سلمى جبران واللجوء
سلمى جبران شاعرة فلسطينيّة من قرية البقيعة الجليليّة، صدر لها ديوان "لاجئة في وطن الحداد" المكوّن من أربعة أجزاء، كلّ جزء منها يشكل فصلا من سيرة الشّاعرة الشّعرية وهي"دائرة الفقدان"،"الحلم خارج الدائرة"،"متاهة الحبّ" و"حوار مع الذّات"، وجميعها صادرة عن "دار نينوى للدّراسات والنّشر والتّوزيع" في العاصمة السّورية دمشق، بالتّزامن مع صدورها في حيفا.
كلما مرّ اسم شاعرتنا أمامي يعيد إلى ذاكرتي صورة الشّاعر الرّاحل سالم جبران، أحد أبرز الشّعراء الفلسطينيّين في الدّاخل بعد نكبة العام 1948، وحسب معلوماتي هو خال شاعرتنا سلمى.
وقفت أمام عنوان ديوان شاعرتنا "لاجئة في وطن الحداد" متسائلا حول هذا العنوان الذي يحمل في ثناياه مفهوما فلسفيّا، تماما مثلما يحمل أكثر من دلالة، فالقراءة العابرة لهذا العنوان توحي بأنّ الوطن في حالة حداد، أمّا القراءة المتمعّنة فتعني أنّ الحداد وطن بحدّ ذاته، وأنّ صاحبة الدّيوان لاجئة في هذا الوطن، وإذا كان الوطن "مكان انتماء الانسان ومقرّه، وإليه انتماؤه، ولد به أم لم يولد"، وأنّ اللجوء يعني "لجَأ الشَّخْصُ إلى المكان وغيره: قصَده واحتمى به" فهل يعني هذا أنّ الحداد ملازم لشاعرتنا – وهذا ما لا نتمنّاه- بحيث أصبح ملاذها الأخير؟ لكنّ كلمة لاجئة تعني أنّ الحداد مؤقّت، لأنّ اللاجئ لا بدّ أن يعود إلى وطنه الأصليّ، وبالتّالي فإنّ شاعرتنا لا بدّ أن تعود إلى وطن الفرح- وهذا ما نتمنّاه لها-.
وسيجد القارئ تحت عنوان كلّ جزء من أجزاء الدّيوان "سيرة شعريّة في أربعة فصول" أيّ أنّها تكتب وتنشر مسيرتها الشّعريّة، ولا تكتب سيرتها الذّاتيّة، مع أنّ الشّاعر والأديب يكتب شيئا عن ذاته في نصوصه، وحبّا لو أنّها ذيّلت كلّ قصيدة من قصائدها بتاريخ كتابتها، لتساعد القارئ على متابعة مدى تطوّر سيرتها الشّعرية، وإن كان الفقد مصاحبا لهذه السيرة والمسيرة، فهل الفقد هو من فجّر طاقاتها الشّعريّة، أم أنّه كان محرّضا لها للبوح بما اختزنه ويختزنه صدرها؟
وإذا ما انتقلنا إلى "الاهداء" وهو:" إلى كلّ امرأة فقدت، فتعثّرت إنسانة وتعثّرت أنثى"، وهذا إهداء موجع أيضا، فالشّاعرة التي فقدت زوجها في سنّ مبكّر، وذاقت مرارة ووجع هذا الفقد، تعي ماذا يعني هذا الفقد للمرأة كانسانة وكأنثى أيضا، خصوصا في المجتمعات الذّكوريّة، لذا فهي تتعاطف وبوعي وتجربة تامّين، مع بنات جنسها اللواتي يعانين من الفقد.
والقارئ لديوانها هذا سيجد أنّ الشّاعرة لا تزال تعاني من ويلات "الفقد"، رغم أنّها طرقت أبوابا من أغراض الشّعر المختلفة، فقد كتبت في "الحزن- الفقدان- الحب – القبليّة - التقاليد الاجتماعيّة والعائليّة - العقليّة الأبويّة الذّكوريّة – الأمومة - النرجسيّة الذكوريّة– الوحدة – الغربة – المحبّة – التمرُّد – الحلم - الصّدق مع الذّات ومع الآخر – الوعي – اللاوعي – الرّوح – الحرّية – المعاناة - الحنين- الموت – الصّمت - الحوار مع الذّات – الجنون - اللغة والحروف – الضّعف – البدائيّة - الوطن كحلم ذاتيّ." لكن الفقد لم يغب عن أجزاء الدّيوان الأربعة.
اللغة الشّعريّة: تمتلك شاعرتنا مخزونا لغويّا واضحا مصحوبا بثقافة شموليّة، ويظهر ذلك جليّا بلغتها الجميلة الانسيابيّة، وبصورها الشّعريّة البلاغيّة اللافتة، ومع أنّها تكتب قصيدة النّثر، فإنّ الموسيقى والإيقاع تجعلها راقصة في غالبيّتها كما هي تفعيلات الشّعر الغنائيّة.
ويلاحظ القارئ أنّ شاعرتنا قد أدخلت "أل التعريف" على الفعل المضارع في أكثر من موضع، وأعتقد أنّ ذلك مقصود منها، فقد سبق أن استعملها الشّعراء العرب من قبل كقول الفرزدق:
مَا أَنْتَ بِالحَكَمِ التُرْضَى حُكُومَتُهُ * وَلاَ الأَصِيلِ وَلاَ ذِي الرَّأْيِ وَالجَدَلِ.
يبقى أن نقول بأنّ الشّاعرة تكتب قصيدتها في لحظة شعور، فتبوح بما في داخلها بطريقة تبهر المتلقي، مع مرارة المضمون في غالبيّة القصائد.
وسوم: العدد 678