دراسات في البيئة الجاهلية والشعر الجاهلي (7)
الأصل اليمني في النسب النبوي
أحمد الجدع
عندما دخل المسلمون العصر الجبري لم يعد لهم من أمرهم شيء، فتحكم فيهم عدوهم، وساس أمورهم تحوتهم، ورشقهم الحاقدون بسهامهم، ولم يدع لهم عدوهم فسحة لالتقاط أنفاسهم.
وجند هذا العدو الماكر رجاله وأنصاره وأتباعه، فانهالوا على تاريخنا وحضارتنا طعناً، ولم يدعوا من أمجادنا مجداً إلا أزروا به حتى اعتقدنا أو أعتقد كثير منا أن تاريخنا قد خدعنا، فما كنا نحسبه أمجادا إذابه يظهر لنا مثالب، وما كنا نظنه تقدماً إذا بنا نكتشف أنه تأخر!
ومما انهالوا عليه بسهامهم أنسابنا وآدابنا، فزعموا أن هذا الشعر العربي الجاهلي الذي قيل باللغة العربية الفصحى منحول ومزور معتمدين على تهمة لئيمة كثية يزعمون أن هذا الشعر إنما قيل بلغة العدنانين ، وأنى لبني قحطان أن يقولوا شعراً بلغة العدنانيين، وهم يغايرونهم في لغاتهم ولهجاتهم ومنطقهم.
ولأننا انقطعنا من زمن بعيد عن مصادر تاريخنا وثقافتنا فقد انطلى علينا هذا الزعم، ورحنا نحطب في حبال عدونا، وانهال نفر منا على شعرنا وأدبنا فاتهموه بالوضع والتزييف ، مؤيدين بذلك مقولات عدونا ومزاعمه.
ولو أن هؤلاء كلفوا أنفسهم فدرسوا البيئة العربية الجاهلية تعلموا أن اليمنيين قد انتقل أعداد هائلة منهم فسكنوا وسط الجزيرة وشمالها حتى وصلوا إلى العراق وكونوا دولة اللخميين في الحيرة كما وصلوا إلى الشام وكونوا دولة الغساسنة في بصرى، واللخميون والغسانيون من أصول يمنية.
وفي سبيل ضحض مثل هذه الافتراءات والدسائس أنشأت هذه السلسلة من المقالات أدرس فيها البيئة الجاهلية والشعر الجاهلي مركزاً في كل مقال منها على مفصل من مفاصل البيئة أو الشعر أو الاثنين معاً.
وفي هذه الحلقة السابعة أتناول النسب النبوي الزاكي مبينا ما دخله من دماء اليمنيين القحطانيين عن طريق النسب، فقد تزوج كبار رجالات هذا النسب الزاكي من بنات القحطانيين ، فكان أبناؤهم قحطانيي الخؤولة عدنانيي العمومة.
فإلى هذا النسب الزاكي نرتحل باحثين عن أولئك النساء اليمنيات اللاتي رفدنا النسب العدناني بالدم القحطاني.
% % %
عن سليمان بن أبي خيثمة قال:" ما وجدنا في علم عالم ولا شعر شاعر أحداً يعرف ما وراء معدّ بن عدنان ويعرب بن قحطان".
وهذان هما أصلا العرب، وهما الجذمان العظيمان اللذان عمرا جزيرة العرب وتلاحما معاً وأنجبا هذا الجيل العربي العظيم الذي اختاره الله لحمل رسالة الإسلام للأمم كافة والذي بلسانه نزل القرآن الكريم الجامع للشريعة التي ارتضاها رب العباد ليعيش خلقه في ظلالها سعداء أنقياء.
وأريد في هذا البحث أن أتتبع النسب النبوي الزاكي مبيناً ما فيه من التلاحم بين أصلي العرب .
% % %
من المعلوم أن إسماعيل الابن البكر لأبي الأنبياء خليل الله إبراهيم ، عليه وعلى إسماعيل السلام، قد حمله إبراهيم مع أمه هاجر ( المصرية) بأمر من الله وأسكنه مكة ، وكان إسماعيل يوم حمله إبراهيم إلى مكة رضيعاً، وهذا الأمر الرباني لابراهيم بحمل إسماعيل رضيعاً إلى مكة يجعلنا نؤمن بأن الله بحكمته قد أراد لإسماعيل أن يكون خالصاً من أي تأثير في تكوينه البيئي إلا ما يكون من بيئة مكة وبيئة العرب الذين يسكنون الجزيرة.
لهذا فإننا نقول بأن إسماعيل عليه السلام نشأ عربياً في بيئة عربية وبين قوم من العرب، وذلك حتى تؤسس هذه النشأة الأصل الثاني للعرب ملتحماً بالأصل الأول (القحطانيين) عن طريق المعاشرة والتربية ثم النسب، والتحام النسب إنما هو التحام الدماء، التي تنقل الصفات والعادات من وإلى طرفي النسب.
استقرت قبيلة جرهم القحطانية حول مكة، ونشأ إسماعيل في كنفها وتزوج منها، وكان نسله المبارك المتحدر من رأس النبوة إبراهيم الخليل قد اتخذ له خؤولة من قبيلة جرهم القحطانية القادمة بتقديرالله وقدره من اليمن.
جرهم هذه تولت أمر مكة وساست أمورها عشرات السنين مكتسبة شرعيتها لهذه الولاية من خؤولتها لإسماعيل عليه السلام.
ولأن جرهم كانت لها سيادة مكة وخؤولة إسماعيل فإن أبناء إسماعيل قد تزوجوا منها. وإن أحفاد إسماعيل أيضاً قد تزوجوا منها، فلهذا أقول بأن العرب الإسماعيلية في نشأتهم الأولى كانوا على أصل راسخ وصلة متجذرة بالأصل القحطاني للعرب.
تزوج مضر بن نزار بن معدّ بن عدنان امرأة من جرهم، فولدت له: إلياس بن مضر وقيس عيلان بن مضر.
تزوج إلياس بن مضر امرأة من قضاعة (وقضاعة من اليمن) اسمها ليلى بنت عمران بن الحاف بن قضاعة، وتلقب بخندف ، فولدت له أولاده الثلاثة : عامر بن إلياس الملقب بمدركه، وعمرو بن إلياس الملقب بطانجة وعمير بن إلياس الملقب بقمعة، ونسب الثلاثة إلى أمهم فقيل لهم: أبناء خندف، ثم صار اسم خندف علماً على أحد الفرعين العظمين من ابني مضر: فرع إلياس الذي أصبح معروفاً بخندف، ومن هذا الفرع جاء رسول الله r، وفرع قيس عيلان بن مضر الذي أصبح أبناؤه يدعون بالقيسيين.
تزوج مدركه بن إلياس امرأة من قضاعة فولدت له: خزيمة بن مدركة وهذيل بن مدركة، فخزيمة وهذيل عدنانيون وأمهم يمنية.
تزوج كنانة بن خزيمة: هالة بنت سويد بن الغطريف من أزد شنوءة من قبائل اليمن فولدت له عبد مناة بن كنانة.
تزوج مالك بن النضر بن كنانة: جندلة بنت الحارث بن مضاض الجرهمي فولدت له فهر بن مالك بن النصر، وفهر عند النسايين أبو قريش كلها.
تزوج لؤي بن غالب بن فهر ماوية بنت كعب بن القين بن جسر (من قضاعة) فولدت له أبناءه كعباً وعامراً وسامة والحارث.
تزوج مرة بن كعب بن لؤي امرأة بارقية، وبارق من الأزد من اليمن، فولدت له: يقظة بن مرة.
تزوج كلاب بن مرة: فاطمة بن سعد بن سيل، وهي من الأزد من اليمن فولدت له: قصي بن كلاب وزهرة بن كلاب.
تزوج هاشم بن عبد مناف سلمى بنت عمرو من بني النجار من الخزرج ، والخزرج من اليمن فولدت له عبد المطلب بن هاشم.