عندما يرحل الآباء: عَبَراتٌ وعِبَرٌ
د. عبد الرحمن الحطيبات
مشرف اللغة العربية
مدارس الجامعة الملك فهد للبترول – الظهران
في ظهيرة يوم الجمعة من أيام شهر رمضان المبارك من سنة 1410 هـ / 1989م, جلسنا وجلس الشيخ كمال -رحمه الله- وإخوته وعشيرته ومحبوه في القرية في مسجد العراق الكبير, وأمامهم جثمان الشيخ الفقيد عبدالحافظ بن أعبد الحطيبات أبو كامل, ووالد الشيخ كمال, جلسوا جميعاً... تأتلف قلوبهم على طاعة الله ومحبته في مجلس, خفقت فيه القلوب وذرفت منه العيون ووقف الشيخ كمال -رحمه الله- يوصي إخوانه بطاعة الله والالتزام بأوامره والاجتماع على محبته, وأوصى بإخلاص العمل لله وحده , وذكّر نفسه والحضور وكما يذكر دائماً "وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون", وذكّرهم بكلمة صدِّيق الأمة أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عندما قام يودع النبي -صلى الله عليه وسلم- ويقوم على جسده الشريف وجثمانه الطاهر ويقول قولته الباقية: أيها الناس.. أيها الناس.. من كان يعبد محمداً, فإن محمداً قد مات.. ومن كان يعبد الله, .. ومن كان يعبد الله, .. ومن كان يعبد الله, فإن الله حيٌ لا يموت. فإن الله حيٌ لا يموت. فإن الله حيٌ لا يموت.
ثم أعلن الشيخ كمال -رحمه الله- للجميع بما شرح الله به صدره من عزمه على الوفاء بعهد والده الشيخ عبد الحافظ -رحمه الله- والالتزام بالتزاماته وما عليه من حقوق, وواجبات اتجاه ربه وعقيدته وأهله وإخوانه وعشيرته وبلده, وأنه سيكون الأب والأخ والصديق والكبير من بعده, وبمعونة إخوانه أبي هيثم كامل وجميل وأحمد وعبدالرحمن, وبمشاركات الخيرين الطاهرين من الأهل والعشيرة والجيران والأصدقاء وكل وجوه الخير. ودعا في نهاية حديثه إلى تقوى الله وتأليف القلوب وزيادة روابط الألفة والمحبة وبر والده من بعد مماته بمواصلة المحبة والدعاء والصدقة وأعمال البر.....
ومضى الشيخ كمال -رحمه الله- بنفس أبية في جموع عظيمة من المحبين والمريدين, والأقارب, والأصدقاء حتى إذا وصل إلى مقبرة القرية, وحط عن كتفيه نعش أبيه, .. شعر بعظيم المسؤولية التي ألقيت عليه أمام الله....حتى إذا وري والده التراب.. نهض متجلداً, تغشاه السكينة, ويتسامى فوق الألم, ويشد على الجراح, ويقرأ على الجموع المحتشدة موعظة القبر, موعظة الصبر.. المرة القاسية من غير أن يرتعد له طرف أو يسيل له جفن أو تحضل له لحية.. وذكر الناس قائلاً:
"..... وفقيدنا اليوم هو والدي الشيخ عبد الحافظ -رحمه الله- وهذه سنة الله في خلقه, فإن أعظم مصيبة أصيبت بها الأمة و أعظم مصيبة أصيب بها كل مؤمن وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقد توفاه الله تعالى متأثراً بالسم, وتوفي سيدنا عمر -رضي الله عنه- شهيداً في المحراب, وتوفي سيدنا -رضي الله عنه- وهو يقرأ القرآن, وتوفي سيدنا علي -رضي الله عنه- وهو في الطريق إلى المسجد, فهذه سنة الله في الكون...", ثم شكر المشيعين بقوله: شكر الله سعيكم, وأجزل مثوبتكم, وغفر الله لنا ولكم ودعا لوالده -رحمه الله- أن يرحمه الله وأن يتغمده بواسع جناته, جنات الخلود, وأن يتغمده بواسع رحمته. وهذا نص دعائه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين...اللهم اغفر لوالدي الشيخ عبد الحافظ بن أعبد, وارحمه وألحقه, بالرفيق الأعلى من الجنة, اللهم اغفر له وارفع درجته في المهديين, واخلفه في عقبه في الغابرين, واغفر له يا رب العالمين, وافسح له في قبره ونوّر له فيه, اللهم عافه, واعف عنه, وأكرم نزله, ووسع مدخله, واغسله بالماء والثلج والبرد, ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس, اللهم باعد بينه وبين خطاياه كما باعدت بين المشرق والمغرب, اللهم أبدله داراً خيراً من داره, وأهلاً خيراً من أهله, وزوجاً خيراً من زوجه, وأدخله الجنة, وأعذه من عذاب القبر, اللهم إن والدي أبا كامل, وأبا كمال, وأبا ......, وأبا ...... ضعيف بين يديك... فقير إليك,.. وأنت القوي والغني ونحن الضعفاء والفقراء والواقفون بين يديك, اللهم إنا أبونا عبد الحافظ بن أعبد في ذمتك, وحبل جوارك, وأنت أكرم الأكرمين, وأرحم الراحمين, وأهل الوفاء والحق المبين, اللهم اغفر له ... اللهم اغفر له... اللهم اغفر له.. وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم, اللهم إنه عبدك وابن أمتك احتاج إلى رحمتك, وأنت غني عن عذابه, اللهم إن كان محسناً فزد في حسناته, وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته, الله اجعله فرطاً وذخراً لوالديه ولأبنائه وذريته, واجعله شفيعاً مجاباً, وألحقه بصالح المؤمنين, واجعله في كفالتك وفي كفالة أنبيائك إبراهيم, وإسماعيل وسيد الأولين والآخرين سيدنا محمد صلى عليه وسلم, وقه برحمتك عذاب الجحيم, اللهم اجعله لنا فرطاً, وسلفاً, وأجراً, اللهم يمّن كتابه, ويسّر حسابه, وثبّت على الصراط أقدامه, وثقّل بالحسنات ميزانه, واحشره في أعلى الجنان بجوار نبيك ومصطفاك, اللهم احشرنا وإياه وجميع الحاضرين مع زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً, وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم (الحطيبات, عبدالرحمن , 2009م, وثائق ومستندات)