قراءة في رواية "الجنازة"
ياسين سليماني
[email protected]
ترجمة: خليل أحمد خليل
تأليف رشيد بوجدرة
الكتاب الممتع والحري بالقراءة هو ذلك الذي يدفعك لقراءة كتب أخرى أكثر عددا وأثقل وزنا فكرا ولغة ...والكاتب الجيد هو الذي تقرر عند انتهائك من قراءة كتابه الأول أن تقرأ له مرة ثانية وثالثة وعاشرة ، بل وأن تطلب من الأقدار أن يكون مكثارا في كتاباته حتى لا تنفد متعتك.
هذا ما وجدته وأنا أقرأ للكاتب بوجدرة سليل عين البيضاء الجزائرية (1941) روايته " الجنازة " والتي استنفرتني للكتابة عنها ولو بضع أسطر.
هذه الرواية التي طبعت من جديد سنة 2002 مع جميع كتبه في سلسلة من كتب الجيب أصدرتها المؤسسة الوطنية للاتصال والنشر والإشهار(Anep) كتبها صاحبها بالفرنسية وترجمها الدكتور خليل أحمد خليل.
تدور أحداث الرواية الواقعة في 174 صفحة حول امرأة تدعى سارة ، هذه التي جعلتها ظروف الإرهاب الذي عاشته الجزائر في تسعينيات القرن الماضي تدخل ضمن فرق مكافحة الإرهاب ، وتنصب قائدة لإحدى هذه الفرق في العاصمة الجزائرية.
خلال ذلك الوقت الذي تعمل فيه تتعرف على "سليم" وهو زميلها في العمل الذي يبعث لها –بدل أن يتحدث- برسائل طويلة يحكي فيها عن ذكرياته ، وتكتشف سارة أن ما حدث لسليم يشبه في تفاصيل عديدة ما حدث لها هي نفسها ، وربما هذا ما جعلها تحبه.
في ذلك الوقت تُقتَل بنت صغيرة تدعى هي أيضا سارة من طرف الجماعات المسلحة فتجعل سارة من قضية هذه البنت –ربما بسبب الاسم أكثر- قضيتها الريسية فتحاول الانتقام من " فليشا" الأرهابي الذي قتلها ونزع عينها اليمنى ليجعلها قلادة في عنقه.
في تلك الأثناء أيضا يُقتَل أيضا طفل صغير يدعى "علي" في مدرسته بطلقة نارية واحدة بينما كان ينفض ممسحة معلمه المليئة بالغبار.كما يأتي في حالة حرجة رجل يدعى كذلك "علي" ضُرب أيضا من طرف الأرهابيين.
وتجتهد سارة في محاولة الوصول إلى المجرمين وتعلق صور الضحايا في مكتبها لتحثها على العمل وتحمسها أكثر وتنجح أخيرا في الإمساك بهم.
كذلك يُقتَل قاض وتطلب قرينته مسدسا لتنتقم من القاتل الذي تعرفه جيدا وهو شاب في العشرينات وتعطيها سارة المسدس مرخّصا غير أنها تأمر فرقة من الشرطة بمراقبتها فتلقي القبض على المرم قبل أن تؤذيه المرأة التي كانت أجبن من أن تقتل مجرما.
يشعر علي (الرجل) بالامتنان نحو سارة التي أنقذته من الموت في آخر لحظة لذلك يقدم لها هدية وهي عبارة عن قارورات من الخمر المعتّقة والثمينة إلاّ أنها تطلب منه أن يأتي بهديته في آخر يوم من أيام السنة للاحتفال برأس السنة الجديدة.
في ذلك اليوم يحضر علي وزوجته ورئيس سارة في العمل والذي يؤنبها بعض التأنيب على إدخال العواطف في العمل كما يحضر سليم الذي أصبحت تحبه كثيرا.
في أقصى حالات الثمالة يعطيها ورقة –دائما هو لا يتحدث إلا كتابة- يقول فيها :" هل تريدين أن تقترني بي وأن تنجبي لي توأمين؟" وتشعر بالمفاجأة وتتساءل كيف يمكنها أن تأتي له بتوأمين؟
هذه هي الرواية في مجملها ورغم جودة العمل إلا أن هناك بعض الاعتراضات.
فالترجمة بدءا ليست بتلك الجودة حتى يتخيل القارئ أنه أمام نص كتب أصلا بالعربية مثل ما هو الحال في رواية للكاتب نفسه والموسومة ب " ألف وعام من الحنين" والتي ترجمها الأستاذ مرزاق بقطاش . أنت في قراءة هذا العمل تجد أن المترجم لا يعرف الكثير عن النص الذي يترجمه والبيئة التي يصورها والأمثلة أكثر من أن تعد في هذا المضمار ، خذ مثلا قوله في الصفحة 159 أمي التي كانت تحب كثيرا هذا الكورنيش الجيجيلي مقابل كلمةjijilien فلم يترجمها بقوله الكورنيش الجيجلي نسبة إلى مدينة جيجل الجزائرية دون إضافة ياء بعد الجيم الأخيرة وبحث بسيط كان يمكّن المترجم من تفادي هذه الزلة أو في كلمة rai قال موسيقى الرأي بالهمزة على الألف بدل الراي رغم شيوع الكلمة كثيرا في العالم وهذا ما يجعلنا نشعر بارتباك أنقص من جمالية النص البوجدري –إن جاز التعبير- والذي تعودنا عليه جيدا.
كذلك فإن بوجدرة نفسه خيّب الظن في بعض عبارات الرواية فمع الحرية التي نؤمن بها للكاتب والتي لا حدود لها إلا أن هناك ألفاظ لا يمكن التلفظ بها حتى لا نخرج من كوننا نكتب في " الأدب" إلى "قلة الأدب" ولا نريد أن نعطي مثالا فهي قليلة على العموم وتكفي الإشارة إلى الصفحة 136 لمعرفة ذلك.
أن الحديث عن العلاقات الحميمية ووصفها حتى وإن كان بتدقيق شديد أمر ممكن وهو حق للكاتب لا يصادره عليه أحد غير أن التلفظ بكلمات الشارع النابية التي يعافها الإنسان من السوء بمكان وكان الأولى الترفع عنها.
بين هذا وذاك فإن الرواية جيدة من منظوري وتستحق القراءة.