ملتقى السرد العربي ينبذ الفن المسف بتكريم رموز الفن الراقي
أقام متلقي السرد العربي الدائم بالقاهرة، مؤتمره السنوي الثاني بعنوان "المرأة والسرد بعد ٢٥ يناير"، دورة الراحلة" رضوى عاشور"، وذلك بمقر المنتدى الثقافي المصري بجاردن سيتي 24 أكتوبر الجاري.
شارك في المؤتمر الذي رأسته الأكاديمية رائدة الدراسات الاجتماعية د. سامية خضر، عدد كبير من الشخصيات الروائية والنقدية، والفنية وعلي رأسهم الفنانة التشكيلية الكبيرة زينب منهي، والمخرجة إنعام محمد علي، والكاتبة القديرة وفية خيري، والكاتبة الفلسطينية عبلة الديجاني، فضلا عن مشاركات الروائيات المصريات مثل مني عارف، وأمينة زيدان، وضحى عاصي، ونوال مهني، ومنة الله سامي، والدكتورة سهير عثمان، وشاهيناز فواز، ونادية كيلاني.
تضمن المؤتمر 3 فعاليات ، حيث استهل بجلستين نقديتين شارك فيهما الدكتور عايدي جمعة أستاذ النقد الأدبي بجامعة ٦ أكتوبر، والدكتور أحمد فؤاد، وفاتن فاروق، ورانيا مسعود، وأدار الجلسات النقدية الدكتور حسام عقل، رئيس ملتقى السرد.
وشهد الملتقى منح شهادات تميز لعدد من الروائيات والشاعرات، والفنانات التشكيليات، والمتميزات في مجال إدارة النشاط الثقافى.
كما تم تكريم المخرجة إنعام محمد علي، ووفية خيري، ومحبوبة هارون، ونادية كيلاني، وسارة كرم، وإنجي مصطفى، وشيماء عيسى ، وشيماء زايد، ومنى عارف.
وقال الدكتور حسام عقل، المشرف العام علي ملتقي السرد، إن المؤتمر يأتي في دورته الثانية تتويجا لجهد ثلاث سنوات من العمل المتصل والفعاليات والندوات، وقد عقد المؤتمر الأول قبل عام مضي وكان حول رحيل "جاثيا ماركيس"، وأثره في المبدعين المصرين.
أما هذا المؤتمر الثاني فيتسم بعدة مزايا منها أنه النافذة الأولي التي تفتح ملف إبداع المرأة المصرية سرديا في السنوات الخمس الأخيرة، بكل أطيافه وتياراته.
وأضاف عقل، أن الميزة الثانية للمؤتمر هي اتساع دائرة النشاط ليشمل مجالات أخري كالدراما والفن التشيكيلي، وتميز المرأة المصرية في مجال إدارة النشاط الثقافي، والصحافة الثقافية، إلى جانب الانفتاح علي الأقاليم حيث يشارك مبدعون ونقاد من الصعيد ومدن القناة.
وأشار إلى أن المؤتمر يهدف بوجه عام إلي إلقاء الضوء علي إبداع المرأة المصرية بصورة نقدية مهنية بحيث تتوفر علي الاتجاهات الفنية لتيارات الكتابة الجديدة ومدي تفاعلها مع الثورات العربية الأخيرة، وسينبثق عنه كتاب يجمع الورقات النقدية المقدمة في المؤتمر كتوثيق جيد وشامل للإبداعات السردية للمرأة المصرية في مجالات الرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية.
وتابع: يعد المؤتمر في خلفيته لمسة وفاء للراحلة الكبيرة رضوي عاشور، ويأتي المؤتمر وحزمة الفعاليات التي ينظمها ملتقي السرد في محاولة للتغلب علي حالة التكلس التي تسيطر علي المؤسسة الثقافية الرسمية ممثلة في غياب الفعاليات الكبيرة والمؤتمرات المؤثرة والتقييم النقدي الجاد للإبداع المصري.
وقالت رئيسة المؤتمر د. سامية خضر: إن المؤتمر يرد على من يقولون إن دور المرأة المصرية يعيش حالة كمون بعد ثورة 25 يناير.
ويأتي حاملاً اسم رضوى عاشور لأنها مثلت النموذج الجيد للروائية الأكاديمية التي دافعت عن قضايانا العربية وفي الذروة منها القضية الفلسطينية القضية المركزية دائماً للعرب.
ولقد توالت عطاءات رضوى عاشور الإبداعية النقدية قبل أن تتجه إلى المسار القصصي الروائي ولذلك لم يكن اختيارها في هذا المؤتمر من قبيل الخبط العشوائي لأنها تمثل كثيراً من القيم التي ينبغي أن تستعاد اليوم، فالمرأة هي الملهمة والمبدعة للعمل الأدبي في آن واحد.
وقال د. عايدي جمعة الأستاذ بجامعة 6 أكتوبر في ورقته المقدمة عن رواية (رغبة الظلال) للأديبة منى عارف، إنها ترصد روح أكتوبر التي ضاعت في اللحظة الراهنة.
وقد استخدمت منى عارف تقنيات على مستوى الشخصيات واللغة والبنية الزمانية والمكانية.
فاللغة تسير على مستوى الفصحى في السر، وعلى مستوى العامية في الحوار.
والخلفية الثقافية المعرفية للمؤلفة تظهر من خلال النص الروائي لتشكل وجهة نظر الرواية المتعلقة بأن جميع من صنع نصر أكتوبر تم اغتيالهم معنوياً في اللحظة الراهنة ومن هنا كانت الحاجة ماسة للقيام بالثورة.
وفي قراءتها للمجموعة القصصية (إلكترومانسي) للقاصة نادية كيلاني، أكدت الناقدة فاتن فاروق أن قصص المجموعة تطرقت لهذا الغازي الهادىء الناعم (الفيسبوك) الواثق المنتصر الذي يعلم أننا سنذعن له بسلبياته وبإيجابياته.
وهو في الواقع ليس إلا رسماً لملامحك وصورة لمخبوءات النفوس بخيرها وشرها.
كشف لنا عن مدى احتياج الإنسان المصري إلى الحب وإلى ممارسته أو التعبير عنه بأشكال جديدة غير مطروقة من قبل.
وقد ساهم الفيسبوك في تسهيل الهروب من الواقع المأزوم إلى الآخر الافتراضي، والاقتران بأشخاص مجهولين يستخفون خلف شاشات لا يمكنها سبر أغوارهم.
في عالم الفيس بوك الكل ملائكة ذوي أجنحة، وهذا يبرز من خلال قصص مجموعة (إلكترومانسي).
فالقصة الأولى بعنوان (أرامل النت) المتحدثان فيها زوج وزوجة في الواقع، لكنهما يتواصلان من خلال شاشة الكمبيوتر ويعجزان عن التواصل في الواقع المعيش.
القصة الثانية بعنوان (يا لك من أخ) تكشف لنا عن فتاة ساذجة تجذبها الكلمات المنمقة لشاعر ورجل مرت عليه سنوات العمر ولم تنقش بداخله حرفاً إيجابياً.
ارتبطت تلك الساذجة بذلك الرجل الأجوف بقصة حب قررا بعدها الزواج وتهيأت لاستقباله مع أسرتها.
هنا يظهر دور الأخ الحصيف لينهي هذه المشاعر الكاذبة حين يعلن للقادم الولهان بأنه هو الذي كان يحادثه منتحلاً اسما أنثوياً.
وفي قصة (حبيبتي من تكون) تثبت أنه لا كبير أمام سحر هذا العالم فصاحبنا التقي الورع الذي ما برح ينتقد النت والشات إذا به يقع فريسة النت والشات ومع من؟ مع فتاة تدعى (مزنة) غيرت حياته 180 درجة وصارت أحاديثه معها تستغرق نهاره وليله، ولما رغب في الزواج منها ظلت تسوف وتسوف حتى اختفت دون سبب واضح.
لم يعثر عليها رغم سنة كاملة من البحث والتحري لكنه وجد رسالة على إيميله تقول: إن مزنة قد ماتت بعد أن أحبته بصدق لكن اسمها في الواقع لم يكن مزنة.
وفي قصة فارس بلا جواد، تحكي لنا نادية كيلاني عن رجال النت المتيميم الذين يتواصلون مع معشوقاتهم ما داموا في عملهم خارج البيت فإذا ما رجعوا إلى البيت تناسوهن.
وتكشف قصة (عصفوري هناك) عن حقيقة هذا التواصل الزائف وهي نموذج متكرر في هذا العالم الافتراضي الجديد.
فتلك التي تتعلق بأحدهم وتعاني من وعوده الكاذبة وتهتدي إلى فتح صفحة جديدة وما أن تضيفه إلى الأصدقاء حتى تكشف حقيقته فقد انساق مع الإسم الجديد والصورة الجديدة يبثها أشواقه بذات العبارات وذات الوعود.
ونخرج من المجموعة أن الإنسان المأزوم في منطقتنا بفعل الواقع المأزوم يلجأ إلى معايشة الوهم وهو يعلم أنه وهم ومحض خيال.
وقال د. مصطفى أبو طاحون أستاذ الأدب والنقد بكلية الآداب جامعة المنوفية: بعد ثورة 25 يناير توزع المنتج القصصي للمرأة على مساحتين، الأول ذهب نحو التاريخ والثاني ذهب نحو الفنتازيا.
وهنا نستدعي رواية (حكايات المدينة السرية) لمنال القاضي، و (فنون وأنوف) لمنة الله سامي، و (سعادة السوبرماركت) لضحى عاصي، و (حوار لن يعلن أبداً) لسامية خضر، و (هذا الذي لا أعرفه) لشاهيناز فواز، و (ذكريات تسعينية) لسارة كرم، و (لست بأنثى) لشيماء زايد.
ومن جانبها قالت شيماء عيسى: ملتقى السرد أصبح صوت العرب الذين تتقاذفهم الآن الأمواج العاتية، وهو يعني كذلك الاعتزاز باللغة العربية الفصحى معجزة العرب الباقية.
وهو يحافظ على انتقاء أعمال إبداعية لا تخاصم التراث وفي الوقت نفسه تتسم بالمعاصرة.
ليس فيه مجال للمجاملات أو الشللية السائدة للأسف في الأوساط الثقافية.
أما الشاعرة محبوبة هارون فقالت إن دور المرأة المصرية كما كان بارزاً في ميدان التحرير منتفضاً مطالباً بالحرية المدنية والعدالة الاجتماعية، نجده هو نفسه الدور الأدبي البارز لها طوال السنوات التالية للثورة دون تلون طائفي أو مذهبي أو عقدي ليمثل حالة الاصطفاف الوطني الفني الجاد.
وفي حديثه قال الكاتب مصطفى عبد الله رئيس تحرير أخبار الأدب الأسبق: قد تعجز قصور الثقافة بوزارة الثقافة عن تنظيم مثل هذا الملتقى لأن المسؤولين هناك لا يمتلكون هذا الوعي وهذه الإحاطة بقيمة المبدعات المصريات بعد ثورة 25 يناير المجيدة.
وفي ذات السياق قال الشاعر عمارة إبراهيم: هذا الملتقى التحمت فيه لغة النقد مع لغة التكريم واختيار اسم رضوى عاشور نال إجماع الحاضرين.
كما أن تكريم المخرجة إنعام محمد على والكاتبة التليفزيونية وفية خيري له دلالة على تمكن الرغبة من الوسط الثقافي المصري في نبذ الفن المسف الرديء والعودة إلى الفن الراقي الجاد.
وسوم: 639