مشاعر معلم في وداع تلميذ!!
على مدى أكثر من أربعين عاماً قضيتها في حقل التعليم ، منتقلاً من مدرسة إلى أخرى ، ومن مدينة إلى مدينة ، ومن دولة إلى دولة ، ودعت كثيراً من الطلاب في مختلف المراحل !
وقد كنت أعد نفسي لتلك اللحظات ؛ بالتغافل عن وجودهم ، وتناسي الرابطة التي تربطني بهم ، محاولاً أن أصرف نظري عن الوجوه البريئة التي تلوح الدموع الصامتة في مآقيها .
فأخرج سريعاً ، وقد جف ريقي ، وتغيرت نبرات صوتي ! خشية أن تطفر دمعة ، أرد بها على دموعهم !!
أما تلميذي الذي جاء يودعني اليوم ، فله حكاية أخرى !
عرفته وهو في الصف الثاني الابتدائي ، إلى تدرجه للمرحلة الثانوية ... كانت العلاقة بيننا خلالها أقوى من علاقة أستاذ بتلميذه !
أدربه على قصيدة لي ليلقيها في إحدى المسابقات على مستوى مدارس المحافظة ، فيتشرب معانيها ، وكأنه هو الذي كتبها، وعاش معاناتها !
فعندما ألقى قصيدتي ( أقول غابت ) في رثاء أمي ، هزّ مشاعر اللجنة ، وهز مشاعري قبل ذلك ، وشعرت بأنه كتبها ليعزيني !
وعندما تكون هناك مسابقة على مستوى إدارات التعليم ، يكون الفارس المجلي ، فيفوز بالمرتبة الأولى على المدارس الثانوية !
**** **** **** ****
وجاء اليوم ليودعني ..،، وجلس صامتاً ، ماذا أقول له ، وهو يستعد لبعثة دراسية خارج البلاد ؟
تذكرت كل ماقلته قبل عشر سنين لابني بشر ، وهم يستعد لدراسة الهندسة الطبية بعيداً عني ! وكل ماسمعته عن المبتعثين المتفوقين ... عن عواطف الأهل .... عن الغربة ... عن البيئة الجديدة .. عن الأصدقاء الجدد ... وعما قاله أحد الشعراء :
ومن يغترب يحسب عدواً صديقه / ومن لم يُكرّم نفسٓه لم يُكٓرّمِ !!
................................. ........................ ...................
حسام !! ونظر إلي ، وأنا أدقق في ملامح وجهه ، مستعرضاً بذاكرتي عشرة أعوام مضت على معرفتي به !!! اتصلْ بي يابني ... كما تتصل بأهلك ؛ فإن مابيننا من وشائج وصلة روحية تبلغ حد القرابة !
** ودعته عند باب المدرسة مرة أخرى ، وأنا أضغط على صوتي ؛ لتخرج الكلمات واضحة ، وأمنع دمعة وداع ، وقد لاحت بوادرها !!
شدّ كل منا على يد صاحبه ، ليكون خاتمة وداعنا ابتسامة حانية ، مع كلمات تمتم بها لساني أن يحفظه الله ويوفقه وجميع أبنائنا المبتعثين !!
وسوم: العدد 1074