رواية زمن وضحة والخلاص بالتّعليم
نقل لنا الكاتب جميل السلحوت في رواية "زمن وضحة "الصادرة عام 2015 عن مكتبة كل شيء الحيافوية، بلغة بسيطة أشبه بالعامية، صورة عن حياة القرية الفلسطينية القديمة وأبدع في ذلك.
في روايات أخرى، يبكي القارئ للظلم السياسي والقمع والموت، وهنا نحن أمام قمع من نوع آخر، لا يقل ظلمًا واستبدادًا.
الفتاة لا تستطيع أن تختار شريك حياتها أو حتى تبدي رأيها، فعيب حتى أن تقول " موافقة " ويجب أن تقول " اللي تشوفوه يابا". والمرأة تُسقى من بُسطار زوجها ساعة المخاض، وكأن هذه الآلام لا تكفي وحدها، أو يمتنعون عن إرسال المرأة للولادة في المستشفى بحجة " بدّك الناس يشوفوا عورات بناتنا...؟"
الحماة تضرب كنتها، ويضرب الزّوج زوجته بتحريض من أمّه، ولا تستطيع الاعتراض. بوفاة المرأة لا يتقبل أحد العزاء بها ف " لا عزاء للإناث إلا بعض النساء القريبات اللواتي يبكين على أنفسهن قبل البكاء على المتوفاة "كما وُيمنع الزّوج من البكاء على زوجته" ما في عندنا رجال يحبّوا نسوانهم بدّك الناس يعملونا مسخرة ؟" بينما التّعامل مع ابنتهم غير " إنت غير يما واللي يرشّك بالميّ نرشه بالدّم ".
حتى الطفل لم ينجُ من ظلمهم فكانوا يضعون مسمارًا على النّار حتى يصبح جمرًا، ويُكوى به بطنه، لأنّهم اعتقدوا أنذ النّار تشفي الأمراض. وكذلك فعلوا بالمسنّين رافضين ارسال المريض إلى الطبيب " لا دكتور ولا غيره اللي كاتبه ربنا بصير ".
بعد سرد كلّ هذه المآسي يأتينا الكاتب بالمنقذ، الدّكتور ممدوح ابن البلد الدي غاب عنها للعلم، عاد وزوجته الحيفاوية، ليقوما بإصلاح القرية، بإيمانهما أنّ الناس طيّبون ولكن هذا التّخلف كله بسبب الجهل، فيفتح بمساهمة الأهالي وتبرّعهم بالمباني مدرسة اعدادية للبنات، بعد أن كان محرّمًا عليهن التّعليم، ورغم معارضة الكثيرين بحجّة أن البنت " لن تتزوّج وستخرج عن طوع أهلها" ولكون مدرسة البنات قريبة من مبنى مدرسة الأولاد ف" الأولاد سيتحرّشون بالبنات والنّاس تذبح بعضها". و " الأرض ستُترك إذا ما تعلّم الأولاد والبنات".
وتأخذ ريتا الحيفاوية دورها في الإصلاح بخروجها عمّا كان مألوفًا بالقرية، فتتساءل "لماذا لا يعمل الرّجال فالنّساء في قرانا هنّ المنتجات، يزرعن يحصدن يحلبن، يعملن اللبن والجبنة والسّمن، يحملن ويلدن ويرعين الأبناء والزّوج ... يطبخن ، يغسلن وينظفن..."
وقد أدخلت في وعيهم أنّ الفتاة تستطيع أن تقود السّيّارة، وتتجمّل وترقص ليلة زفافها، وتذهب إلى الطبيب أو إلى المستشفى إذا لزم الأمر، وطالبتهم مرارًا وتكرارًا أن يكفّوا عن تلك التّرهات التي يمارسونها، وتصدّت بنفسها لكثير من تلك الممارسات، إذ لا شيء يرقى بالانسان غير العلمِ.
ربّما أراد الكاتب في روايته أن يغرس بفكر القارئ أنّ هناك ضوءا بالطرف الآخر من النّفق مهما بلغت حلكته.
وسوم: العدد 669