روايةُ كتبٍ غيرِ مذكورة، بالإجازة العامة

للإجازة العامة مخاطر، ومِنْ مخاطرها إدراجُ كتبٍ لم تُذكر، ثم يُثبتُ البحثُ أنها لم تصح نسبتُها إلى مَنْ نُسِبتْ إليه من العلماء، أو في نسبتها شكٌّ، ولتوضيح هذه المسألة المهمة أسوقُ هذه الأمثلة:

1- "منهاج العابدين" من المؤلّفات المشكوكِ في نسبتها إلى الغزالي (ت: 505هـ)، وقد نفاه عنه عددٌ من العلماء، واختلفوا في تعيين مؤلِّفه، ومع ذلك وجدتُ الشيخَ سراج الدين القزويني (ت: 750هـ) يذكره ضمن الكتب التي يرويها للغزالي.

يقول – أعني القزويني - بعد أن ساق أسانيدَه إلى "إحياء علوم الدين":

"وأرويه إجازةً بطرق كثيرة مع جميع مؤلّفات الإمام الغزالي ومصنّفاته، في الفقه: كالوجيز، والوسيط، والبسيط، والخلاصة. وفي التصوف: كمنهاج العابدين، وبداية الهداية... وجميع ما يُنسَبُ إليه تصنيفًا"[1].

ولم يذكر إسنادًا خاصًا به فيه تصريحٌ بالقراءة والسماع كما ذَكَرَ في "الإحياء"، وقد قال ياقوت الحموي في "معجم البلدان"[2] في كلامه على (داوَر): "ويُنْسبُ إليه... أبو المعالي الحسن بن علي بن الحسن الداوري، له كتابٌ سمّاه "منهاج العابدين"، وكان كبيرًا في المذهب، فصيحًا، له شعرٌ مليحٌ، فأخذه مَنْ لا يخاف الله، ونسبه إلى أبي حامد الغزالي، فكثر في أيدي الناس لرغبتهم في كلامه، وليس للغزالي في شيءٍ مِنْ تصانيفهِ شعرٌ، وهذا مِنْ أدل الدليل على أنه كتابٌ مِنْ تصنيف غيرهِ، وما حُكِيَ في المُصنَّف عن عبد الله بن كرام فقد أُسقط منه لئلا يظهر للمُتصفح، كتبه في سنة 445 بالقدس، قال ذلك السلفي"[3].

وهل يكفي قولُ القزويني هذا لإثبات نسبة الكتاب إلى الغزالي؟

أقول: لا أظنُّ ذلك، وكأنَّ القزويني ذكره بناءً على شهرة نسبتهِ إليه في عصره هو، وإنْ لم يكن له بذلك سندٌ خاصٌ بقراءةٍ أو سماعٍ.

وكذلك أدرجه شيخُنا الشيخُ المسندُ محمد ياسين الفاداني المكي في مؤلفات الغزالي فقال: "إحياء علوم الدين، وميزان العمل، ومنهاج العابدين، وبداية الهداية، وفرائد اللآلىء من رسائله السبعة، ومكاشفة القلوب، ومعارج القدس في مدارج معرفة النفس، والمرشد الأمين إلى موعظة المؤمنين [من إحياء علوم الدين][4]، والكشف والتبيين. أرويها عن الشيخ محمد علي المالكي بسنده السابق في "الوجيز" إلى المؤلِّف حجة الإسلام أبي حامد الغزالي"[5].

• ومما وقع لشيخنا المذكور الشيخ محمد ياسين الفاداني أنه ذَكَرَ في كتابه "إتحاف المُستفيد بغرر الأسانيد"[6] أنه يروي "الفوائد المشوقة لعلوم[7] القرآن" بإسناده إلى المؤلف ابن قيّم الجوزية.

مع أنَّ هذا الكتاب ليس لابن القيم قطعًا، ولا يمكنُ أن يكون هناك إسنادٌ به إليه، وقد ثبت أنه مقدمة تفسير ابن النقيب المقدسي (ت: 698هـ)[8].

ومِن هنا تظهرُ خطورةُ إدخالِ راوٍ كتابًا ما في الإجازة العامة بناءً على شهرة نسبته إلى المؤلِّف.

• ومن ذلك ذكْرُ الشيخ الفاداني: "القصيدة الغوثية المُسمّاة بالكواكب الدرية في مدح خير البرية والشهيرة بالبردة الميمية للقطب الجيلاني" ثم سوقُه إسنادًا بها إلى الشيخ عبدالقادر الجيلاني[9].

فهل هي ثابتة عن الشيخ أصلًا حتى نسوقَ إسنادًا بها إليه؟

إنَّ الناظرَ في ألفاظ هذه القصيدة ومحتواها وتراكيبها، وهي تبدأ بـ:

طفْ بحاني سَبْعًا ولذْ بذمامي ♦♦♦ وتجرَّدْ لزَوْرَتي كلَّ عامِ

يقطعُ بعدم صحة النسبة.

• وربما كان من ذلك رواية كتاب "الورقات" المنسوب إلى إمام الحرمين الجويني (ت: 478هـ)، فقد ساق الشيخ الفاداني إسنادًا إليه[10]، مع أنَّ الشيخ أحمد بن محمد الدلجي (ت: 838هـ) يقول في كتابه "الفلاكة والمفلوكون":

"...تروَّجُ بعضُ الكتب بنسبتها إلى رجلٍ مرموقٍ بعينِ الجلالة كما فُعِلَ في "الورقات" حيثُ نُسِبتْ إلى إمام الحرمين، وليستْ له، بشهادةِ عباراتهِ الفائقةِ الرائقةِ في باقي كتبه، ومخالفةِ "الورقات" لما في "البُرهان" في التصحيح والحكم"[11].

وفي هذه المسألة مزيدُ حاجةٍ إلى النظر والبحث والتأمُّل، وأولُ شرح للورقات كان لعبدالرحمن الفزاري المتوفى سنة 690هـ، والله أعلم.

• ومن ذلك تركيب إسنادٍ من الشيخ عبدالله الغماري إلى الحافظ السيوطي في الرسالة المُسماة "الشرف المُحتّم فيما منَّ اللهُ به على وليه سيدي أحمد الرفاعي مِن تقبيل يد النبي صلى اللهُ عليه وسلَّم".

قام بذلك الشيخُ عبد السلام حبوس رحمه الله[12]، مع أنَّ الشيخ الغُماري كان يقطع بعدم صحة نسبتها إلى السيوطي[13]، فكيف ينفيها ثم يرويها – على زعم الشيخ المذكور -؟

وقد أُتِيَ الشيخ من الإجازة العامة كذلك، وتعميمِها على ما شاع، مِن غير تثبُّتٍ.

• ووقع لي أنَّ أحدَ الأخوة أحبَّ أنْ يسمع مني كتاب "المقاصد" المنسوب إلى الإمام النووي ويسوق سندًا مني إليه.

قلت له: ولكن الكتاب مشكوك في نسبته إلى النووي، فكيف ندخله ضمن الإجازة العامة، ونركبُ سندًا إليه؟

إنَّ الإسناد كان دليلاً رائعًا لتصحيح النسبة، ولكن بهذا المنحى يصبح دليلًا مضلِّلًا، فليُنتبهْ لذلك، فإنه دقيقٌ جدًا. والله المستعان.

الخلاصة:

قد درج شيخُنا الفاداني – وآخرون - على القول إذا ساقوا إسنادًا إلى كتابٍ لمؤلِّفٍ معيّنٍ أن يقولوا: "وبه وبسائر تصانيفه".

وهذا كلامٌ عامٌّ، وأرى أنه لا يجوزُ إدراجُ هذا السند إلى كتابٍ ما، ما لم يكنْ ثابتَ النسبة إلى مؤلِّفه، والتسرُّع في هذا يُوقعُ في حرج شديد.

فاحذرْ أن تروي كتابًا بالإجازة العامة ما لم تكن على يقينٍ من صحة نسبته إلى مؤلفه، وما لم تكن متأكدًا من سلامة الطريقِ إليه بذلك.

[1] مشيخة القزويني ص316-317.

[2] معجم البلدان (2 /434).

[3] وانظر لزامًا: "محاضرة الأبرار" لابن عربي (1 /224)، و"إتحاف السادة المتقين" للزبيدي (1 /43)، و"الغزالي" للشرباصي ص 123.

[4] ما بين المعقوفين زيادة مني، وقد طُبع سنة 1341هـ، وليُنظرْ في نسبته إلى الغزالي أيضًا، فإنَّ الزبيدي لم يذكره في مؤلفات الغزالي، بل قال في "الإتحاف" (1 /41): "أول من اختصره –أي الإحياء- أخو المصنِّف، وهو أبو الفتوح أحمد بن محمد الغزالي، توفي بقزوين سنة 520، وسمّاه لباب الإحياء".

[5] إتحاف المستفيد بغرر الأسانيد ص 87، وانظر: "العقد الفريد من جواهر الأسانيد" له أيضًا ص 135-136.

[6] ص 24.

[7] في المطبوع: المشوق إلى.

[8] انظرْ هذه المقدمة بتحقيق الدكتور زكريا سعيد علي.

وقد طُبِعَ هذا الكتاب لأول مرة بتصحيح الأستاذ محمد بدر الدين النعساني سنة 1327هـ، وقال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه "ابن قيم الجوزية" ص291: "لم أر مَنْ نسبه إلى ابن القيم قبل طبعه. وفي النفس من نسبة هذا الكتاب لابن القيم شيء" ثم ذكر سبب تشككه، بما يُفهم منه ميله إلى عدم صحة النسبة. وقد أصاب.

ومن الواضح أن الشيخ الفاداني رأى الكتابَ المطبوعَ المنسوبَ إلى ابن القيم، ولما كان يروي كتبَ الشيخ ابن القيم عامة فإنه أدرجَ هذا الكتابَ فيما يرويه، ولم يخطر له التثبُّت من صحة نسبته. وقد فرغ من كتابه "إتحاف المستفيد" في غرة ذي الحجة من سنة 1370هـ بمكة المكرمة، كما جاء في آخره ص 102.

[9] إتحاف المستفيد بغرر الأسانيد ص 91.

[10] انظر: إتحاف المستفيد بغرر الأسانيد ص 61.، والعقد الفريد من جواهر الأسانيد ص 55-56.

[11] الفلاكة والمفلوكون ص 25.

[12] في كتابه المسمى "مسند الإمام قطب الأقطاب وشيخ العارفين أبي العباس أحمد الرفاعي".

[13] انظر كتابيه: "مصباح الزجاجة في فوائد صلاة الحاجة" ص28-29، و"النقد المبرم لرسالة الشرف المحتم".

وسوم: العدد649