إطلالة على كتاب مسبحة من خرز الكلمات
إطلالة على كتاب
مسبحة من خرز الكلمات
يحيى السَّماوي
كريم الثوري - استراليا
القسم الاول : العشق هو الحياة
ألمرأة ضالتهُ .. طريدة القلب والكلمات ..
قراءة أولية لمجموعة يحيى السماوي :
(مسبحة من خرزالكلمات)
توطئة :
آية البسملة تتوسط الصفحة ماقبل الاولى وكأنها فاتحة لكتاب نسـك الكلمات التي أختزنتها الخرزات موجهة ً قبلتها صوب الخرزة الاولى ( فاتحة التسبيح) المتكونة من سبع كلمات خفاف :
صغيرٌ كالبرتقالة قلبي ..
لكنهُ
يَسَـع ُ العالمَ كلـَّـه
صغيرة ٌ حقا الـ " بسم الله الرحمن الرحيم " هذه ..
لكنها وَسِـعَـت العالم برمته حينما شملت بعطفها ورحمتها
الحَسِـن والقبيح
صغيرة كالبرتقالة .. كقلب ِ السماوي النازف شعرا ..
وهو على أبواب السـتين ، بإطلالته كناسك أتعبهُ الترحال يبحث عن ضالته .. راحلته مسبحته الكهرم تتقلب بين يديه في بحث دؤوب عن فيء ٍ تستظل به بعد أن أجهدها الإعياء .
قليلا ً ما تجده دون مسبحة .. وحينما تقترب منه ، فإنهُ يفرك حباتها إيماءً بالتغافل لكي لا تكتمل الصورة بإرواء مزوّر ، يفرك حباتها بعصبية لتستجيب طائعة مرملة وكانها طاقية الإخفاء في لعبة التخفي والظهور ، فتنفث عطرها الفواح على مرارة فيستنشقه بتمام عافيته كما كان والده يستنشق كوفيته المتعرقة نهاية يوم تموزي بالغ القسوة ، فتصيبه رعشة ما ، يستدق المعنى في المخيلة فتختزنه الذاكرة .. يستجمعه ساعة صفاء ليستريح .. وهل يمكن للعاشق النائي أن يستريح؟
قلبه كطفل صغير يرافق كهولة فرضتها تصاريف الايام الوقحة بأسئلة حيرى تقلق داخله العالم .. لذلك اجتمعت فيه يفاعة اللحظة الشعرية وبراءتها وهموم الصيرورة العصية على آلة التدوين :
صغير كالبرتقالة
قلبي
لكنه يسع العالم
كله
وأضفت متطفلا (وما يكفي) وحينما تسترسل ملاحظاتنا الاستكشافية لاستنطاق عطر الخرزات تسابقا او تلاحقا حتى اصطدامنا بالشاهود في صلاة ناسك لا انكفاء فيها يغلب القلب هواه فكل خرزة تحمل الراية كسباق المسافات الطويلة في صحراء التيه :
أنت ِ لسـت ِ شمسا
وأنا لست زهرة دوّار الشمس
فلماذا
لا يتجه قلبي
إلآ نحوك ؟
تلاق ٍ مستحيلٌ وغير مثمر كمن يلاحق نجمة في السماء موهوما ًبسلالم من برق الأخيلة ..
ولا أدري هل يعاتب السماوي هنا أخيلته أم زهرة عباد الشمس أم
كينونته غير المشمسة ـ وهو ابن صحراء السماوة الشغوف حدَّ اللعنة بزهرة عباد الشمس فأضفاها على من يحب ويهوى ، وبذلك هو يدرك ابتداءً وقد تجاوز في ملاحقاته زهرة عباد الشمس الضحوكة بوجه الشموس الذهبية ؟
كم هو صراع مرير حينما يدفعنا الجزع وقد اشتعل الراس شيبا ً ونحن على خصام ـ ولا يتجه القلب الا نحو النائي مستسلما :
ألقيت قوسي وسهامي
رافعا ً قلبي راية استسلام
فكوني المشنقة
التي ترفعني الى السماء
أو القيد الذي
يشـدني الى الارض
ها هو المحارب العنيد يرفع راية الاستسلام بعد أن أتعبه الجري وخطواته ما عادت
تحمل جسده المترنح ، يطلب أية ملامسة او احتكاك وإن كان على قباحة رجاء مرير :( اذا لم تجمعنا الحياة فليجمعنا الموت)
هي سماوية الخطوة في تطلعها الى السماء عالم السعة والثبات
أن تستجيب زهرة الدوّار بعد انكفاء الشمس لتكتفي ببصيص شمعة حتمها الذبول لتحتفظ بذاكرة الضياء ، فذلك قدرها
لكنهُ يستدرك في تتمة المقطع أعلاه ليدلنا الى مبتغاه :
فأنا لن أسـتعذبَ خبز الحرية
ما لم أكن مشدوداً الى تنورك
بقيود النبض
إذن ، هو لا يجد خلاصه إلآ بالإنعتاق لها ، عبر رحلة الرجوع الى ريعان الماضي حيث الصبا والذكريات غيرالرخوة من خلال توظيفه مفردات الماضي :
التنور ، قيود الأمس
وبستمر الاحتضار والإنبعاث وهما صفتان يتدلى بهما المشنوق بالملاحقة
فالانبعاث بالحضور )والاحتضار بالغياب)
وبين هذا وذاك يبقى متدليا ًكالمشنوق :
بحبل الأسئلة محدقا بغد مضى وبالأمس الذي لم يأت بعد..
ولعل هذه الخرزة أشد ملاصقة لإصبع السماوي وأقربها اليه فهي التي تحاكيه بوجع
المحبوس بكماشته
هو أمسها الذي لن ياتي والغد الذي ما عادت تستوعبه فهو من الماضي
كحاضره المشدود به :
أكلُّ هذه السنين العجاف ..
الهجير ..
الحرائق ..
معسكرات اللجوء.. المنافي
وقلبي لم يزل
أعمق خضرة
من كل بساتين الدنيا ؟
إذن ،هو بالحب ـ وليس بسواه ـ قد انتصر على آلام السنين العجاف والغربة والمنافي ومعسكرات اللجوء ... ومطر الحب ـ وليس سواه ـ جعل قلبه مأوىً للربيع على رغم خريف الجسد .. فلا عجب لو وجدناه مجنونا في عشقه ، معلنا لها :
ساقيتك ولا بحارهن
أو :
جنون قلبي
الدليل على سلامة عقلي
نهر رجولتي
لا يستعذب الجريان
إلآ في حقول أنوثتك
إنها تباريح شعرية مجنونة بتقديم جنون القلب على استساغة لزومية العقل
النبض المتدفق الخافق بقوة القلب - الشعر - الغالب على إملاءات العقل –الواقع- هو الذي جعله يصرّح :
جنون قلبي دليل سلامة عقلي
نهر الرجولة لا يستعذب الجريان
إلآ في حقل الأنوثة
الخصوبة والتلاقح من خلال ريعان الكلمات وعنفوانها النافرة من رقابة
العقل- - الرقيب
فجنون القلب مرادف لنهر الرجولة
وسلامة العقل هو الذوبان الكامل في حقول انوثة ليلاه..
خلاصة عدم الإئتمان لسلطان العقل فغدا الاخير مستسلماً لجنون القلب لانه واهب استمرار تدفق الحياة بعيدا وتعاليا عن فرضيات القسوة والرضوخ
تظل الانثى طريدة السماوي ويظل يأمل الالتحاق بها من خلال طي المسافات
فهي عشتار الخصوبة والحياة :
أيتها البعيدة كقلبي من يدي
القريبة كالشمس من عيوني
كلاهما بُعد )كلاهما قرب)
كأنّ به يريد القول :انت في متناول يدي وملاقاة عيوني لكن سدودا ً ما تحول دون التحاقك بمملكتي :
إدخلي صحاراي آمنة
لأبايعك مليكة
في أقاليم جنوني
كيف تكون المبايعة وما بينهما الاشتهاء والممانعة وتلك دورة الخرزات دون توقف وهي تكشف عن جديدها :
أنا الملك المتوّج
رعاياي:
الوردة
السنبلة
العصفور
براينا المتواضع لو شفع العصفور بتاء التانيث (ة) وهي تصغيرة محببة في الذاكرة لاستقامت الترتيبة المحببة بالرغم من ان العصفور هو موافي لتسلسل المطيبات في مملكة الخفيات الضحوكة
وأشك انه راغب حقاً في استعجال انضمامها لان الحكاية تكون قد وصلت الى ذروتها ولانتهت المطاردة فجمال الشعرية هي الممانعة والتغنج والالحاح من قبل العقل الذكوري في تطويع عشتار
ربما هو يدعوها ألآ تاتي من خلال ممانعتها وهي العارفة بخباياه !
لأبايعك مليكة في اقاليم جنوني
انا الملك المتوج
في مملكتي الممتدة
من باب الكوخ
حتى سريري المصنوع
من سعف النخيل
فأي ملك خُفي وأية مملكة للورود والسنابل والعصافير ممتدة من باب الكوخ حتى سرير سعف النخيل!
ولا أدري هل يجوز إطلاق إسم الباب على فتحة مدخل الكوخ ؟ فلفظة الباب ربما لها مدلول أقرب الى المدينة منها الى الريف .
كلٌّ يذهب في حال سبيله :
النهر الى البحر
السنابل نحو التنور
العصفور نحو العش
الوطن نحو الصيارفة
وقلبي نحوك
هو المشتهى والمنتهى والقدر المحتم في صيرورة البعث والموت
وهناك أحب ان اسجل متطفلاً إشكالا على شاعرنا السماوي في كون السنابل تذهب الى التنور فهو توظيف أتوقف عنده لعدم انسجام في المرادفتين
نعم التنور هو رمز من رموز الحياة لأنه الرحم الذي ينجب الخبز ولكن لو استبدل السنبلة بالسعفة مثلاً لكان التوظيف أكثر توفيقية وانسجاما مع ما ذكر.
ختاماً
فإن مماحكة خرزات السماوي الناطقة وهي تسبح بحمد الحب في مجموعته الشعرية الخامسة عشر تحتاج الى وقفات اخرى فها نحن قد توقفنا عند الخرزة الثامنة من بين خرزات مسبحته التسع وتسعين خرزة ، وفيها ما هو ممتد فيتناول الوطن والانسان والطبيعة والله في صلاة لا آخر لها
ولا يفوتنا ان نسجل أن مجموعة يحيى السماوي (مسبحة من خرز الكلمات ) صادرة عن دار التكوين في دمشق
الطبعة الاولى 2008