التَّوافُقُ
أَحَدُ مَظاهِرِ عَلاقَةِ عِلْمِ الْعَروضِ بِعِلْمِ الصَّرْفِ
بَحْثٌ فيما بَيْنَ الْعَروضِ وَاللُّغَةِ
د. محمد جمال صقر
المدرس بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة
مُقَدِّمَةٌ
[1] بين العروض وعلم العروض والصرف وعلم الصرف ، من الفرق مثل الذي بين الموسيقا وعلم الموسيقا والنحو وعلم النحو ؛ فالأول من هذه الأزواج ، هو الكائن الطبيعي ، والآخر هو كاشفه وضابطه وقانونه ؛ فما علم العروض إلا جملة القواعد التي تحكم بناء البيت المفرد من الشعر ، وما علم الصرف إلا جملة القواعد التي تحكم بناء الكلمة المفردة من اللغة .
فإذا كان قد ثبت أنه ينضاف إلى علم العروض بعض الظواهر التي تتعلق بتتابع الأبيات لا البيت المفرد 1 ، فقد ثبت أنه ينضاف إلى علم الصرف بعض الظواهر التي تتعلق بتتابع الكلم لا الكلمة المفردة 2 . وإذا كان تفعيل البيت والأبيات ( تقطيعها ) ، هو التطبيق المقبول لعلم العروض ، فإن تصريف الكلمة والكلم ، هو التطبيق المقبول لعلم الصرف 3 .
[2] لا يخفى ما في طريقة العرض السابق ، من إيحاء بأن بين علمي العروض والصرف علاقة ما 4 ، وهو ما عرض له بعض الباحثين من جهات شتى على حسب منطلقاتهم وآرائهم :
فمنهم من رأى تلك العلاقة لا تجاوز حدود الشكل ، بل يكاد " علم الصرف لا يلتقي به إلا في ( الميزان الصرفي ) بشكل ظاهري واه " 5 .
ومنهم من دقق النظر في تلك المشابهة الشكلية ، ونبه على أهميتها ؛ فما الوزن الذي هو أساس في عمل الخليل ، إلا تطوير لمفهوم الميزان الصرفي ، بحيث يتناول البنية السطحية للكلمة لا البنية العميقة ، ويتجاوز الكلمة الواحدة إلى الكلم التي تمتزج فيه معا 6 .
ومنهم من سما إلى سماء الإنتاج العقلي ، فكشف أنه لا ريب في رسوخ أسس معينة طبعت العقل العربي ، فانبنى عليها واتصف بها كل ما أنتجه من علوم ؛ " فالثقافة الإسلامية القديمة وظفت نفس الأدوات في جميع حقول المعرفة . وهنا يكمن تماسك عميق لم يُكْشَفْ عنه بعد بما فيه الكفاية " 7 .
[3] كذلك نجد الإيحاء بتلك العلاقة ، في جمع العلماء والمعلِّمين جميعا - وإن بطرق مختلفة - بين علمي العروض والصرف :
من طائفة العلماء يبرز لنا شيخنا الخليل بن أحمد نفسه ، ثم الأخفش الأوسط ، مثالا واضحا ؛ فأولهما واضع علم العروض الذي لم يصلنا كتابه فيه ، والمفكر المدقق في علم الصرف الذي أثبت تلميذه سيبويه في كتابه كثيرا من آرائه ، والآخر وارث ذلك كله الذي لم يكفَّ عن إعمال رأيه فيه في خلال كتابيه في العروض والقافية ، وتعليمه الذي نثر آراءه في كتب علم الصرف ، بل إنه يُلْزِمُ طالب علم العروض بأن يتعلم أولا شيئا من علم العربية ( الصرف والنحو ) ؛ " فَإِنَّه أَقْوى لَه عَلَيْهِ " 8 .
ومن الجدير بالذكر هنا أن أصحاب معاجم العلوم والفنون العربية ، كانوا يجمعون في قَرَنٍ واحد ما يخص علم العروض ، وما يخص علمي الصرف والنحو ، من ظواهر ومصطلحات ، فهمًا منهم لتلك العلاقة ، يوحي به عملهم 9 .
وأما طائفة المعلِّمين فقد أدركتنا طريقتهم في الجمع في كتاب تعليمي واحد ، بين علمي العروض والصرف ، مما كان مثار معارضة مُنْكِري أَصالة تلك العلاقة 10 .
وليس أدل على عمل العلماء والمعلمين جميعا ، من أقسام " النحو والصرف والعروض " المنتشرة في جامعاتنا العربية المعاصرة منذ زمن غير قريب .
[4] إن صنوف الإيحاء بتلك العلاقة التي لم يُكْشَفْ عنها " بما فيه الكفاية " كما سبق من بعض الباحثين ، لجديرة بالاهتمام والبحث ، ولا سيما أن الباحثين وبخاصة قدماؤهم ، كانوا يعجبون من استواء علم العروض للخليل ، حتى إن منهم من قال بقِدَمِه وأن الخليل إنما وَجَدَه فَنَقَلَه 11 .
إنه إذا ما تجلت وثبتت علاقة علم العروض بعلم الصرف ، وتبددت تلك الشبهة ، وَضَحَ أن المُفَكِّرَ العَروضي كالمُفَكِّرِ الصَّرفي أَصالَةً .
[5] إذا تَتَبَّعنا العلمين تَقعيدًا وتَطْبيقًا ، فوجدنا من الأفكار ما يندرج ضمن واحد أو أكثر من المظاهر الثلاثة التالية :
1 التَّوافُقُ ، وفيه تَتَوَحَّدُ الأفكار وتتردد هي نفسها في كل من العلمين .
2 التَّوازي ، وفيه تَتَشابَهُ الأفكار ؛ فتَرِدُ في أحد العلمين فكرة مُضارِعَةٌ مُجارِيَةٌ لفكرة في الآخر .
3 التَّقابُلُ ، وفيه تَنْعَكِسُ الأفكار وتَتَضادُّ ؛ فَتَرِدُ في أحدهما فكرة مُضادَّةٌ مُقابِلَةٌ لفكرة في الآخر .
إذا كان ذلك لم نملك إلا أن نحكم بوجود العلاقة ، وربما حكمنا بوثاقتها . أما دلالة المظهرين الأول والثاني على ذلك فواضحة ، وأما دلالة المظهر الثالث فمن أن الأفكار حين تتقابل تدل على حضور العلمين في ذهن العالم في وقت معا على نحو ما ، فكأنه يضع فكرته هنا بحيث تقابل الفكرة التي هناك ، لسبب ينبغي كشفه ، وسواء أكان هو المفكر هنا وهناك أم كان أمامه غَيْرُه .
ومن الجدير بالذكر هنا أن الفكرة الواحدة ربما كان لتناولها في العلمين عدة أوجه ، منها ما يندرج ضمن مظهر وما يندرج ضمن آخر ، فيجوز للباحث أن يكرر النظر فيها والتعرض لها .
[6] إن علم الصرف بلاريب أسبق نشأة ، غير أن طريقة التفكير العربية آصَلُ من علمي الصرف والعروض حميعا ، وأَرْسَخُ جذرا وأَسْبَقُ عملا ؛ ومن ثم نستطيع أن نفسر كل مظهر للعلاقة حين يظهر ، بتأثير أحد العلمين في الآخر ، دون ضرورة أن يقتصر التأثير على الأسبق نشأة ، وأن نفسره بخروج العلمين جميعا من عقل واحد طبعهما بطابَعه .
[7] لقد كانت أفكار مظهر التوافق والمسائل التي أثارها ، من الخصب بحيث شَغَلَتْ هذا البحث كله ، ولم يُمْكِنّي أن أهمل منها ما أضع مكانه أفكار المظهرين الآخرين ومسائلهما .
وإنني لأرجو أن أتمكن أنا أو غيري من الباحثين ، من الوفاء بمظاهر تلك العلاقة ، لما له من خَطَرٍ في الدلالة على تآخذ علوم ثقافتنا الجليلة وأصالتها .
[8] أعتمد في هذا البحث - والله المستعان ! - على مراجع من علم العروض ، وعلم الصرف ، وعلم الموسيقا ، قديمة وحديثة ، وأستأنس بمراجع من علوم أخرى مختلفة ، قديمة أيضا وحديثة ، غير أن أهم ما أعتمد عليه وأستأنس به ، عِشْقٌ ودُرْبَةٌ مستمران لعلوم العربية وآدابها ، أَحْسَنَ الله إلى مَنْ أَنْبَتَ في قلبي زَهْرَتَهما !
وأنتهج منهج تتبع علمي العروض والصرف ، تقعيدا وتطبيقا ، لأجمع الأفكار المتوحدة فيهما المُتَرَدِّدَة بينهما ، فأعرضها وأنقدها ، استيضاحا لحقيقة دلالة هذا التوافق .
ثم أرتب إيراد هذه الأفكار ترتيبا منطقيا ، وأجعل مصطلح الفكرة عنوانا ، وسواء أكان متداولا أم وضعته لمّا لم أجد مثله ، ولا أخلي هذا ولا ذاك من إيضاح .
وأؤخر للحواشي بيانها ، لكيلا تعوق سير البحث وقراءته ، ثم لكي أضيف إلى البيان نفسه ، تفصيل المراجع كلما جد شيء منها ، فأقي البحث من التطويل ما يستغني عنه .
أَوَّلًا : الاسْتيعابُ الْأَوَّليُّ
[9] اتسم تأسيس علماء العرب القدماء لعلومهم بمنطقية واضحة ، ربما كانت وسيلة الوصول إلى النتائج القطعية . يظهر ذلك في حرصهم على التمهيد للعلم بافتراض الاحتمالات الممكنة التي تحقق استيعاب مسائله ، مهما يكن نصيب تلك الاحتمالات من الحدوث الحقيقي .
إن العالم حين يبدأ على هذا النحو ، يحقق الطمأنينة لنفسه أولا ، وللمتعلم ثانيا ؛ فيقتنعان جميعا بأن العرض التالي جدير بالثقة ، لن يترك شاردة من مسائل هذا العلم ولا واردة إلا أحصاها . وبعدئذ يستبيح العالم أن يجيز وأن يمنع ، وينبغي للمتعلم أن يخضع .
[10] إنني أجد في اعتماد علم العروض على التَّقْليب وعلم الصرف على القِسْمَةِ العَقْليَّة ، ذلك الحرص على الاستيعاب الأولي السابق ذكره.
أما التقليب فالفكرة التي أخرج بها شيخنا الخليل معجمه " العين " كذلك ، ودلت الناس على رياضيَّة تفكيره 12 . إن للتقليب في علم العروض ثلاثة استعمالات مترابطة :
أما الأول فتقليب الأسباب والأوتاد خارج الدوائر ، لضبط التفاعيل وإيرادها جميعا ؛ فإن ( فعولن ) التي تتكون من الوتد المجموع ( فعو ) والسبب الخفيف ( لن ) ، يقدم فيها السبب فتستحضر ( فاعلن = لن فعو ) ، وإن ( مفاعيلن ) التي تتكون من الوتد المجموع ( مفا ) والسببين الخفيفين ( عي ، لن ) ، يؤخر فيها الوتد ، فتستحضر ( مستفعلن = عيلن مفا ) ، ويقدم فيها أحد السببين على الوتد ، فتستحضر ( فاعلاتن = لن مفاعي ) ... وهكذا .
أما الاستعمال الثاني فتقليب التفاعيل نفسها في الدوائر ، لضبط بعض الأبحر وإيرادها ؛ فإن بحر السريع الذي يتكون شطره من هذه التفاعيل ( مستفعلن مستفعلن مفعولات ) ، تؤخر فيه التفعيلة الأولى ؛ فيستحضر بحر المنسرح ( مستفعلن مفعولات مستفعلن ) ، وتقدم فيه التفعيلة الأخيرة ، فيستحضر بحر المقتضب ( مفعولات مستفعلن مستفعلن ) ... وهكذا .
وأما الاستعمال الثالث فتقليب الأسباب والأوتاد في الدوائر ، لضبط بعض الأبحر وإيرادها ؛ فإن شطر بحر الطويل ( فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن ) المتكون من وتد مجموع فسبب خفيف ثم وتد مجموع فسببين خفيفين ثم وتد مجموع فسبب خفيف ثم وتد مجموع فسببين خفيفين ، يؤخر فيه الوتد المجموع الأول ، فيستحضر شطر بحر المديد ( فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن = لن مفاعي لن فعو لن مفاعي لن فعو ) - ويقدم فيه السببان الخفيفان الأخيران ؛ فيستحضر شطر بحر البسيط ( مستفعلن فاعلن مستفعلن فاعلن = عيلن فعو لن مفا عيلن فعو لن مفا ) ... وهكذا 13 .
أما القسمة العقلية فالفكرة البارزة في عامة مناحي علم الصرف ؛ إذ تجد العالم يتعرض مثلا لصيغة الكلمة المجردة الثلاثية - والثلاثي عنده الأصل - فيقول أولا بترك حركة اللام للنحو إعرابا وبناء ، ثم يترك احتمال سكون الفاء لأن العربية لا يبتدأ فيها بساكن ، ثم يضرب ثلاثة أحوال الفاء المحتملة ( من فتح وضم وكسر ) ، في أربعة أحوال العين المحتملة ( من فتح وضم وكسر وسكون ) ؛ فيستحضر اثنتي عشرة صيغة للكلمة الثلاثية المجردة ، ولا يمكن فيها غيرها : ( فَعَل ، فَعُل ، فَعِل ، فَعْل ، فُعَل ، فُعُل ، فُعِل ، فُعْل ، فِعَل ، فِعُل ، فِعِل ، فِعْل ) 14 .
[11] لقد كانت نتيجة الاستعمال الأول للتقليب ، أن خرجت التفعيلة ( فاعِلاتُكَ ) ، بتقديم السبب الخفيف من ( مُفاعَلَتُنْ ) المتكونة من وتد مجموع ( مفا ) بعده سببان ثقيل فخفيف ( عل ، تن ) ، هكذا ( فاعِلاتُكَ = تُنْ مُفاعَلَ ) ، وهي مهملة ، لا وجود لها في عروض الشعر المعتمد عليه 15 .
وكانت نتيجة الاستعمال الثاني للتقليب ، أن خرجت هذه الأبحر الخمسة ( بترتيب دوائر شيخنا الخليل ) : المُسْتَطيل ، وشطره ( مفاعيلن فعولن مفاعيلن فعولن ) ، بتأخير أولى تفاعيل شطر الطويل ( فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن ) ، والمُمْتَدّ ، وشطره ( فاعلن فاعلاتن فاعلن فاعلاتن ) بتأخير أولى تفاعيل شطر المديد ( فاعلاتن فاعلن فاعلاتن فاعلن ) ، والمُتَّئد ، وشطره ( فاعلاتن فاعلاتن مستفع لن ) ، بتأخير أولى تفاعيل شطر المجتث ( مستفع لن فاعلاتن فاعلاتن ) ، والمُنْسَرِد ، وشطره ( مفاعيلن مفاعيلن فاع لاتن ) بتقديم أخرى تفاعيل شطر المضارع ( مفاعيلن فاع لاتن مفاعيلن ) ، والمُطَّرِد ، وشطره ( فاع لاتن مفاعيلن مفاعيلن ) بتأخير أولى تفاعيل المضارع السابق نفسه ، وهي مهملة ، لا وجود لها في عروض الشعر المعتمد عليه كذلك 16 .
وكانت نتيجة الاستعمال الثالث للتقليب ، أن خرج هذان البحران ( بترتيب دوائر شيخنا الخلي ) : المُتَوَفِّر ، وشطره ( فاعلاتكَ فاعلاتكَ فاعلاتكَ ) ، بتقديم السبب الخفيف من آخر شطر الوافر هكذا : ( تنْ مفاعلَ تنْ مفاعلَ تنْ مفاعلَ ) ، والمُحْدَث وشطره ( فاعلن فاعلن فاعلن فاعلن ) ، بتأخير الوتد المجموع من أول شطر المتقارب هكذا : ( لن فعو لن فعو لن فعو لن فعو ) ، وهما مهملان ، لا وجود لهما في عروض الشعر المعتمد عليه 17 .
وكانت نتيجة القسمة العقلية ، أن خرجت للاسم الثلاثي المجرد هاتان الصيغان : ( فُعِل ، فِعُل ) وللفعل الثلاثي المجرد هذه الصيغ التسع : ( فَعْل ، فُعَل ، فُعُل ، فُعِل ، فُعْل ، فِعَل ، فِعُل ، فِعِل ، فِعْل ) ، وهي إما مهملة لا وجود لها في لغة العرب ، أو كالمهملة لعروضها أحيانا وعدم أصالتها 18 .
[12] لقد كانت هذه النتائج بابا إلى نقد منهج أولئك العلماء القدماء ، دخل منه الباحثون الوصفيون قدماء ومحدثين ، حتى لقد قال الدكتور إبراهيم أنيس في ستة من الأبحر المهملة السابق ذكرها : " الذي أرجحه أن هذه الأوزان الستة لم تكن من اختراع المولدين من الشعراء ، بل كانت من اختراع المولدين من أهل العروض !! " 19 .
أما أنها من اختراع العروضيين - وإن أوقعته ضرورة السخرية في مخالفة الحقيقة بنسبة ذلك إلى المولدين منهم ، وإنما أَحْدَثَه إمامهم شيخنا الخليل نفسه 20 - فحقٌّ لا ريب فيه ولا إنكار منهم له ، بل قد وَصَفوها بالإهمال فصَدَقونا وصَدَقوا أنفسهم .
وأما أن عملهم هذا يضع من قدر علمهم ، فغير مقبول عند من يراعي السياق الثقافي ، وغير مقبول عند من يعرف الأثر الحميد لعملهم هذا ، في عمل الشعراء منذئذ وإلى الآن . لقد كان في ( المهمل ) مُتَنَفَّسٌ ومندوحة ومجال بكر ، للمجددين من الشعراء ، اغتنموه قليلا قليلا . إنه إذا كانت مفردات المولدين كبيت من استعمل ( فاعلاتكَ ) وبحرها المتوفر ، قائلا :
" ما رَأَيْتُ مِنَ الْجَآذِرِ بِالْجَزيرَةِ إِذْ رَمَيْنَ بِأَسْهُمٍ جَرَحَتْ فُؤادي " 21
وبين من استعمل بحر ( المستطيل ) ، قائلا :
" أَمِطْ عَنّي مَلامًا بَرى جِسْمي مَداه فَما قَلْبي جَليدًا عَلى سَمْعِ الْمَلام " 22
- إذا كانت قد حملته على استنكار ما اقترفه علماء العروض ، ففي شيوعها في الشعر الموشح 23 ، ثم في ظهور البحر السابع المهمل ( المحدث ) الذي سمي بعدئذ ( المتدارك ) ، في الشعر العمودي منذ زمان بعيد ، وغلبته على الشعر الحر في القرن الميلادي العشرين 24 ، ما يكشف عبقرية عملهم ويطرح عنه الاستنكار والسخرية 25 .
وليس أمر ( المهمل ) من صيغ الكلم في علم الصرف ، عن ذلك ببعيد ؛ فقد استعمل المتكلم العربي للأسماء صيغتي ( فُعِل ، فِعُل ) جميعا ، في ( دُئِل ، رُئِم ، حِبُك ) ، وللأفعال صيغتي ( فَعْلَ ، فِعِلَ ) مثلا ، في ( عَلْمَ ، شِهِدَ ) ؛ فدل على أن له بالمهمل حاجة 26 .
ثانِيًا : الْوَزْنُ
[13] يحتاج الصائغ قبل أن يعالج صنع عقد من الذهب لفتاة يعرفها ، أن يستعين بالوزن دائما ليصنع ما يناسبها ؛ فيزن الذهب من قبل أن يمسه ومن بعد أن يصير بين يديه حبات متلائمة ، بل بعد هذا أيضا ليقدر ثمن العقد !
وما هذا الوزن إلا اختبار ثقل الذهب وخفته ، باستعمال أداة مناسبة تقابله ، ليحكم بنصيبه من الثقل أو الخفة أو الاعتدال ، بالقياس إليها 27.
كان ذلك الصائغ يقابل المثقال من الذهب بمقدار من النحاس ، فيعرف هو ومعامله جميعا معا عندئذ ، الوزن ، لأنهما قد تعارفا على كون قطعة من النحاس أداة مناسبة لوزن الذهب ، ثم صار يستعمل جهازا خاصا يقابل ذلك المثقال بعدد حسابي ، فيعرف هو ومعامله جميعا معا عندئذ الوزن ، كما عرفاه من قبل ، بل معرفة أدق .
[14] إن من يوشك أن يستعمل الكلمة ، يشبه ذلك الصائغ - بل قد سُمِّيَ باسمه كثيرا ، وسُمِّيَتْ بنية الكلمة صيغة - يحتاج أن يعرف وزنها ، وسواء في هذا أن يريدها لبيت من الشعر وأن يريدها لعبارة من النثر ؛ إذ ليست الكلمة سوى مقطع من الأصوات أو أكثر ، وعلى حسب نوع هذه المقاطع وعددها وترتيبها ، يكون لتلك الكلمة قيمتها التي إذا عرفها مستعملها ، وضعها موضعها ، قال العقاد في كلمة جامعة : " حسبنا أن نلاحظ في تركيب المفردات من الحروف أن الوزن هو قوام التفرقة بين أقسام الكلم في اللغة العربية ، وأن اللغات السامية التي تشارك هذه اللغة في قواعد الاشتقاق لم تبلغ مبلغها في ضبط المشتقات بالموازين التي تسري على جميع أجزائها وتوفق أحسن التوفيق المستطاع بين مبانيها ومعانيها . فالفرق بين يَنْظُر ، وناظِر ، ومَنْظور ، ونَظير ، ونَظائِر ، ونَظّارَة ، ومُناظَرَة ، ومَنْظَر ، ومِنْظار ، ومُنْتَظر ، وما يتفرع عليها هو فرق بين أفعال وأسماء وصفات وأفراد وجموع ، وهو كله قائم على الفرق بين وزن ووزن ، أو قياس صوتي وقياس مثله ، يتوقف على اختلاف الحركات والنبرات ، أي على اختلاف النغمة الموسيقية في الأداء . وحكم الأسماء الجامدة كحكم المشتقات في هذه الخصلة ؛ فإنها تجري جميعا على أوزان معلومة تشملها بأقسامها على تفاوت قوتها " 28 .
ولهذا كانت اللغة العربية ، في أصلها ، عنده ، لغة شاعرة ، لانبنائها على نسق الشعر وكونها بنثرها وشعرها ، فَنًّا منظوما منسق الأوزان والأصوات 29 .
[15] كما ابتكر علماء المادة الطبيعية أدوات وزنها في البدء ، مما يشغل حيزا مثلها ، رصد علماء العربية لمقاطع أية كلمة ، مقاطع معينة تناسبها وتصلح مِنْ ثَمَّ لوزنها ، تتجمع لتكون كلمة جُرِّدَتْ من المعنى وأُخْلِصَتْ لتكون مثالا تُحْذى عليه الكلم إن لم تكن قد صيغت بعد ، ويكشفها ويبينها إن تكن قد صيغت ، " واستعمل ذلك اللفظ في معرفة أوزان جميع الكلمات ، فقيل : ( ضَرَبَ ) على وزن ( فَعَلَ ) ، وكذا ( نَصَرَ ) و( خَرَجَ ) ، أي هو على صيغة يتصف بها ( فَعَلَ ) ، وليس قولك ( فَعَلَ ) ، هي الهيئة المشتركة بين هذه الكلمات ، لأنا نعرف ضرورة أن نفس الفاء والعين واللام غير موجودة في شيء من الكلمات المذكورة ؛ فكيف تكون الكلمات مشتركة في ( فَعَلَ ) ؟ بل هذا اللفظ مصوغ ليكون محلا للهيئة المشتركة فقط ، بخلاف تلك الكلمات ؛ فإنها لم تصغ لتلك الهيئة بل صيغت لمعانيها المعلومة " 30 .
وفضلا عن حاجة العروضي والصرفي جميعا ، إلى وزن الكلمة ، واتفاقهما في فكرة أداته ، لا يكادان يختلفان في الأداة نفسها كذلك ، قال الدماميني : " اختار العروضيون للأجزاء الدائرة بينهم في وزن الشعر ، الفاء والعين واللام ، اقتفاءً لأهل الصرف في عاداتهم وزن الأصول بهذه الحروف ؛ فحذوا حذوهم في مطلق الوزن لما كان على ثلاثة أحرف مع قطع النظر عن الأصالة والزيادة ، وأضافوا إلى ذلك من الحروف الزوائد سبعة وهي الألف والياء والواو والسين والتاء والنون والميم " 31 .
وعلى رغم ظهور ذلك الاقتفاء الذي رآه من العروضيين للصرفيين ، لا يمتنع أن يكونوا جميعا مقتفين مقتضى الحاجة الواحدة .
[16] وكما صار صائغ الذهب يستعمل في وزنه جهاز الحساب العددي ، صار بعض الدارسين المحدثين لعلمي العروض والصرف ، يستعملون في وزن الكلمة ، أدوات علمي الأصوات والموسيقا الحديثين ، ويدعون إلى ترك الأداة القديمة البالية 32 .
ولم يعد أحد يستطيع أن يطرح عنه منجزات علمي الأصوات والموسيقا الحديثين في دراسته لعلمي العروض والصرف ؛ ففي الأخذ بها كشف كثير من الدقائق الخفية المعضلة التي تعترض طريق الدراسة .
ولكن ينبغي أن نثبت لأداة الوزن القديمة ، صفتها العليا التي لا تنازعها إياها أداة أخرى ، وهي وَظيفيَّتُها ؛ فإن المتعلم متى وعى تلك الأداة وفكرتها ، استطاع دائما أن يميز في التَّوِّ ما يلقى عليه ، بل أقول مع الأستاذ محمد العلمي الذي حَصَرَ قوله في علم العروض - وأنا أضيف إليه علم الصرف - : إن تلك الأداة القديمة نفسها ، بما لها من خصائص كخصائص موزونها ، تبين لنا الوزن سمعيا وبصريا ، أي بالصوت والصورة ، إذا جاز هذا التعبير 33 .
• طَبيعَةُ السّاكِنِ وَالْمُتَحَرِّكِ وَتَواليهِما :
[17] يطلق مصطلح الساكن والمتحرك في علمي العروض والصرف ، على الحرف ؛ فكل من اللام والألف والواو والياء في أواسط هذه الكلمات : ( عِلْم ، باب ، قَوْل ، دور ، بَيْن ، عيد ) ، حرف ساكن ، وكل من اللام والواو والياء في أواسط هذه الكلمات : ( طَلَع ، أَوَد ، قِيَم ، حَلُم ، عَلِم ، حَوِر ، أَيِس ) ، حرف متحرك .
وقد قام على أساس طبيعة الساكن والمتحرك وطريقة تواليهما أحدهما أو كليهما ، حديث علماء العروض والصرف جميعا ، في الوزن وغيره من مسائل هذين العليمن ، حتى صارت معرفة هذا الأساس ضرورة ، قال ابن عبد ربه : " اعلم أن أول ما ينبغي لصاحب العروض أن يبتدئ به ، معرفة الساكن والمتحرك ؛ فإن الكلام كله لا يعدو أن يكون ساكنا أو متحركا " 34 ، وليس صاحب الصرف بمَنْأًى ، وتَفَقُّد كُتُبِه دليل لا يُرَدُّ .
[18] وبتقدم البحث في علم الأصوات وأدوات القياس ، مَيَّزَ الباحثون المحدثون طائفتين من الأصوات ، واضحتي المعالم ، لم يطابقا طائفتي المتحركات والسواكن السابق بيانهما تماما :
1 طائفة ما يقبل من الأصوات موقع بداءة المقطع ، ولا يصح قمة له .
2 طائفة ما لا يقبل موقع بداءة المقطع ، ويصح قمة له .
ثم رجعوا إلى المتحرك فشقوه نصفين ، ليجعلوا نصفه الأول من الطائفة الأولى ، ونصفه الآخر من الطائفة الأخرى ، وإلى ( الساكن ) ، ليخرجوا مما أودعه القدماء فيه ، ألف المد وواوه وياءه ؛ فيجعلوها من الطائفة الأخرى لديهم ، وواو اللين وياءه ، ليجعلوهما نمطا مزدوجا من أصوات الطائفة الأخرى نفسها ، غير أن بداءته تنتمي إلى الطائفة الأولى ؛ ومن ثم احتاج هؤلاء الباحثون المحدثون إلى أن يستبدلوا بالساكن والمتحرك ، مصطلحين مقبولين ؛ فكان منهم من أطلق على صوت الطائفة الأولى مصطلح ( الصامت ) ، وعلى صوت الطائفة الأخرى مصطلح ( الصائت ) ، وكان منهم من قال بـ( الصامت ) و( المصوِّت ) ، ولكن كان منهم من أخذ من القدماء وعدل ؛ فقال بـ( الساكن ) لصوت الطائفة الأولى ، و( الحركة ) لصوت الطائفة الأخرى ، وكل منهم معنيٌّ بالجانب الوظيفي من الأصوات ، لا النُّطقي ولا الفيزيقيّ ، وهو ما أراه بقية تَأَثُّرِ منهج القدماء 35 .
[19] لقد انكشف أن علماءنا القدماء كانوا يرون أن الصوائت الطويلة ( حروف المد ) ، مشكولة بالسكون ، ومسبوقة بحركة من جنسها ، وأنهم راعوا رأيهم هذا في علمي العروض والصرف جميعا ؛ ففي حين ميزوا فتحة ما قبل ألف التَّأْسيس ، عن الألف ، وسموها ( الرَّسَّ ) ، وحركات ما قبل ألف الرِّدْف وواوه ويائه ، عنها وسموها ( الحَذْوَ ) ، وحركات ما قبل ألف الوصل وواوه ويائه ، عنها وسموها ( المَجْرى ) ، وغير ذلك ، في علم العروض - جعلوا ما يسكن من حروف العلة بعد حركة مناسبة ( أي فتحة قبل الألف ، وضمة قبل الواو ، وكسرة قبل الياء ) ، مدا ، في حين يجعلون الواو والياء ، متى سكنتا بعد فتحة ، حرفي لين لا مد ، وكذلك جعلوا تغيير ( لَمْ يَخافْ ) إلى ( لَمْ يَخَفْ ) تخلصا من التقاء الساكنين بحذف الألف بعد الخاء ، وغير ذلك ، في علم الصرف .
إنما كان ذلك ، عند بعض اللغويين المحدثين ، نتيجة أمرين :
1 " أن الصائت الطويل في التحليل العروضي كما وضعه الخليل يحسب صوتا ساكنا مسبوقا بحركة من جنسه ؛ فتحليل كلمة مثل ( بي ) تحسب على أنها مؤلفة من : متحرك + ساكن ، أي من صوتين ، وهي فونولوجيًّا مؤلفة من : باء + كسرة + كسرة ، أي من صامت وحركتين قصيرتين ، وهي تشبه من الناحية العروضية كلمة مثل ( لَمْ ) التي تحسب على أنها مكونة من : متحرك + ساكن ، وهي فونولوجيًّا مؤلفة من : لام + فتحة + ميم ، أي من صامت وحركة قصيرة وصامت . وسوغ ذلك للخليل أن مثل هذه الكلمات من حيث الكم المقطعي متساوية . وهو ما يوضحه تبادلهما في بيت من الشعر ، ودون أن يؤدي ذلك إلى إخلال بالوزن .
2 المساواة في طريقة الكتابة بين الصامت والصائت الطويل " 36 .
لقد كان من ذكاء هذا اللغوي الفاضل ، أن وازن بين ( لم ) و( بي ) ، لأن الهواء والجهر كليهما ، يستمران في الميم على رغم سكونها ؛ فيتطابق زمنا المقطعين ، أما إذا وازن بين المقطع ( قد ) في ( قدرة ) ، والمقطع ( قا ) في ( قارة ) ، فلن نستطيع أن نحكم بتطابقهما زمنا كما كان فيما قبلهما ، لاحتباس الهواء والجهر كليهما في الدال الساكنة ، لكنني لا أنكر أنهما متقاربان زمنا ، وأن الشاعر أولا ثم المنشد من بعده ، يستفيدان من هذا التقارب ، إنابة أحدهما عن الآخر ، مما كان عند أستاذنا الدكتور محمد حماسة ، أحد مقومات مرونة الشعر العربي 37 ، وهو ما راعاه علم العروض بإطلاقه مصطلح السبب الخفيف عليهما جميعا ؛ فكان موضع نقد بعض الباحثين ؛ إذ رأوا فيه مجافاة للحقيقة ومراعاة للشكل البحت ، وأنه لم يعد مقبولا أن نصبر على هذه التسوية بين ما لا يتساوى ، بعد النتائج المذهلة للقياس الصوتي والزمني المتطور 38 .
ومازلت أدعو مع الداعين إلى الانتباه إلى مخالفة غاية شيخنا الخليل ومن تبعه ، لغاية علمي الأصوات والموسيقا الحديثين ومن اعتمد عليهما ، في أن الأولى وظيفيَّة ، لا ضرر من أن نتغياها مع الأخرى ؛ فننجح عملا وعلما .
أما خداع الكتابة للباحث ، فشائع ذائع ، يظل مانعا من الاعتماد عليها والاستناد إليها عند التحقيق . ولقد زاد من التخليط في هذه المسألة ، أن بعض الكاتبين كان يضع فتحة على ما قبل ألف المد ، وضمة على ما قبل واو المد ، وكسرة على ما قبل ياء المد 39 .
[20] إن الوزن نمط خاص من الإيقاع ؛ فإن الإيقاع عبارة عن التناوب المتوالي لظاهرتين أو حالين متضادتين ، كالمشي والوقف ، والصحو والنوم ، وليس الوزن ( الإيقاع اللغوي ) بمختلف عن هذا ؛ فهو " يتولد من توالي الأصوات الساكنة والمتحركة على نحو خاص ، بحيث ينشأ عن هذا التوالي وحدة أساسية ، هي التفعيلة التي تتردد على مدى البيت ، ومن ترددها ينشأ الإيقاع ، ومن مجموع مرات التردد في البيت الواحد يتكون ما يسمى بالوزن الشعري " 40 .
إنه إذا كان الوزن العروضي يخرج بترديد هذه الوحدة الأساسية ، فإن الوزن الصرفي يخرج فيها ومن خلالها هي نفسها .
[21] ولما كان ذلك كذلك ، كره علماء الصرف والعروض جميعا ، توالي المتحركات ، ومنعوه إذا تجاوز الحد ، لأنه " يلزم أن تكون متحركات حروف الأقاويل الموزونة متحركات محدودة ، وأن تتناهى أبدا إلى ساكن " 41 ؛ فالإيقاع في الوزنين العروضي والصرفي جميعا ، معتمد على ذلك التناوب السابق ذكره .
أما علماء العروض فقد وصفوا الزحاف المزدوج بالقبح ، لشدة ما يحدثه من تغيير ، ومن هذا إخراج أربعة متحركات متوالية ، كما في خَبْلِ ( مُسْتَفْعِلُنْ ) الذي يحولها إلى ( مُتَعِلُنْ ) ، واستعملوا للزحاف بعامة ، قوانين المعاقبة والمراقبة والمكانفة ، وهي ضوابط مدى حريته ، التي تمنع منه مَثَلًا ما يؤدي إلى توالي أكثر من أربعة متحركات ، قال الدماميني عن زحاف بحر المنسرح : " المعاقبة فيه واقعة في ( مستفعلن ) الذي بعد ( مفعولات ) ، فتعاقب فاؤه سينه ، وذلك لأنهما لو أسقطا حتى يصير الجزء إلى ( فَعِلَتُنْ ) وقبلها تاء ( مفعولاتُ ) لاجتمع خمس حركات ، وذلك لا يتصور وقوعه في شعر عربي أبدا " 42 ، وفي مرة أخرى قال : " وهو لا يتصور في شعر عربي أصلا " 43.
إنه إذا كان خبل ( مستفعلن ) مكروها ، فخبلها بعد ( مفعولات ) ممنوع .
أما علماء الصرف فقد منعوا توالي أربعة متحركات في كلمة واحدة أو ما بمثابتها ، لأنها معرضة لأن يسبقها أو يلحقها متحرك أو أكثر ، وعندئذ يقع المحظور ، قال سيبويه : " أحسن ما يكون الإدغام في الحرفين المتحركين اللذين هما سواء إذا كانا منفصلين ، أن تتوالى خمسة أحرف متحركة بهما فصاعدا . ألا ترى أن بنات الخمسة وما كانت عدته خمسة لا تتوالى حروفها متحركة ، استثقالا للمتحركات مع هذه العدة ، ولابد من ساكن . وقد تتوالى الأربعة متحركة في مثل ( عُلَبِط ) ، ولا يكون ذلك في غير المحذوف . ومما يدلك على أن الإدغام فيما ذكرت لك أحسن أنه لا يتوالى في تأليف الشعر خمسة أحرف متحركة " 44 ، وقال ابن عصفور فزاد بيانا : " وكذلك ( جَنَدِل ) ، و( ذَلَذِل ) ، ليس فيه دليل على إثبات ( فَعَلِل ) في أبنية الرباعي ، لأنهم قالوا ( جنادل ) و( ذلاذل ) في معناهما ؛ فهما مخففان منهما . ومما يؤيد ذلك أنه لا يتوالى في كلامهم أربعة أحرف بالتحريك ؛ ولذلك سكن آخر الفعل في ( ضربْت ) ، لأن ضمير الفاعل يَتَنَزَّلُ من الفعل منزلة جزء من الكلمة فكرهوا لذلك توالي أربعة أحرف بالتحريك . فإذا كان ممتنعا فيما هو كالكلمة الواحدة ، فامتناعه فيما هو كلمة واحدة أحرى " 45 .
إن توالي أربعة متحركات في كلمة واحدة أو ما هو بمنزلتها ، غير تواليها في كلمتين ، لأن الأول أصلي قائم أبدا ، والآخر عارض يحتمل ألا يكون ؛ ومن ثم أوجبوا قطع التوالي الأول بساكن ولم يملكوا في الآخر إلا أن يكرهوه ، ويزينوا للمتكلم تسكين الإدغام كلما اجتمع له حرفان متماثلان أو متقاربان .
[22] لاحظ الدكتور أحمد بسام ساعي ، في الشعر الحر الذي يسميه " التَّوْقيع " ، توالي خمس حركات ، ورآه ظاهرة شديدة الخطورة ، لما فيها من هدم لقانون التوالي السابق ذكره وشرحه ، غير أنه توقف في مسألة منع عروض الشعر العربي لها ، قائلا : " توالي الحركات في الشعر العربي لم يمنعه العروض بقدر ما منعته اللغة ؛ فاللغة العربية في طبيعتها تفتقد التراكيب التي يتوالى فيها أكثر من أربع حركات ، وباستطاعتنا أن ننظم بيتا أو أبياتا تتوالى فيها حركات كثيرة قد تتجاوز العشر " ، وهو ما فعله في الحاشية قائلا : " كما في هذا البيت وأرجو أن ينظر إليه من الناحية العروضية فقط :
أَوَلَمَسَ وَعَرَفَ حَقيقَةَ أَنَّ (م) جِهادَ الْحُبِّ عَلَيْهِ عَزيزْ
فَعَلَلُ فَعَلَلُ فَعَلُـنْ فَعَلُـنْ فَعَلُنْ فَعَلُنْ فَعَلُنْ فَعَلانْ
وقد توالى في الشطر الأول إحدى عشرة حركة ، ولكننا نعجز عن إتمام البيت على هذا الأساس ، والأذن العربية لا تنبو عن موسيقاه ، والعائق كما هو واضح ، لغوي لا عروضي أو موسيقي " ، ثم يكمل في المتن : " ولكن هذا لن يكون أمرا ميسورا في لغة كاللغة العربية ، وسنعجز عن إتمام البيت أو الأبيات على تلك الصورة من غير تكلف واقتسار ظاهرين " 46 .
إنني أعجب من تمييزه على هذا النحو ، بين الوزن العروضي وهو ما عبر عنه بالعروض ، والوزن الصرفي وهو ما عبر عنه باللغة ؛ إذ ليس الأول إلا تركيبا للآخر ، هذه واحدة .
ثم إن اللغة لم تمنع توالي المتحركات إلا في الكلمة الواحدة أو ما بمثابتها ، أما فيما سواهما فالكراهة فقط ، هذه أخرى .
ثم إن في توالي المتحركات اختلالا إيقاعيا ألصق بالنثر منه بالشعر ، قال الجوهري في خلال تفصيله لعلل العروض المرفوضة : " الثالثة ترك الوزن ، كالجمع بين خمس متحركات ، وتحريك سواكن الأوتاد والأسباب ونحوها ، مما يدرك بالذوق نبو الطبع عنه لفساد النظم . وهذا لا يسوغ للمحدث ولا للقديم ، لأن فيه تركا للوزن ، وإخراجا للنظم إلى النثر " 47 .
ومن ثم كانت ظاهرة توالي خمسة متحركات ، من ظواهر تسرب النثر إلى الشعر الحر التي أغرم بها شعراؤه ، وحرصوا عليها في أَوَّليَّته ، هذه ثالثة .
أما الملاحظة الرابعة الأخيرة ، فأن الوزن العروضي يأبى ذلك التوالي الذي يحاول السيد الباحث إقناعنا بقبوله له ، وما زلت منذ أعدت النظر في ذلك البيت الذي صنعه ، أتخيل العربي المدرب وقد اختلس الحركة ؛ فقطع التوالي من أوله ( " أَوَلَمْسَ " بتسكين هذه الميم ) ، وآخره ( " وَعَرْفَ " ، بتكسين هذه الراء ) .
[23] كما كان توالي المتحركات على هذا النحو السابق ، خللا إيقاعيا ، يكون توالي الساكنين المصطلح عليه عند القدماء بالتقاء الساكنين ؛ فإن " السواكن إذا كثرت ثقل مسموع القول وزال بعض بهائه " 48 ، فكيف يكون مسموع القول إذا توالت والتقت !
[24] إن التقاء الساكنين ينشئ هذه المقاطع التي راعيت أن يكون كل منها كلمة مستقلة :
1 " لامْ " بتسكين الميم = ص ح ح ص : المقطع الطويل المغلق بصامت واحد .
2 " لـمّْ " بتضعيف الميم وتسكينها : المقطع الذي يجعله متوسطا مغلقا = ص ح ص ، من يراعى النطق وحده ، ويجعله طويلا مغلقا بصامتين = ص ح ص ص ، من يراعي الوظيفة وحدها .
3 " لـمْحْ " بتسكين الميم والحاء = ص ح ص ص : المقطع الطويل المغلق بصامتين .
4 " لامّْ " بتضعيف الميم وتسكينها : المقطع الذي يجعله طويلا مغلقا بصامت واحد = ص ح ح ص ، من يراعي النطق وحده ، ويجعله نمطا متفردا لا يضارعه غيره فيسميه مَديدًا مثلا = ص ح ح ص ص ، من يراعي الوظيفة وحدها 49 .
ولقد قسم الدكتور سعد مصلوح ، المقاطع على حسب وقوعها في الكلمة ، على قسمين : حرا ومقيدا . فأما المقطع المقيد فيقع في نهاية الكلمة عند الوقف عليها ، ويشمل من الأنواع السابقة ( 2 ، 3 ، 4 ) ، وأما المقطع الحر فيقع في بداءة الكلمة ووسطها ونهايتها ، ويشمل النوع ( 1 ) ، الذي مثل له السيد الباحث قائلا : " مثاله ( رادُّك ) ، و( تَحاضّون ) ، و( تَقاصّ ) . وتتجه العربية المعاصرة إلى التقليل من استعمال هذا النوع من المقاطع . وقد لاحظ علماء السلف كالمبرد ، أن هذا الضرب لا يقع في عروض الشعر إلا ما كان من قول القائل :
فَرُمْنا الْقِصاصَ وَكانَ التَّقاصُّ فَرْضًا وَحَتْمًا عَلى الْمُسْلِمينا
ويعلق المبرد بقوله : ( ولو قال : وكان القصاص ، لكان أجود ) " 50 .
إن استعمال هذه الأنواع الأربعة جميعا ، يعطل تدفق الأصوات ، ويخل بإيقاعها ؛ ولذا حصرته العرب في نهاية الكلمة ، وعند الوقف الذي هو خاتمة ذلك التدفق وهذا الإيقاع ، غير أنهم استعملوا النوع الأول في الوصل ( أي غير الوقف ) في نثرهم وشعرهم ، وبلسان عربي مبين نزل القرآن الكريم ؛ فاحتاج هذا الاستعمال إلى فضل نظر .
أما الشعر فقد شذ فيه هذا البيت الذي اجتمع فيه قصر تفعيلة العروض ( فعولن ) إلى ( فعولْ ) - وهو ما لا يكون إلا عند التصريع الذي يقف فيه الشاعر ومن بعده المنشد ، على العروض ، مثل وقوفه على الضرب - والتدوير الذي ينبهنا إلى شدة اتصال شطري البيت ، فضلا عما يوحي به سبق كلمة ( القصاص ) ، من أن في مجيء كلمة ( التقاص ) تَعَمُّلًا واصطناعا 51 .
أما النثر فإننا إذا أحصينا ما وقع فيه هذا المقطع في غير النهاية من الكلمات ، ثم طرحنا الخاص منها والشاذ ، لم نجده يخرج عما في مثل ( ضالّ ) و( تُمودَّ ) المبني للمجهول من ( تَمادَّ ) و( دُوَيْبَّة ) مصغر ( دابَّة ) ، أي يقع كذلك بشرطين : الإدغام وتوحد الكلمة 52 .
ثم إن هذا المقطع في مثل : ( تُمودَّ ) ، و( دُوَيْبَّة ) ، أقل في لغة العرب منه في مثل ( ضالّ ) ، فضلا عن أن العرب كانت تهمز ألف مثل ( ضالّ ) ، كما في قول راجزهم :
" خاطمَها زَأَمَّها أَنْ تذهبا "
أي زامها ، ولولا الهمز لانكسر الوزن ، حتى لقد قرأ قراؤهم بالهمز قول الحق - سبحانه ، وتعالى ! - : " ولا الضالّين " ، هكذا : " ولا الضَّأَلّين " ، وقوله : " عَنْ ذَنْبِه إِنْسٌ وَلا جانٌّ " ، هكذا : " وَلا جَأَنٌّ " 53 .
لقد شطر هؤلاء الهامزون ، المقطع الطويل المغلق بصامت واحد " زامْ ، ضالْ ، جانْ = ص ح ح ص ، " شطرين ؛ فأخرجوا منه مقطعين : أولهما قصير " زَ ، ضَ ، جَ = ص ح " ، والآخر متوسط مغلق " أَمْ ، أَلْ ، أَنْ = ص ح ص " ، استثقالا منهم لذلك المقطع الطويل الذي يعوق تدفق الأصوات ويخل بإيقاعها شيئا ما 54 .
وإن معالجة النطق لتهديني إلى احتمال أن يختلس العربي المد إن لم يهمزه ، وأن يكتفي بشيء من النبر لا يعطل تدفق الأصوات ولا يخل بإيقاعها ، فيعيد ذلك البيت الشاذ إلى جادة الوزن ، هكذا : ... وَكانَ التَّقَصُّ فَرْضًا ... .
• نَشْأَةُ الْوَزْنِ وَشُيوعُه وَاسْتِحْداثُه :
[25] نظر علماؤنا القدماء في مثل قول نابغة ذبيان :
" وَللّهِ عَيْنا مَنْ رَأى أَهْلَ قُبَّةٍ أَضَرَّ لِمَنْ عادى وَأَكْثَرَ نافِعا
وَأَعْظَمَ أَحْلامًا وَأَكْبَرَ سَيِّدًا وَأَفْضَلَ مَشْفوعًا إِلَيْه وَشافِعا "
فوجدوه قد جزأ البيت على حسب مواقف اللسان : ( أضر لمن عادى = فعولن مفاعيلن ، وأكثر نافعا = فعولن مفاعلن ، وأعظم أحلاما = فعولن مفاعيلن ، وأكبر سيدا = فعولن مفاعلن ، وأفضل مشفوعا = فعولن مفاعيلن ، إليه وشافعا = فعول ( فعولن ) مفاعلن ) .
ونظروا في مثل قول امرئ القيس :
" أَفادَ فَجادَ وَشادَ فَزادَ وَقادَ فَذادَ وَعادَ فَأَفْضَلْ "
فوجدوه قد زاد على مثل ما صنع النابغة ، التزامَ سجع الأجزاء : ( أفاد = فعول ، فجاد = فعول ، وشاد = فعول ، فزاد = فعول ، وقاد = فعول ، فذاد = فعول ، وعاد = فعول ) .
ولقد جعلوا ذلك كله من بديع التقسيم ، ثم ميزوا الأول فسموه ( التَّقْطيع ) 55 ، والآخر فسموه ( التَّرْصيع ) 56 ؛ ففتحوا للمحدثين باب فهم نشأة الوزن العروضي العربي ، حتى قال جويار كلمته السديدة : " قد اتضح إذن أصل البحور العربية ؛ فالعرب بدؤوا بالتعبير عن أنفسهم بالنثر خاصة ، ثم استجابة لدافع طبيعي لهذه الحاجة الفنية الجمالية الفطرية عند البشر (...) في إحداث لون من النظام ونوع من الانتظام فيما يأتونه - تَصَوَّروا أن يقطعوا حديثهم إلى جمل من نفس الطول ، ونزعوا إلى جعل هذه الجمل متشابهة فيما بينها أكبر قدر ممكن من التشابه . والوسيلة الوحيدة التي كانت بإمكانهم ، هي أن يحاكوا في الجملة نفس الصوت الذي سمعوه في الجملة قبلها ، وهكذا نشأ السجع . لكن نتج عن هذا الأمر نفسه ، القائم على محاكاة صيغ الكلمات وترتيبها بين الجمل ، نوع من الإيقاع أطرب أسماعهم ، وكان عليهم أن يبحثوا عن طريقة لترتيب هذه الكلمات بشكل يحدث لهم التأثير الأكثر إمتاعا ، فتوصلوا إلى ذلك بأحد أمرين ، إما باستخدام كلمات من نفس الصيغة من كل شطر ، وإما برصف كلمات مختلفة من شأن اجتماعها مع بعضها أن يولد مجموعات إيقاعية متشابهة ، وكانت البحور " 57 ، ثم تلاه غير واحد من الباحثين العرب ، كالدكاترة عبد الله الطيب المجذوب ، وعبد المجيد عابدين ، ومحمد عوني عبد الرؤوف .
[26] لقد تولد وزن البيت إذن ، من وزن الكلمة المكرر ، ووضح أن الوزن العروضي توظيف للوزن الصرفي 58 ، مما كان فيما أحسب ، وراء دعوة أستاذنا الدكتور محمد حماسة إلى كشف التفاعل الكامن في العبارة الشعرية ، بين الوزن العروضي وأبنية المفردات 59 .
إن في هذه العلاقة التي اتضحت ، جوابا وتفسيرا لأسئلة وملاحظات عروضية تتكرر في مختلف الأمكنة والأزمنة ، على اختلاف اللغات ، كملاحظة ابن خلدون : " ليس كل وزن يتفق في الطبع استعملته العرب في هذا الفن ، وإنما هي أوزان مخصوصة يسميها أهل تلك الصناعة البحور " 60 ، كسؤال الباحث الأمريكي : " لماذا هذه الأشكال العروضية بالذات وليس غيرها ؟ " 61 ؛ ففي كل لغة علاقة خاصة بين وزنها العروضي ووزنها الصرفي ، تُحَدِّدُ لها بحور شعرها 62 .
وفي شهادة طريفة لبعض المشغولين بالتجديد من الشعراء ، جواب وتفسير آخران عمليّان خارجان من معاناة الإبداع نفسها ؛ إذ قال الشاعر المصري محمد سليمان : " اكتشفت أن اللغة ليست بريئة نغميا ، وأن الشاعر عليه أن يواجه سلطتها وتسلطها على المستويين : الدلالي والنغمي ؛ فكل مفردة هي في الغالب جزء من تفعيلة أو تفعيلة كاملة ( خَيْمَةٌ = فاعلن ، صَباحٌ = فعولن ، جُمَّيْزَةٌ = مستفعلن ، مَطَرٌ = فعلن أو متفا ... إلخ ) . العبارة الأولى في القصيدة وأحيانا المفردة الأولى تحدد الإطار النغمي ، ومجرد بروز تفعيلة معينة في مدخل القصيدة يحدث نوعا من الانتقاء اللغوي ، ويضيق بالتالي أطر الحرية ، ويقمع كل محاولة للإمساك بكامن إيقاعي خاص بالتجربة " 63 .
إنه يقر بتلك العلاقة ويعترف بخضوعه لها مرغما أسيفا ، ولا فرق في هذا بين الصورة السالمة للوزن العروضي والصورة المغيرة ، في صدورها عن وزن الكلم الصرفي 64 .
[27] تتبع ابن عصفور صيغ الكلمات ، فاستوعبها أولا بالقسمة العقلية السالفة الذكر في الفقرة العاشرة ، ثم مضى يعرض لأوزانها وزنا وزنا ، فأطال جدا ، حتى إنه استفرغ في هذا عُظْمَ كتابه . وقد وجدته في كثير من الأحيان يقف أمام الوزن كالمنكر ، يقطع مرة بأنه مما أخرجه الوزن العروضي ، ويصمت أخرى فتقوم طريقته في التفسير مقام ذلك القطع نفسه . فمن النمط الأول قوله : " زاد بعض النحويين في أبنية الخماسي ( فِعَّلِل ) نحو ( صِنَّبِر ) ، والصحيح أنه لم يجئ في أبنية كلامهم إلا في الشعر ، نحو قوله :
بِجِفانٍ تَعْتَري نادِيَنا مِنْ سَديفٍ حينَ هاجَ الصِّنَّبِرْ " 65 .
ومنهم كذلك أنه يرى وزن ( يَفْعَلّ ) الذي روي منه ( يَهْيَرّ ) ، و( فِعْيَلّ ) الذي روي منه ( قِشْيَبّ ) ، و( قِسْيَنّ ) ، و( عِظْيَمّ ) ، حادثين بتشديد آخر الكلمة الصحيحة الآخر غير المهموزته ولا المسبوق آخرها بساكن ، عند الوقف الذي لا يتورع الشاعر عن استعماله في الوصل ، كما في قول راجزهم :
" مَحْضُ النِّجارِ طَيِّبُ الْعُنْصُرِّ " 66 .
ومن النمط الآخر أنه يرى أن وزن ( فُعَلِل ) الذي روي منه ( عُلَبِط ، وهُدَبِد ، وعُكَمِس ، وعُجَلِط ، وعُكَلِط ، ودُوَدِم ) ، ووزن ( فَعَلُل ) الذي روي منه ( عَرَتُن ) ، ووزن ( فَعَلِل ) الذي روي منه ( جَنَدِل ، وذَلَذِل ) - حادثة بحذف الألف تخفيفا ، بدليل أنها رويت أيضا بإثباتها 67 . ومنه كذلك ما رأى فيه عكس ما سبق قائلا : " وكذلك ( خِلَفْناة ) : ( فِعَلْناة ) ، إلا أنه ليس ببناء أصلي ، لأنهم قد قالوا : ( خِلَفْنَة ) ، فيمكن أن يكون هذا مشبعا منه " 68 .
إن لابن عصفور في علم الصرف وضرائر الشعر ، كتابين معدودين في أفضل ما خرج في هذين الشأنين جميعا 69 ؛ ومن ثم تجد آراءه فيهما دائما العناية الملائمة ، ولست إلا واحدا ممن يعبؤون بها . لقد منعه علمه بالصرف من أن يجد تلك الأوزان الصرفية ولا يعرض لها ، ومنعه علمه بضرائر الشعر من أن يجدها من عمل الشعراء في شعرهم ولا ينبه على هذا فيها ، غير أنه صرَّح مرة ولمَّح أخرى ، فلم يكن تلميحه بأقل دلالة عندنا من تصريحه ؛ إذ قد علمنا من ملاحظة علاج الشاعر لشعره ، أنه لا يتورع عن تغيير وزن الكلمة الصرفي ، تسليما للوزن العروضي ، دون أن يفسده ، وليس أسهل عليه من مثل ما ذكره ابن عصفور 70 .
لدي تجربة طريفة ذكرها لنفسه الدكتور نجيب البهبيتي - رحمه الله ! - عانى فيها النظر في شعر طرفة بن العبد ، ثم قال : " شعرت شعورا واشحا أنه يكيف الألفاظ ، ويطوعها لوزن شعره ، وختام بيته . ومن ذلك قوله في جمع ( فَرِح ) : ( فُرُح ) ، و( هاذِر ) : ( هُذُر ) ، و( فاخِر ) : ( فُخُر ) ، و( بِكْر ) : ( بُكُر ) ، و( إِزار ) : ( أُزُر ) ، و( وَقور ) : ( وُقُر ) ، و( أَشْقر ) : ( شُقُر ) ، وغيرها (...) ومن هذا القبيل أيضا تخفيف الحرف المتحرك في وسط الكلمة بإبدال حركته سكونا ، كـ( مَلْك ) في ( مَلِك ) ، وعكس ذلك ، كقوله في ( شُقْر ) : ( شُقُر ) ؛ فهذه ، فيما أظن ، عمليات قد أكسبها الشعر للكلمة " 71 .
إن في كون أكثر ضرائر الشعر ، من تغيير الوزن الصرفي 72 ، بيانا لعلاقته بالوزن العروضي ، ثم إنه بالإلحاح على تغييرات بعينها ، تنشأ أوزان صرفية جديدة ، ويتأصل استعمالها عرفا ، فلا يملك علماء الصرف إلا أن يضيفوها إلى مادتهم ويراعوها في عرض علمهم ، وإن كان منهم العالم بالشعر الذي يفطن إلى تلك النشأة ، وغيره الذي يكتفي بالإضافة .
[28] ولقد صار لـ( الملحق ) باب مستقل أصيل في علم الصرف ، يعرض فيه علماؤه لأوزان صرفية نشأت لغرض لفظي ( صوتي ) ، بتغيير أوزان صرفية أولى ، ربما لم تعد مستعملة ، تغييرا يجعلها بزيادة حرف أو حرفين ، على وفق أوزان معينة ، من نوع مقاطعها وعددها وترتيبها " ليصير ذلك التركيب بتلك الزيادة ، مثل كلمة أخرى في عدد الحروف وحركاتها المعينة والسكنات ، كل واحد في مثل مكانه الملحق بها ، وفي تصاريفها : من الماضي والمضارع والأمر واسم الفاعل واسم المفعول إن كان الملحق به فعلا رباعيا ، ومن التصغير والتكسير إن كان الملحق به اسما رباعيا لا خماسيا . وفائدة الإلحاق أنه ربما يحتاج في تلك الكلمة إلى مثل ذلك التركيب في شعر أو سجع " 73 .
ما ( المُلْحَقُ ) فيما أرى ، إلا ظاهرة وزنية صرفية ، من آثار الوزن العروضي ونتائج علاج الشاعر لإبداع شعره ، صارت سنة لغوية اتبعه فيها غيره من مستعملي اللغة . ومن قديم ينهج الشعراء لغيرهم مناهج اللغة .
كذلك أرى أن الإلحاق كان في أَوَّليَّته لفظيا ( صوتيا ) فقط ، ثم صار وسيلة إلى توسيع المعنى أو تخصيصه أو التعبير عن معنى جديد . إن لدينا نماذج باقية من تلك المرحلة السابقة ، تؤكدها وتبينها ، قال ابن منظور : " جَهَرَ بكلامه ودعائه وصوته وصلاته وقراءته (...) وأَجْهَرَ وجَهْوَرَ : أعلن به وأظهره " 74 ، وقال : " شَمَلَ الرجل وانْشَمَلَ وشَمْلَلَ : أسرع وشمَّر " 75 ، فقدم لنا فيهما ( جَهْوَرَ ) الذي على وزن ( فَعْوَلَ ) ، الملحق بـ( فَعْلَلَ ) ، بتغيير ( جَهَرَ = فَعَلَ ) ، و( شَمْلَلَ ) الذي على وزن ( فَعْلَلَ ) ، الملحق بـ( فَعْلَلَ ) كذلك ، بتغيير ( شَمَلَ = فَعَلَ ) اللذين لم يتغير المعنى فيهما عنه فيما غُيِّرا عنه . ولا نحتاج إلى نماذج للمراحل اللاحقة ( كسَيْطَرَ = فَيْعَلَ ، وشَرْيَفَ ، بمعنى قطع ورق الزرع الجاف = فَعْيَلَ ) ، الملحقين كذلك بـ( فَعْلَلَ ) ، بتغيير ( سَطَرَ = فَعَلَ ، شَرُفَ = فَعُلَ ) ؛ فهي الآن المستولية على الملحق ، حتى لقد صار ملجأ المحدثين كلما احتاجوا إلى التعبير عن معنى جديد ، ولا سيما إذا ترجموا فعجزوا عن مقابلة الكلمة بمثلها من العربية ، فأخرجوا لنا كلما لا أستطيع الآن حصرها - بل لم أعلم أحدا قام بهذا - وفقوا في بعضها وأخفقوا في بعضها ( كما في مثل : عَلْمَنَ = فَعْلَنَ ، بتغيير عَلِمَ = فَعِلَ ، وعَمْلَنَ = فَعْلَنَ ، بتغيير عَمِلَ = فَعِلَ ، وجَمْعَنَ = فَعْلَنَ ، بتغيير جَمَعَ = فَعَلَ ، وشَعْرَنَ = فَعْلَنَ ، بتغيير شَعَرَ = فَعَلَ ، وبَنْيَنَ = فَعْلَنَ ، بتغيير بَنى = فَعَلَ ، ومَعْجَنَ = مَفْعَلَ ، بتغيير عَجَنَ = فَعَلَ ، ومَعْجَمَ = مَفْعَلَ ، بتغيير عَجَمَ = فَعَلَ ، ومَفْصَلَ = مَفْعَلَ ، بتغيير فَصَلَ = فَعَلَ ، ومَنْطَقَ = مَفْعَلَ ، بتغيير نَطَقَ = فَعَلَ ، ومَذْهَبَ = مَفْعَلَ ، بتغيير ذَهَبَ = فَعَلَ ) ، وبعضها أشبه بالنحت منه بالإلحاق . وكما اضطر علماؤنا القدماء إلى الإقرار بباب الملحق ، قبل مجمع اللغة العربية بعض ما ابتكره المحدثون 76 .
[29] في خلال دراسته لاستعمال الأوزان الصرفية في اللغة العربية ، استحضر الدكتور الأب هنري فليش الأوزان العروضية ؛ فنم عن اعتقاده أن بينهما العلاقة التي ذكرت . لقد قسم الأوزان الصرفية على قسمين :
1 صيغ ذات إيقاع صاعد ، وهي التي تبدأ بمقطع قصير يليه مقطع متوسط ( طويل بمصطلحه ) ، كما في : ( فَعال ، وفِعال ، وفُعال ، وفُعَيْل ، وفَعيل ، وفَعول ، وفُعول ) .
2 صيغ ذات إيقاع عكسي ( هابط ) ، وهي التي تبدأ بمقطع متوسط ( طويل بمصطلحه ) يليه مقطع قصير ، كما في : ( فاعَل ، وفاعِل ، وفَيْعَل ، وفَوْعَل ) .
وقد لاحظ إيثار العربية القديمة التي وصفها بالصحراوية ، استعمال القسم الأول ، على استعمال القسم الآخر ، مما أنتج للأول كثيرا من الأوزان ، وأفضى إلى إهمال كثير من إمكانات الآخر .
وهو يسرع ليوضح أن صيغة ( فاعَل ) من القسم الآخر ، لم يتعد ما جاء عليها ثماني كلمات ، كانت أعجمية الأصل ، كـ( خاتم ) ، وأن كثرة كلم صيغة ( فاعل ) ، إنما يرجع إلى وَظيفيَّتها الصرفية ( اسم فاعل ) ، لا إلى طبيعتها الإيقاعية .
ثم هو يطلع على ما قام به بعض الباحثين في عروض الشعر العربي ، من إحصاء للأوزان المستعملة ، فيكتشف أن شعر العربية القديمة ( الصحراوية ) ، كان يؤثر بحر الطويل ( وتفعيل بيته فعولن مفاعيلن أربع مرات ) ، والكامل ( وتفاعيل بيته متفاعلن ست مرات ) ، والوافر ( وتفاعيل بيته مفاعلتن ست مرات ) ، والبسيط ( وتفاعيل بيته مستفعلن فاعلن أربع مرات ) ، وأغلبها يميل في تفاعيله إلى ذلك الإيقاع الصاعد " وعنصر إيقاع الوتد المجموع المذكور هو صانع الإيقاع الصاعد : فيبدأ الصوت بمقطع قصير ، ثم يمتد إلى مقطع طويل ، إحساس بالاجتذاب إلى أمام ، وشعور بوثبة واندفاعة ، يحتمل تعزيزها بارتفاع الصوت على هذا المقطع الطويل من أجل النبر الموسيقي ، مع كثير أو قليل من تردد الصوت بحسب الأوزان . ألا يمكن أن يكون هذا هو السبب ، أو أحد أسباب تلك الجاذبية الخفية لوزن الطويل ؟ " 77 ، وكأنما يومئ إلى ملائمة الإيقاع الصاعد لفضاء الصحراء ، الذي لا يتضح فيه الإيقاع الهابط .
إنه تناول واع جدا لطبيعة اللغة العربية ، غير أنني لا أرى لواحد فقط دون غيره ، من الوزنين العروضي والصرفي كما رأى هو ، فضل تأثير في نسبة استعمال الآخر ، بل كل منها مؤثر ومتأثر ، بادئ مرة ومبدوء أخرى .
[30] لو استطاع مستعمل اللغة العربية ، أن يعبر عن اسم الفاعل من ( ضرب ) ، بكلمة مفردة غير ( ضارب ) ، لاستطاع أن يأتي بشعر عربي غير ذي وزن عروضي لا علاقة له بأوزان الشعر العربي في تاريخه الطويل . هذا ما أراده ابن عبد ربه ، ببيت أرجوزته :
" وَإِنّه لَوْ جازَ في الْأَبْياتِ خِلافُها لَجازَ في اللُّغاتِ " 78 .
أي لما لم يكن للمتكلم بالعربية أن يعبر عما يريد بأوزان صرفية جديدة ، لم يكن للشاعر أن ينظم على أوزان عروضية جديدة ، لأنه لا يفهم مراد الأول ولا يشعر بوزن الثاني ، متلقٍّ عربي 79 .
من ثم يكون في تفريق الزمخشري بين اللفظ ( الأصوات والوزن الصرفي ) ، والوزن ( العروضي ) ، نظر ؛ إذ قال : " حد الشعر ( لفظ ، موزون ، مقفى ، يدل على معنى ) ؛ فهذه أربعة أشياء : اللفظ ، المعنى ، الوزن ، القافية . فاللفظ وحده هو الذي يقع فيه الاختلاف بين العرب والعجم ؛ فإن العربي يأتي به عربيا ، والعجمي يأتي به عجميا . وأما الثلاثة الأخر فالأمر فيها على التساوي بين الأمم قاطبة " 80 .
إن الحقيقة أن مجرد اللفظ ( الأصوات ) ، هو المشترك بين الأمم غالبا ، وأن موطن الاختلاف ، إنما يكمن في الوزن الصرفي الذي يوظفه الوزن العروضي ، فيخرج هذا مطبوعا بطابع لغته .
ولهذا لا يمكننا أن نسلم بقول بعض الدارسين : إن الأندلسيين حطموا عمود الشعر العربي القديم وأصابوا اللغة القرشية في صميمها 81 ؛ فإنهم إنما تصرفوا في الوزن العروضي ، دون أن يخرجوا عن فلكه ، ولو كانوا قد حطموه لكانوا قد حطموا عمود اللغة كذلك . وكل ما لم يكن بهذه المثابة من كلامهم الفني ، كان كغيره في كل زمان ومكان ، ينبغي ألا يدعي له أحد وزنا عروضيا ؛ فما الموشح إلا محاولة من محاولات سابقة ولاحقة ، للتصرف في الوزن العروضي ، وإن كان من أشدها ظهورا ونجاحا .
[31] ولقد كان الشاعر حسب الشيخ جعفر صاحب محاولة التصرف في الوزن العروضي ، أكثر إنصافا من نفسه حين قال : " هناك تفعيلة ، متى ما هشمت هذه التفعيلة ، واكتشفنا تفعيلات جديدة ، نكون أمام اجتهاد آخر . ولكننا ما زلنا في التفعيلة نفسها ، وبالطبع فنحن ندور في الشعرية العربية بعامة . ويمكن أن يطرح هذا السؤال عند اللغويين ، وبخاصة في ما يحدث الآن في الكتابات عن البنيوية مثلا : هل هناك في المستقبل تصور عن تهشيم التفعيلة لاكتشاف تفعيلة جديدة ، أم أن هذه التفعيلة الجديدة هي من لفظ اللغة العربية نفسها ، فإذا ما هشمت هذه التفعيلة ، فينبغي أن تهشم من أسس أخرى في التكوين اللغوي أصلا . وبالطبع فإن هذه المسألة مسألة شائكة " 82 .
إنه يطمح إلى أن يستبدل بالوزن العروضي الموروث ، غيره ، ليقدم اجتهاده الخاص كما قدم السلف اجتهادهم ، ولاسيما أنه يتفقد محاولات التجديد فيجدها تدور في فلك الوزن العروضي الموروث ، غير أنه يشعر بعلاقة هذا الوزن العروضي الذي يفكر في تهشيمه - إذا استعملت تعبيره المتأثر ببلوى تفجير الوزن واللغة ، العامة - بالوزن الصرفي ، فيستعظم عندئذ هذا الطموح !
إننا حين نقرن تجربة هذا الشاعر ، بتجربة الشاعر محمد سليمان السابق عرضها ومناقشتها في الفقرة السادسة والعشرين ، يتجلى لنا الشعراء أكثر وعيا لهذا الأمر وأدق نظرا ، من بعض النقاد الذين يتجملون باستنفار همهم إلى استحداث تفعيلات جديدة " تكون قادرة على استيعاب مشاعرهم المتجددة ، ورؤاهم المتغيرة ، وأدواتهم النامية " 83 ، ونتذكر كلمة البحتري في تفضيل أبي نواس على مسلم ، بعدما قيل له : " إِنَّ أَبا الْعَبّاسِ ثَعْلَبًا لا يُوافِقُكَ عَلى هذا . فَقالَ : لَيْسَ هذا مِنْ شَأْنِ ثَعْلَبٍ وَذَويه ، مِنَ الْمُتَعاطينَ لِعِلْمِ الشِّعْرِ دونَ عَمَلِه ، إِنَّما يَعْلَمُ ذلِكَ مَنْ دُفِعَ في مَسْلَكِ طَريقِ الشِّعْرِ إِلى مَضايِقِه وَانْتَهى إِلى ضَروراتِه " 84 !
• تَغْييرُ الْوَزْنِ وَتَعْويضُه :
[32] بعدما ذكر المرزوقي سبعة الأبواب التي هي عمود الشعر ، وثانيها جزالة اللفظ واستقامته ، وخامسها التحام أجزاء النظم والتئامها على تخير من لذيذ الوزن - ذكر لكل باب من السبعة معيارا أي ميزانا أو مقياسا فكان معيار ذلك الباب الثاني " الطبع والرواية والاستعمال ؛ فما سلم مما يهجنه عند العرض عليها فهو المختار المستقيم " ، وكان معيار ذلك الباب الخامس " الطبع واللسان ؛ فما لم يتعثر الطبع بأبنيته وعقوده ، ولم يتحبس اللسان في فصوله ووصوله ، بل استمرا فيه واستسهلاه ، بلا ملال ولا كلال ، فذاك يوشك أن يكون القصيد منه كالبيت ، والبيت كالكلمة ، تسالما لأجزائه وتقارنا " 85 .
إنه في حين نجد الوزن العروضي يدخل عمود الشعر من الباب الخامس ، نجد الوزن الصرفي يدخله من الباب الثاني ، ثم نجد معيارهما المكرر ( الطبع ) ، فما ( الطبع ) ؟
إن للفارابي فيما يمكن أن نسميه ( فن السماع ) ، كلمة جليلة النفع في بيان معيار الطبع ؛ إذ قال : " أما ارتياض السمع ، وهو الهيئة التي بها يميز بين الألحان المتفاضلة في الجودة والرداءة ، والمتلائمات ، فليست تسمى صناعة أصلا ، وقلما إنسان يعدم هذا ، إما بالفطرة وإما بالعادة " 86 .
إن الهيئة التي هي معيار الألحان عند الفارابي ، لا تكاد تخالف الطبع الذي هو معيار الأوزان عند المرزوقي ، ولا سيما أن الأوزان من وادي الألحان . يولد الطفل بصفحة عقله بيضاء ، بين أسرة ومجتمع وشعب وأمة ، لهم جميعا طريقة في تمييز الأصوات إلقاء وتلقيا ، خاصة بهم ، فيسمعهم ويراهم ويحس بهم ويعي عنهم ، فتنحفر أصول ذلك في صفحة عقله البيضاء ، ولا يملك إلا أن يخضع لها في بيان ما يقول ويسمع ، فقد صارت له معيارا .
ولقد كان اعتماد العربي على معيار الطبع شديدا ، حتى إنني ما أزال أَعْجَبُ وَأُعَجِّبُ غيري مما أحفظه عن الطائيِّ الذي " نَزَلَ بِه امْرُؤُ الْقَيِسْ بْنِ حُجْرٍ ، فَهَمَّ بِأَنْ يَغْدِرَ بِه ، فَأَتى الْجَبَلَ ، فَقالَ : أَلا إِنَّ فُلانًا غَدَرَ ، فَأَجابَه الصَّدى بِمِثْلِ ما قالَ ؛ فَقالَ : ما أَقْبَحَ تا ! ثُمَّ قالَ : أَلا إِنَّ فُلانًا وَفى ، فَأَجابَه بِمِثْلِ ذلِكَ ؛ فَقالَ : ما أَحْسَنَ تا ! ثُمَّ وَفى لِامْرِئِ الْقَيْسِ ، وَلَمْ يَغْدِرْ بِه " 87 .
إنه إذا كان قد خضع صغيرا لطريقة قومه في تمييز الأصوات ، فقد تَرَقّى في مَدارِجِ ذَوْقِها والكَلَفِ كَبيرًا ، حتى لَيَتَدَيَّنُ بها !
[33] ولقد اصطنع علماء العروض والصرف جميعا ، لحماية طبع تلامذتهم ، وسيلة التمرين بصياغة ما لم يكن ، على وفق ما كان ليتفقهوا في الوزن وتترسخ في عقولهم طبيعته ، في مجتمع غير مؤتمن . أما علماء العروض فقد بثوا ذلك في أثناء كتبهم ، ففهمه عنهم المحدثون ، وحرص بعضهم على استعماله في مطلع بيانه لكل بحر ، فنجده يمرن المتلقي على شطر الطويل مثلا بصياغة عابثة أولا ، قائلا : " أكثر ما يجيء الطويل الأول على هذا الوزن :
دَجـاجٌ دَجـاجـاتٌ دَجـاجٌ كِـلابٌ كَـثـيـراتٌ كِـلابٌ كَـثيرَةٌ أُســودٌ وَأَفْـيـالٌ أُسـودٌ وَأَنْـمُـرٌ | دَجـاجَةٌدَجـاجٌ دَجـاجـاتٌ دَجاجٌ دَجاجـاتُ كِـلابٌ كَـثـيراتٌ كِلابٌ كَــثيراتُ أُسودٌ وَأَفْيالٌ أُسودٌ وَأَفيــــالٌ " 88 |
ثم يمثل بعد ذلك بمثال من " النظم " يقصد الشعر غير العبث ولا الكلمات المصفوفة . وأما علماء الصرف فقد خصوه بباب سموه ( مسائل التمرين ) ؛ " فإذا قيل لك ( ابن من كذا مثل كذا ) فإنما معناه : فُكَّ صيغة هذه الكلمة ، وصُغْ من حروفها الأمثلة التي قد سئلت أن تبني مثلها ، بأن تضع الأصل في مقابلة الأصل ، والزائد في مقابلة الزائد إن كان في الكلمة التي تبني مثلها زوائد ، والمتحرك في مقابلة المتحرك ، والساكن في مقابلة الساكن ، وتجعل حركات المبني على حسب حركات المبني مثله " 89 ، فتجد ابن عصفور يمرن المتلقي على وزن ( فَعْلَلول ) ، بصياغة عابثة من ( سَفَرْجَل ) ، على ( سَفْرَجول ) التي لا معنى لها ، توسلا إلى الوعي بمثل ( عَضْرَفوط ) 90 ، غير أن أهل علم الصرف في هذا الزمان ، معلميهم ومتعلميهم ، يستقبحون مسائل التمرين ، وربما كانوا هم أنفسهم يستحسنون قرينتها في علم العروض ، على رغم اتفاق الغايتين ، لما يكون في مسائله حين يدخلها الإعلال والإبدال والإدغام وما إليها ، من صعوبة .
[34] ليس سهلا إذن على الناطق والسامع العربيَّيْن المَطْبوعَيْن ( المُدَرَّبَيْن المُمَرَّنَيْن ) ، تغيير الوزن عروضيا كان أو صرفيا . أما إذا دعت إليه دواعي التنويع والاسترسال في الوزن العروضي ، والتخفف في الوزن الصرفي ، أو غير ذلك ، كان بشرطين متداخلين :
1 وضوح الوزن ، على رغم التغيير ؛ فإنه إذا تشوه أو التبس بغيره ، غمض واستغلق على متلقيه .
2 تعويض الوزن عما لحقه من تغيير ؛ فإنه إذا صاحب التغيير ما يرأب صدعه على وجه ما ، صار الوزن المغير كالسالم من التغيير ، وضوحا .
[35] لقد كان علماء العروض والصرف جميعا ، يمنعون أو يستقبحون كل تغيير للوزن يغمضه فلا يسعفه تعويض .
أما علماء العروض فقد ميزوا أولا العلة التي هي تغيير شديد يصيب من التفاعيل أسبابها وأوتادها جميعا ، عن الزحاف الذي لا يصيب غير الأسباب ، ثم ميزوا الزحاف المزدوج عن الزحاف المفرد ؛ إذ الأول لتركبه أشد من الآخر .
لقد منعوا العلة أن تقع في حشو البيت ، حتى لقد أبعدها عنه مُعَنْوِنُها قائلا : " عِلَلُ الْأَعاريضِ والضُّروب " 91 ، لأنها لو وقعت فيه لشوهت الوزن فأغمضته ، واستقبحوا الزحاف المزدوج 92 ، لأنه يعطل إدراك الوزن وربما شوهه . وإذا نظرنا في بعض ما أرادوا إخراجه من الشعر لاختلال وزنه ، كقول أمية بن أبي الصلت :
" عَيْنِيَ بَكّي بِالْمُسْبَلاتِ أَبا الْحارِثِ لا تَذْخَري عَلى زَمَعَهْ
ابْكي عَقيلَ بْنَ الَاسْـوَدِ أَسَـدَ الْبَأْسِ لِيَوْمِ الْهِياجِ وَالدَّفَعَهْ
تِلْكَ بَنو أَسَـــدٍ إِخْوَةُ الْجَـوْزاءِ لا خانَةٌ وَلا خَدَعَـهْ " 93
لم نجده اختل وزنه إلا بإعلال حشوه الذي أكل أكثر التفعيلة الثانية من البيت الثالث ، والزحاف المزدوج الذي قرن بين خمسة متحركات في آخر صدر البيت الثاني ؛ فلولاهما لاستقام هذان البيتان من المنسرح ، كما استقام البيت الأول .
إذا كان ذلك كذلك فاجتماع العلة والزحاف المزدوج أو ما أشبهه ، على التفعيلة إجحاف بها ، منعه شيخنا الخليل حين كتب على الضرب المقطوع ( والقطع علة ) ، في بحر الكامل : " ممنوع إلا من سلامة الثاني أو إضماره " ( والإضمار زحاف مفرد ) . لقد غير القطع ( مُتَفاعلن ) إلى ( مُتَفاعِلْ ) ، ثم يغيرها الإضمار إلى ( مُتْفاعِلْ ) ، ولو دخلها حذف هذه التاء الساكنة لصارت ( مَفاعلْ ) ، فشوهت فغمضت على الإدراك ، وهو ما عبر عنه الدماميني بقوله : " وما سوى ذلك ( ما سوى الإضمار ) ، لا يُحتمل مع ما دخله من القطع " 94 .
أما علماء الصرف فقد منعوا الإعلال الذي يؤدي إلى الإلباس بكلمة أخرى ذات وزن آخر غير مراد ، ومنعوا الإدغام الذي يهدم الأوزان المرادة بعينها . لقد كان ابن عصفور يورد نماذج منثورة لما يمتنع فيه الإعلال 95 ، ثم أقبل يضبط الأمر بقوله : " إلا أن يؤدي الإعلال إلى الإلباس ، فإنك تصحح ، وذلك نحو ( قَطَوان ) و( نَزَوان ) ؛ فإنك تصحح الواو ، لأنك لو أعللتها فقلبتها ألفا لالتقى ساكنان - الألف المبدلة من حرف العلة ، والألف التي من فَعَلان - فيجب حذف أحدهما لالتقاء الساكنين ، فتقول ( نَزان ) و( قَطان ) ؛ فيلتبس ( فَعَلان ) بـ( فَعال ) . ومثل ذلك ( رَحَيان ) و( عَصَوان ) ، صححت لأنك لو أعللت لحذفت لالتقاء الساكنين ؛ فكان يلتبس تثنية المقصور بتثنية المنقوص ، فيصير ( رَحان ) و( عَصان ) ، كـ( يَدَيْنِ ) و( دَمَيْنِ ) " 96 . وكان سيبويه يعرض تضعيف اللام في غير ما عينه ولامه من موضع واحد ، فيمنع الإدغام عندئذ متى كان الوزن ملحقا ، قائلا : " إذا ضاعفت اللام وأردت بناء الأربعة لم تسكن الأولى فتدغم . وذلك قولك : قَرْدَد ، لأنك أردت أن تلحقه بجَعْفَر وسَلْهَب " 97 ، لأن الإدغام - لو كان - يغير ( قَرْدَدا ) إلى ( قَرَدّ ) ، وهو هدم للوزن ، فلو أدغمت (...) لكنت قد حركت ما في مقابلته من بناء الملحق به ساكن ، وسكنت ما في مقابلته متحرك " 98 .
بل قد بلغ علماؤنا القدماء من ذلك أن منعوا استعمال الإدغام إذا كان يفقد الأصوات أظهر صفاتها ؛ " فلا يدغم شيء من هذه الصفيريّات ( أي الزاي والسين والصاد ) ، في شيء مما يقاربها من الحروف ، لأن في ذلك إخلالا بها ، لأنها لو أدغمت لقلبت إلى جنس ما تدغم فيه فيذهب الصفير ، وهو فّضْل صوت في الحرف " 100 ، وكذلك أصوات التفشي والغنة واللين 101 .
[36] ولقد كان علماء العروض والصرف جميعا ، يستحسنون أو يبيحون كل تغيير للوزن يسعفه التعويض على أي وجه كان .
أما علماء العروض فإن كثيرا من أنواع الزحاف المفرد حسن لديهم ، ككف ( مَفاعيلُنْ ) في الهزج ، إلى ( مَفاعيلُ ) 103 ، هذا الذي عجب منه الدكتور إبراهيم أنيس قائلا : " لسنا ندري لم استقبح أصحاب العروض تغير ( مَفاعيلُنْ ) إلى ( مفاعيلُ ) في مجزوء الوافر ، واستحسنوه في الهزج " 103 . لقد وجد بين مجزوء الوافر والهزج من الصلة الوثيقة ، ما يغريه بجمعهما معا على طريقته في الاختصار والتسهيل ، غير أنه وجد العروضيين يجعلون القصيدة من الهزج متى صادفوا فيها تفعيلة واحدة أو أكثر على ( مفاعيلُ = ددن دن د ) وسائر تفاعيلها على ( مفاعيلن ) ، فصده عما أراد ، فاستنكره وهو مقبول غير مستنكر ؛ إذ ( مَفاعيلُ = ددن دن د ) إذا كانت من الهزج كانت مغيرة بزحاف الكف المفرد وحده كما سبق ، وهو سهل التعويض بنبر ما يوازي مقطع ( لُ ) من كلمة البيت ، وسواء أَأَنْشَأَ النبر في السمع مدًّا أم لا 104 ، في حين أنها إذا كانت من مجزوء الوافر كانت مغيرة بزحاف النقص المزدوج ، من ( مُفاعَلَتْنْ ) إلى ( مفاعلْتن ) - وهذا عصْب - ثم من هذه إلى ( مفاعلْتُ ) - وهذا كف - وهو ما يصعب تعويض الوزن عنه .
ومن الجدير بالذكر هنا أن العروضيين يحكمون بأن القصيدة من مجزوء الوافر لا من الهزج ، متى صادفوا تفعيلة منه سالمة ، فلو كانت القصيدة الطويلة كل تفاعيلها على ( مفاعلْتن = مفاعيلن ) ، ثم ندت واحدة فجاءت على ( مفاعلَتن ) ، لوجب عندهم أن يحكم على تلك القصيدة بأنها من مجزوء الوافر 105 . إن هذا هو ما كان أولى بالعجب والاستنكار ؛ إذ المقبول المعقول أن يحكم عليها بأنها من الهزج ، وأن تلك التفعيلة النادَّة ، اشتبهت على الشاعر ؛ فما أكثر ما يكون مثل هذا من الشعراء صغارا وكبارا ، حديثا وقديما 106 ، ثم إن دلالة السياق العروضي تقطع بكونها من الهزج لا مجزوء الوافر 107 ؛ فعشرات التفاعيل المحيطة بتلك التفعيلة المفردة النادة ، هي السياق لا العكس ! ومثل هذا ينبغي أن يقال ويعتقد في كثير مما أسميه الصور المترَدِّدة بين الأبحر .
وقد حصر علماء العروض العلة في أوائل الأشطر وأواخرها . أما ما يصيب أوائل الأشطر ، فالخَزْم - وهو علة زيادة - والخَرْم - وهو علة نقص - قال المبرد راويا عن سيدنا علي - رضي الله عنه ! - :
" اُشْـدُدْ حَيازيمَكَ لِلْمَوْتِ فَإِنَّ الْمَوْتَ لاقيـكا
وَلا تَجْزَعْ مِنَ الْمَوْتِ إِذا حَلَّ بِواديكا "
والشعر إنما يصح بأن تحذف ( اشْدُدْ ) (...) ولكن الفصحاء من العرب يزيدون ما عليه المعنى ، ولا يعتدون به في الوزن ، ويحذفون من الوزن ، علما بأن المخاطب يعلم ما يريدونه ، فهو إذا قال : ( حيازيمَكَ لِلْمَوْتِ ) ، فقد أضمر ( اشْدُدْ ) ، فأظهره ، ولم يعتد به . قال : وحدثني أبو عثمان المازني ، قال : فصحاء العرب ينشدون كثيرا :
لَسَعْدُ بْنُ الضِّبابِ إِذا غَدا أَحَبُّ إِلَيْنا مِنْكَ فا فَرَسٍ حَمِرْ
وإنما الشعر :
لَعَمْري لَسَعْدُ بْنُ الضِّبابِ إِذا غَدا " 108 .
لقد جمع هذا النص التمثيل لما يصيب أوائل الأشطر من علة الزيادة ، ومما يمكن عده علة النقص . وإن قول المبرد : " لا يعتدون به في الوزن " ، ليهدينا إلى تفسير النقص ، كما يهدينا إلى تفسير الزيادة . إن المنشد يستطيع أن ينبر ( لَسَعْدُ بْنُ الضْ ) بما يبين أنها ( مفاعيلن ) ، و( ضِبابِ ) بما يبين أنها ( فعولُ ) ، كما يستطيع أن يصمت قليلا بين ( اشْدُدْ ) وبين ( حَيازيمَكَ لِلْمَوْتِ ) ، ثم يمضي في هذا وذاك ، فعندئذ يتجلى الوزن .
وأما ما يصيب أواخر الأشطر ، فكثير كالترفيل وهو علة زيادة ، والحذف وهو علة نقص ، قال ابن عبد ربه :
" هَـتَـكَ الْـحِـجابَ عَنِ " أَيَـقْتُلُـني دائـي وَأَنْـتَ طَـبيبي | الضَّمائِرْطَـرْفٌ بِـه تُـبْلى السَّرائِرْ " قَريبٌ وَهَلْ مَنْ لا يُرى بِقَريبِ " 110 | 109
ولا ريب في أن انحصارها في أواخر الأشطر ، راجع إلى أنها مواضع وقف وصمت 111 ، يستفيد الشاعر فيها منهما إمكان التعويض ، ثم يعتمد المنشد بعدئذ عليهما . ولا تخفى علاقة ما يصيب أوائل الأشطر بما يصيب أواخرها ، في الاعتماد على الوقف والصمت ؛ فإنهما إن اجتمعا كان الصمت قبل أولهما ، صمتا بعد الآخر . ولكن هنا نمطا من التعويض مشهورا مضبوطا ، خاصا بالحذف من تفاعيل الضرب ، يستعمل فيه المد ، ويلتزم عوضا عن الحذف ، صار له باب عروضي يسمى : " باب ما يجوز في القافية من حروف اللين " ، قال فيه ابن عبد ربه : " اعلم أن القوافي التي يدخلها حروف المد ، وهي حروف اللين ، فهي كل قافية حذف منها حرف ساكن وحركة ، فتقوم المدة مقام ما حذف ، وهو من الطويل " فعولن " المحذوف ، (...) " 112 ، ففي مثل البيت السابق " أيقتلني ... " غيرت تفعيلة الضرب بعلة الحذف ، من ( مفاعيلن ) إلى ( مفاعي = فعولن = قريبِ ) ، فعوضت عن هذا التغيير بإرداف القافية بالمد الذي يطيل النطق ، فكأن التزامه هنا يَرُدُّ شيئا مما حذف 113 .
أما علماء الصرف فقد نبهوا أحيانا على أشكال من تغيير الوزن الصرفي ، قبلت وعوضت . نجد ذلك منثورا في كتبهم ، كما في إلحاق تاء التأنيث المحركة ، آخر الكلمة عوضا عن المد المحذوف من حشوها ، على النحو التالي :
1 تَلاميذ تَلامِذَة
2 جَحاجيح جَحاجِحَة
3 تَذْكير تَذْكِرَة
وقد تعرض الأب هنري فليش لمثل هذا ، وأضاف نماذج من الكلمات المتفقة المعنى ، تقابل تاء التأنيث المتحركة في آخر بعضها ، المد في حشو بعضها الآخر ، كما في :
1 يَفاع يَفَعَة
2 ذُباح ذُبَحَة
3 رِجال رِجَلَة
ورأى في هذا التعويض تعادلا إيقاعيا " إذ وجد في مكان مقطع طويل مقطعان قصيران " 114 . ولكنه يدل على فقهه الدقيق لما يخوض فيه ، فيشير إلى مثل ذلك مما يكون في العروض قائلا : " يتجلى هذا
التعادل الإيقاعي جيدا في قلب الاستعمال العروضي : ففي بعض الأوزان في بحور معينة من الشعر يجوز أن يحل محل مقطع طويل مقطعان قصيران ، يحدث هذا في بحر الكامل ، حيث تحل مستفعلن ) محل ( متفاعلن ) ، وكذلك في الوافر ، حيث تقوم ( مفاعيلن ) مقام ( مفاعلتن ) " 115 .
إن هذا الباحث لا يفتأ يستحضر الوزن العروضي في خلال بحثه في الوزن الصرفي ، فيدهشنا بفهمه لهذه العلاقة الوثيقة بينهما . ومما يزيد دهشتنا هنا أن يستحضر الوزن العروضي دليلا مقلوبا لفكرته ؛ فإنه إذا كان المقطعان القصيران في الوزن الصرفي ، يعادلان المقطع المتوسط ( الطويل بمصطلحه ) ، فإن المقطع المتوسط في الوزن العروضي ، يعادل المقطعين القصيرين ، وهو دليل لما سبق .
ثالِثًا : التَّأْصيلُ وَالتَّفْريعُ
[37] احتاج علماء العرب القدماء عندما أقبلوا يؤسسون قواعد ضبط الاستعمال ، إلى أن يصطفوا من المستعمل ، مادة مستوفية لشروط خاصة ، ليستنبطوا منها أصلا يجعلون ما سواه فرعا عنه . إننا إذا استوضحنا هذا الأصل وجدناه الوضع المنطقي الذي يقضي العقل تساعده المادة المختارة ، بأنه الأسبق حدوثا . وإن لم يكن له وجود من قبل ولا من بعد ، كان عندهم من أعمال عقل الإنسان التي انحصرت فيه ولم تخرج منه .
[38] لم يشذ عن ذلك علماء العروض ولا علماء الصرف ، فمن آثاره في علم العروض قولهم بعشر تفاعيل سالمة أصول هي : ( فَعولُنْ ، ومَفاعيلُنْ ، ومَفاعَلَتُنْ ، وفاعِ لاتُنْ ، وفاعِلُنْ ، ومُسْتَفْعِلُنْ ، وفاعِلاتُنْ ، ومُتَفاعِلُنْ ، ومَفْعولاتُ ، ومُسْتَفْعِ لُنْ ) ، تتفرع عنها ثلاث وسبعون تفعيلة ، منها : ( فَعولُ ، وفَعولْ ، وفَعو ، وفَعْ ، وعولُنْ ، وعولُ ) ، وهي ستة فروع نشأت عن ( فَعولُنْ ) " 116 ، بالقَبْضِ في الفرع الأول ، والقَصْرِ في الثاني ، والحَذْفِ في الثالث ، والبَتْرِ في الرابع ، والثَّلْمِ في الخامس ، والثَّرْمِ في السادس الأخير ، أي كان قانون التفريع فيها " الزحاف والعلة " .
ومن آثار التأصيل والتفريع في علم العروض كذلك ، القول بالدوائر العروضية ؛ فقد أخرجت لبحور الشعر جميعا ، صورا خالفها استعمال الشعراء غالبا ، كان شيخنا الخليل يَعُدُّ صورة الدائرة أصلا ، وصورة الاستعمال فرعا ، فتسديس المديد الاستعمالي ( استعماله ست تفاعيل في البيت ) ، فرع عن تثمينه الدائري ( إخراج الدائرة له ثماني تفاعيل في البيت ) ، وتربيع الهزج والمقتضب والمجتث ، الاستعمالي ، فرع عن تسديسها الدائري ، وهي أربعة فروع نشأت بالجزء ، أي كان قانون التفريع فيها " العلة " .
ومن آثار التأصيل والتفريع في علم الصرف ، قولهم بالمصدر والمشتقات ، فما الاشتقاق عندهم إلا " ( إنشاء فرع من أصل يدل عليه ) ، وأما ( المشتق ) فيقال للفرع الذي صيغ من الأصل ، لأنك تطلب معنى الأصل في الفرع ، فكأنك تشتق الفرع لتخرج منه الأصل ، وكأن الأصل مدفون فيه . و( المشتق منه ) هو الأصل " 117 .
إن المصدر - وهو اسم الحدث ذو المعالم المشهورة - هو الأصل في الرأي المسموع له ، الذي يدل اسمه على الحكم بأصليته ، واسم الفاعل وصيغة المبالغة والصفة المشبهة واسم المفعول واسم التفضيل واسم الزمان واسم المكان واسم الآلة ، كل أولئك فروع عن ذلك الأصل . إن كلمة ( ضَرْب ) مثلا ، أصل كلمة ( ضارِب ) ، الأولى مصدر ، والأخرى اسم فاعل خرج بقياس مطرد ، لأنه يكون من الثلاثي ( ضرب ) على ( فاعِل = ضارِب ) ، متى كان فعله على ( فَعَلَ = ضَرَبَ ) .
[39] كان علماء العروض والصرف جميعا ، يشرحون قوانين التفريع وكيفيته ، مما كان يتأتى لهم سهلا ميسور الفهم قوي الإقناع مرة ، وصعبا مكدا للفكر ضعيف الإقناع مرة أخرى ؛ فيعجز عنه كل من لم يحرص على التقعيد حرصهم عليه ، قال الدماميني : " بعض الناس أنكر الدوائر أصلا ورأسا ، وجعل كل شعر قائما بنفسه ، وأنكر أن تكون العرب قصدت شيئا من ذلك ، وقال : إنا سمعناهم نطقوا بالمديد مسدسا ، وبالبسيط ( فَعِلُنْ ) في العروض مثلا ، وبالوافر ( فَعولُنْ ) فيها ، وبالهزج والمقتضب والمجتث مربعات . ومن أين لنا أن ندرك أن أصل عروض الطويل كان مفاعيلن بالياء ؟ وأن المديد كان من ثمانية أجزاء ؟ وأن ( فَعِلُنْ ) في البسيط كان أصله ( فاعِلُنْ ) بالألف ؟ وأن عروض الوافر كانت في الأصل ( مُفاعَلَتُنْ ) ثم صارت على ( فَعولُنْ ) ؟ إلى غير ذلك . والأكثرون على خلاف هذا لأن حصر جميع الشعر في الدوائر المذكورة واطراد جريه فيها دل على ما اختص الله به العرب دون من عداهم ؛ فكان ذلك سرا مكتتما في طباعهم أطلع الله عليه الخليل واختصه بإلهام ذلك ، وإن لم يشعروا هم به ولا نووه ، كما لم يشعروا بقواعد النحو وأصول التصريف ، وإنما ذلك مما فطرهم الله عليه ؛ فالتثمين في المديد والتسديس في الهزج والمضارع وغيره من المجوزات ، أصل رفضه العرب كما رفضوا أصولا كثيرة من كلامهم على ما تقرر في علم النحو . وإذا تطرق الشك في ذلك إلى الشعر تطرق إلى الكلام حينئذ ؛ فيتعذر باب كبير من أصول العربية ، ولا خفاء بفساده " 118 .
لا ريب في أنه كانت من الباحثين قديما وحديثا ، طائفةٌ ترى من تضييع الوقت والجهد ، النظر فيما سوى الشكل ومظاهره ؛ فبين الدماميني أن لهذا الرأي عواقبه الوخيمة في علوم الثقافة العربية بعامة ؛ إذ التأصيل والتفريع أساس في التقعيد لها . لقد كان هؤلاء الرافضون ، إذا أقبلوا يعرضون علمهم وآراءهم ، يستفيدون من نتائج التأصيل والتفريع عفوا أو قصدا ، مما يدل على سداد الاعتماد عليهما 119 .
ثم نشأ حديثا جيل من الباحثين ، شعروا بأن في منهج أولئك " الوصفيين الشكليين " نفسه ، تضييعا وإهمالا للعقل الذي هو نعمة الإنسان الكبرى ، ووسيلته إلى المعرفة ، وأثره الذي يخلفه في كل ما يصدر عنه ؛ فرجعوا إلى آثار علمائنا القدماء ، واعترفوا بسداد منهجهم ، وأنهم كانوا أقرب إلى الإنسان وأعلم به من معارضيهم ورافضي فكرتهم ، غير أنهم أضافوا إلى منجزات القدماء منجزات العلم الحديث 120 .
[40] ومن الجدير بالذكر أخيرا ، أن بعض الباحثين المحدثين يفرق بين التأصيل والتفريع في علم العروض وبينهما في علم الصرف ، من جهة أنهما في الأول من باب المجاز ، وفي الآخر من باب الحقيقة . إن الفرع الصرفي ظاهر التولد من أصله ، في حين الفرع العروضي أصل آخر جُعِلَ فرعا لضرورة إجرائية ؛ فإن شيخنا الخليل كان محتاجا إلى أن يختار أحد هذين الأصلين ليبدأ منه ، ولو كان قد عكس الاختيار لانعكس القول بالأصل والفرع 121 .
وهو رأي مقبول تشهد على صحته شواهد كثيرة ليس أقواها في علم العروض تساوي التفاعيل المزاحفة والتفاعيل السالمة في نظر من بحث تبادل المقاطع كما بينت في الفقرة السادسة والثلاثين ، وأقوى شواهد ذلك الرأي في علم الصرف ، أن التصريف الذي هو تطبيق قواعده ، ما هو إلا تحويل وتغيير للأصل إلى فرعه ، وسواء أكان تصريف توصيل ، أي صياغة الكلمة من أصلها القريب بتغيير أصواته الصامتة أو الصائتة أو كلتيهما ، إبدالا أو نقصا أو زيادة أو كل ذلك أو بعضه ، صياغة مطردة مقيسة أو عارضة مسموعة ، لتوصيل معنى ما ، أو كان تصريف تخفيف ، أي تغيير صيغة الكلمة بتغيير أصواتها الصامتة أو الصائتة أو كلتيهما ، ترتيبا أو إبدالا أو نقصا أو كل ذلك أو بعضه ، تغييرا مطردا مقيسا أو عارضا مسموعا ، لتخفيف ثقل النطق 122 .
ولا ينقض قبول رأي ذلك الباحث الفاضل ، شيئا من دلالة توافق علمي العروض والصرف في التأصيل والتفريع ، على علاقتهما .
رابِعًا : الِاصْطِلاحُ
[41] إن الاصطلاح أساس مهم جدا من الأسس العلمية ؛ فهو وسيلة دائمة إلى تحديد المقاصد واختصار المعالم ، يفتقر إليها بناء العلم نفسه ودراسات العلماء المتصلة بهذا العلم جميعا 123 . وعلى رغم أنه لا مُشاحَّة في الاصطلاح ، يستحسن أن يكون المصطلح ظاهر الدلالة على مفهومه ، ويلزم أن يتقدم بيانه قبل عرض العلم أو دراسات العلماء ، ليستطيع المتلقي استيعابه .
[42] ولقد كان علماء العرب القدماء ، يرجعون في وضع مصطلحات علومهم المنتوجة عن تفكيرهم وتحصيلهم ، إلى لغتهم هم ومعالم حياتهم ، فيستنبطون من هذه وتلك جميعا معا ، المصطلح المناسب . ثم إننا نجدهم لذلك يعاملون هذه المصطلحات معاملة الوالد ولده ؛ فيصرفونها كيف شاؤوا على حسب جهات نظرهم ، فربما استعملوا المصطلح الواحد في مواضع مختلفة من العلم الواحد ، بمفاهيم مختلفة ، وربما استعملوه في علوم مختلفة بمفاهيم متقاربة أو متباعدة ، وعندئذ تتجلى للمتلقي علاقة هذه العلوم في نظرهم .
[43] استعمل علماء العروض والصرف في العِلْمَيْنِ مصطلحات واحدة 124 ؛ فرأى الدكتور أنيس في بعضها أن شيخنا الخليل وأصحابه " قد تأثروا إلى حد كبير بمقاييس علم الصرف ، فاتخذ رموز الصرف رموزًا للعروض ، مع فارق تافه يدركه كل منا ويدرك سره " 125 .
لقد أراد رموز الوزن التي بينت في الفقرة الخامسة عشرة أن ظهور اقتفاء علماء العروض فيها لعلماء الصرف ، لا يمنع أن يكونوا جميعا مقتفين مقتضى الحاجة الواحدة إلى الوزن ، والأصل الفكري الواحد الذي أنشأ هذه الحاجة . ولكنني أستطيع أن أصنف المصطلحات المشتركة إلى نمطين :
1 مصطلحات متفقة المفاهيم على وجه العموم ، ومنها الزيادة والحذف والوقف .
2 مصطلحات مختلفة المفاهيم على وجه العموم كذلك ، ومنها الصحة والسلامة والاعتلال .
أما استعمال النمط الأول فراجع فيما أرى إلى تلك العلاقة التي صدر علماء العروض والصرف عن الوعي لها :
إذ كيف لا يستعملون مصطلح الزيادة في العلمين ، وهي في العروض إضافة بعض الأصوات إلى أصوات التفعيلة الأصول ، كإضافة ( تُنْ) المقطع المتوسط المغلق ذي الأصوات الثلاثة ، إلى ( مُتَفاعِلُنْ ) ، لتصير بالترفيل ( مُتَفاعِلاتُنْ ) ، وهي في الصرف إضافة بعض الأصوات كذلك إلى أصوات الكلمة الأصول ، كإضافة فتحة أخرى إلى فتحة قاف ( قَتَلَ ) ، لتصير ( قاتَلَ ) بمقطع متوسط في أولها بدل القصير السابق ؟
وكيف لا يستعملون مصطلح الحذف في العلمين ، وهو في العروض نقص المقطع المتوسط المغلق ، كنقص ( لُنْ ) من ( فَعولُنْ ) لتصير بالحذف ( فَعو ) ، وهو في الصرف مطلق نقص بعض الأصوات من الكلمة ، كنقص المقطع القصير ( وُ ) من ( مَقْوول ) اسم المفعول من الثلاثي المجرد ، ليصير بالحذف إلى ( مَقول ) ؟
وكيف لا يستعملون مصطلح الوقف في العلمين ، وهو في علم العروض نقص حركة المقطع القصير لينضاف ساكنه إلى ما قبله فيكون في آخر ( مفعولات ) بالوقف ، مقطعا طويلا مغلقا بصامت واحد ، هكذا ( مَفْعولاتْ ) ، وهو في الصرف " قطع الكلمة عما بعدها ، وفيه وجوه مختلفة في الحسن والمحل ؛ فالإسكان المجرد في المتحرك (...) " 126 ، فالذي أصاب ( مفعولات ) في العروض يسمى في الصرف وقفا بالإسكان ؟
كيف لا يوحدون مصطلحات ما هو واحد أو كالواحد !
أما استعمال مصطلحات النمط الآخر فراجع إلى تَوَسُّعِهم في دلالات كلم لغتهم تَوَسُّعَ المالِك :
إذ كيف لا يستعملون مصطلح الصحة في العلمين ، وهو في العروض براءة التفعيلة من التغيير بالعلة ، وهو في الصرف براءة أصل الكلمة من الاشتمال على حرف من حروف العلة ؟
وكيف لا يستعملون مصطلح السلامة في العلمين ، وهو في العروض براءة التفعيلة من التغيير بالزحاف ، وفي الصرف براءة أصل الكلمة من الاشتمال على الهمزة والتضعيف كليهما ؟
وكيف لا يستعملون مصطلح الاعتلال في العلمين ، وهو في العروض اشتمال التفعيلة على التغيير بالعلة الذي سبق التعرض له وللزحاف وذكر بعض أمثلتهما ، في الفقرتين الخامسة والثلاثين والسادسة والثلاثين ، وهو في الصرف اشتمال أصل الكلمة على حرف من حروف العلة أو أكثر ؟
كيف لا يوحدون مصطلحات ما يشمله التوسع في دلالة الكلمة ؟
إنني لا أستطيع أن أغفل ما في منهج علماء العروض والصرف في الاصطلاح ، من دلالة على علاقة كل من العلمين بالآخر ، التي أرى أن أولئك العلماء كانوا يفهمونها حق الفهم ويصدرون عنها في توافق الاصطلاح .
خاتِمَةٌ
[44] أدى تتبع علمي العروض والصرف تقعيدا وتطبيقا ، إلى الحصول على أربع أفكار كبرى ، توحدت فيهما وترددت بينهما :
أَوَّلًا - الِاسْتيعابُ الْأَوَّليُّ :
وهو التمهيد للعلم بافتراض الاحتمالات الممكنة ، استيعابا لمسائله . وهو ما كان في علم العروض باعتماده على التقليب ، وفي علم الصرف باعتماده على القسمة العقلية .
ثانِيًا - الْوَزْنُ :
وهو مقابلة مقاطع الكلمة نوعا وعددا وترتيبا ، بمقاطع معينة تناسبها وتمثلها وتكشفها . وقد احتاج إليه العلمان جميعا واستعملاه . وفي خلال ذلك تميزت بعض الأفكار الصغرى :
• طَبيعَةُ السّاكِنِ وَالْمُتَحَرِّكِ وَتَواليهِما :
فمفهوم الساكن والمتحرك في العلمين واحد ، ثم إنهما جميعا يحكمان توالي السواكن والمتحركات ، بقانونين معينين غير مختلفين بينهما .
• نَشْأَةُ الْوَزْنِ وَشُيوعِه وَاسْتِحْداثِه :
فنشأة كل من الوزنين العروضي والصرفي ، وشيوعه ، متعلقان بنشأة الآخر وشيوعه ، وصعوبة استحداث جديد في أحدهما متعلقة بصعوبة استحداث جديد في الآخر .
• تَغْييرُ الْوَزْنِ وَتَعْويضِه :
فتغيير كل من الوزنين العروضي والصرفي ، مشروط بوضوحه على رغم التغيير ، وتعويضه عما لحقه منه .
ثالِثًا - التَّأْصيلُ وَالتَّفْريعُ :
وهو استنباط وضع منطقي يقضي العقل بأنه الأول والأسبق حدوثا ، وما سواه فرع عنه ، بالاعتماد على مادة مصطفاة من المستعمل ، مستوفية لشروط خاصة . وقد احتاج علماء العروض والصرف جميعا ، إلى ذلك في تأسيس العلمين .
رابِعًا - الِاصْطِلاحُ :
وهو تعارف أهل العلم وتواضعهم على كلمات معينة ، إشارة إلى مقاصد معينة ، تحديدا واختصارا . ولقد توحدت بين علمي العروض والصرف بعض المصطلحات ، بنمطين من التوحد ؛ فمنها ما اتفقت بينهما المفاهيم على وجه العموم ، ومنها ما اختلفت .
ولقد دلني توافق علمي العروض والصرف فيما سبق ، على وثاقة علاقتهما وأصالة عمل المفكر في كل منهما .
بَيانُ الْحَواشي وَالْمَراجِعِ
(1)ينظر علماء العروض في بيت الشعر من جهة مشابهته لأبيات قصيدته ؛ ذكر الدمنهوري ( السيد محمد ) - حاشيته " الإرشاد الشافي على متن الكافي للقنائي " ، طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر ، الثانية سنة 1377هـ= 1957م ، 132 - أن القصيدة في الاصطلاح " مَجْموعُ أَبْياتٍ مِنْ بَحْرٍ واحِدٍ ، مُسْتَوِيَةٍ في عَدَدِ الْأَجْزاءِ ، وَفي جَوازِ ما يَجوزُ فيها ، وَلُزومِ ما يَلْزَمُ ، وَامْتِناعِ ما يَمْتَنِعُ " .
(2)ينظر علماء الصرف في الكلمة من جهة ما يصيبها من تخفيف أو إعلال أو إبدال أو إدغام ، لمجاورة بعض الكلمات لها ؛ راجع الرضي ( محمد بن الحسن ) : " شرح شافية ابن الحاجب " ، بتحقيق محمد نور الحسن وآخرين ، وطبعة دار الفكر العربي بالقاهرة سنة 1395هـ= 1975م ، الجزأين الثاني والثالث .
(3)من الطريف أنه قد حدث قديما وحديثا أن صار بيت الشعر إلى تفعيلة واحدة ، كما فيما روي من تَوْحيد الرجز في عصر بني العباس ، وكما فيما صنعه شعراء الحر في القرن الميلادي العشرين ؛ فإن الغالب على هذه التفعيلة عندئذ أن تكون كلمة واحدة ، فيتَّحِد فيها مجالا العلمين !
(4)أما علاقة العروض الكائن الطبيعي في الشعر ، بالصرف والنحو الكائنين الطبيعيين في اللغة - فقد كانت مجال بحث سابق بعنوان " علاقة عروض الشعر ببنائه النحوي " ، حصلت به من قسم النحو والصرف والعروض بكلية دار العلوم من جامعة القاهرة ، على الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى سنة 1996م ، ثم طبعته مطبعة المدني بالقاهرة ، الطبعة الأولى سنة 2000م .
(5)خلوصي ( الدكتور صفاء ) : " فن التقطيع الشعري والقافية " ، طبعة دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد ، السادسة سنة 1987م ، 475 .
(6)أبو ديب ( الدكتور كمال ) : " في البنية الإيقاعية للشعر العربي " ، طبعة دار العلم للملايين ببيروت ، الثانية ، سنة 1981م ، 526 .
(7)ابن الشيخ ( جمال الدين ) : " الشعرية العربية " ، بترجمة مبارك حنون وآخرين ، الطبعة الأولى سنة 1996م ، نشر دار توبقال بالدار البيضاء ، 35 .
ومن هذا المنطلق نفسه أنني سألت عن ذلك أستاذي محمود محمد شاكر - رحمه الله ! - فأثبته ، ثم أبعد النجعة قائلا : " لَنْ تَعْدَمَ عَلاقَةً ما ، بَيْنَ جَميعِ ما أَنْتَجَه عَقْلُ الْإِنْسانِ ، حَتّى إِنَّها لَتَكونُ بَيْنَ الشِّعْرِ وَاسْتِنْباطِ الْماءِ مِنْ باطِنِ الْأَرْضِ " !
كذلك قال عيد ( الدكتور صلاح ) - مقاله " الشعر العالمي والثابت العالمي " ، 48- 49 ، من العدد 77 ليناير 1995م ، من مجلة الشعر المصرية الصادرة عن اتحاد الإذاعة والتليفزيون - : " لقد تحركت كلمات الإنسان عبر هذه الآلاف المتطاولة نفس حركة الكون المنتظمة الدقيقة الأبدية ، إلى الدرجة التي يمكن أن نصل فيها إلى أن هذا النظام النبضي الدقيق دقة رياضية بالغة بين الشطرين في شعر الشرق وشعر الغرب ، يتحقق فيه العدد الكوني الثابت المستخرج من أيام مصر القديمة من الحركة الدائرية الخالدة ، وهذا العدد هو خارج قسمة محيط أية دائرة كبرت أم صغرت ، على نصف قطرها . وهذا العدد هو 2 × 3,14 ، سواء قسمت محيط فنجان الشاي على نصف قطره ، أو قسمت محيط دوران أحد الكواكب على نصف قطره ! إنه عدد واحد دائما ثابت دائما ، لا يتغير ولا يتبدل لجميع دوائر هذا الكون صغارها وكبارها على حد سواء " ؛ فعلق حركات الأشياء كلها بعضها بعض ، وردها إلى حركة كونية واحدة ، وإن خرج عن حدود الإنسان .
(8)الأخفش ( أبو الحسن سعيد بن مسعدة ) : " كتاب العروض " ، بتحقيق الدكتور أحمد عبد الدايم ، وطبعة سنة 1409هـ= 1989م ، ونشر مكتبة الزهراء بالقاهرة ، 136 .
(9)الرمالي ( الدكتور ممدوح عبد الرحمن ) : " العربية والتطبيقات العروضية " ، طبعة دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية ، سنة 1996م ، 17 .
(10)خلوصي : 475 .
(11)الرمالي : 8 .
(12)خليل ( الدكتور حلمي ) : " التفكير الصوتي عند الخليل " ، طبعة دار المعرفة الجامعية بالإسكندرية ، 12 ، وأبو ديب : 55 ، والعلمي ( محمد ) : " العروض والقافية : دراسة في التأسيس والاستدراك " ، طبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء ، الأولى سنة 1404هـ= 1983م ، ونشر دار الثقافة بالدار البيضاء ، 133 .
(13)ابن عبد ربه ( شهاب الدين أحمد بن أحمد ) : " العقد الفريد " ، بتحقيق الدكتور عبد المجيد الترحيبي ، وطبعة دار الكتب العلمية ببيروت ، الأولى سنة 1404هـ= 1983م ، 6/276 ، والدماميني ( أبو عبد الله محمد بدر الدين بن أبي بكر ) : " العيون الغامزة على خبايا الرامزة " ، بتحقيق الحساني حسن عبد الله ، والطبعة الثانية سنة 1415هـ= 1994م ، ونشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ، 26 .
(14)الرضي : 1/35 . إنما مثلت ، ومراجعة كتب علم الصرف تبين أن علماءه كأنهم التزموا التمهيد لعرضهم مسائل العلم ، بهذه القسمة العقلية ، وسواء أكانوا في حديث الجانب الأول الذي يشرحون فيه صياغة الكلمة ، كالذي مثلت به ، أم كانوا في حديث الجانب الآخر الذي يشرحون فيه تغيير صياغة الكلمة للتخفيف ، كإعلال الكلمة المعتلة أو المهموزة ، بقلب ألف المد أو الواو أو الياء أو الهمزة ، بعضها إلى بعض ؛ فإنهم يمهدون بمثل ما فعلوا فيما سبق ، لا يخرمون من منهجهم حرفا !
(15)الدماميني : 27 .
(16)السابق : 48 ، 49 ، 56 ، 57 .
(17)السابق : 51-52 ، 59 ، وابن عبد ربه : 6/289 .
(18)ابن عصفور ( علي بن عبد المؤمن ) : " الممتع في التصريف " ، بتحقيق الدكتور فخر الدين قباوة ، والطبعة الخامسة سنة 1403هـ= 1983م ، ونشر الدار العربية للكتاب بطرابلس ليبيا ، 1/61 .
(19)أنيس ( الدكتور إبراهيم ) : " موسيقى الشعر " ، الطبعة السابعة سنة 1997م ، ونشر مكتبة الأنجلو المصرية بالقاهرة ، 210 ، وراجع الدماميني : 44 .
(20)إن حدوث تسمية المهمل بعد شيخنا الخليل ، لا أثر له ؛ فما هي إلا أسماء لما وضعه هو .
(21)الدماميني : 51 .
(22)السابق : 48 .
(23)غازي ( الدكتور سيد ) : " في أصول التوشيح " ، طبعة دار المعارف بالقاهرة ، الثانية سنة 1979م ، 65 ، 66 .
(24)صقر ( محمد جمال ) : " علاقة عروض الشعر ببنائه النحوي " ، 35 .
(25)العقاد ( الأستاذ عباس محمود ) : " اللغة الشاعرة : مزايا الفن والتعبير في اللغة العربية " ، طبعة المكتبة العصرية ببيروت ، 89-90 وغيرها ؛ فقد ألح في هذا الكتاب على خصب أشكال الموازين الشعرية العربية ، وأن لا حاجة بالشاعر إلى طرحها واستعارة غيرها من الأمم الأخرى .
(26)ابن عصفور : 1/61 ، والرضي : 1/26 ، 40 ، 41 .
(27)الفراهيدي ( الخليل بن أحمد ) : " كتاب العين " ، بتحقيق الدكتورين مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي ، الطبعة الأولى سنة 1408هـ= 1988م ، ونشر الأعلمي ببيروت ، وابن منظور ( أبو الفضل محمد بن مكرم المصري ) : " لسان العرب " ، طبعة دار المعارف بالقاهرة ، مادة " وزن " فيهما جميعا .
(28)العقاد : 12 ، وعلى رغم أن هذه الفكرة التي عرضها ، وجدتها بعينها عند فليش ( الدكتور الأب هنري ) : " العربية الفصحى : نحو بناء لغوي جديد " ، بتعريب الدكتور عبد الصبور شاهين ، والطبعة الثانية 1983م ، ونشر دار المشرق ببيروت ، 193 - آثرت نص العقاد الذي كان أحسن عرضا وأعمق فهما وأدق شعورا ، بما له في الفن من نصيب .
(29)العقاد : 8 . ولأمر ما قال غطاس عبد الملك خشبة ، محقق كتاب الفارابي ( أبي نصر محمد بن طرخان ) : " كتاب الموسيقى الكبير " ، الذي راجعه وصدر له الدكتور محمود الحفني ، طبعة دار الكاتب العربي بالقاهرة ، في تلحين الكلمة العربية : " يتوفر لها في الصياغة والألحان حسن السبيكة بين مقاطع الأصوات من طبع الأصل في اللغة " ، 20 .
(30)الرضي : 1/12 .
(31)الدماميني : 26 .
(32)البحراوي ( الدكتور سيد ) : " كتاب العروض للأخفش : تحقيق ودراسة " ، بحث بمجلة فصول القاهرية ، العدد الثاني سنة 1986م ، من المجلد السادس ، 128 .
(33)العلمي : 106-107 ، وراجع الرمالي : 127 ، وياقوت ( الدكتور أحمد سليمان ) : " عروض الخليل : ما لها وما عليها " ، طبعة دار المعرفة الجامعية بالإسكندية ، الأولى سنة 1989م ، 14-16 .
(34)ابن عبد ربه : 6/270 -271 .
(35)مصلوح ( الدكتور سعد ) : " دراسة السمع والكلام " ، طبعة سنة 1400هـ= 1980م ، ونشر مكتبة عالم الكتب بالقاهرة ، 188 ، 192 ، 247 .
(36)خليل : 94-95 .
(37)عبد اللطيف ( الدكتور محمد حماسة ) : " في بناء الجملة العربية " ، الطبعة الأولى سنة 1402هـ=1982م ، ونشر دار القلم بالكويت ، 442 .
(38)الجيار ( الدكتور مدحت ) : " موسيقى الشعر العربي : قضايا ومشكلات " ، طبعة دار المعارف بالقاهرة ، الثالثة سنة 1995م ، 207 ، والرمالي : 50-51 .
(39)بشر ( الدكتور كمال محمد ) : " دراسات في علم اللغة : القسم الأول " ، طبعة دار المعارف بالقاهرة سنة 1969م ، 202 . ومن العجيب أن نجد علماءنا القدماء واعين لعلاقة المد بالحركة ، ثم هم يراعون الكتابة في ضبط مسائل العلم ، وكأنهم ينخدعون لها عن رضا ، رغبة في تعليم تلامذتهم ، في وقت كانت هذه أدواته كلها .
(40)أحمد ( الدكتور محمد فتوح ) : " واقع القصيدة العربية " ، طبعة دار المعارف بالقاهرة ، الأولى سنة 1984م ، 44 .
(41)الفارابي : 1085 .
(42)الدماميني : 92 .
(43)السابق : 202 .
(44)سيبويه ( أبو بشر عمرو بن قنبر ) : " الكتاب " ، بتحقيق عبد السلام هارون ، وطبعة المدني بالقاهرة ، الثالثة سنة 1408هـ= 1988م ، ونشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ، 2/437 .
(45)ابن عصفور : 1/69 .
(46)ساعي ( الدكتور أحمد بسام ) : " حركة الشعر الحديث في سورية من خلال أعلامه " ، طبعة دار المأمون للتراث بدمشق ، الأولى سنة 1398هـ= 1987م ، 59-60 .
(47)الجوهري ( أبو نصر إسماعيل بن حماد ) : " عروض الورقة " ، بتحقيق الدكتور صالح جمال بدوي ، طبعة سنة 1406هـ= 1985م ، ونشر نادي مكة الثقافي ، 54 .
(48)الفارابي : 1090 .
(49)فليش : 44-45 ، ومصلوح : 275-276 ، وخليل : 85-89 .
(50)مصلوح : 277 .
(51)الأخفش : 164-165 ، والتبريزي ( الخطيب ) : " الكافي في العروض والقوافي " ، بتحقيق الحساني حسن عبد الله ، طبعة المدني بالقاهرة ، سنة 1969م ، ونشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ، 18 ، والزمخشري ( جار الله ) : " القسطاس في علم العروض " ، بتحقيق الدكتور فخر الدين قباوة ، والطبعة الأولى سنة 1397هـ= 1977م ، نشر المكتبة العربية بحلب ، 125-126 .
(52)الرضي : 2/210 .
(53)السابق : 2/248-250 .
(54)فليش : 44-45 . لقد أثبت هذا الأمر وشرحه مستفيدا من صاحب المفصل ، غير أنه جعل المقطعين الخارجين بالهمز ، قصيرين ، يطول ثانيهما بالوقف ، فتجاوز الصواب ؛ إذ ليسا جميعا قصيرين في الوصل .
(55)ابن رشيق ( أبو علي الحسن القيرواني ) : " العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده " ، بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ، وطبعة دار الجيل ببيروت ، الخامسة سنة 1401هـ= 1981م ، 2/25 .
(56)السابق : 2/26 ، 31 .
(57)جويار ( م . ستانسيلاس ) : " نظرية جديدة في العروض العربي " ، بترجمة منجي الكعبي ، ومراجعة عبد الحميد الدواخلي ، وطبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سنة 1996م ، 89 .
(58)فضل ( الدكتور صلاح ) : " نظرية البنائية في النقد الأدبي " ، طبعة سنة 1992م ، ونشر مؤسسة مختار بالقاهرة ، 71 ، وبورا ( ك . موريس ) : " الغناء والشعر عند الشعوب البدائية " ، بترجمة يوسف شلب الشام ، والطبعة الأولى سنة 1992م ، ونشر دار طلاس بدمشق ، 293-294 ، وريتشاردز ( أ . أ ) : " العلم والشعر " ، بترجمة الدكتور مصطفى بدوي ، ومراجعة الدكتورة سهير القلماوي ، طبعة الأنجلو بالقاهرة ، 47-49 ، وأحمد : 44-45 .
(59)عبد اللطيف : " الجملة في الشعر العربي " ، طبعة المدني بالقاهرة ، الأولى سنة 1410هـ=1990م ، ونشر مكتبة الخانجي بالقاهرة ، 18 .
(60)ابن خلدون ( عبد الرحمن ) : " المقدمة " ، بتحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي ، وطبعة دار نهضة مصر بالقاهرة ، الثالثة ، 3/1300 .
(61)جيروم ( جدسون ) : " الشاعر والشكل - دليل الشاعر " ، بتعريب الدكتور صبري محمد حسن وعبد الرحيم القعود ، وطبعة سنة 1415هـ=1995م ، ونشر دار المريخ بالرياض ، 121 .
(62)عياد ( الدكتور شكري محمد ) : " موسيقى الشعر العربي : مشروع دراسة علمية " ، طبعة دار الأمل بالقاهرة ، الثانية سنة 1978 ، ونشر دار المعرفة بالقاهرة ، 34 .
(63)سليمان ( محمد ) : " الهامش والمتن ودوائر الاستبدال " ، مقال بالعدد الثالث من مجلة فصول القاهرية ، بالمجلد الحادي عشر ، خريف سنة 1992م ، 263 .
(64)أنيس : 157 .
(65)ابن عصفور : 1/71 .
(66)السابق : 1/111 ، 119 .
(67)السابق : 1/ 67-69 .
(68)السابق : 1/126 ، وراجع 1/73-74 ، 2/471-472 .
(69)الأندلسي ( أبو حيان ) : " المبدع في التصريف " ، بتحقيق الدكتور عبد الحميد السيد طلب ، والطبعة الأولى سنة 1402هـ= 1982م ، ونشر مكتبة دار العروبة بالكويت ، 46-47 ؛ فقد قال : " لما كان كتاب ( الممتع ) أحسن ما وضع في هذا الفن ترتيبا ، وألخصه تهذيبا ، وأجمعه تقسيما ، وأقربه تفهيما - قصدنا في هذه الأوراق ذكر ما تضمنه من الأحكام بألخص عبارة ، وأبدع إشارة ، ليشرف الناظر فيه على معظمه في أقرب زمان ، ويسرح بصيرته في عقائل حسان " ، وابن عصفور : " ضرائر الشعر " ، بتحقيق السيد إبراهيم محمد ، طبعة دار الأندلس ببيروت ، الثانية سنة 1402هـ=1982م ، 7 من مقدمة المحقق ؛ فقد قال : " يعتبر هذا الكتاب من أهم ما ألف في هذا الموضوع لاحتوائه على كثير من الضرورات الشعرية ، واستقصاء مؤلفه لعدد كبير من المصادر في الحصول على مادة الكتاب ، ولغزارة الشواهد النحوية التي يحتوي عليها " .
70 القرطاجني ( أبو الحسن حازم ) : " منهاج البلغاء وسراج الأدباء " ، بتحقيق محمد الحبيب بن الخوجة ، وطبعة دار الكتب الشرقية بتونس ، سنة 1966م ، ص204 ، وياقوت : 19-22 ، 62 .
(71)البهبيتي ( الدكتور نجيب ) : " تاريخ الشعر العربي حتى آخر القرن الثالث الهجري " ، طبعة دار النجاح الجديدة بالدار البيضاء ، سنة 1982م ، ونشر دار الثقافة بالدار البيضاء ، 94 ، وستتكيفيتش ( الدكتور ياروسلاف ) : " العربية الفصحى الحديثة : بحوث في تطور الألفاظ والأساليب " ، بترجمة الدكتور محمد حسن عبد العزيز ، وطبعة دار النمر بالقاهرة ، سنة 1985م ، 78-79 ، وفاضل ( جهاد ) : " أسئلة الشعر " ، نشر الدار العربية للكتاب بليبيا ؛ ففيهما من شعر رواد الشعر الحر مثل ما وجده الدكتور البهبيتي في شعر طرفة ، وساعي : 211-212 ؛ فقد ذكر أن أهم ما قدمه الشعر الحديث للغة العربية ، أمران : أولهما بحث الشعراء في لهجاتهم العامية عن ألفاظ فصحى أو اشتقاقات أو تعبيرات مهجورة ، ليحققوا بهذا وذاك عنصر المفاجأة ؛ فهم في الوقت نفسه يحيون موات اللغة .
(72)ابن جني ( أبو الفتح عثمان ) : " الخصائص " ، بتحقيق محمد علي النجار ، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الثالثة سنة 1987م ، 2/26 ، وكشك ( الدكتور أحمد محمد عبد العزيز ) : " الفكر الإيقاعي في الخصائص لابن جني " ، بحث بالكتاب التذكاري للاحتفال بالعيد المئوي لكلية دار العلوم ، طبعة عبير سنة 1413هـ=1993م ، 270 .
(73)الرضي : 1/52 .
(74)ابن منظور : مادة ( جهر ) .
(75)السابق : مادة ( شمل ) .
(76)شاهين ( الدكتور عبد الصبور ) : " المنهج الصوتي للبنية العربية : رؤية جديدة في الصرف العربي " ، طبعة جامعة القاهرة ، الأولى سنة 1977م ، ونشر مكتبة دار العلوم بالقاهرة ، فصل الإلحاق من الكتاب .
(77)فليش : 92 .
(78)ابن عبد ربه : 6/288 .
(79)فليش : 193 ؛ فقد لاحظ حفاظ العربية الشديد على الوزن الصرفي ، على مدى الزمن مقارنة بغيرها من اللغات حتى السامية منها ؛ فكادت يستولي على نظره شبهة سلبية هذا الحفاظ ، غير أنه لم يملك إلا أن يعجب من " الخصوبة الشديدة التي توفرت للوزن بوساطة القياس ، من أجل إنتاج مفردات بالغة الكثرة " .
(80)الزمخشري : 21-22 .
(81)عوض ( الدكتور لويس ) : " بلوتولند وقصائد أخرى من شعر الخاصة " ، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، الثانية سنة 1989م ، 11 .
(82)فاضل : 66 .
(83)الجيار : 149 .
(84)الجرجاني ( أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن النحوي ) : " دلائل الإعجاز " ، قرأه وعلق عليه الأستاذ محمود محمد شاكر ، وطبعته مطبعة المدني بالقاهرة ، ونشرته مكتبة الخانجي بالقاهرة ، 252-253 .
(85)المزوقي ( أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن ) : " شرح ديوان الحماسة " ، بتحقيق أحمد أمين وعبد السلام هارون ، طبعة دار الجيل ببيروت ، الأولى 1411هـ=1991م ، 1/9 ، 10 .
(86)الفارابي : 49-50 .
(87)الميداني ( أبو الفضل أحمد بن محمد ) : " مجمع الأمثال " ، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، وطبعة عيسى البابي الحلبي بالقاهرة ، 3/514 .
(88)المجذوب ( الدكتور عبد الله الطيب ) : " المرشد إلى فهم أشعار العربي وصناعتها " ، طبعة جامعة الخرطوم ، الرابعة سنة 1991م ، نشر دار جامعة الخرطوم ، 1/436 . وراجع في هذا الجزء : 103 ، 108 ، 109 ، 215 ، 216 ، وغيرها تجد هذا العبث فاشيا ، حتى إنه يصرح به قائلا مثلا في ص108 : " هاك عبثا في وزنه (...) ومثاله من الكلام الفارغ " ! ، وفي 109 : " مثاله من العبث " ، وفي 215 : " مثاله من الكلمات " ، وراجع فارمر ( هنري جورج ) : " تاريخ الموسيقى العربية حتى القرن الثالث عشر الميلادي " ، بتعريب جرجيس فتح الله المحامي ، ونشر دار مكتبة الحياة ببيروت ، 178 ؛ ففيه بيان طريقة زرياب الموسيقار ، في تعليم تلامذته أصول الغناء ، بثلاث مراحل ، تعنينا منها أولاها ؛ إذ يعلمه فيها الإيقاع والعروض بما سماه ( كلمات الصوت ) ، التي يذهب في تخيلها العقل كل مذهب ، غير أنه يتوقع أن تكون مختارة بحيث تشتمل من الأصوات على ما يتفقه به التلميذ في الإيقاع والعروض ، وتترسخ بتكراره في عقله طبيعتهما المتحدة الأصل كما سبق في الفقرة العشرين .
(89)ابن عصفور : 2/731 ، والرضي : 3/294 .
(90)السابق : 2/734 .
(91)ابن عبد ربه : 6/273 .
(92)القرطاجني : 263 ، والدماميني : 86 .
(93)الدماميني : 235 .
(94)السابق : 172 .
(95)ابن عصفور : 2/483-484 .
(96)السابق : 2/552 .
(97)سيبويه : 2/424 .
(98)ابن عصفور : 2/635 .
(99)السابق : 2/714-715 .
(100)السابق : 2/708 .
(101)السابق : 2/709 .
(102)الدماميني : 178 .
(103)أنيس : 111 .
(104)جويار : 85 وما بعدها ، وعياد : 53 ، وقد أنكر بعض الباحثين أن يكون للشعر نبر مخالف لنبر النثر ، راجع فليش : 49-50 ، ومصلوح : " دراسات نقدية في اللسانيات العربية المعاصرة " ، الطبعة الأولى سنة 1410هـ= 1989م ، ونشر عالم الكتب بالقاهرة ، 175 ، والبحراوي ( الدكتور سيد ) : " العروض وإيقاع الشعر " ، طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب ، سنة 1993م ، 126 ، وأنا لا أخالفهم إلا في هذا النبر التعويضي ، وفي نبر القافية التشبيهي ؛ فإنه فيهما لا يرتبط بمواضع نبر النثر ، بل بمواضع حاجة الوزن العروضي .
(105)الدماميني : 167-168 .
(106)حازم : 208-210 ؛ ففي حديثه عن تقصير القوة الناظمة عن إحكام الوزن بيان جلي .
(107)أبو ديب : 389 .
(108)المبرد ( أبو العباس محمد بن يزيد ) : " الكامل في اللغة والأدب " ، بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، وطبعة دار الفكر العربي بالقاهرة ، 3/201 .
(109)ابن عبد ربه : 6/302 .
(110)السابق : 6/291 .
(111)ابن جني : 1/71 ، والدماميني : 131 ، ولا تخلو تسمية العروضيين تفعيلة العروض ( فَصْلًا ) ، وتفعيلة الضرب ( غايَةً ) عندما تتميزان عن الحشو بالتغيير ، من دلالة على الوقف عليهما والصمت عندهما .
(112)ابن عبد ربه : 6/355 .
(113)المختار ( عبد الصاحب ) : " دائرة الوحدة في أوزان الشعر العربي " ، طبعة المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم بتونس ، سنة 1985م ، 114-115 ، وياقوت : 62-63 .
(114)فليش : 120 .
(115)السابق : 120 بالحاشية .
(116)الدماميني : 225 .
(117)ابن عصفور : 1/44 .
(118)الدماميني : 44 ، وراجع الأخفش : 155 ، والبحراوي : " كتاب العروض " : 133 ، وأنيس : 53 .
(119)راجع أعمال من استدركوا على الخليل قديما وحديثا ، في كتاب الأستاذ محمد العلمي .
(120)الموسى ( الدكتور نهاد ) : " نظرية النحو العربي في ضوء مناهج النظر اللغوي الحديث " ، الطبعة الثانية ، ونشر دار البشير ومكتبة وسام بالأردن ، 71 ، والراجحي ( الدكتور عبده ) : " النحو العربي والدرس الحديث : بحث في المنهج " ، طبعة سنة 1406هـ= 1986م ، ونشر دار النهضة العربية ببيروت : 105 ، 119 ، 160 .
(121)العلمي : 137 .
(122)ابن عصفور : 1/31-32 .
(123)وهبة ( الدكتور مجدي ) : " معجم مصطلحات الأدب : إنكليزي ، فرنسي ، عربي " ، نشر مكتبة لبنان بيروت ، 91 ، 565 .
(124)الرمالي : 16 .
(125)أنيس : 53 .
(126)الرضي : 2/271 من نص المتن .