رواية أطفال الليل والمأساة المتوارثة

clip_image002_7a17b.jpg

أطفال الليل والمأساة المتوارثة

صدرت رواية "أطفال الليل" للأديب المغربيّ الدّكتور معمّر بختاوي عام2010 عن دار التوحيدي في الرّباط، وصدرت بالفرنسية عام 2011

سبق وأن قرأت للأديب بختاوي روايتين هما:"الخروج من الصّمت" و"المطرودون"، وعند قراءتي لهذه الرّواية "أطفال الليل" تأكّدت من أنّني أمام كاتب منحاز للمغلوبين والمهمّشين من أبناء شعبه، وهم الغالبيّة العظمى ليس من أبناء شعبه فقط، بل ومن أبناء أمّته جميعها. ولا غرابة في ذلك، فالكاتب ابن بيئته، وانحياز الكاتب هذا يجيبنا على جانب من سؤال: ما هي وظيفة الأدب؟ وما هو دور الأديب والمثقّف؟ وهو يجيب أيضا على تساؤل يُطرح كثيرا حول طبقيّة الأدب؟ ويؤكّد من جديد أنّ كلّ طبقة اجتماعيّة تفرز أدبها الخاصّ بها، وها هو أديبنا معمّر بختاوي يبدع في أدب الكادحين والمسحوقين.

 وروايته " أطفال الليل" تبدأ لافتة من عنوانها، الذي أثار دهشتي واستوقفني، بل وأرهبني؛ لأنّ خيالي قادني لأقرنه "ببنات الليل"، فحسبته عن "دعارة الأطفال"، أو استغلال الأطفال في الدّعارة.

وبعد أن قرأت الرّواية لم أجد ذلك يبعد كثيرا عمّا تصوّرته، فالرّواية تركّز على استغلال الأطفال في العمل، بل في العمل أثناء الليل لأربع عشرة ساعة يوميّا، ليناموا في النّهار بدلا من الذّهاب إلى المدرسة.

والعمل الليليّ هنا في قطف الورود للسّادة الذين توارثوا الأرض والفلل الفاخرة، من المستعمرين الفرنسيّين، فالشرفاء الذين قاوموا الاستعمار ورووا الأرض بدمائهم لم يتغيّر عليهم شيء، في حين:"عندما غادر الفرنسيون البلاد تركوا مكانهم لأشباههم في كل شيء، في اللباس والعادات والكلام والمشي وتقطيعة الشعر.. في كل شيء. والمحظوظون هم الذين يعرفون كيف استولى هؤلاء الأغنياء الجدد على الأملاك والأراضي والضيعات والفيرمات الكبيرة."

وإذا كان عامّة النّاس لا يعرفون كيف آلت الأملاك والضّيعات للأغنياء؟ فإنّهم راضون بنصيبهم أن يتوارثوا التّعاسة، بل يورّثونها أيضا لأبنائهم! وكأنّ هذه الفوارق الطّبقيّة قدرا محتوما.

اختار الكاتب في روايته أن يعمل الأطفال في قطف الورود، والورد كما يعلم الجميع نبتة جميلة ذات رائحة فوّاحة، لكنّها ليست كذلك للأطفال الفقراء، الذين يعملون ليلا وفوق طاقتهم وقدراتهم وبأجر زهيد، في حين يبقى "السّيّد" بعيدا لا يعرفونه، ويوكل من يراقب الأطفال ويسوؤهم سوء العذاب، ويقبض هو ثمن الغلال دون أن يبذل أيّ جهد. والرّواية لا تنظّر في القوانين التي تحرّم تشغيل الأطفال، وتُلزم الدّول والحكومات بفتح المدارس وتوفير الأمن الغذائي والمعيشي للأطفال حتّى انهاء مرحلة التعليم الالزامي، والتي هي في غالبيّة دول العالم حتّى انهاء المرحلة الثّانويّة.

وكأنّي بالكاتب هنا يستنهض الهمم من بين سطور الرّواية داعيّا الحكومة لحماية الأطفال، وتوفير الحياة الكريمة لذويهم، وتوجيههم لارسال أطفالهم إلى المدارس.

واضطهاد الأطفال ليس حكرا على أرباب العمل، أو من ينوبون عنهم، بل يمارسه بعض أولياء الأمور أيضا لجهلهم ولفقرهم، كما حصل مع الشّيخ عيسى الذي يعمل حارسا عند موظف في محكمة الدّولة، ويتعامل مع أطفاله بوحشيّة.

 يبقى أن نقول أنّ الرّواية طرقت بابا بحاجة إلى اصلاح، فالأطفال عماد المستقبل وبناته، والجهل سبب كل المآسي، فإذا لم يتعلّم الأطفال فلا يمكن للبلاد أن تنهض. لأنّ السطوة ستبقى للجهل.

وسوم: العدد 693