تغادرنا البسمة بهدوء "ابنة العطاء"
تغادرنا البسمة بهدوء "ابنة العطاء"
أماني دويك - غزة
كثيراً ما تسرق الحياة منا أثمن الأشياء وأغلاها على قلوبنا، حيث القدر، يسافر بنا بعيدا عن أحلامنا التي رسمناها للمستقبل.
وفي دور جديد من ادوار الحياة التي نتقلب فيها دونما إدراك ، ننظر حولنا فنجد أننا لسنا وحيدين في إحساسنا بالوجع، أو ربما تكون أوجاعنا لا شئ مقارنة مع هؤلاء.
أسرةٌ صغيرةٌ بسيطةٌ، تعيش حياة ً يثقل علينا وصفها بالصعبة، بيتُ لا يسمن ولا يغني من جوع، في أقصى الأرض إن صح التعبير، أم لا يد لها ولا حيلة، أب يبذل قصارى جهده ليصارع الفقر ويجلب لأبناءه ما يعينهم على البقاء أحياء...
هذان هم والدا طفلة جاءت إلى الحياة تصرخ، وهي مدركة تماما أن صراخها ليس فطريا ، وإنما هو نتيجة لما ستعيشه من وجع وألم ، ولدت بسمة في هذا البيت ، آمن الجميع انه ما زال أمامهم أمل في حياة أفضل، ولكن مازال هذا الحلم بعيدا عنهم .
ولدت بسمة بعيب خلقي في القولون يسمى علميا " كولوستومي " فكانت تحيا في أصعب ظروف ، لم يكفها فقرها ولا جوعها، فأهداها القدر مرضا يوجعها لسبب لا يعلمه إلا الله تعالى.
لم يكن جسد بسمة الصغير طبيعيا، فقد كان عاجزا عن القيام بوظائفه الفسيولوجية والإخراجية بشكل طبيعي ، فمرض القولون ذاك كان يجعلها تخرج فضلاتها من خلال فتحة في بطنها الصغير، في صورة موجعة إلى حد المالانهاية .
دخلت بسمة حياة جمعية عطاء غزة بقدر من الله تعالى ، وكان عمرها عاماً ونصف ، فقد زارت جمعية العطاء كأي حالة أخرى تستحق المساعدة .
حملتها أمها بين ذراعيها، أذهلنا المنظر، تبنتها السيدة رجاء أبو غزالة رئيس مجلس إدارة جمعية عطاء غزة، تكفلت منذ ذلك الحين بعلاجها وأجرت اتصالات مع امهر الجراحين في الوطن ، ومن ثم خضعت بسمة لعملية جراحية على نفقة جمعية عطاء غزة ، أصبحت بعدها بحمد الله طفلة طبيعية تبتسم بدلا من أن تبكي .
بقيت بسمة ابنة العطاء واستمر التواصل بينها وبين الجمعية، كبرت وبانت معالمها ، أصبحت طالبة رائعة في روضة العربية الإسلامية للأطفال ، أسرت قلوب من حولها ، فقد كانت وردة تصبح أجمل كل يوم.
وبعد العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة في 27 ديسمبر 2008 ، وخلال تفقد فريق عطاء غزة لأحوال الأسر التي تتردد على الجمعية ، فوجئنا بخبر لم نتوقعه ولم يحتمله احد ...
بسمة ... ابنة العطاء ، سرقها الموت من الحياة ، فقد وافتها المنية باكرا جدا في قصف إسرائيلي غادر، ولكنها هذه المرة، فضلت أن ترحل بهدوء ، فلم تصرخ ولكنها تركت لنا صورة لها، تحمل أجمل ابتسامة بريئة أحبها الجميع.