ابن الجوزي والفقه

كان الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي موسوعي المعرفة، وقد وصفه ابنُ رجب بـ "الحافظ، المفسِّر، الفقيه، الواعظ الأديب" ثم قال: "شيخ وقته وإمام عصره".

وقد حفظ القرآنَ، وسمع الحديثَ، وتفقَّه، وأكثرَ من المطالعة.

وفي نشأته صحبَ أبا الحسن بن الزاغوني، ولازمه، وعلَّقَ عنه الفقهَ والوعظَ.

وذكر القادسي أنه تفقَّه على أبي حكيم النهرواني، وأبي يعلى بن الفرّاء.

وكذا ذكر ابنُ النجّار مؤرِّخُ بغداد أنَّ الشيخ بعد وفاة ابن الزاغوني قرأ الفقهَ والخلافَ والجدلَ والأصولَ على أبي بكر الدينوري، والقاضي أبي يعلى الصغير، وأبي حكيم النهرواني وصار مُعيدَ المدرسة عنده.

وكان قد قرأ على أبي حكيم الفقهَ أيضًا والفرائضَ بالمدرسة التي بناها ابن الشَّمَحل بمحلة "المأمونية"، وكان لأبي حكيم مدرسة بـ "باب الأزَج" فلما احتُضِر أسندها إلى أبي الفرج، فأخذهما جميعًا بعده.

♦ ♦ ♦

وفي سنة 570هـ سَلَّمتْ إليه الجهة "بنفشا" حظيّة الخليفة المُستضيء المدرسةَ التي أنشأتها، وكتبتْ على حائطها اسمَ الإمام أحمد، وأنها مُفوّضة إلى ناصر السُّنة ابن الجوزي، وطُلِبَ منه ذكرُ الدرس فيها، وحَضَرَ قاضي القضاة وحاجبُ الباب وفقهاءُ بغداد، وخلعتْ عليه خلعة، وخرج الدعاةُ بين يديه والخدم، ووقفَ أهلُ بغداد كما يكون في العيد وأكثر، وكان على باب المدرسة ألوف، وألقى يومئذ دروسًا كثيرة، من الأصول والفروع، وكان يومًا مشهودًا لم يُرَ مثله...

وفي هذه السنة بُنيَتْ دكةٌ للحنابلة في جامع القصر (الخلفاء اليوم)، وجلس الشيخُ فيها يوم الجمعة ثالث رمضان، وحصلتْ له مناظرة مع فقيهٍ حنفي في مسألة الإفطار بالأكل ناسيًا، وازدحمَ الناسُ ازدحامًا شديدًا لمتابعة المناظرة. وكانت المُناظرات تُعقدُ كلَّ جمعة.

♦ ♦ ♦

ووصفه المُوفّق عبدُ اللطيف البغدادي بأنه له في كل علم مشاركة، لكنّه كان في التفسير من الأعيان، وفي الحديث من الحفّاظ، وفي التاريخ من المتوسِّعين، ولديه فقهٌ كافٍ.

وذكره ابنُ البزوري في "تاريخه" وأطنبَ في وصفه، وقال: أصبح في مذهبه إمامًا يُشارُ إليه، ويُعقدُ الخنصر في وقته عليه، ودرّس بعدة مدارس، وتفرّد بالمنثور والمنظوم.

وقال الشيخُ موفق الدين المقدسي: كان ابنُ الجوزي إمامَ أهل عصره في الوعظ، وصنَّف في فنون العلم تصانيف حسنة، وكان صاحبَ قبول، وكان يدرِّس الفقه ويُصنِّفُ فيه...[1]

♦ ♦ ♦

ومُصنَّفاته في الفقه والأصول هي - على ما ذكره سبطُه شمس الدين -:

1. المذهب في المذهب. جزآن.

2. التحقيق في أحاديث التعليق. مجلدان. [ط].

3. الدلائل في مشهور المسائل. مجلدان.

4. المنفعة في المذاهب الأربعة. مجلدان.

5. مسبوك الذهب في المذهب. مجلد.

6. التلخيص. مجلد.

7. البلغة. مجلد.

8. الإنصاف في مسائل الخلاف. مجلد.

9. البازي الأشهب. مجلد.

10. لقطة العجلان. مجلد.

11. كشف الظلمة عن الضيا في الردِّ على إلكيا [الهرّاسي]. مجلد.

12. لهنة العجل في الجدل. ثلاثة أجزاء.

13. رد - أو درء - اللوم والضيم في تحريم الصوم يوم الغيم. جزء. [ط].

14. مناسك الحج. جزء.

15. تحريم المحل المكروه. مجلد. [يقصد إتيانَ المرأة في دُبرها].

16. تعظيم الفتوى. جزء. [ط].

17. الرد على القائلين بجواز المتعة. جزء.

18. المسائل المفردة. جزء.

19. العدة - أو العمدة - في أصول الفقه. جزء.

20. الفرائض للوازم الفقه - أو اللوازم للفقه - جزء [2].

وذَكَرَ - أي سبطُه - له ضمن كتب المناقب:

21. فضائل الفقه[3].

♦ ♦ ♦

أمّا ابنُ رجب فقد قال ناقلًا من "فهرست التصانيف" للشيخ أبي الفرج نفسِه:

• الإنصاف في مسائل الخلاف. • جُنّة النظر وجَنّة النظر. وهي دون تلك.[4]• عمد الدلائل في مشتهر المسائل. وهي التعليقة الصغرى. • المذهب في المذهب. • مسبوك الذهب. مجلد. • النبذة. جزء. • العبادات الخمس. جزء. • أسباب الهداية لأرباب البداية. مجلد.[5]• كشف الظلمة عن الضيا في ردِّ دعوى إلكيا. • ردُّ اللوم والضيم في صوم يوم الغيم. جزء.[6]

وذكر ابنُ رجب ممّا زاده ابن القطيعي في "الفهرست":

• كتاب النساء وما يتعلق بآدابهن[7] والظاهرُ أنه المطبوع باسم: "أحكام النساء"[8].

ثم ذَكَرَ ممّا لم يُذْكر في "الفهرست" كتبًا ومنها:

• الباز الأشهب المُنْقض على مَنْ خالف المذهب. وهو تعليقة في الفقه كبير.[9]• لغة الفقه. جزآن.[10]

وذَكَرَ الصفدي:

• مختصر المختصر في مسائل النظر.[11]

وعدَّة هذه المُصنّفات مِنْ غير تكرارٍ"28" مُصنّفًا.

وقد ختم ابنُ رجب ترجمتَه بذكر شيءٍ من فتاويهِ وفوائدهِ فقال:

"ذُكِرَ أنه استُفتي في زمن المُستضيء في إقامة الجمعة بـ"جامع ابن المطلب" ببغداد. قال: فلم أرَ جوازه، لأنَّ الجمعة إنما جُعِلتْ لتكون علَمًا للإسلام بكثرة الجموع، وإظهار ما يكبتُ المشركين، فإذا كان في كل محل جمعةٌ صارتْ كصلاة الظهر.

قال: وأجاز ذلك بعضُ مَنْ يُنسب إلى الفقه، وعلّل بأنَّ كلَّ محلةٍ صارتْ منقطعةً عن غيرها، للخراب الذي استولى على الأرض، فأشبهت القُرى.

قال: ولا أرتضي هذا التعليل.

قلتُ [القائل ابن رجب]: وهذا يقتضي اتفاقَهم على أنه مع اتصال العمارة لا يجوزُ ذلك، لكنَّ هذا مع عدم الحاجة"[12].

قال: "وذكرَ في كتابه "تلبيس إبليس" إنكارَ الذكر بالليل على المآذن، ونحوها، فإنه قال: قد رأيتُ مَنْ يقوم بليلٍ كثيرٍ[13] على المنارة، فيعظُ ويذكِّرُ، ويقرأ سورةً من القرآن بصوتٍ مرتفعٍ، فيمنع الناسَ من نومهم، ويخلط على المتهجدين قراءتهم، وكلُّ ذلك من المنكرات"[14].

وقد ذكرَ ابنُ الجوزي بعضَ فتاويه فقال في تاريخه في حوادث سنة (573هـ):

"وجاءتْ إليَّ يوم الأحد خامس عشرين جمادى الآخرة فتوى في عبدٍ وأمةٍ كانا لرجل فأعتقهما، وزوَّج الرجلَ بالمرأة، فبقيتْ معه عشرين سنة، وجاءتْ منه بأربعة أولاد، ثم بان الآن أنّها أخته لأبيه وأمه، ومذ عرَفا ذلك أخذا في البكاء والنحيب، فتعجبتُ من وقوع هذا، وأعلمتُهما أنه لا إثم فيما مضى، والعدة تلزمها، ويجوزُ أن ينظر إليها بعد أنْ فارقها نظرَه إلى أخته إلا أنْ يخافَ على نفسه فيلزمه البعدُ عنها"[15].

هذا، وقد قال الشيخُ في كتاب العِلم:

"الفقه عمدة العلوم، وأملى الشافعيُّ على مصعب بن عبد الله بن الزبير أشعارَ هُذيل ووقائعَها وأيامَها حفظًا، فقال له: يا أبا عبد الله أين أنتَ بهذا الذهن عن الفقه؟ فقال: إيّاه أردتُ، وقال محمدُ بنُ الحسن: كان أبو حنيفة يَحثُّنا على الفقه وينهانا عن الكلام"[16].

[1] انظر: الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 461 - 488)

[2] مرآة الزمان (8/ 2/ 485)، وقد قابلتُ المطبوعَ بنسخةٍ مخطوطة في دار الكتب المصرية فصححتُ ألفاظًا، واستدركتُ الكتابين: الرابع والخامس عشر.

[3] مرآة الزمان (8/ 2/ 486).

[4] قال ابنُ الجوزي في "منهاج القاصدين" (1/ 50): "أمّا علم الخلاف والمناظرة فقد رتَّبنا فيه كتبًا منها "جُنَّة النظر"، ومنها "الدلائل الزواهر في المسائل الظواهر".

وهذا الكتاب الدلائل الزواهر في المسائل الظواهر - بهذا العنوان لم يردْ له ذكرٌ في شيء من الكتب، فإن لم يكن هو المرقم بـ"3" فهو كتابٌ آخر يُضاف إلى القائمة.

[5] قال ابنُ الجوزي في "منهاج القاصدين" (1/ 49): "أمّا الفقه: فالاقتصارُ فيه على كتابنا المُسمّى بـ: "أسباب الهداية لأرباب البداية" فإنّا قد أشرنا فيه إلى العبادات الخمس، فمَنْ أراد الاطلاعَ على ما يزيد على ذلك فكتابنا المُسمّى بـ"المذهب في المذهب".

2 - الذيل على طبقات الحنابلة (2/ 493).

3 - الذيل (2/ 492).

[8] طُبِعَ بتحقيق الأستاذ علي بن محمد يوسف المحمدي.

[9] الذيل (2/ 495)، وقد أُطلِقَ هذا العنوان على كتاب "دفع شبه التشبيه" خطأ، وطُبِعَ بهذا العنوانالباز الأشهب - في دار الجنان ببيروت، بتحقيق محمد منير الإمام، والخطأُ قديمٌ. وقد بينتُ هذا في مقال خاص نشر في هذه الشبكة: الألوكة.

[10] الذيل (2/ 496).

[11] الوافي بالوفيات (18/ 189).

[12] الذيل (2/ 517).

[13] لعله يقصد: قبل الفجر بمدة طويلة.

[14] الذيل (2/ 518)، وتلبيس إبليس، ذكر تلبيسه عليهم في الأذان (ص 137).

[15] و"مختصر المنتظم" (ص 355) "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" (18/ 237 - 238)

[16] نَقَلَ هذا عن ابن الجوزي: ابنُ مفلح في "الآداب الشرعية" (2/ 125)، وكتابُ العلم هو "الحثُّ على حفظ العلم وذكر كبار الحفاظ" انظر (ص 47) منه، ولكلامهِ تتمةٌ مهمةٌ فانظرْها.

وسوم: العدد649