غار ثور في الشعر العربي المعاصر

غار ثور في الشعر العربي المعاصر

الدكتور طه محسن

جامعة بغداد – كلية الآداب

غار (ثور) واحد من الأمكنة التي نالت في تأريخ الإسلام مهابة ذكراً حسناً. وصار له موقع طيب في النفوس، فمجده الكتاب، وترنم بذكره الشعراء بعد ما أوى إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريق هجرته إلى المدينة المنورة.

فحين تنزل الوحي من عند الله تعالى يأذن لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة اصطفى أبا بكر الصديق رضي الله عنه رفيقاً في السفر، واستبقى الفتى الشجاع علياً رضي الله عنه ليصرف عنه الأنظار  حتى الصباح، وليرد الوزائع إلى أهلها، ثم غادر داره ماراً من بين المحيطين بها وهو يهيل التراب في وجوههم ويتلو قوله تعالى: )يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الحكيم( إلى قوله تعالى: )وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرن((1).

واتجه الرفيقان جنوب مكة حتى وصلا إلى غار في جبل (ثور) يقع على بعد خمسة كيلومترات منها، وكان الطريق إليه شاقاً وعسيراً (2)

وفي الغار، مقر عمليات الهجرة المباركة، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون على علم بمجرى الحوادث في مكة وما تقوم به قريش، وأن يتحقق له وصول المدد من الطعام الشراب والزاد عند متابعة المسير.

فكان عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما يتسمع ما يقول الناس في الرفيقين نهاره ثم يأتيهما إذا أظلم الليل بما يكون في ذلك اليوم من الخبر، ثم يعود في الفجر إلى مكة. وكانت أسماء أخته رضي الله عنها توفر الطعام لهما. أما آثار الأقدام التي يخلفها سيرهما إلى الغار فتكفل عامر بن فهيرة مولي أبي بكر بطمسها حين يغدو بغنمه إلى الغار ويروح(3).

وعلى الرغم من التدبير المحكم استطاع قصاصو الأثر أن يصلوا إلى فم الغار، حتى إن أبا بكر رضي الله عنه رأى بأم عينيه أقدام المشركين المطاردين أسفل الغار، فأصابه الحزن، وخاف لا على نفسه، ولكن على رسول الله صلى الله عليه وسلم  فهمس: (لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا). ويجيء التطمين عن ثقة بالله: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ يا أبا بكر لا تحزن إن الله معنا)(5)

لقد أحال العدو بخيله ورجله بطاح مكة وهضابها ميداناً لمعركة تطلب دم النبي صلى الله عليه وسلم، وليس معه من الناس سوى رجل واحد، وليس عنده من السلاح المحسوس ما يدفع عنه شر الأعداء.

وكان الغار في متناول أيديهم، وتحت أبصارهم. وهو بعد غائر ضيق لا مجال فيه لحركة دفاع ولا هرب. وما كان عليهم إلا أن يمدوا أيديهم فيستولوا عليه، ويأخذوه أخذاً هيناً.

في هذه الساعات الحرجات تجلى عون الله وحفظه بصورة لا تدع مجالاً للشك في هذا العون وهذا الحفظ.

لقد صيرت ألطاف الله الضعيف قوياً، والواهن متيناً، فكان نسج العنكبوت أشد عليهم من نسج السابقات وأقوى(6)، وهديل الحمائم أناشيد سلام وطمأنينة (7) وصار الغار عليهما رحباً فسيحاً.

وعبثاً حاول قصاصو الأثر، إنهما في حماية الله وكفى، ودون الوصل إليهما المتسحيل، ولو اجتمعت جنود الأرض كلها عند الغار.

تأثر الشعراء بهذه المعاني والصور التي زينت حوادث الهجرة، استشرفوا معانيها النبيلة، فراحوا يطرزون بها أناشيدهم، ويصورون مشاهد الغار وما سخر الله له من آيات معجزات، وما دار فيه من حكايات وحوار، مجسمين من خلال حديثهم معاني التضحية، والفداء، والإيثار، والبطولة، ومشيرين إلى الدروس والعبر.

إن الحديث عن الغار جاء ضمن ثلاثة أنماط من الشعر العربي المعاصر:

الأول : قصائد نظمها الشعراء في أغراض إسلامية عامة يأتي ذكر الغار فيها عرضاً. وهذا ما نجده مثلاً في قصيدة (نهج البردة) لأحمد شوقي، و(قصة البعث) لمحمود غنيم(8).

والثاني: قصائد تتغنى بالهجرة النبوية، ويأتي الحديث عن الغار فيها جزءاً متمماً لها، لأنه أهم موقع من مواقع حركتها، وهذا هو الأغلب في القصائد التي سنتعرض لها.

والنمط الثالث: قصر الشاعر قصيدته على الغار نفسه، أو على واحد من شخوصه، أو موقف حدث فيه، فيدير حوله التعبير كما في قصيدة (حمامة الغار) لأحمد أبو المجد، و(في غار ثور) لأحمد مخيمر.

إن أول ما يلاحظ على شعر الغار هو تأثر أصحابه بالقرآن الكريم، وهو سمة ظاهرة في شعر الهجرة عموماً، وفي شعر الغار خصوصاً. وتأتي في المقدمة الآية الكريمة: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذهما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم)(9).

وقد أنعم الشعراء التدبر في هذه الآية، واقتبسوا من ألفاظها، وتأثروا بأسلوبها، وضمنوا شعرهم معانيها، وأدار بعضهم حولها قصيدهم، وتفنن في تصوير ما تحقق في الغار من آيات، وما جرى من حوار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه.

وحين وجد هؤلاء أن الله تعالى قد خصّ الغار بالذكر أسبغوا عليه سمات المهابة والاحترام والفضل.

إنه منطلق الهجرة، وموطن ولادتها في قول الشاعر أحمد محمد الصديق (10):

يا هجرة المصطفى يا طيب مولدها
تمر   ذكراك  شمساً  في  iiدياجرنا
 


 
في  الغار  تهفو لها نفسي iiوتنجذبُ
فتنبري  نحوك  الأشعار  iiوالخطبُ
 

وذكرى الهجرة هي ذكرى الغار نفسه. يقول الشاعر محمد الهادي إسماعيل في مطلع قصيدته من ألحان الهجرة (11):

قم  رتل الذكر واختر خير iiقيثارِ
من  ذا الذي يقطع البيداء iiممتثلاً


 
فتلك  ذكرى رسول الله في iiالغارِ
أمر السماء ترى من ذلك الساري

وهو عند الشاعر محمود إبراهيم طيرة طوق النجاة وحصنها، ومحل الأسرار الإلهية، والآيات الربانية، وله شرف إيواء المصطفى صلى الله عليه وسلم، وإنه لذو خط عظيم من السعادة(12):

ويا  غار  ثور  إن  حظك iiوافرٌ
شرفت   بإيواء   النبي   iiمحمدٍ
وكم هي ساعات من الدهر حلوة
وفي  حلِّ سرِّ الغار عقليَ iiحائر
وآيات  ربي  فيه  كانت  iiوفيرة
فإن  كان  عند الناس غاراً iiفانه






 
وحسبك  يا  حصن النجاة iiخلودُ
وصاحبه   حينا   فأنت   iiسعيدُ
يفوز   بها   من   دهره  iiويفيدُ
وكم  حار في حل الرموز iiرشيدُ
سلوا   الغار   عنها  إنه  iiلشهيدُ
لدى   الله  حصن  للنجاة  iiعتيدُ

ويقف الشاعر محمد هارون الحلو في محراب الغار باحترام ليجلو آيات الله وسرَّ معجزاته، وجلال قدرته في تصريف شأن نبيه، وعونه على عدوه من خلال أضعف مخلوقاته. استمع إليه يكرر لفظ الغار في هذا المقطع(13):

وطوى الرسول البيد وهو على خطاً
قف  بي  حيال  الغار  وقفة  iiخاشع
حشد    الملائك   حوله   iiمستلئميـ
هذا   هو   الغار   المحجب   iiسرُّه
فعشاشه    فيها    الحمائم   iiفرّخت
الله    أكبر    ذاك    نصر   iiمحمد
منعته    كفّ    الله    من   iiأعدائه
لله    درك    يا    أبا    بكر   iiفقد
في  الغار كنت المفتدي خير iiالورى









 
من   غار   ثور   والطريق  iiييابُ
فالغار     في    بطحائه    محرابُ
ن  وهم  لدين  المصطفين  iiغضابُ
رفّ    الظلام    به   فما   iiينجابُ
وعليه   من   نسج   العناكب  iiبابُ
ما    فيه   شك   أو   به   iiمرتابُ
فمضى  على  التوفيق  وهو  iiمهابُ
شدّت    بك    الأوتاد    iiوالأطنابُ
والقلب    ظام    والنفوس   iiجدابُ

إن أحداث الغار لا تنفصل عن الأحداث خارجه، ابتداءاً بمغادرة الرسول صلى الله عليه وسلم داره حتى الوصول إليه.

ها هو ذا الشاعر عبد الرحمن البجاوي يطوي المسافة بين دار النبوة ومنطلق الهجرة غار ثور ملمحاً إلى ما تقله المؤرخون وأصحاب السير من خبر وصول (سراقة من مالك) وهو من فرسان قريش إلى باب الغار بعد تتبعه أثر الصاحبين، وما ذكروا عن خشية أبي بكر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومتابعة ابنته أسماء رضي الله عنها تموينها بالزاد، وتحديها أبا جهل الذي آذاها حين لم تخبره بوجهة والدها(14).

يقول الشاعر البجاوي (15):

وحين   تلا  (~يس)  رُوِّع  iiأمنها
وسار   إلى  (ثور)  يكلل  iiوجهه
وفي الغار ثاني اثنين يرقب فارساً
وتهمي  عيون  يعرف  الله iiقدرها
ومرت   ثلاث   من  ليال  iiجليلة
وتسبح  في  عرض الفلاة iiخيولهم
وأسماء  لا  تخشى رعود iiوعيدهم
ويحمل   زاد   الصاحبين  نطاقها
فدائية  جلت عن الوصف iiغادرت









 
وغشّى  الثرى  كل الجباه iiالكوافرِ
بشائر   نصر  في  يقين  iiمجاهرِ
وعته   قريش  لاقتحام  iiالمخاطرِ
وليس  بكاها  غير  خشية  iiصابرِ
على  القوم تُحصى كلُّ نأمة iiطائرِ
فترتد   حسرى  داميات  iiالحوافرِ
فتمضي  كطيف في أتون الهواجرِ
وأيُّ    طعام    زودت   لمسافرِ؟
وعيد   أبي   جهل  ذليل  iiالبواتر

وحين يكون قصاصو الأثر من باب الغار قاب قوسين أو أدنى، ويصلون إلى منتهى طلبهم الذي أقاموا الدنيا من أجل القبض عليه وأقعدوها يخيب الله فألهم، ويعمي أبصارهم، إذ يجدون على باب الغار بيتاً للعنكبوت، وعشّاً للحمائم، فتتيه في الأمر ألبابهم، ويرجعون خائبين خاسئين.

صورة الحمائم والعنكبوت وبيتاهما يطرق وصفها الشعراء  بأساليب متنوعة.

الشاعر يوسف زاهر يقرن بين المعجزات التي غشّت عيون المشركين وعقولهم وهو وقوف عند باب دار النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة وباب الغار فيقول(16):

رمية    بالتراب    أرسلها    لها
ونسيج  من  نسج  أضعف  iiخلق
وحمام   على   فم   الغار  iiحاكى
 



 
دي  أدالت  قوىً  وأعمت  عيوناً
صار حصناً على الرسول حصيناً
أسداً   يحرس   الحمى  iiوالعرينا
 

ويستلهم الشاعر أحمد محمد الصديق عظة بالغة من خيوط العنكبوت حين ارتدت أمام المشركين درعاً واقية للرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه بقدرة الله تعالى، يقول وهو يستنهض همم الشباب ويدعوهم إلى الاستمساك بحبل الله، والتمرد على الطغاة(17):

فليقض  ما شاء الطغاة iiحصادهم
عضواً  الأنامل  حسرة iiوتمزقت
العنكبوت خيوطها أقوى من iiالـ
نسجت  بباب  الغار  درعاً iiواقياً
هي عبرة خفيت وإن هي سجلت





 
شوك  الندامة  والهشيم  iiالمجدبِ
أقدامهم  فوق الحصى iiالمتخضبِ
طغيان  أو  من  نقمة iiالمتغضبِ
أو هي السلاح بديل حكم iiالمذنبِ
بالحق  في رأد الضحى iiالمتلهبِ

أما الشاعر أحمد أبو المجد فإنه يختص (حمامة الغار) بقصيدته الرقيقة ذات العنوان عينه، ويبدؤها بهذا الاستفهام التعجيبي مع حلاوة الجرس، وطلاوة اللفظ، يزيد من خفته قصر البحر المجزوء(18):

أرأيت  ما  فعلت iiحمامةْ
في     هجرة    iiميمونة
حمت   النبي   iiوصاحباً



 
حملت إلى النور السلامةْ
ردت إلى البشر iiالكرامةْ
ربُّ  الورى أعلى iiمقامهْ

ويستغل موضوع القصيدة ليصور ثبات النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين على الحق، على الرغم من البطش الذي مارسته قريش معهم، حتى إذا ما استترا في الغار كانت لهما خير وقاية سخرها الله تعالى.

ويشير إلى قدرة الله تعالى الخفية على نصر عباده التائبين ولو بأضعف مخلوق، وما النصر إلا من عند الله:

وقفت    حجاباً    iiحائلاً
والكفر    ألقى    مرغماً
أيرد    كيد   iiالمشركيـ
أرأيتها          والعنكبو
سلم     وحرب    iiجمعا
قدر       إلهي      iiأتى
هي   قدرة   الجبار  كل
من  ذا  يرد  النصر iiمن
هو   أعزل   لكنما   iiالإ
من  ينصر  الرحمن  iiلم










 
ربّ   البرية   قد  iiأقامه
بحجابها   الغالي  iiسهامه
ن على شراستهم حمامةْ؟
ت  بغارها  ألقى خيامه؟
في  موقف بادي iiالكرامةْ
كانت   له  هذي  iiعلامةْ
الراسيات   بها   iiحُطامةْ
عند   الإله   له   iiدعامةْ
يمان   ظلّ   له  iiحسامه
تعوزه  في  الميدان iiلامةْ

وأنتقل بعد هذا مع من تحدثوا عما في داخل الغار، مصورين ما ظهر من معجزات وحوادث، وما جرى من حوار عذب خفي بين النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه، ومنطلقين في نشيدهم العذب مما ذكرته كتب السيرة والطبقات، ومتأثرين في ترويده بآية الغار الكريمة التي خلدته، وشرفت من اختبأ فيه:

الشاعر محمد بدر الدين يقدم إضاءات نورانية في قصيدته (في عيد الهجرة) يكشف فيها عن حال الصاحبين، فيعطي شحنه من اليقين والثبات في قصيدته ذات المطلع(19):

من هُداها علمت سر وجودي             والطريق السويَّ عبر السدودِ

فيقول:

وأرى  الغار  والسيوف  عليه
ودموع  الصديق يذرفها iiالحـ
وابتسامات    أحمد   iiعزماتٌ
ونداء    من   اليقين   iiيناجي
إنما  الله  ثالث  الركب iiيحمي
إيهِ  يا  نفس  فاهدئي  إنّ قلباً






 
كسوار      مدمرٍ      iiمعقودِ
بّ  حناناً  على  النبي iiالشريدِ
وأمانٌ   يرف   رغم  الحشودِ
صاحب الغار في ابتسام الوليدِ
راية   الحق  من  لئيم  iiحقودِ
ينصر   الله  في  أمان  iiوطيدِ

أما الشاعر أحمد مخيمر فإنه ترك لنا قصيدة عنوانها (في غار ثور) أدار فيها حواراً رقيقاً شيقاً على لسان الرفيقين المختبئين وأعدها من أحسن ما نظم في الموضوع من الناحية (الفنية) فقد انمازت بحسن السبك، وجودة التعبير، ووحدة الموضوع. وزاد من جمالها تنوع قوافي مقاطعها الخمسة.

تبدأ القصيدة بهذا المقطع الذي يصف ما يحمله كل من الصاحبين من شعور في الموقف العصيب(20):

في غار ثور وعلى iiصخوره
مختلفين  في  الشعور  بالذي
كان  أبو  بكر  حزيناً  iiخائفاً
وكان  ما  يحذر  يلقي  iiعبئه
ولم   يكن  محمد  يحمل  iiما
في  قلبه  سكينة،  في iiروحه
ترن   أصداء   الوجود  iiكله
وتلتقي   الآزال  والآباد  iiفي
وتشرق الشموس في ضلوعه









 
يضطجع  الإنسان iiوالصدِّيقُ
يخبؤه    الظلام    iiوالطريقُ
بكل   شيء   حوله   يضيقُ
عليه    وهو   ناحل   iiرقيقُ
يحمل  هذا  الصاحب الرفيقُ
محبة،    في    قلبه   iiبريقُ
فيه،  ويعلو  رجعها  iiالعميقُ
أغواره    والزمن   iiالسحيقُ
فقلبه   في   ضوئها   غريقُ

ويعرج الشاعر على وصف حديث الصاحبين، ورقته، وطيبه، وما كان من حذر أبي بكر وخوفه لا على نفسه، ولكن على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول:

كان  الحديث  هامساً يشبه iiأن
يكشف  عن  يقين  قلب طامح
مستصغرا  أحلام  قوم  iiجهلوا
مناضلاً   يعرف   ما   iiيريده
حين  رآهم  جمعوا  iiجموعهم
قال  أبو  بكر:  أراهم iiوصلوا
تسلقوا  الصخر  إلينا iiوارتمى
لعلهم    قد    عرفوا    مكاننا
لا خير في العيش إذا ما أخذوا
 









 
يكون   في   ثغريهما  iiخريرا
يحمل    فيه    فرحاً    كبيرا
من  الحياة  القصد  iiوالمصيرا
متخذاً   من   عزمه   iiنصيرا
جهلا    وبغيا   بدأ   iiالمسيرا
يا   للأسى!  فقد  دنوا  iiكثيرا
على   الرمال   ظلهم   iiحقيرا
فدبروا    الأمر    له   iiتدبيرا
محمداً    في    يدهم   iiأسيرا
 

وفي المقطع الأخير يأتي التوجيه النبوي في نهاية المطاف بمغادرة المكان، والتوجه إلى المستقبل المنشود، فقد سكن الكون، وتراجع الجناة، وتسللوا إلى مخابئهم فاشلين، ولا بدّ من ملاقاة الأحبة في مدينة الأنصار:

يا  صاحبي  قد  آن  أن  نسير iiأن
الليل     ساكن     الظلام     iiنائم
والباحثون    فيه    عنا    iiرجعوا
فاجعل   من   العزم   دليلاً  iiوامـ
واصبر   على  ما  يصنعون  iiإنهم
والصبر   زاد   المؤمنين   iiوالتقى
أكاد    أن   أبصر   نخلَ   iiيثربٍ
ومنطقي    الدفوف   بالحنين   iiفي
يا   صاحبي   هيّا  بنا  غداً  iiنرى









 
نعبر       للمستقبل       iiالمنشودِ
على    الروابي    وعلى   iiالوهودِ
باليأس      والظلمة      iiوالجحودِ
ضِ لا تنظر بعين الخائف المطرودِ
ضحية        العناد        والحقودِ
خلاصهم     من    عنت    iiالقيودِ
وأهلها     في     ظلِّه     iiالممدودِ
قلوبهم        وحاملي        iiالبنودِ
حقيقة     الإنسان    في    الوجودِ

ويكفي هذا القدر من شواهد شعر الشعراء الذين ترنموا بذكر غار (ثور) وخلدوه بوصفه المقر الحقيقي لحركة الهجرة النبوية المباركة من مكة إلى المدينة، ومنطلق نجاحها، وستبقى أجيال الشعراء المسلمين يتلون في قصائدهم ذكره كلما بدأت ليالي العام الجديد، واحتفى بمطلعه العالم الإسلامي في مشارق الأرض ومغاربها.

         

الهوامش  

(1) سورة يس 36/1-9، سيرة ابن هشام 2/126، (تحقيق مصطفى السقا وإبراهيم الإبياري، وعبد الحفيظ شلبي، مصر 1936م).

(2) الطريق إلى المدينة، بحث للدكتور عبد العزيز كامل، مجلة الوعي الإسلامي: العدد 13 سنة 966 ص54..

(3) سيرة ابن هشام 2/ 129-131.

(4) البداية والنهاية ابن كثير 3/181 (دار ابن كثير، بيروت).

(5) سيرة ابن هشام 2/ 129-131.

(6) روى ابن كثير في البداية والنهاية 3/180-181 عن الإمام أحمد رحمه الله أن المشركين (صعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل ها هنا أحد لم يكن نسج العنكبوت على بابه، فمكث فيه ثلاث ليال). قال: (وهذا إسناد حسن وهو من أجود ما روي في قصة نسج العنكبوت على فم الغار).

(7) خبر الحمامتين نقله ابن كثير عن ابن عساكر عن زيد بن أرقم والمغيرة بن شعية وأنس بن مالك رضي الله عنهم ثم قال بعده: (وهذا حديث غريب جداً من هذا الوجه).

(8) ينظر: الشوقيات، لأحمد شوقي 1/182 (بيروت 1987م)، ومجلة الوعي الإسلامي: العدد الأول، سنة 965، ص20.

(9) سورة التوبة 9/40.

(10) من قصيدة (علم بهجرتك الدنيا) مجلة (الأمة) قطر: العدد الأول، سنة 980، ص16.

(11) مجلة الوعي الإسلامي: العدد 49 سنة69 ص78.

(12) من قصيدة (تحية للهجرة في عامها الجديد) مجلة الوعي الإسلامي: العدد 205 سنة 1402هـ ص106.

(13) من قصيدة (في ذكرى هجرة المختار) مجلة الوعي الإسلامي: العدد 25 سنة 967 ص45.

(14) البداية والنهاية 3/179-182.

(15) من قصيدة (من وحي الهجرة) مجلة (الأمة) قطر: العدد 49 سنة 85 ص79.

(16) من قصيدة (وحي الهجرة) مجلة الوعي الإسلامي: العدد 13 سنة966 ص100.

(17) مجلة (الأمة): العدد الأول سنة 980 ص16.

(18) مجلة الوعي الإسلامي: العدد 37 سنة 968 ص78.

(19) مجلة الوعي الإسلامي: العدد 25 سنة 967 ص87-88.

(20) مجلة الوعي الإسلامي: العدد 49 سنة 969 ص 60-61.