رجب أبو سرية في نثار الروح و الجسد عالم يعج بالفوضى و الضجيج

رجب أبو سرية في نثار الروح و الجسد عالم يعج بالفوضى و الضجيج

يسري الغول

[email protected]

أحداث يومية تتكرر بشكل عادي بسيط يلتقطها القاص الفلسطيني رجب أبو سرية في مجموعته القصصية الجديدة " نثار الروح والجسد " و التي صدرت مؤخراً عن اتحاد الكتاب الفلسطينيين . خلال هذه القصص يعايش القارئ الواقع بمتغيراته ، الهم اليومي و التسول بأشكاله الغريبة ، المؤلمة ، كمسح زجاجة السيارة في قصة " إشارة " ، و الغور في الأعماق لاجتثاث منكونات الإنسان المعاصر ، المريض ، الهائم على وجهه شوقاً لحياة قديمة كانت افضل ، و هائماً في طرقات الوطن البائد في طيات الانزوائية و العبودية و التطرف و الرشوة والعدوانية و عدم العدل أو المساواة ، فهذه القصص رغم بساطتها إلا أنها مراوغة ، مفعمة بطاقة شعرية مرهفة و قدرة فائقة على تقطير التجربة الإنسانية و القبض على جوهر النفس البشرية و التعبير عن صبواتها و مطامحها و أحزانها ببساطة و يسر آسرين  فيبتعد بنا عن السطحية التي لا تكاد تذكر في قصصه لحنكته في سرد اللحظة الآنية بطريقة أدبية رفيعة ، فالقصص هنا هي قصص قصيرة جداً و يمكن وضعها تحت إطار الأقصوصة و كما ندرك جميعاً أن كاتب الأقصوصة ينظر إلى الأشياء بمنظار خاص كما يقول أحد الكتاب الفرنسيين " كاتب الأقصوصة الحديثة مضطر إلى رؤية العالم بطريقة معينة لا تنبثق من مناخ الأزمة المعتاد فحسب و لكن من طبيعة الشكل الأدبي للأقصوصة الذي يجنح إلى تحليل التجربة الإنسانية بطريقة اختزالية إلى عناصرها الأولية من هزيمة و اغتراب" و تذكرني هذه القصص بمجموعة زياد خداش " موعد بذئ مع العاصفة " التي تشبه إلى حد كبير قصص الكاتب رجب أبو سرية ، لكن الفارق أن زياد خداش انتقل من الأقصوصة إلى القصة في مجموعته " خذيني إلى موتي " لكن أبو سرية لا يزال في عالم الأقصوصة ، فمجموعاته الأُول "ليس غير الظل " و " تهاويم الأرق " تُظهر ذلك النَفَس القصير في كتابة القصة لدى رجب أبو سرية ، و كل هذا أعطى كاتبنا طبيعة خاصة يتفرد بها عن غيره في عالمه الخاص الجميل و الرائع ،فالشكل الأدبي هنا ليس وعاء للتجربة لكن التجربة ذاتها تشكلت بهذا النسق المعين ، فنجد أن وحدة الأثر أو الانطباع - و التي تعتبر أهم خاصية من خواص القصة أو الأقصوصة - تحققت في معظم القصص مثل " مطلقة " و " كان صديقي " و " هو ، هي " .. الخ . منتقلاً من السطحي إلى الأعماق دون ثرثرة زائدة أو استطراد لا يفيد القصة بشيء ليتوحد مع ذات القارئ التي تفكر بنفس النسق الذي تبناه الكاتب في قصصه . نستشف أيضاً في مجموعته نثار الروح و الجسد العوالم الجمالية  و التي نستطيع إدراجها في إطار الكلاسيكية مبتعداً عن المونولوج في اغلب القصص .

يرتبط أيضاً رجب أبو سرية بالمكان و اللحظة فتظهر فنية الكتابة و روعتها في التقاط الحدث بصورته العفوية الغير مربكة كفلاش يرتطم بجدران الواقع الذي يذكره الكاتب ، لكن الكاتب فشل في بعض القصص من الخروج عن التقريرية المفرطة ففي قصة " دوام الحال " شعر القارئ فعلاً بأنه يقرأ حدثاً عادياً لا طعم له ولا يمت إلى عالم القصة بشيء بل أنه يقرأ حدث ما في جريدة ما. بالنسبة للأسماء و القصص فهي أسماء حداثية مثل إنترنت و إعلانات و لباقة و من قبل من بعد ، و يوم الفرح و المأتم الخ ، لكن هناك تفاوت بين القصص من حيث القوة و الجاذبية عن البعض الآخر فقصة " هو ، هي " بروعتها كانت في طليعة المقارنات الأدبية بين أشخاص و عوالم مختلفة ، فهو العجوز الأربعيني الذي يقبل بنزوة قد تحدث أو فكرة بزواج ، أما هي فتفكر بالزوج الذي سيطرق أبواب بيتها / ثم هو الذي ينفر من تهاويم الموت و هي التي تبحث عن قربات الحياة ، كذلك قصة " الفتى و الكهل " فالكهل هنا بثياب فتى أما الفتى فهو بثياب كهل و هذه القصة تعبر عن الأرق و الألم الذي يعيشه الشاب المقهور والمكبوت بحثاً عن وظيفة و عمل يقيه برد التسول لكن للأسف سيطر عليها أصحاب الكهولة فالكهل  في أحضان وثيرة منشرح الصدر لا يأبه لتوسلات الحياة بالعودة إلى شيخوخته ، كذلك قصة مطلقة التي تظهر المنظور الاجتماعي للمرأة المطلقة و الابتعاد عنها و كأنها أصبحت جيفة رغم أنها كانت الحب الأول للبطل ، تفسير آخر لها قد يفهمه القارئ بان المطلقة قد تقبل بأي وزج لأنها تعلم أنها الآن لن تتزوج سوى إنسان فارغ لا يمتلك سوى ألم الماضي ، كذلك باقي القصص الأخرى فهي قضايا اجتماعية بسيطة قد يراها الإنسان في أي لحظة أو يلمسها في الطريق أو البنايات أو العالم من حوله عدا قصة " مبدع " التي لن تكون أبداً ، فالمبدع يموت في نهاية القصة منتحراً لأنه كان يعتقد أن المسابقة التي تقدم لها ستظهر قدرته في كتابة القصة فيحصل على إحدى الجوائز التي أعلنت عنها تلك الجهة ، لكنهم يخذلونه بأنهم يتناسوا تلك المسابقة و لا يعلنوا عن النتائج ، و تذكرني القصة بما حدث معي قبل عامين ، ففي مسابقة أعلنت عنها وزارة الثقافة و كان القاص رجب أبو سرية أحد المشرفين عليها تقدمت مع مجموعة من الشبان لتلك المسابقة و بالفعل فزنا و حصلت على المركز الأول لكنني حتى هذه اللحظة لم أحصل على الجائزة المرموقة التي أعلن عنها في ذلك الوقت أو أي شيء آخر ، كذلك باقي الفائزين ،  فلم ننتحر لأننا قد حصلنا على أفضل من تلك التي يقدمها اتحاد الكتاب أو وزارة الثقافة هي قدرتنا عن الخروج عن طاعونهم و سرد ما يجول بخواطرنا على ذلك الورق الذي تركه جميعهم على ارض صلبة .