تباريح الهوى
عماد الدّين علاق
شاعر (أرض الحنّاء وجنّة العشّاق)
عبد الله لالي
بسكرة الجزائر
بعض الشّعراء واضح وضوح الشمس، مشرق مثل إشراقتها، يُعطيك مفتاح الدّخول إلى عالمه من أوّل وهلة:
" ريّان يا وشم الخضاب بكفّها * * معراج من أسرى بشعره حالما "
هذا هو شاعر أرض الحنّاء.. بَصْمَتُه خِضَابٌ فاتن من الشعر يَسِم كفّ القصيد.. ويصبح الحرف هواه، وأرض ( زريبة الوداي ) مبتدا تباريحه ومنتهاها..شاعر يختفي خلف سُجُف الخجل ودهشة الحرف المتواري في بادية بِكر، طالمة أنجبت الأصلاء من الشعراء والأعلام..
أصدر الشّاعر عماد الدّين علاق ديوانه ( تباريح الهوى ) منذ فترة قصيرة ( من حُرّ ماله )، يتألّف من عشر ( 10 ) قصائد ) في حوالي خمسين صفحة، طبع بـ ( دار علي بن زيد للطباعة والنّشر ) 2015 م في شكل جميل، مذيّل بترجمة مختصرة عن حياة المؤلّف، الذي ولد في 13 أوت من عام 1978 م بزريبة الوادي ولاية بسكرة ( الجزائر )، انتهى به المطاف الدّارسي في مستوى الثالثة ثانوي، ولكن لم يتوقّف به الدّرس هناك، وشعره القويّ المتين يدلّ على ذلك.
قدّم له الدّيوان الأستاذ عبد الله بن دحمان صاحب كتاب (الشيخ المولود الزريبي ) بكلمة ضافية ومفصّلة، يمكن اعتبارها قراءة نقدية وافية ومما جاء فيها قوله:
" ها هو شاعرنا ( علاق عماد الدّين ) يبحر بسفينة الذّات في خضم هذه الكلمة محلّقا بأجنحة الإلهام والقلم بين فراشات ربيعها وورود حدائقها مقتنصا من الجمال ما يحوك به نسغا مزركشا.."
الدّيوان أخذ تسميّته من قصيدة فيه ( تباريح الهوى ) ثاني قصائده، التي قالها في بلدته العريقة ( أرض الحنّاء والعلماء ) زريبة الوداي.
وفي إهداء الدّيوان نَسَقٌ من النّثر الجميل يدلّ على سلاسة أسلوب الشّاعر النّثري، وفيه أيضا ( غرابة لافتة ) في مضمونه، إذ يقول فيه :
" إلى كلّ رعشة قلم تسلّقت منابر الروح ... " ثمّ يختم وكأنّها قفلة قصصيّة مثيرة ( إلى همس الضياء الذي يسكن خافقي.. إليّ ".
وتكمن غرابة الإهداء بأنّه غير اعتيادي، فليس مألوفا أن يُهدي المبدع ما كتبه إلى نفسه، وهذه أوّل حالة أصادفها في حياتي، ولعلّها ضربا من الإفضاء الصوفي المشفّر الذي يحتاج إلى تفكيك مدلولاته.. وقد يكون نرجسيّة متعمّدة من الشّاعر ليقول: " ها أنذا "وقد قالها عملاق الشعر من قبل ( المتنبّي ) في قصيدته الشهيرة (كمْ قَتيلٍ كمَا قُتِلْتُ شَهيدِ ):
" لا بِقَومي شَرِفتُ بَلْ شَرِفوا بي -- وَ بِنَفسي فَخَرتُ لا بِجُدودِي ".
والشّاعر نفسه يقول في قصيدة ( حبر القلم ):
وغنّى المداد بشدو القوافي * * فأنصت للشّعر حتّى الأصمّ
وكأنّه يقبس من المتنبّي أيضا في قوله:
" وما الدهر إلا من رواة قصائدي * * إذا قلت شعرا أصبح الدهر منصتا "
قصائد ديوان ( تباريح الهوى ) للشّاعر عماد الدّين علاق توزّعت كتابتها ما بين 2011 م 2014م، وهي تبدو مكتملة النضوج تامة الأداة الفنيّة، غير هنات يسيرة سنشير إليها في موضعها، لذلك لابدّ أنّها سبقتها تجربة أخرى أقلّ نضجا، كانت البدايات الأولى للشّاعر، وقبل الغوص في عمق القصيد المرتل أنشودة تخلّد العمر وتحييه؛ لابدّ من العودة إلى العنوان لاستنطاق بعض دلالاته:
( تباريح الهوى ) ..
أوّل ما يوحي به العنوان هو ما يتغنّى به جلّ الشعراء من عشق للغيد وهيام بالحسان، وتيه في بيدا العشق والغرام، لكنّ غادة الشّاعر هنا هي موطنه ومسقط رأسه ( زريبة الوادي )، ثمّ موطنه الكبير أرض الجزائر صاحبة الأمجاد والبطولات..
فالعنوان لا يوحي بمظمونه الحقيقي ولا يعطي دلالته المعتادة، إنّما هو نوع من عامل الجذب لشدّ القارئ إلى قراءة ما وراءه، فيَلقى في نهاية المطاف غرضا أسمى وهدفا أكثر عظمة وقيمة إنسانيّة.
روعة المطالع:
وما يميّز قصائد عماد علاق قوّة مطالعها في أناقة وجماليّة باهرة، يذكرنا بقوة المطالع عند أصحاب المعلّقات ومن تلاهم بعدُ، في العصور الأولى القريبة العهد بالفترة الجاهليّة، ولأنّ القصائد لا تتجاوز العشر، فلنسق من تلك المطالع أمثلة، لنقف على حقيقة هذا الأمر..
استهلّ الشّاعر أولى قصائده ( حبر القلم ) بفحولة عالية حين يقول:
إذا ما تكلّم حبرُ القلم * * وصاغت رياض الحروف الكَلِم
مطلع متين في سلاسة وعذوبة لا تنكر، ولا يعقّب عليها بـ ( لو.. ! ).
ويفتتح قصيدته الثانية ( تباريح الهوى ) - التي اشتقّ منها للدّيوان عنوانه – بقوله:
الفجر يروي في السّماء ملاحما * * والورد يغدق من شذاه نسائما
صور من الطبيعة السّاحرة تتفجّر جمالا وألقا، وتتمازج راسمة لوحة فنيّة تغار منها اللوحات التشكيليّة، وتهمس في غيظ: يا لجمالها الفتّان.. !!
وفي قصيدة ( جداريّة شعوب الرّبيع العربي ) يقول في رونق بهيّ:
على هاتن الحرف أرسم نايا * * وأمزج بالصّبر جسر لظايا
في شطر واحد مشهد فنّي آسر؛ ( الإبداع/ الكتابة ) وقد مثل له الشّاعر بقوله: ( هاتن الحرف )، واختار له لفظة من أروع ما يكون ( هاتن )، كأنّه مطر متواصل يتنزّل من السّماء في عليائها، و( الفنّ التشكيلي ) الذي عبّر عنه بقوله ( أرسم )، واستخدم الفعل المضارع بدلا من الماضي ليوحي لنا بالديمومة والاستمراريّة، ثمّ تأتي أداة النّغم الموسيقي( النّاي ) لتمنح المشهد صورته المكتملة، فتأخذ بتلابيب القارئ أو المستمع فتبهره، وتستلب حواسه فلا شيء أمامه سواها لوحة فنيّة مشكّلة من عناصر كلّها فنّ ودهشة جمال..
هذه اللوحة ( الفاتنة ) هي وقوده الذي يمنحه الصّبر، فيعبر جسر لظاه بسلام: ( وأمزج بالصّبر جسر لظايا ).
في مطلع قويّ آخر يقول من قصيدة ( أهازيج القمر ):
أَنِفَا تسامى في سرابيل السّنا * * وتفتّق الدّيجور بالأنوار
مطلع لا تكفي فيه كلمة ( قويّ ) أراها قاصرة عن إيصال المراد، ولا أقول فيه إلا أنّه يشبه بعض أبيات المتنبّي معنى ومبنى، وربما أشبه في بعض جوانبه شعر أبي فراس الحمداني، وكلاهما شاعر فارس لا يبارى..
لكنّ فروسيّة شاعرنا عماد الدّين من نوع آخر، إنّها شاعريّة السموّ الروحي، فهو يتسم بالأنفة ولكنّها في غير كِبر أو عنجهيّة بل هي أنفة تسربلت بالسّنا والإشراق، إنّه يختار ألفاظه فكأنّها الذّهب الإبريز، ولكننا لازلنا لا ندري هل (ينحتها من صخر ) كالفرزدق، أم ( يغرفها من بحر ) كجرير، فإنّه ما يزال في بداياته الأولى ( نشرا وشهرة على الأقلّ )..
ولم تكن ( الخواتيم ) بأقلّ قوّة ولا جودة من المطالع، وذلك يؤشّر على تمكّن الشّاعر من قدرته الشّاعريّة، وتحكّمه في موضوعه، وهذه عيّنات نضعها داخل مخبر الفحص والتحليل:
يقول في ختام قصيدة ( تباريح الهوى ):
وسكبت نهرا من تباريح الهوى * * وبعثت في موت المداد حمائما
لا تكون الصياغة الشعريّة ناجحة إلا إذا تجاوزت المألوف وخرجت على الصورة النمطيّة، حتى لَيقول القارئ: " ويحه أنّى له هذه الدّرة الثمينة ! " وكذلك أفلح عماد الدّين علاق في كثير من خواتيم قصائده، إلا شيئا يسيرا هنا وهناك، وفي هذا البيت ( الخاتمة ) لا يكتفي بذكر ( تباريح الهوى ) وحدها، وهي بملء السّماء والأرض بالنّسبة للعاشق، ووحدها تبلغ بالعنى إلى مراده كاملا، لكنّ الشاعر لا يقنع بذلك، بل يزيدها مبالغة ويضاعف من مشهدها ( التراجيدي المحبّب )؛ فيقول أنّها نهر مسكوب، وقد يتبادر إلى الذّهن أنّ لفظة ( مسكوب تُضعف من قوة دلالة كلمة ( نهر )، لكنّ ليس هذا النّهر من ماء، إنّه من ( هوى )، ولذلك صلحت الكلمة أن تعبر عن هذا المعنى..
وفي قصيدة ( الشهيد )؛ وربّما كانت هي القصيدة الوحيدة التي جاءت خاتمها أقوى من مطلعها، إذ يقول فيها:
هذي حروفي بطيب المسك أمزجها * * ذكرى الشهيد كريّا الورد إذ عبقا
بينما المطلع رغم قوّته أنهكته كلمة واحدة فكبحت من جماح ألقه، إذ قال:
قد لاح نورك بدرا زدته ألقا * * ومن محياك شمس تزهر الأفقا
فعبارة ( تزهر الأفقا ) جاءت قلقة بعض الشيء وفيها ثقل ما، لا يتناسب مع انسيابيّة الشطر الأوّل: " قد لاح نورك بدرا زدته ألقا ".
ويقول في ختام قصيدة ( قراءات في مرايا الذّات ):
إنّ الشهامة إذا يخالجها الهدى * * عِزّ تألّق في حمى الجبّار
هذا بيت من نوادر ديوان تباريح الهوى؛ إذ يقرن فيه الشّاعر: الخلق الرفيع بالدّين ( الهدى ) ليكتمل الوصف السّامي، فمهما كانت الشّهامة أو غيرها من الأخلاق النبيلة بغير دين ( الهدى )، فإنّها هباء منثورا، وهي بالدّين جُلّ شُعب الإيمان..
وأتى بها الشّاعر في مساق فنيّ باهر الجمال والإبداع.. تُستلذّ به الموعظة ويرحّب بالنصح، كأنّه تأمّل في الكون الفسيح نقول على إثره: يا الله..
حفل ديوان الشّاعر عماد الدّين علاق بموضوعات قيّمة جلّها تدور حول الوطن، وقضايا الأمّة العربيّة وهموم الإنسانيّة عامّة. لكن ما لاحظته بشكل ملفت هو احتفاء الشاعر بالقلم والكتابة، بحيث لا تكاد تخلو قصيدة من قصائده العشر من ذكر ذلك والتنويه والافتخار به، كأنّه هو غايتَه الكبرى وهمَّه الأعظم.
ونجده يخصص قصيدة كاملة للحديث عن القلم والشعر والكتابة، ففي مطلع هذه القصيدة ( حبر القلم ) يرفع التحيّة والتجلّة للقلم فيقول:
إذا ما تكلّم حبر القلم * * وصاغت رياض الحروف الكلم
وغنّى المداد بشدو القوافي * * فأنصت للشعر حتّى الأصمّ
ويمضي في كلّ القصيدة على هذا النمط، محتفيّا بالقلم والكتابة، حتى أنّه يشيد بهما في عشرة أبيات من أصل ثلاثة عشر بيتا، ولا يكتفي بذلك بل يعود على ذكرهما في جلّ قصائده الباقية، يقول في البيت الثاني من قصيدة ( تباريح الهوى ):
مدّت رباها بالفخار قصيدتي * * فاخضوضر الحرف المنضد ناظّما
وحتّى في قصيدة ( الشهيد ) لا يختم القصيدة إلا وقد أقام للحرف بهرجا:
هذي حروفي بطيب المسك أمزجها * * ذكرى الشّهيد كَرَيّا الورد إذ عبقا
وكأنّه يأخذ حروف قصيده مدادا من دم الشّهيد، الذي يأتي يوم القيامة يشخب دمه، اللون لون الدّم والرّيح ريح المسك، كما جاء في الحديث الصّحيح.
وفي قصيدة ( هذيان البحر ) يقول في مشهدٍ تصويري بديع:
تنساب من لغة الصّباح قافيتي * * وتغزل الحرف أزهارا لها عبق.
فحروفه ولغته لغة بِكر لا تزال غضّة طريّة تداعب النّفس وهي على حال فطرتها الأولى قبل أن يسدل عليها غبش النّهار ستائره الباهتة.
وفي قصيدة ( قراءات في مرايا الذّات ) يطغى الحديث عن الكتابة والشعر مرّة أخرى، كأنّها أفق الخلاص وطوق النجاة الذي تتعلّق به ذات الشاعر، في عباب هذه الحياة التي هي موج من فوقه موج في ظلمات ثلاث.. فيقول الشاعر:
ويلوح من وحي الكتابة بارقي * * وشربت من كفّ القصائد راحها.
ولو تتبّعنا كلّ ذلك في ديوان تباريح الهوى لصحّ لنا أن نغيّر عنوانه إلى ( ديوان القلم والقصيد ).
وفي الديوان همّ آخر كبير يوليه اهتمامه وعنايته الكبيرة، فقد مدح وطنه الصغير زريبة الوادي أرض الحنّاء، وجعل هواه كلّه لها، كما سمّى الدّيوان بعنوان تلك القصيدة، حتّى يقول فيها وعنها:
بزريبة الوادي استقرّت أضلعي * * ولها وريد القلب بات ملازما
يا جنّة العشّاق في صحف الهوى * * مدّي الربيع نضارة ومعالما
فمن ذا يقرأ هذا البيت أو يسمعه ولم ير زريبة الوادي؛ ولا يودّ أن يراها ويتملّى من نضارة ربيعها وقد جعلها الشّاعر جنّة العشّاق.. !
وكما تغنى بحبّ وطنه الصّغير هام واستطار قلبه في حبّ وطنه الكبير الجزائر، فقال عنه في قصيدة (الشهيد ):
حبّ الجزائر نيران مؤججة * * فلترحموا من بنار العشق قد أرقا
ويقول عنه في قصيدة (هذيان البحر ):
هذي الجزائر جنّات منضّدة * * صرح أشمّ لواء شامخ ألق
ودندن العود في أفيائها ثملا * * غنّى له البان والصّفصاف والحبق
فكما هو الوطن الصّغير جنّة للعشاق، فوطنه الكبير جنّة منضّدة يدندن فيها العود ثملا..
كما لا ينسى ولابدّ أن يذكر، كما يذكر كلّ شاعر رهيف الحسّ قوي المدارك، أمته العربيّة ووطنه الأكبر، فيأسى لما أصابه ويتحسّر على ما فاته من وحدة واتحاد ونهضة وازدهار، وفي السياق لابدّ أن يذكر حدث السّاعة ( الرّبيع العربي ) الذي صار شتاء قاسيا، ومواكب من الأحزان والمىسي متتالية بفعل فاعل، وتدبير حِيك بليل، بل بنهار وأعلن عنه على رؤوس الأشهاد ولكننا أمّة لا تقرأ، لا تسمع لا ترى ( وتتكلم .تتكلّم كثيرا كثيرا ..جعجعة بلا طحين .. خطب رنّانة وأقوال طنّانة ..وغثائيّة كغثاء السيل ) يقول الشّاعر من قصيدة ( دموع حائرة ):
سأبثّ في الأفلاك صرخة رافض * * لمليحة عربيّة الأنساب
أو هل أحدّث بالإشارة أمّة * * منهارة الأبدان والأعصاب
فلطالما كان الرّبيع أزاهرا * * كيف ابتلوه بلعنة الإرهاب
إلى أن يقول:
اذبح أخاك اليوم عيد ربيعنا * * لا تمعن التفكير في الأسباب
وختم الشّاعر ديوانه بقصيدة رائعة في مدح الرّسول صلّى الله عليه وسلّم هي من أروع وأجمل قصائد الديوان كأنّها تستمد من نور الحبيب بهاءها وألقها، يقول في مطلعها وهي بعنوان ( يا سيّد الأكوان):
يا ليلة فيها الظلام تبدّدا * * وترصّع الأفق المكلّل بالهدى
كم أسكر الحبّ المعتّق مغرما * * وترنّح الدّمع الهتون فأنشدا
وقد استخدم الشّاعر في ديوانه التصوير الفنّي بكثافة كبيرة، كأنّما هي لوحات فنيّة استرقها من الطبيعة استراقا.. منها ما جاء في قوله:
تنساب من لغة الصّباح قافيتي * * وتغزل الحرف أزهارا لها عبق
صورة مدهشة مذهلة، شفيفة رهيفة ، تصوروا معي قافية من الشعر انسابت من لغة الصباح، فهي بلا شك إشراق وأنوار وسنى.. ثمّ هي بعدُ تَغزل من الحرف أزهارا لها رائحة وعطر وشذى يُشتمّ، فكأنّما يتحوّل المعنى الروحي إلى تجسيد مادي يُرى ويُلمس ويقال فيه: يا الله ما أبدعه.. !
وفي مشهد تصويري آخر يقول:
هزّي بشَعرك كي تضجّ نسائم * * وتألقي من بعد طول غياب
وهي صورة فيها مفارقة عجيبة، من المعتاد أنّ النّسائم هي التي تهز الشعر، لكنّ الشّاعر يعكس الآية فيقول: ( هزّي شعرك كي تضج نسائم )، لا ندري هل تضجّ من حركة الشَعر القويّة، أم أنّها تضج غيرة وانبهارا بجمال ذلك الشلال المنساب جمالا.. ! ولكنّ الشّطر الثاني – وأسفا – جاء عاديّا إلى حدّ ما فأضعف البيت بعض الضّعف..
لا يوجد إنسان أو شاعر إلا وتحدّث عن الصبر، ولكن قلّما من يبدع فيه إبداعا، أن تجعل الصبر صورة ماديّة فاتنة ملموسة فهذا المدهش حقّا، يقول الشاعر في ذلك:
وانثال هذا الصّبر يحفر صخره * * حتّى يذلّل جامد الأحجار
إنّ الصّبر هنا ليس شيئا معنويّا نشعر به، بل هو شيء يشبه تساقط المطر الحامضي الذي يفتت الصّخور أو جامد الأحجار كما يقول الشّاعر.. وديوان ( تباريح الهوى ) يعجّ بمثل هذه الصور الفنيّة البديعة، التي كسته مسحة من الألق والتوهج الفاتن.. فهنيئا لشاعر أرض الحنّاء وجنّة العشّاق وطنه الصّغير ..وهنيئا له تباريحه وهواه..