القاضي عبدالوهاب والأنيس وبغداد
(إلى سماحة العلامة المُحقِّق الدكتور الشيخ عبد الحكيم محمد الأنيس -دامَ كما رامَ- أُهدي هذي الأبيات المتواضعة التي حضرتني بعد قراءة (ديوان القاضي عبد الوهّاب المالكي) المحلىّ بتحقيقكم البارع، وقد كتبتُ الأبيات من غير تهذيبٍ كما جاءتْ فكانت المُسوّدة هي المبيضة).
عَبْدَ الحَكيمِ بِفَضْلٍ جُدْتَ مُبْتَدِرا كالغَيْثِ حَيْثُ هَمى والبَحْرِ حَيْثُ جَرى
طَوَّقْتَنا بِجَميلٍ قَدْ شَأَوْتَ بِهِ الـ أَشْباهَ -يا أَمَلَ الرّاجِيْنَ- وَالنُّظَرا
فَكَمْ أَيادٍ بِدُنْيا الفِكْرِ سابِغَةً[2] المرْتَقي أوْجَ العُلا رُتباً ومَنْ قفوْتَ بـ (تعبيدٍ) لهُ أثرا
كِلاكما كانَ (عَبْداً) لِـ (الحكيمِ) وَللـ (وهّابِ) جَلَّ الذي سوّاكُما وبرا
لئنْ عراهُ خمولٌ بعْدَ معرفةٍ لقَدْ سما[4]
فأرْعِ سمعَكَ بيتاً من روائعهِ في وصفهِ، مذْ على أرضِ الشَّآمِ طرا
"إذا تفقه أحْيا مالِكاً جدَلاً وينشُرُ الملكَ الضّليِلَ إنْ شعرا".
فالشَّامُ أعلامُهُ قدْماً بهِ احتفلتْ واليومَ قد عقدتْ لِـ (الشيخ) (مؤتمرا)
حيثُ (الأنيسُ) أدام الله بهجتهُ آثارَهُ الغُرَّ بعدَ الطّيّ قد نشرا
أبوْ مُحَمَّدٍ (الميمونُ طالعُهُ) رمزُ (الفَذاذةِ) في ما فاه أوْ سطرا
بِه (دُبَيُّ) قدِ ازدانتْ مَحافلها وقبلها أَرْضُ بغدادَ اجتنتْ ثمَرا
وذا أخوهُ فقيهُ العصرِ عالِمُهُ (عبدُ السَّمِيْعِ) بَدا في أفْقِها قمرا
يا (آل داود) شكراً فاعْملُوا[6] بهنَّ لنا كان (الأنيس) أنيساً يُبهِجُ النظرا
يروي طرائفَ مِنْ علمٍ ومِنْ أدبٍ (مُحاضِراً) بأصيل الفكرِ مَنْ حضرا
لمْ نُحيها قطَّ في لهوٍ ولا لعبٍ بلْ في (مذاكرةٍ) كانتْ لنا سَمَرا
***
عبد الحكيمِ وما أولاكَ مِنْ حكمٍ إذا استطارَ خِلافٌ واستطالَ مِرا
(دارُ السَّلامِ) إذا ساداتها مُدِحوا -قبلاً- بطِيبِ سلامٍ لا بطِيبِ قِرى[8]
[2] . اشتركَ الشيخانِ (الأنيسُ) و(القاضي المالكِيُّ) في الكنية فكلاهما (أبو محمد).
[4] . فيه إشارة إلى ما ورد في ديوان المتنبي:
وأستكبر الأخبار قبل لقائه فلمّا التقينا صدَّقَ الخبرَ الخُبرُ
وقد تمثل به الشريف أبو السعادات ابن الشجريّ صاحب (الحماسة) و(الأمالي) (ت 542هـ) عند اجتماعه بالعلاّمة الزمخشري كما في ترجمته من (وفيات الأعيان) (6/46) تحقيق الدكتور إحسان عباس.
لكن جاءَ في ترجمة علي بن حجرٍ السعديّ (ت 244هـ) مِنْ (تأريخ بغداد) للخطيب (11/418) أن هذا البيت لعليّ بن حشرم (ابن عمّ بشرٍ الحافي) مع بيتٍ قبله لم يسلم هو الآخرُ منْ إغارة المتنبي عليه، ولم أجدْ -في حدود اطّلاعي- مَنْ نبَّه على ذلك، والله الهادي.
[6] . ذكر الحريري في (الدرة) أن المسموعَ في تصغير (ليلة): لُيَيْليَة لا لُيَيْلة قال: وقد عيب على المتنبي قوله:
أحادٌ أم سداسٌ في أحادِ لُيَيْلتنا المنوطةُ بالتنادي
وما أحسبها -بمقتضى قواعد التصغير- غلطاً، وللتفصيل في ذلك موضعٌ آخر.
[8] . ولادة العلّامة الدكتور الشيخ عبد الحكيم الأنيس الحلبي البغدادي -أطال الله عمره- كانت في عام 1965م فيكون عمره المديد إن شاء الله تعالى عند نظم هذه الأبيات نحو (40) عاماً -أطال الله بقاءه وحرس حوباءه- وعدد الأبيات (40) بيتاً.
وسوم: العدد 671