي، وقد جمعت ما بين الواقعة التاريخية والمشاعر البريئة بلغة الطفولة، صياغة وأداء!
تقول أنشودة (مسجد قباء):
قـبـاءُ يـا قـباء يا قباء يـا مسجداً مبارك الأرجاء صـلّى النبي فيكَ ما يشاء فـأنتَ أنت الدوحة الفيحاء | يا بسمة الأرض إلى السماء على طريق الهجرة الشماء والمسلمون أخلصوا الدعاء وأنت أنت الشامة الحسناء |
وتروي أنشودة (جبل أحد) طرفاً من الحدث في انتصار المسلمين أول الأمر، ثم مخالفة الرماة حين غادروا أماكنهم:
(أحدٌ) أيا جبلَ بـدم الرسول وصحبِه جاء الأعادي بالجموع والمسلمون على ثباتٍ | المعاليذكراكَ في قلبي عطرتَ حباتِ الرمالِ بالسابغاتِ من الدروع لا يضعفونَ من الخنوع | وبالي
ومن السيرة وأحداثها وعبرها، وتاريخها العطر إلى الطبيعة وما فيها من آيات تدل على عظمة الخالق نستظل بظل أنشودة (الشجرة) وهي تقدم نفسها للطفل، وتعقد معه علاقة مودة"*
أنا الشجرهْ، أنا الشجرهْ بـأوراقـي وأغصاني * * * جمال الكون في الشجرهْ فـصونوا غرستي تسلمْ | ثـيـابي حُلوةٌ أمُـدُّ الـظـلَّ والثمرهْ * * * بـسـاتـيـن وغاباتُ حـديـقـات وجـناتُ | خَضِرَهْ
وفي انتقاله من عالم الطبيعة إلى عالم الإنسان تطالعنا أنشودة "اليد" ونجد فيها طريقته في تعليم الطفل بعض الكلمات الجديدة:*
خمسٌ من عِـظامها السُّلامى * * * الـكفُّ والأصابعْ نسقي بها العطشان | الأناملْفي الكف ربـاطُها المفاصل * * * نـبعٌ منَ المنافع ونـمسح المدامع | كالسنابلْ
ثم يتبعها بشرح لبعض المفردات: الأنامل: رؤوس الأصابع- السُّلامى: عظام الأصابع – المدامع: العيون.
ونجد له كذلك أناشيد عن الصيف والشمس، والخلفاء الراشدين، تربط ما بين الشخص والحدث والمنهج ونجتزئ من أنشودة "عثمان بن عفان" قوله"
وذو النورين رسـولُ الله بـشَّرَه * * * مـضـى لله عثمانٌ يـحفّ طريقه نورٌ | عثمانُصـحـابيٌ ومعوانُ لـه الجناتُ عُنوانُ * * * شـهيدَ الظلم والغدرِ من القرآن في الفجر |
ومن أنشودة "عمر بنم الخطاب" قوله:*
رسول الروم بلا عرشٍ بلا قصرٍ بـه الإسلام ينتصرُ وفتحُ القدس مشهورْ | أدهشهأمـيـرٌ نام وحـيداً دونَ حُرّاسِ كضوء الشمس ينتشرُ يـصلي وَسْطَها عُمَرُ | كالناسِ
ويلاحظ في أناشيده التي عرضنا لبعضها أنه وضع لها مقدمات تمهد لها، كما أن لها حواشي تشرح بعض ألفاظها، وقد استعمل فيها الرجز وجوازاته والوافر والمتدارك فيضفي عليها إيقاعاً يتجاوب معه الطفل أداء ولحناً.
(1) في أدب الأطفال د. علي الحديدي ص 252
(2) ما كتبه الأستاذ الحسناوي في مجلة الأدب الإسلامي العدد 40/2004 حول ديوان حكايات أروى للشاعر محمد وليد كان دراسة وصفية للحكايات الشعرية، وقد كانت قصائد الديوان تعبيراً عن العواطف والمواقف الإنسانية، وتصويراً للطفولة البريئة، ولا تندرج تحت مسمى شعر الطفولة الذي يتحدث بلغتها ويعبر عن اهتماماتها.
(3) جماليات النص الشعري للأطفال لأحمد فضل شبلول ص 226
*** مجلة النور الأعداد: 262، 246، 249، 248.