رسائل من أحمد الجدع (61)

رسائل من أحمد الجدع (61)

أحمد الجدع

إلى الشاعر محمد مصطفى حمام – مصر .

تقرأ يا سيدي دواوين شعراء اليوم فلا تجد فيها رسالة ، وماذا يساوي شاعر إن لم يكن له رسالة .

أقول أيضاً : لقد نجح أعداؤنا أن ينتجوا شعراء مفرغين من رسالتهم ، ثم طوروا نجاحهم فأنتجوا شعراء أعداء للرسالة .

إذا سألنا أنفسنا : لماذا نرى التمجيد للشعراء الذين يعادون الرسالة لعرفنا أن الذين يمجدون هم الأعداء حقاً ، أكانوا من المسلمين أم من غير المسلمين .

لقد جمع الأعداء جموعاً من المسلمين بعد أن فرغوهم فأُطلقوا لينعقوا في ديار المسلمين ، لا همَّ لهم ولا عمل إلا تمجيد الروابض والتحوت من أبناء هذه الأمة المغلوبة على أمرها.

أما شعراء الرسالة ، أما شعراء البعث الثاني لأمة الإسلام ، أمة الرسالة ، فقد حوربوا، ثم غيبوا .

ولكن ، هل يطول غياب الشمس ، وهل يستطيع أحد أن يحجب ضوء القمر ؟ وهل يستطيع أحد أن يمنع الشجرة الطيبة أن تثمر ثمراً طيباً .

أبداً ، فإن الزرع الطيب الذي زرعه أصحاب الرسالة لا بد أن يكون نباته طيباً وثمره حلواً نافعاً .

كنت يا شاعرنا الكبير من المحبين للإسلام ، والداعين إلى التمسك بحبله ، ومن تمسك بحبل الله نجا .

كان أعداؤنا يحاولون أن يطفئوا نور الله ، وهل من أحد يستطيع ذلك ؟

لقد كانوا يرتعدون خوفاً وهلعاً كلما ذكرنا الجهاد ، وهو ذروة سنام الإسلام لا يقوم الإسلام إلا به ، وإلا كيف نرد كيد المعتدين ؟

جاءوا لنا بكل الملل والنحل ، وأشاعوها في ديارنا ، طامعين أن ننسى الجهاد في سبيل الله ، وأن ننصرف إلى دعوات أخرى ، وأن نترك السراط المستقيم ونتبع بنيات الطريق ، مثل الشيوعية والاشتراكية والقومية ... ولك أن تعد ما تشاء من هذه الضلالات .

أكتب هذا لأتحدث عن قصيدة نشرتها مجلة "المسلمون" الصادرة من مدينة جنيف بسويسرا الأوروبية في رمضان سنة 1382هـ شباط 1963م والتي كان يرأسها الداعية الكبير سعيد رمضان صهر الإمام حسن البنا على كبرى بناته .

نشرتها المسلمون تحت عنوان "كم ابتدعوا لنا بدعاً" وبتوقيع "شاعر مصري" ومطلعها :

أداروها شيوعية

 

 

وسموها اشتراكية

 

إن الذين زعموا أن عصر الفراعنة قد مضى واهمون ، فقد خضعنا في عصرنا هذا للفراعنة الجدد الذين جاؤونا بكل المذاهب التي تهدم ولا تبني وقالوا لنا : هذا الرشاد فاتبعوه ، وما نريكم إلا ما نرى ، وعندما أبى من أبى ، ساقوهم إلى المشانق وإلى غياهب السجون .

قال لي صاحبي عندما لمته على حملته الشديدة على فراعنة العصر وقلت له بأنهم مسلمون وأنت تتبع معهم الشدة والعنف وقد قال الله لموسى وهارون عندما بعثهما إلى فرعون مصر : "فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى" .

قال لي : إن فراعنة العصر أشد كفراً من فراعنة مصر ، فهؤلاء حاربوا ديانة وافدة لا عهد لهم بها ، أما فراعنة اليوم فيحاربون ديانة قائمة أرسلها الله رحمة للعالمين .

نعود للقصيدة : "كم ابتدعوا لنا بدعاً" .

قيلت القصيدة في عهد هو أشد العهود قسوة في حرب الرسالة الإسلامية ، تمكن الشيوعيون دعاة الإلحاد والكفر بالله من الحكم في مصر ، فألقوا قاذوراتهم في ساحات مصر ، ومن تمكن من مصر تمكن من العرب أجمعين .

وكانت محنة ، وكان لا بد لها من رجال يقفون أمامها لحماية دين الله في الأرض ، فقدموا الشهداء ، وقدموا السجناء ، وجاهدوا بالكلمة ... وجاهدوا بالشعر ، والشعر جهاد .

صاحب هذه القصيدة لم يجرؤ على توقيعها باسمه ، بل وقعها باسم "شاعر مصري" وعندما اشتغلت بالشعر الإسلامي ، غصت في مجلات الماضي ، فوقعت على هذه القصيدة الساخرة من أولئك الذين يحاولون أن يطفئوا نور الله ...

من هو صاحب هذه القصيدة ؟

شاعر مصري ، إذن فقد عرفنا الوطنا .

ثم علينا السعي لنعرف الشخص الشاعر .

لا أتذكر الآن من الذي أكد لي أن هذه القصيدة من شعرك ، وهي تحمل عقيدتك وروحك.

والآن وقد صدر شعرك في طبعتين :

الطبعة الأولى في القاهرة عام 1394هـ 1974م عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ، بمعنى أن هذه الطبعة صدرت بعد عشر سنين من تاريخ نشر القصيدة ، وقد انحسرت روح الشيوعية عن مصر ولكن روح العداء للإسلام لم تنحسر ، فما كان لهذه الطبعة أن تضم مثل هذه القصيدة بين طياتها .

الطبعة الثانية صدرت في جدة عام 1404هـ 1984م عن مطبوعات تهامة ، أي بعد الطبعة الأولى بعشر سنين .

ولم أجد هذه القصيدة في هذه الطبعة أيضاً ، ولكني وجدت لمحة من روح هذه القصيدة في مقدمة الديوان التي كتبها الأديب السعودي حسين زيدان ، يقول حسين زيدان : قلنا له (أي لك أيها الشاعر) أنت تحارب الاشتراكية والتأميم ، فأي شيء عندك تخافه من الاشتراكية والتأميم ؟ فقال (أو فقلت) حين لا أخاف على ما أملك من مادة فإني أخاف على أحلام اليقظة ، لقد حرموني أن أحلم بثروة ، وأصبحت أطرد الحلم ، أخاف عليه من التأميم ، إني أحارب الاشتراكية والتأميم من أجل أحلام اليقظة ! (ص14) .

نعود إلى القصيدة التي حاربت فيها النزعات المنحرفة التي ذرّ قرنها في مصر في أوائل الستينات والتي انتهت بأمتنا إلى الهزيمة الكبرى عام 1967م .

عندما ألفت كتابي "أجمل مئة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر" جعلت قصيدتك من مختاراته ، وجعلتها في جزئه الأول .

تقول في المقطع الأول من القصيدة :

أداروها شيوعية
وقالوا كل ذي مال
وما قد نلت من إرث
نكفك عن إدارته
فأيدنا ولا تك من
وإن خالفت نزعتنا
وإن ناقشنا دينا

 

 

وسموها اشتراكية
عريق في "اللصوصية" !
فنهب و "انتهازية" !
بقبضتنا الحديدية
رعيل "الرأسمالية"
فنزعتك "انفصالية"
فثرثرة و "رجعية"

 

وتقول في مقطعها الأخير :

عهدنا مصر بالإسلا
متى تنجاب غمتها
وأين لها عصا موسى

 

 

م هادية ومهدية
ويترك شيخها غيه ؟؟
لتلقف هذه الحية ؟!

 

ومن أراد القصيدة بتمامها فليرجع إلى كتابنا "أجمل مئة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر" في جزئه الأول أو فليرجع إلى مجلة "المسلمون" المنوه عنها في هذه الرسالة .

وبعد يا شاعرنا الكبير ، يقول عنك الأديب ثروت أباظة في كلمته في مفتتح ديوانك في طبعته السعودية : "وبموت حمام مات أدب المجالس ، ولكن يندر أن نجد شخصاً يختار مما يحفظ بالحاسة الرفيعة الساحقة التي كان يملكها حمام" .

والحديث عنك شاعراً يأتي إن شاء الله في رسالة ثانية ، ولكني أختم بهذين البيتين اللذين يكشفان عن حبك للغة العربية واعتزازك بها :

ما أفصح الضاد تبياناً ، وأعذبها
لو لم تكن اللغات الأرض سيّدة

 

 

جرساً ، وأفسحها للعلم ميدانا
لأنزل الله باللاتين قرآنا

 

أيها الشاعر المسلم الغيور على دينه ، رحمك الله رحمة واسعة ورحمنا معك .