إلى حبيبتي أم فارس
هنادي نصر الله
بينما كنتُ أُعايشُ لحظاتٍ صعبة؛ فاجأتني باتصالها تُعاتبني على قلةِ سؤالي عنها وزيارتها؛ وقَرْتُها في قرارةِ نفسي وقلت" لِم لا أُتقنُ فن التواصلِ معها، وأكونُ ابنتها وصديقتها في غربتها بين أهلها؟؟..
هي أم فارس بارود في منتصف عقدها الثامن، فقدتْ بصرها قبل اثني عشر عامًا، حزنًا على نجلها الوحيد " فارس" الذي يقبع في سجون الكيان الإسرائيلي منذ أكثر من ثلاثة عقود، يصلني صوتها عبر هاتفي النقال طفوليًا، بريئًا، يُخفي كهولتها وهمومها، أكادُ لا أصدق أنها عجوز وهي تُحدثني، ليس لأن صوتها رقيق؛ بل لأنها واعية تمامًا، وتُحدثني كما لو أنها أمًا شابة صغيرة السن، حديثة الزواج...!!
أين أنتِ يا أمي.. أو يا ستي؟ تسألني دومًا، جيد أنكِ تمكنتِ من الإجابةِ على اتصالي الهاتفي، أُجيبها" ولو يا أم فارس، سامحينا لقد أشغلتنا مشاغل الحياة عنكِ".. تكتمُ أنفاسها الغاضبة بصبرٍ عجيب، وتقول واللهِ يا بركة لقد تعبتْ ولم أجدْ من يسهر معي في ليلي الطويل، أين أنتِ وأسماء وعبير وأماني وسحر وسمر.. وقائمة أسماء تطول، فارس سيخرج من السجن يا ستي، هل سأراه قبل أن أموتْ؟؟
قلتُ لها" إلهي يبارك في عمرك، وتُحضني فارس، وتزوجيه وأحفاده يلعبوا في (حجرك)..
تنهدتْ آآآآيييه يا ستي.. .. إن شاء الله..
هي نموذجٌ من وجعِ الأم الفلسطينية المتدفق، وجعٌ أكادُ أحسدُ أم فارس على تعاملها معه، فعلى آلامها بغياب نجلها الوحيد عنها، هي اجتماعيةٌ بامتياز، لا تكف عن مصادقة الناس، بل وحفظ أسمائهم وإن غابتْ عنها ملامحهم وصورهم بحكم فقدانها لبصرها، أراها تحفظهم ببصيرتها، بقلبها، تعي صفاتهم وأفكارهم، بل وتُميز الغث من السمين من الناس، والخبيث من الطيب، لا تكل عن تقديم نصائحها لي؛ بل ودعائها بأن يُوفقني الله لما يحب ويرضى..
بقدرِ جمال روحكِ يا أم فارس، أسأل الله أن يعطيكِ ويثبتُكِ ويجمعك بابنك عما قريب، عهدًا لن أتوانى وقتها عن مشاركتك الفرحة، بل سأشاركك الأهازيج والزغاريد بالعودة والحرية، وأقول من قلبي " آآآآوي مبروك رجوع الغالي، محرر وارفع راسه بالعالي"..
عندها لن أتراجع حبيبتي عن توزيع الحلوى على كل الأمهات ، وكل أملي أن يجمع الله شمل كل بعيد، وأن يُقرب قلوب الناس، وأن يجمع بينهم دومًا على طاعته ومحبته، صبرًا أم فارس، قد يطول الليل لكنه سيأتي أشد ضياء، حاملا مع حريةً لا تليق إلا بالرجال...