قراءة في ديوان ( أجمل المخلوقات رجل ) للشاعرة بلقيس حميد حسن

أوجاع ٌ تسري في الروح

clip_image001_2ed1e.jpg

ألق ترنو اليه الروح وتتلالئ فيه الدموع عند أحداقها دفئا ً وصدقا ً وحنانا ً، أحاسيس أختزنتها أوتار الذاكرة عندما تزرعها عناقيد العشق الأبدي لتنبت زرعا ً يافعا ً يروي كل نبض من أعماق القلب ، ترسم همسات الود التي تضئ عتمة الحرمان وتعانق أفق الشوق لحدود الهيام فرحا ً كملك الحب يتربع على عرش القلب ، تبحر في روض الرياحين كأمواج بحر هادئ في مركب الأشواق لتنثر الحب على كل نجمة أنارت عتمة الطريق ، وتغفو بين يديه مع همسات الليل فيأخذها الحنين الى عذب الكلام الذي يغسل الأحزان .. 

تومئ لوحدتي أن أتبعيني

  رجل ٌ من عسل ٍ أنت

كيف لي . وأنا النحلة . التوقف عن الدوران من حولك َ ؟

......

تومئ لروحي بالحب

 رجل ٌ من عسل ٍ أنت

كيف لي . وأنا الغارقة بالحرمان . التوقف عن الجري وراء

ظلك ؟

......

تومئ لشفتـّي بقبلة

رجل ٌمن عسل ٍ أنت

كيف لي . وأنا الحالمة بجناحين . التوقف عن الرحيل الى

حيث تزقزق العصافير ؟

عن دار ميزوبوتاميا ببغداد صدرت المجموعة الشعرية الثالثة للشاعرة بلقيس حميد حسن بعنوان " أجمل المخلوقات رجل " 2013 وتتضمن

" 51 " أحدى وخمسين قصيدة تجيد التعبير عما بداخلها من وعي الكتابة عند المرأة ، وهو وعي بالذات ، بالوجود وبالعالم ، من هوى ً روحي وأجمل ما رأته عيناها من جمال وخيال ليس له مثيل للذي سكن في قلبها كملاك عشقته ، يملاءها أشتياقا ًكطائر أخترق السماء ، يخرج من داخلها لتخط عبارات الشوق والأمل المبللة بحروف قطرات المطر الساكنة ، لتلمس وجوده وتشعر بالدفء ، تسجنه بقلبها كقمر ٍ يضئ نبض دمها ..

ملاكي العزيز

فتشت ذكرياتي

علـّني أجد كلمة تمنع الشوق اليك

ما وجدت

فتشت خزانتي

علـّني أجد وهما لا يعبدك

ما وجدت

سيدي

اسألك الرأفة

فجروحي أزمنت

أنزل علـّي قطراتك

وبل ّ ظمأي ...

تهرب من الفراغ الكوني لتبقي العشق سجينا ً في الخلايا ، تتغلغل بين أحاسيسه وتشعل نار الشوق في الجسد كسحر ٍ يجري في شراينيها ليكون بلسما ً لجنونها ، يفيض كنبع ٍ عذب يروي عطش قلبها وتذوب فيه الروح كنجوم متلألئة في سماء العشق ، تسمع حديثه مثل الهمس يناديها وتقضي هائمة ، عاشقة ، تستنشق عطر الياسمين من على صدر الحلم وتتنهد كلام الحب بلحن الود ..

أحببتك بكل النزف المعلن في الأرض

وبكل النزف غير المعلن

أحببتك بسقوط التفاحات

وبجاذبية الأرض

لن أنسى ان سمائي غيم ونجوم

فتحرر من حبي ان شئت

تجوب بحور الشعر تفتش عن مفردات لعلها تجد كلمة تنير لها ربيع العمر،  هي جسد محاصر بالصمت تشحن مخيلاته الأبداعية ، جسد يوحي له بالكتابة وقول الشعر ، انثى ولدت من روح الشرق بعيون عربية تهدم كل الموروثات التي تجعل من وعيها ومن تفكيرها عنوانا لسيرة أبدية ، بريق عينيها كنور النهار وفي قلبها حب قد ثار يجتاح خصرها مثل الندى ، ولدت لأجله وزرعته في قلبها بين الحنايا بكل صدق ..

هل أدلك اليوم على من أكون ؟

المس خصري

ستعلم من أين تأتي الموسيقى

حد ّق بعيني

تعرف صفاء الروح

خذ لساني

تكتشف كيف يسقط الندى

الكتابة النسائية أثبات للهوية ، كاشفة عن همها الأجتماعي أو الفكري أو السياسي ، الأنثى هي أكثر رقة وأشدها عاطفة ، قوتها تكمن في ضعفها ، تكمن في انها أنثى كالقيثارة ، أن أجدت عزفها عرفت سر حلاوتها ، عجز الكثير عن فهمها ، هي كالقلعة قوية الحصون تعرف كيف يجتمع جمال البوح مع تمرد الصمت في عتمة الليل ، تنتظر التعمق في خبايا أنوثتها التي تفيض حبا بكل نبض في جسدها ، هي أنثى تعشق جنون الرجل وتذوب بين يديه ، وتلملم شتات القلب المبعثر هنا وهناك حين يحين موعد اللقاء ذات مساء لتكون له وحده ..

وأنا الانثى

أنتظر الرؤيا

أنتظر حدود المعقول لشموخي

شموخي المتساوي وجبل الصمت

أمامك أعلو أو أهبط

لكن مغاراتي موصدة

لا زالت عيناك ترى طيفي

الماثل بهيئة أسمي

لا زلت امرأة لم تعرفها بعد

لا زلت أصد الطوفان

بسدود متعبة

وأنتظر ...

أبتعادها عن الوطن كان له تأثير أبداعي على لغتها الشعرية والمتنفس للحرية عندما تكتب الشعر في منفاها وتعيش الغربة ، تعبر بأسلوب ابداعي بأستخدام الرموز في نصوصها لتكون المسافة بينها وبين ماضيها مرآة لرؤية أوضح ، حيث لم تجد مكانا أفضل من المنفى للدمج بين غربتها الذاتية وحالة من التوازن بين الداخل النفسي الممزوج بالخوف ، الغربة كانت الدرس الأقوى في مواجهة الأصعب وعلمتها كيف تنتصر على نفسها ،وتتفجر في داخلها ولادة  الأبداع واضافت لها ثقافات جديدة وعوالم مجهولة ...

أنا المنسية بعيدا عن الوطن

أنا البعيدة عن مركز الدنيا بسنين ضوئية

أنا المهمشة في أصقاع البعد اللامنهي

أنا الذائبة في أهوار الخيال التي ما رأيتها

أنا العابرة بوابات الخوف الى البرد الموحش

أنا دموع الخزف المكسور

أنا ما سقط من شارع الموكب المحتز من جسد بابل

أنا المهرة الصارخة بالظليمة

تبحث في زوايا الذاكرة وتبحر كحلم منفي ، تجوب واحاتها شوقا عبر همسات الليل لتكتب أجمل قصائدها الممتد على طول المدى كحبات المطر تعانق أنفاسها كالطيب محفور في رحم الأرض دون أن يفارقها ،تحن ّ الى دفء الوطن عندما تغمض عينيها تراه محفورا في وجدانها كالمد والجزر، تتسابق مشاعرها عطشى خلف أسوار الكلمات ..

وسوم: العدد 675