رسائل من أحمد الجدع ( 33 )
رسائل من أحمد الجدع ( 33 )
أحمد الجدع
الأستاذ الدكتور عبد الوهاب عزام - مصر
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بين يدي الآن كتابك " النفحات " وقد سلكت فيه منهجاً كنت أتمنى أن أفعل مثله، وفكرت في ذلك ، ولكني حتى هذا اليوم لم يتيسر لي أن أفعله ، وأتمنى أن يأتي اليوم الذي أقتدي بك فيه .
منهجك في هذا الكتاب منهج المسلم الذي إذا وجد الفراغ سدّه بما يفيدُ وينفعُ .
هذه مقدمة كتابك كاملة ، لعل من يقرؤها يقتدي بها :
هذه كلمات من النثر وأبيات من الشعر . كتبتها في رمضان من ثلاث سنوات ::
بدا لي وأنا في كراجي أول رمضان عام سبعين وثلاثمائة وألف ، أن أخط كل ليلة مقالاً قصيراً فيما يخطر من خاطرات الوقت ، وما يسنح من سانحات الفكر ، ويسّر الله الكتابة فوفيت بما وعدت به نفسي .
وكرَّت الأيامُ كرورَها ، ومرّت الشهور مُرورها ، فإذا رمضان من عام واحد وسبعين ، وإذا أنا لا أزال في كراجي . فرأيت أن أعالج كل ليلة أبياتاً أقيّد بها خطرة شاردة ، وأسجل فيها فكرة واردة ، فنظمت أبياتاً كل ليلة .
ورأيت أن أطبع ما نثرت وما نظمت ، حينما قدمت إلى القاهرة منذ ثلاثة أشهر . فقدمته إلى لجنة التأليف والترجمة والنشر .
ورجوت أن ترسل إليّ تجارب الطبع في كراجي . وسافرت .
وسُئلت عن اسم الكتاب حينئذ فقلت لا أدري ، وسأسميه من بعد .
وقبل أن ينجز طبع الكتاب أقبل رمضان الثالث رمضان سنة اثنتين وسبعين . فبدا لي أن أكتب كلمات بين النظم والنثر كل ليلة . والتزمت أن أخط كل ليلة عشر سجعات ، وألحق بها بيتين من الشعر . ومضى رمضان وقد وفيت بما التزمت .
وعرض لي القدوم إلى القاهرة فألحقت هذه الكلمات بما قدّمت إلى المطبعة قبلاً . وسميت هذه الطوائف الثلاث من الكَلِم : " النفحات " . أوحى إليَّ هذه التسمية كتاب الشيخ عبد الرحمن الجامي المسمى " نفحات الأنس من جناب القُدس " .
والله أسأل أن يلهمنا ويعلّمنا ويهدينا ، ويرزقنا الإخلاص والسداد في الفكر والقول والفعل . وهو حسبنا ونعم الوكيل .
القاهرة لثلاث عشرة خلت من شوال 1372 هـ /24 حزيران 1953 م
وهذا نموذج مما كتبتَ في ليلة السبت الثالث من رمضان عام 1370 م :
قلت لأمير الحج المصري في مكة – وأنا يومئذ وزير مصر المفوض في المملكة العربية السعودية ، وقد كثرت شكاوى المترفين من مشقات الحج - : أفسد الناس الترف فعجزوا عن احتمال الصعاب فكثرت شكاواهم . وليست المشقة الواقعة في الحج حَلّه وترحاله ، على قدر هذه الشكاوى . ولا بد للناس من المران على احتمال المشقات وإن أغنتهم عنها الحضارة والترف .
وأكتب الليلة ، وهي ثالثة ليالي رمضان ، أن كثيراً من الناس يُشفقون من الصيام بما مرنوا على الطعام والشراب في أحيان متصلة ، ودربوا على التدخين وشرب القهوة وأشباهها في أوقات متقاربة ، ولما تعودوا أن ينالوا ما يشتهون، وألا يُحرموا أنفسهم ما تميل إليه . من الناس قادر على الصوم بدناً عاجز عنه نفساً . ومنهم من يضعف عنه بدنه، بما أُترف وأُضعف بالإفراط ، الطعام والراحة . وكلا الفريقين في حاجة إلى الصيام دواءً لدائه ، وطبَّا لترفه . ونحن نصدقهم إذا قالوا : عجزنا . وعليهم أن صدقونا إذا قلنا : في الصيام وأمثاله طبّ لهذا العجز .
أذكر أن صاحباً لي مصرياً قال لي في لندن ، وكلانا إذ ذاك في عنفوان شبابه : لا أُصلي لأني لا أستطيع الصلاة، إن رجليَّ لا تَطوعان للسجود . قلت هذا أدعى أن تصلي . لو صليت لمرنت جوارحك على الحركات كلها . فليس عجزك عن السجود إلا دليلاً على أنك في حاجة إليه . فصلّ عبادةً ورياضة . لا ينبغي أن تقاس واجباتنا بما نقدر عليه وما لا نقدر ، في عللنا وأحوالنا العارضة ، وإنما تُقاس بطبيعة الإنسان الصحيح ، وما ينبغي للإنسان الكادح لعيشه وصلاح أمره وأمور جماعته .
لا ريب أن كثيراً من الناس لهم أعمال شاقة لا يسعهم القعود عنها ، ولا يُعفيهم العيش منها . فلهؤلاء العذر إن أفطروا والله أعلم بأعذارهم . وآية العجز عن الصيام والعذر في تركه أن يتمنى الإنسان مخلصاً أنه قدر على الصوم، ويأسف مخلصاً لعجزه عنه . وآية التعلل في الإفطار والتعذير فيه ، أن يرغب الإنسان عن الصيام ، ويلتمس الأعذار ليفطر ، ويكره أن تُعوزه الأعذار فيصوم .
إن كثيراً من الناس دأبوا على كراهة كل حرمان من مُتعة كبيرة أو صغيرة ، وانقادوا لشهواتهم فهي قانونهم . ما أحوج هؤلاء إلى أن يُرَبّوا بالمنع عما يرغبون ، والدُّربة على احتمال ما يكرهون ؛ حتى تستقيم لهم نفوس تلذ المشاق، وتقدم عليها وتصبر لها .
ثلاث رمضانات وتسعون خاطرة كلها فوائد ومنافع ، فهل لنا أن نبحث عن نفحات عبد الوهاب عزام وأن نقرؤها وأن نحاول أن نقتدي بها فكراً وأن نحاول أن نقتدي بها عملاً ؟
أستاذنا الكبير : قال لي الأستاذ الشاعر عمر بهاء الدين الأميري أنكم قد اجتمعتم في كراتشي في باكستان ثلاثة من الشعراء : عبد الوهاب عزام ومحمد محمود الزبيري وعمر الأميري وكنتم تتطارحون الأشعار ، وكنتم ثلاثتكم من محبي إقبال شاعر مسلمي باكستان والهند .
وعندما قرأت مؤلفاتك وجدتك قد ألفت كتاباً في حياة إقبال عام 1954 م ، وترجمت من دواوينه ما يلي :
1- بيان مشرق ( 1951 ) .
2- ضرب الكليم ( 1952 ) .
3- الأسرار والرموز ( 1956 ) .
كما ترجمت عن الفارسية : التصوف لفريد الدين العطار ( 1954 ) والمثاني ( 1955 ) .
وأريد أن أنبه أن لك كتابين آخرين على نهج النفحات باعتبار النفحات لوناً من الخواطر :
1- الأوابد مقالات ومنظومات ، كتبت مقدمته في جمادى الآخرة 1361 ، تموز 1942 ، وعندي نسخة منه ، وهو من إصدارات دار المعارف بمصر 1950 م ، ولعلي أرجع إليه في رسالة أخرى .
2- الشوارد وخطرات عام في كراتشي ( 1953 ) .
3- النفحات هذا الذي بين يدي في طبعته الثانية الصادرة عن مكتبة النور بالقاهرة عام 1407 هـ 1987 م أما طبعته الأولى فقد صدرت عام 1953 م .
هذه كتب النفحات والترجمات ، أما كتابك الأهم فهو ذكرى أبي الطيب المتنبي بعد ألف عام الذي صدرت طبعته الأولى عام 1936 م ، وبين يدي طبعته الثانية الصادرة عن دار المعارف بمصر عام 1375 هـ 1956 م أي بعد الطبعة الأولى بعشرين عاماً أي أن الطبعة الأولى صدرت قبل خمسة وسبعين عاماً والثانية قبل خمسة وخمسين عاماً .
الأستاذ عبد الوهاب عزام : تقول سيرتك أن اسمك عبد الوهاب بن حسن عزام ، ولدت بمصر عام 1894 م ، حفظت القرآن الكريم في الكُتاب ، ودرست في الأزهر ، ثم في الجامعة المصرية ( القاهرة حالياً ) وحصلت على ليسانس الآداب عام 1923 ، اخترت لتكون إماماً في السفارة المصرية بلندن ، فدرست في جامعاتها وحصلت على الماجستير في الأدب الفارسي عام 1927 م والدكتوراة عام 1932 م أصبحت أستاذاً في جامعة القاهرة وعميداً لكلية الآداب فيها عام 1945 م .
وفي عام 1947 عينت سفيراً في السعودية ثم سفيراً في باكستان عام 1950 ، ثم عدت سفيراً في السعودية واليمن حتى عام 1954 م .
أسست جامعة الرياض وعينت مديراً لها حتى وفاتك 1959 .
رحمك الله رحمة واسعة ورحمنا معك .