النص القرآني عند محمد شحرور

(4)

ياسين سليماني

[email protected]

الـمبحث الثانـي: منهجـه

  لا يبدأ الدكتور محمد شحرور بتقديم كتبه إلا بعد التنبيه إلى المنهج الذي يتبعه في تناوله للقرآن ويزعم شحرور انه يحاول إضافة إلى فهم التنزيل الحكيم حسب تعبيره "إعادة تأسيس فقه إسلامي معاصر"(1) غير أنه لا يدعي أن هذه القراءة المعاصرة هي الأولى لأنها سبقت بقراءات سابقة، كما أنها ليست النهائية فحسبه أن الذي يدعي فهم كتاب الله ككل من أوله إلى آخره فهما مطلقا إنما يدعي شراكة الله في المعرفة "في ضوء قوله تعالى:" ويقول الذين كفروا لست مرسلا، قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب"

   هذا المنهج الذي يسير عليه صاحب "الكتاب والقرآن" ينطوي على عدة نقاط أو مبادئ هي كما يلي:

أ- الإيمانيـات:

   القرآن نص إيماني وليس دليلا علميا فيمكن إقامة الحجة بواسطته على المؤمنين به فقط، أما غيرهم فلا يمكن ذلك وعلى المؤمنين أن يوردوا الدليل العلمي والمنطقي على مصداقيته، وبما أن القرآن هو كلام الله لقوله تعالى:" وإنّ أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله" فوجب بالضرورة أن يكون مكتفيا بذاته، وهو كالوجود لا يحتاج إلى شيء من خارجه لفهمه، ومادام خالق الكون هو ذاته موحي التنزيل الحكيم بكلامه فإن مفاتيح فهم القرآن هي بالضرورة من داخله، ويجب البحث عنها فيه بدون صحاح وأسانيد وبدون قول صحابي أو تابعي، غير أنه يمكن سماع كل الأقوال والاستئناس بها.

   إن النص القرآني مطلق في ذاته، نسبيا لقارئه و نسبيته تتبع نظم المعرفة وأدواتها، ويطلق الكاتب على هذا "ثبات النص في ذاته وحركة المحتوى لقارئه" وهذا ما يفسر – حسب الباحث- امتناع النبي الكريم عن شرحه إلا في الشعائر فقط.(2)

   ويشير شحرور إلى أن الأساس في الحياة هو الإباحة، والطرف الوحيد الذي له الحق في التحريم هو الله، والمحرمات أغلقت بالرسالة المحمدية، وكل إفتاءات التحريم لا قيمة لها، أما ما سوى الله ابتداء من الرسل وانتهاء بالهيئات التشريعية فهي تأمر وتنهى فقط لقوله تعالى:"وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا".

  حيث أن الأمر والنهي ظرفي، أي متعلق بمكان وزمان معينين، أما التحريم فشمولي أبدي. ويتابع شحرور رأيه فيؤكد أن الرسول لا يحرم ولا يحلل وإنما يأمر وينهى لذا فنواهيه كلها ظرفية والاختلاف بين الإسلام و الإيمان كثيرا ما يغفل الناس عنه، فالإيمان بالله واليوم الأخر هو "تذكرة الدخول إلى الإسلام".

   الذي يقوم على هذه المسلمة، وكل القيم الإنسانية العليا ليست حكرا على أتباع الرسالة المحمدية هي من الإسلام مثل بر الوالدين والصدق وغيرهما، وهذا المجال يمكن الإبداع فيه بما أنه يشتمل على الأعمال الصالحة ولصاحب العمل الأجر ولمن اتبعه.(1)

   ورأس الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله، يقول تعالى:" قل إنما أوحي إلي أنما إلهكم إله واحد فهل انتم مسلمون" أما شهادة أن محمدا رسول الله فهي رأس الإيمان، وأتباعه هم المسلمون المؤمنون، وكل عمل هو وقف على إتباع الرسالة المحمدية ولا يقوم به غيرهم هو من الإيمان، مثل الصلوات الخمس وصوم رمضان وغيرهما، حيث أن هذه الطقوس هي من أركان الإيمان وليست من أركان الإسلام والإبداع فيها بدعة مرفوضة، بمعنى أن هناك إيمانان: الإيمان بالله الواحد وهو الإسلام والمسلمون والثاني الإيمان بالرسول الكريم "يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين" وهو الإيمان والمؤمنون، والإسلام يسبق الإيمان دائما ويوجد أجر على كل واحد منهما "يا أيها الذين امنوا اتقوا الله وامنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته" الكفل الأول على الإسلام والثاني على الإيمان، وبما أن الإسلام عام و إنساني فهو الدين الوحيد الذي ارتضاه لعباده وهو دين الفطرة، وقد تراكم من نوح حتى محمد (ص)، أما أركان الإيمان فهي ضد الفطرة تماما كالصلوات الخمس وصوم رمضان، ولا يمكن للإنسان أن يقوم بها إلا إذا أمره أحد بها وهداه إليها، لذلك قال رب العزة عن الإسلام والإيمان "يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنّوا عليّ إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين".

  ويقول شحرور بهذا الصدد: إنّ أهم إصلاح ثقافي نحن بحاجة إليه هو تصحيح أركان الإسلام وأركان الإيمان، حيث تم وضع أركان الإيمان على أساس أنها أركان الإسلام مما أوقعنا في أزمة ثقافية وأخلاقية كبيرة جدا، حيث أن الأخلاق والقيم العليا غير موجودة أصلا في أركان الإسلام المزعومة، فالإسلام فطرة والإيمان تكليف(2).

              

- الموقع الرسمي لمحمد شحرور.

2- المصدر نفسه.