من نجوم الإسلام
من نجوم الإسلام
سلسلة تربوية تستمد من التاريخ
زاد البناء العقلي والنفسسي للأجيال الصاعدة
للأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي
عبد الله الطنطاوي |
|
بقلم: صالح أحمد البوريني |
تفضل الأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي بإهدائي نسخة من سلسلته القيمة ( من نجوم الإسلام ) التي صدرت عن دار القلم والدار الشامية في ثلاثة مجلدات أنيقة ضمت اثنتين وعشرين شخصية من التاريخ الإسلامي القديم والحديث ، ولا أنكر أن حب النظرة الأولى قد وقع في قلبي لهذا الإصدار الفاخر الذي أفاضت عليه كلمات الإهداء الخاص من قلب أديبنا الكبير عبيرا فواحا من صدق المحبة وصفاء الأخوة ، وظللت أختلف بين الحين والآخر إلى هذا الكنز فأتنقل بين تحفه وجواهره وأهم بالكتابة عنه فأتأخر ، إلى أن حان وقتها وحضر واجبها .
ولست أبالغ حين أقول إن المنصف يقف بكل إعجاب واحترام أمام هذه القامة الممتدة والطاقة المعطاءة التي تصل الليل بالنهار ، وتعمل في المنشط والمكره ، لتسد ثغرة أيقن الطنطاوي أنه مسؤول عنها ؛ فتصدى للواجب بما يليق به من الهمة العالية والثقة الراسخة والأداء المتميز ؛ ينقب في بطون الكتب ، ويراجع أمهات المصادر والمصنفات التي حفظت تراث أمتـنا ، وتناثرت في جنباتها سير رجالها الأفذاذ ؛ يلتقط درر الأخبار ، ويقف على صحيح الآثار ، ويهتضم تاريخ أولئك الصفوة الأخيار ، فيميز خبيث المرويات من الطيب ، ويترك الغث ويعنى بالسمين ، ثم ينظر فيما هو أصلح لعرض بضاعته ، وانجح لتبليغ دعوته ، فيصب ما استوعبه في عبارة محكمة ، وديباجة مشرقة ، وأسلوب ممتع يجريه مجرى الحوار بين الشخصيات التي يستدعيها من التاريخ والشخصيات التي يجسدها بخياله ويرسم ملامحها بقلمه .
وأشهد أنني ما قرأت واحدة من شخصيات هذه المجموعة المباركة إلا شعرت بأنني أتجدد وأمتلئ بمشاعر الثقة والحيوية وأن شحنة متوقدة من الهمة والطموح وحقنة منعشة من الأمل والعزيمة تتدفق عبر شراييني وتنداح في سويداء قلبي مع كل موقف من مواقف البطولة والرجولة ، ومع كل مشهد من مشاهد الجهاد والفدائية ، وحيال كل مقام من مقامات الاعتبار والادكار ، وما وقعت عيني على هذا السفر النفيس بمجلداته الثلاثة الجميلة إلا شعرت بالشوق إلى الجلوس إليه والارتشاف من نبعه السلسبيل .
إن هذه السلسلة التي بدأ الأديب الطنطاوي كتابتها منذ عام 1997 كانت تصدر منفردة كل شخصية في إصدار خاص بها ، ثم ظهرت الحاجة إلى طباعتها في مجلدات جامعة ليتيسر وضعها في مكانها اللائق في المكتبات العامة والخاصة وليسهل جمعها بين يدي القراء دونما عناء . وقد بتـنا ننـتـظر صدور المجلد الرابع من هذه السلسلة التي تتوجه همة الأستاذ الطنطاوي إلى الاستمرار في كتابتها حتى تصل إلى المائة إن شاء الله .
ومع ابتهالنا إلى الله عز وجل أن يبارك في صحة كاتبها حتى يتمكن من إتمامها وإتمام غيرها من مشروعاته الجليلة المباركة ، فإننا نجد من الواجب أن نلفت الأنظار إلى أهمية هذا المشروع التربوي وقيمته العلمية وأثره العظيم في صياغة وعي جديد بتراثنا المجيد وسير عظماء هذه الأمة عبر تاريخها الطويل وبث الروح المعنوية العالية في نفوس شبابنا ونشئنا الواعد وتوثيق عراه بثوابت دينه وتراثه ورسالته الخالدة ليكون ذلك عونا له على تنقية مشاربه وتطهير موارده من الشوائب والكدر ومواجهة الواقع بثقة ويقين واستشراف المستقبل بهمة عالية وطموح كبير .
إن هذه السلسلة جديرة بأن تأخذ موقعها في مكتباتنا ، وأن تكون محل عناية مؤسساتنا التربوية والإعلامية ؛ لأنها تصلح مرجعا يساعد في تغذية كثير من البرامج الإعلامية والتربوية لما تتميز به من جمال الشكل وقيمة المضمون ، وأرجو أن أوفق في الإشارة إلى بعض مزاياها فيما يأتي :
· نبل المقصد الذي وجهت السلسلة إلى تحقيقه :
وهو مقصد إحيائي تربوي جليل تغني في التعبير عنه كلمات المؤلف حيث يقول : " أردنا ـ بهذه السلسلة من عظماء أمتنا ـ أن نحيي ما توارى فينا من مروءات ونخوات وأريحيات ، تشد الشباب إلى ماضي أمته ، ليرفد حاضره ، من أجل مستقبل مشرق خال من الأمراض .. نريد أن نزود الأجيال بزاد الرجولة ، ونعيد بناءها العقلي والنفسي بما حفل به الزاد من قيم العروبة والإسلام " .
· تجاوز حاجز الزمن بين الشخصيات التاريخية :
ويتجلى ذلك في اختيار الأستاذ الطنطاوي للشخصيات التي يتناول عرض سيرها ؛ متجاوزا حاجز الزمن ليقف بنا مع وحدة الموضوع التربوي وخصوصية البعد الجهادي بمعناه الواسع الشامل الذي كرس جهده لخدمة دعوته واستدعاء نماذجه اللامعة ؛ فهو يختار من عهد الصحابة رضي الله عنهم بعض الشخصيات ، ثم يقفز متجاوزا القرون الطوال ليختار نماذج من شخصيات تاريخية من عصرنا الحديث ؛ فيقيمها في مصاف الأولين ، ويسلكها في طريق الخالدين ، بجامع موضوعي جليل هو الجهاد في سبيل الله عز وجل بمعناه الواسع الشامل الذي يعتني بالبناء العقلي والروحي والنفســي ويهتــم بالعقيدة والأخلاق والسلوك ، مثل اختياره في الجزء الأول لشخصية الشيخ عبد الرحمن الكواكبي ، وفي الجزء الثاني لثلاث شخصيات من العصر الحديث هم : الشيخ عز الدين القسام والشيخ سليمان الجوسقي وسليمان الحلبي ، وفي الجزء الثالث اختار شخصيتين تاريخيتين من أبرز شخصيات عصرنا الحديث هما الشيخ محمد الحامد والدكتور مصطفى السباعي .
· طريقة العرض القصصية الحوارية :
التي جعلت من السيرة لوحة تتجانس مع الواقــع وتقترب في خطوطها وألوانها من الحياة العصرية ، إذ يراوح بين الأسلوب القصصي ونـقـل الحقيقة التاريخيـة بإنشاء حوار يخرج بالسيرة عن مألوف السرد التاريخي الذي قـد يحمل في ثناياه شيئا من التكرار الممل . ولا يخفى ما يتطلبه ذلك مـن عناء النظر في ما بين يديه من الروايات والنصوص ومقارنتها ، واختيار النـقـول الثابتة دون غيرها ، ومراعاة التسلسل الزمني فيما يقـدم ويؤخر من الأخبار والأحداث .
وحين تضيف هذه الطريقة عنصر الزمان والمكان ، وتستخدم أسلوب التشويق والإثارة ؛ بطرح الأسئلة ووضع الاحتمالات والاستنتـاجات وعرض الإجابات والردود والتعقيبات ؛ تضعنا أمام أسلوب يتجلى فيه فن كتابة السيرة في صورة جديدة ، وذلك بإدارة حوار حي مفتوح يجمع بين عدد من الشخصيات المحيطة بالشخصية المحورية مقدما وصف الشخصيــة التاريخيـة وأهم تفاصيل سيرتها وأبرز مواقفها وخلاصة تجاربها وخبرتها وأهم أعمالها وأقوالها مريحا القارئ من التقيد بقواعد التوثيق واالتنصيص والحواشي المعتمدة في البحوث الأكاديمية ؛ كل ذلك في عبارة سلسة وسبك محكم .
· تركيزه على ذكر الإيجابيات دون السلبيات :
لأنها دراسـة توجيهيـة أكثر منها توثيقية ، فهـي موجهـة للجيل الناشئ والشباب الناهض الذي هو أحوج لزاد يعزز في شخصيته بناء القيم ويشد من أزر الأخلاق الفاضلة ويوجه إلى السلوك القويم .
· كلمة أخيرة :
( من نجوم الإسلام ) سلسلة قيمة جديرة باعتناء المؤسسات التربوية والمدارس والمعاهد التعليمية واقتناء الأسرة التي تحرص على تنشئة أبنائها على الفضيلة والرجولة وتوجيههم إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال وتنمية ذائقتهم اللغوية وحسهم الأدبي ، نرجو أن يوفق كاتبها إلى إتمامها لتكون موسوعة ميسرة للجميع .