دراسة نقديَّة حول الرسائل العلميَّة
التي تتحدث عن النثر العربي القديم
في جامعة مؤتة بالمملكة الأردنية الهاشمية
سليم ساعد المقعي السلمي
استطاعت الدراسات العلميَّة التي تتحدث عن النثر القديم، أن تصل بالصورة التحليليَّة الوصفيَّة، والتحليل النفسي، والجمالي، والفني ، إلى معناها الحقيقي، بما حملته هذه الدراسات من محسنات بديعية، ولفظية، كالسجع، والترصيع، والتدوير، والاعتراض، والجناس، والطباق، والتكرار، واستخدام الأساليب الإنشائية المختلفة، ولزوم مالا يلزم،وكشف الكتاب اللذين اتخذوا من الرسائل الشعرية، والنثرية، وسيلة للتعبير عن آرائهم، ووسيلة للتعبير عن انفعالاتهم وعواطفهم الذاتية والمتعلقة بذواتهم وإخوانهم وأصدقائهم ؛ أي عبروا عن القضايا التي كان لذات الكاتب دور كبير فيها مثل المودة، والصداقة، والعتاب،واللوم، والتهنئة،والاستعطاف،والشكوى،وما إلى ذلك من موضوعات ذاتية وإخوانية، لذلك أرى أن هذه الدراسات كشفت كشفاً عميقاً عن هذه الظواهر و تطورها.
وتناول الباحثون في هذه الرسائل القضايا العامة والخاصة التي لها علاقة بأحداث مجتمعهم، كما أن هذه الرسائل العلمية بمثابة محركاً أساسياً لعواطف الكتاب والشعراء، وانفعالاتهم، وتحركاتهم، وثقافتهم، وعلمهم، واقتصادهم وسياستهم آنذاك، وبمعلومات الباحثين في النثر العربي القديم استطعنا أن نختطف فكرة عن مثل هذه الأحداث بصورة مبسطة ، يستطيع الباحث أن يصل إليها بسهولة، ويسر، ويفهم ما هو مكتوب بين يديه، وهذا دليل على الإتقان في البحث العلمي الذي تناوله الدارسين، واستطاعت أيضاً الرسائل العلمية في جامعة مؤتة أن تكشف عن نواحي كثير من آداب السلوك الاجتماعي الرفيع، الذي حظيَّ بتقدير أبناء المجتمع في العصور القديمة مثل الاستئذان عند مغادرة البلدان أو القدوم على العظيم، واستقبال الضيف وتوديعه،وتقاسيم المسرة والمضرة، وغيرها،مما يدل على الاهتمام ببحوثهم وإكمالها من جميع الجوانب.
وأيضاً استطاعت الدراسات العلمية توظيف الموروث الثقافي توظيفاً ملائم للبناء الفني في الرسائل الشعرية النثرية، من حيثُ الشكل واللغة والأسلوب والمضمون، وهذا دليل على تمكن الباحثين من توظيف الإمكانات الفنية والمعنوية التي يوفها التوازي توظيفاً مضمونياً وجمالياً حتى أصبح هذا الاستخدام والتوظيف جزءاً من نسيج الإنشاء الأدبي.
وقد قدمت هذه الدراسات ظاهرة السخرية والفكاهة في النثر العربي القديم، من خلال العصر العباسي إلى نهاية القرن الرابع الهجري بشكلٍ جيد، حيث استخدمها العباسيون كسلاح فعال لإصلاح النقائض البشريَّة، فاتسمت السخرية والفكاهة بالسهولة،والحيوية، والمرونة، لتكون قريبة من أفهام الناس، وما يتداولونه ويحفظونه، ويتأثرون به، كما أنها تبتعد وتعلوا عن السُخف والهزل، والبذئ والمجون، والفُحش، وهنا تكمن قوة ودرجة تأثيره ، فيكره المجتمع هذه الصفات التي يعالجها هذا الأدب، كالبخل، والجبن، والشره، والتطفل، والإثقال على الناس في التعامل وغيرها. وأيضاً ظهرت الفكاهة والسخرية العباسية عند الدارسين بصورتها الزاهية لدى عدد من الأدباء والساخرين، من أعلى الأدباء وقدرة في فن النثر.
وتبين لي أن هذه الدراسات العلمية في جامعة مؤتة تناولت أسلوب التقديم والتأخير في فن التوقيعات التي كشفت عن ألفاظٍ متعددةٍ لا حصر لها، وتمثّل نافذة واسعة أطل منها الدارسين على ألوان مختلفة من الثقافات العربية، قد لعب هذا الأسلوب دوراً هاماً في خدمة المعنى الذي قصد إليه الموقع ، وساعد على ذلك كون هذه التوقيعات تتسم بالإيجاز والاختصار، وقد جاء استخدام هذا الأسلوب بشكلٍ عفوي دون تكلف لمراعاة المعنى الذي يراه الموقع، فيبرز هذا الأسلوب بشكل واضح في التوقيعات التي كانت نصوصها طويلة كالتي عرفت في عهد الدولة الفاطمية، وقد تعددت أغراض هذا الأسلوب حسب المعنى المقصود منه، وكان أبرزها العناية والاهتمام والاختصار والتوكيد فلا يوجد خلاف جوهري بين المناهج النحوية المختلفة عن هذا الأسلوب إنما الخلاف في الدراسة الشكلية فقط، فقد أحسنت الدراسات العلمية صياغة هذا الفن النثري من جميع النواحي.
وقد اهتمت هذه الدراسات العلمية في جامعة مؤتة بدراسة أصداء الغزو المغولي في النثر العربي، وبينت صورة المغول في النثر العربي في حالتي النصر والهزيمة، وظهرت ملامح الصورة للمغول بعد اعتناقهم الإسلام واندماجهم في مجتمع المسلمين، وتحدثت هذه الدراسات الأدبيَّة عن دور النثر في الحث على الجهاد ورثاء المدن الإسلامية، وتصوير أسلحة المسلمين،وهناك إشارات بسيطة تدلل فيها على صورة المغول ،ولكنها لم تعطنا صورة متكاملة للمغول الذين غزو البلاد الإسلامية، وبسبب عدم وجود دراسات سابقة تعني بالغزو وأثره في النثر العربي، أتت هذه الدراسة العلمية بلمحة سريعة غير متكاملة،وتحدث الباحثون في ثنايا هذه الدراسات العلمية عن الحياة العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشكلٍ مبسط مختصر، فقد بينت بعض الدراسات العلاقات الخارجية ومدى العلاقة وسوئها بين المماليك وحكام بعض الدول سواء أكانت هذه الدول إسلامية أم غير إسلامية؛ولذلك عن طريق إنشاء العبارات التي تُبين قوة روابط الصداقة، والمحبة، ومدح المقصودين بها، وإن كانت العلاقة طيبة، وإنشاء العبارات المليئة بالسخرية والذم والأدعية السيئة إن كانت العلاقة سيئة . أما الموضوعات الإدارية التي تضم التقاليد والمراسيم فقد أنشأها الكاتب بأمر السلطان للأفراد الذين تم اختيارهم في الدولة، فقد صاغ الباحث هذه الموضوعات بشكلٍ علمي منظم.
وتحدث الباحثون في بعض الرسائل عن الناحية الحربية بوصف رحلات الجيش في أثناء مسيره لفتح بعض المعاقل الخاضعة لسيطرة الأعداء سواء أكانوا فرنجة أو تتار، واختصت بإرسال التهاني لحكام الدول الإسلامية المجاورة وبعض أعيانِها في حال تحقيق النصر والفتح، والقارئ لهذه الدراسات العلمية يلاحظ مدى العلاقة بين هذه الدراسات ومواضيعها، وهذا دليل على الأهمية القصوى بالبحث العلمي في هذا النثر العربي القديم.