حديث الدكتور ناصر الدين الأسد عن الدكتور طه حسين

حديث الدكتور ناصر الدين الأسد

عن الدكتور طه حسين

في برنامج مسارات الذي تقدمه قناة الجزيرة القطرية

محمد شركي

[email protected]

استضاف برنامج مسارات الذي تقدمه قناة الجزيرة القطرية الأستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد وهو أديب ومفكر أردني . وخلال حديثه تناول موضوع علاقته بعميد الأدب العربي الأستاذ الدكتور طه حسين ، وما كان يقال عن اختلافهما في قضية الشعر الجاهلي . ولقد أثنى الأستاذ ناصر الدين على عميد الأدب وشهد له بالموسوعية والباع الطويل في الفكر والأدب ، وأشاد بأسلوبه الذي يميز شخصيته الأدبية والفكرية . ولم تمنعه إشادته به واعترافه بقيمته العلمية والفكرية والأدبية من وصفه بأنه كان شخصية عاطفية ، وأنه نفع قوما وألحق الضرر بآخرين ، وأن الذين كانوا يحجون إلى بيته لزيارته كانوا إما من الطامعين في فضله أو من الذين يخشون شره . وذكر ناصر الدين أنه كان كثير التردد على طه حسين، وأنه كان يسر بثنائه عليه بين الحين والآخر ، وأنه كان يستدعيه إلى بيته بين الحين والآخر عن طريق سكرتيره الخاص . ولما أثار محاور الأستاذ الأسد قضية الشعر الجاهلي ـ وقد وجد بحوزته نسخة من كتاب في الشعر الجاهلي  وهو كتاب صودر يوم نشره لما تضمن من أفكار مستفزة كما سماها الدكتور ناصر الدين ـ ذكر هذا الأخير أن  طه حسين كان يروم من وراء كتاب في الشعر الجاهلي شهرة، لهذا تعمد استفزاز الرأي العام العربي . ولما سأل المحاور في برنامج مسارات الأستاذ الأسد عن أطروحته : " مصادر الشعر الجاهلي " هل كانت ردا على كتاب : " في الشعر الجاهلي "  ؟أجابه بأنه لم يكن يقصد إلى ذلك ، وإنما كانت دراسته علمية أكاديمية صرفة . وتناول الأستاذ ناصر الدين ظروف مناقشة هذه الأطروحة التي كانت في غياب طه حسين خلال إجازته السنوية في الخارج ، وأن الدكتور شوقي ضيف حاول تأخير مناقشتها إلى حين عودته إلا أن سفره طال فنوقشت الرسالة دون حضوره ، وقد أثارت غضبه فزار صاحبها في مكتبه، ودخل عليه دون أن يسلم ،وأفرغ ما كان في جرابه من غضب على حد قول ناصر الدين، وانصرف دون أن يسلم أيضا , وحز ذلك في نفس صاحب الرسالة ولكنه لم ينبس ببنت شفة تقديرا لطه حسين، وربما خوفا من أن يستعديه عليه فيسلكه في زمرة المغضوب عليهم . وبعد مدة استدعي ناصر الدين الأسد إلى جلسة حضرها الدكتور طه حسين فرفض الدخول عليه ، فبادر طه حسين بالدخول عليه في مكتبه ولكنه هذه المرة سلم عليه،  وأثنى على أطروحته، وسأله إن كان ما زال غاضبا فأجاب ناصر الدين: " شديد الغضب " وطيب طه خاطر تلميذه وانصرف . وفي هذه الحادثة عبرة لكل المنتمين للحقل الفكري والأدبي الذين تحصل بينهم أساتذة وتلاميذ خلافات فكرية فتؤدي بهم إلى العداوة والبغضاء والقطيعة  . فهذا الدكتور طه حسين يغضب من تلميذه ناصر الدين بسبب ما جاء في أطروحته مخالفا لما أكسبه  شهرة بسبب النيل من الشعر الجاهلي فيزوره في مكتبه ليشبعه نقدا وتقريعا ، ثم تهدأ سورته بعد حين فيعود إليه مرة أخرى معتذرا ويثني عليه وعلى جهده العلمي ليعطي مثلا لكل المنتسبين إلى حقل العلم والفكر والأدب بأن الخلاف في الرأي لا يؤدي إلى عداوة. ولو استعرضنا  اليوم بعض ما يحصل في الجامعات العربية من تصفيات للحساب بين بعض الأساتذة وطلابهم  بسبب الاختلاف في الآراء ووجهات النظر لتبين لنا الفرق الشاسع بين جيل طه حسين وهذا الجيل الذي  تضيق آفاقه كضيق صدوره، الشيء الذي يعتبر مؤشرا على بؤس العلم والفكر والأدب . ولقد ختم ناصر الدين الأسد حديثه في هذا البرنامج عن أستاذه طه حسين بالقول : " لقد قبلت طه حسين بعجره وبجره " وهي عبارة تستعمل للتعبير عن العيوب صغيرها وكبيرها ، ذلك أن العجرة هي عرق دقيق في البدن ،والبجرة هي السرة الغليظة الأصل الناتئة . وأخيرا لقد كان حديث الدكتور ناصر الدين في برنامج مسارات شيقا ذكرنا بالفترة الذهبية التي عاشها جيل نوابغ الفكر والأدب الحديثين، وهما مجالان يعرفان انتكاسة في هذه الفترة من تاريخنا حيث غاب النبوغ، واستحكم الاجترار، وقصرت الهمم ،وصارت البحوث والرسائل بالأطنان لكن دون جدوى أو فائدة مع فساد العلاقات بين الأساتذة وطلبتهم ، وسيادة المحسوبية التي أقحمت نابتة من نوع جديد مضمار الفكر والأدب  لتكرس بؤسهما.