يَكُونُ للدَّابَّةِ ثَلَاثُ خَرْجَاتٍ مِنَ الدَّهْرِ

الحمد لله وسبحان الله ولا إله إلا الله والله أكبر، ثم اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، قال الله تعالى "وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ"-النمل82 أو المصحف الشريف 3241-، ثم عَنْ أَبِي سَرِيحَةَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "يَكُونُ للدَّابَّةِ ثَلَاثُ خَرْجَاتٍ مِنَ الدَّهْرِ، تَخْرُجُ أَوَّلَ خَرْجَةٍ بِأَقْصَى الْيَمَنِ فَيَفْشُو ذِكْرُهَا بِالْبَادِيَةِ وَلَا يَدْخُلُ ذِكْرُهَا الْقَرْيَةَ - يَعْنِي مَكَّةَ - ثُمَّ يَمْكُثُ زَمَانًا طَوِيلًا بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ تَخْرُجُ خَرْجَةً أُخْرَى قَرِيبًا مِنْ مَكَّةَ فَيُنْشَرُ ذِكْرُهَا فِي أَهْلِ الْبَادِيَةِ، وَيُنْشَرُ ذِكْرُهَا بِمَكَّةَ، ثُمَّ تَكْمُنُ زَمَانًا طَوِيلًا، ثُمَّ بَيْنَمَا النَّاسُ فِي أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ حُرْمَةً وَأَحَبُّهَا إِلَى اللَّهِ وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ لَمْ يَرُعْهُمْ إِلَّا وَهِيَ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، تَدْنُو وَتَرْبُو بَيْنَ الرُّكْنِ الْأَسْوَدِ، وَبَيْنَ بَابِ بَنِي مَخْزُومٍ عَنْ يَمِينِ الْخَارِجِ فِي وَسَطٍ مِنْ ذَلِكَ، فَيَرْفَضُّ النَّاسُ عَنْهَا شَتَّى وَمَعًا، وَيَثْبُتُ لَهَا عِصَابَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَرَفُوا أَنَّهُمْ لَنْ يُعْجِزُوا اللَّهَ، فَخَرَجَتْ عَلَيْهِمْ تَنْفُضُ عَنْ رَأْسِهَا التُّرَابَ، فَبَدَتْ بِهِمْ فَجَلَتْ عَنْ وُجُوهِهِمْ حَتَّى تَرَكَتْهَا كَأَنَّهَا الْكَوَاكِبُ الدُّرِّيَّةُ، ثُمَّ وَلَّتْ فِي الْأَرْضِ لَا يُدْرِكُهَا طَالِبٌ وَلَا يُعْجِزُهَا هَارِبٌ حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لِيَتَعَوَّذُ مِنْهَا بِالصَّلَاةِ فَتَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِهِ فَتَقُولُ: أَيْ فُلَانُ الْآنَ تُصَلِّي؟ فَيَلْتَفِتُ إِلَيْهَا فَتَسِمُهُ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ تَذْهَبُ، فَيُجَاوِرُ النَّاسُ فِي دِيَارِهِمْ وَيَصْطَحِبُونَ فِي أَسْفَارِهِمْ وَيَشْتَرِكُونَ فِي الْأَمْوَالِ، يَعْرِفُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ حَتَّى إِنَّ الْكَافِرَ يَقُولُ: يَا مُؤْمِنُ اقْضِنِي حَقِّي، وَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: يَا كَافِرُ اقْضِنِي حَقِّي «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ، وَهُوَ أَبْيَنُ حَدِيثٍ فِي ذِكْرِ دَابَّةِ الْأَرْضِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ» المستدرك على الصحيحين، ثم عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ حُذَيْفَةَ فَذُكِرَتِ الدَّابَّةُ، فَقَالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: "إِنَّهَا تَخْرُجُ ثَلَاثَ خَرْجَاتٍ فِي بَعْضِ الْبَوَادِي، ثُمَّ تَكْمُنُ، ثُمَّ تَخْرُجُ فِي بَعْضِ الْقُرَى حَتَّى يُذْعَرُوا وَحَتَّى تُهَرِيقَ فِيهَا الْأُمَرَاءُ الدِّمَاءَ، ثُمَّ تَكْمُنُ، قَالَ: فَبَيْنَمَا النَّاسُ عِنْدَ أَعْظَمِ الْمَسَاجِدِ وَأَفْضَلِهَا وَأَشْرَفِهَا - حَتَّى قُلْنَا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمَا سَمَّاهُ - إِذِ ارْتَفَعَتِ الْأَرْضُ وَيَهْرُبُ النَّاسُ، وَيَبْقَى عَامَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَنْ يُنْجِيَنَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْءٌ، فَتَخْرُجُ فَتَجْلُو وُجُوهَهُمْ حَتَّى تَجْعَلَهَا كَالْكَوَاكِبِ الدُّرِّيَّةِ، وَتَتْبَعُ النَّاسَ، جِيرَانٌ فِي الرِّبَاعِ شُرَكَاءُ فِي الْأَمْوَالِ وَأَصْحَابٌ فِي الْإِسْلَامِ «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، وَلَمْ يُخْرِجَاهُ» المستدرك على الصحيحين، ثم عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «يَبِيتُ النَّاسُ يَسِيرُونَ إِلَى جَمْعٍ، وَتَبِيتُ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَسْرِي إِلَيْهِمْ، فَيُصْبِحُونَ وَقَدْ جَعَلَتْهُمْ بَيْنَ رَأْسِهَا وَذَنَبِهَا فَمَا مُؤْمِنٌ إِلَّا تَمْسَحُهُ، وَلَا مُنَافِقٌ وَلَا كَافِرٌ إِلَّا تَخْطِمُهُ، وَإِنَّ التَّوْبَةَ لَمَفْتُوحَةٌ حَتَّى يَخْرُجَ الدَّجَّالُ، فَيَأْخُذَ الْمُؤْمِنَ مِنْهُ كَهَيْئَةِ الزَّكْمَةِ، وَتَدْخُلَ فِي مَسَامِعِ الْكَافِرِ وَالْمُنَافِقِ حَتَّى يَكُونَ كَالشَّيءِ الْحَنِيذِ، وَإِنَّ التَّوْبَةَ لَمَفْتُوحَةٌ، ثُمَّ تَطْلُعُ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا» هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ «وَلَمْ يُخْرِجَاهُ» المستدرك على الصحيحين، ثم (وقال عبد الله بن عمرو: إِنها تَنْكُتُ في وجه الكافر نُكْتَةً سوداء فتفشو في وجهه فيسودُّ وجهُه، وتَنْكُتُ في وجه المؤمن نُكْتَةً بيضاء فتفشو في وجهه حتَّى يبيضَّ وجهه، فيعرف الناس المؤمن والكافر، ولَكَأنِّي بها قد خرجت في عقب ركب من الحاج) زاد المسير في علم التفسير، ثم (وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ هَذِهِ الدَّابَّةِ وَصِفَتِهَا وَمِنْ أَيْنَ تَخْرُجُ اخْتِلَافًا كَثِيرًا، قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ" وَنَذْكُرُهُ هُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مُسْتَوْفًى. فَأَوَّلُ الْأَقْوَالِ أَنَّهُ فَصِيلُ نَاقَةِ صَالِحٍ وَهُوَ أَصَحُّهَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ،...وَمَوْضِعُ الدَّلِيلِ من هذا الحديث أنه الفصيل قول:"وَهِيَ تَرْغُو" وَالرُّغَاءُ إِنَّمَا هُوَ لِلْإِبِلِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفَصِيلَ لَمَّا قُتِلَتِ النَّاقَةُ هَرَبَ فَانْفَتَحَ لَهُ حَجَرٌ فَدَخَلَ فِي جَوْفِهِ ثُمَّ انْطَبَقَ عَلَيْهِ، فَهُوَ فِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) تفسير القرطبي، وبعد: فبأحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم السابقة وبما ذكر من صحيح التفسير في كتاب تفسير القرطبي وتفسير زاد المسير يمكن قراءة آية سورة النمل رقم 82 بثلاث كيفيات والله أعلم، الكيفية الأولى:- القراءة بجملة واحدة: قال الله تعالى ’’واذا وقع القول عليهم اخرجنا لهم دابه من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بايتنا لا يوقنون‘‘ ويكون تقدير القول على خرجة الدابة الأولى فهذه الخرجة تكون على المنافقين الذين عظم شرهم وأعظم شر للمنافقين في الأرض كان قتلهم لأمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ولن يكون لهم بعد ذلك شر أعظم من ذلك الشر والله أعلم، الكيفية الثانية:- القراءة بجملتين أو ثلاث جمل: ’’واذا وقع القول عليهم اخرجنا ، لهم دابه من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بايتنا لا يوقنون‘‘ أو ’’واذا وقع القول عليهم اخرجنا ، لهم دابه من الارض تكلمهم ، ان الناس كانوا بايتنا لا يوقنون‘‘ ففيهما تكون "ان" بألف مكسورة ونون مفتوحة مشددة ويكون تقدير القول في الجملة الأولى على خرجة الدابة الأولى، وتقدير القول في الجملة الثانية على خرجة الدابة الثانية فخرجتها الثانية تكون للمؤمنين الغرباء الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في زمن الفتنة والهرج والله أعلم، وتقدير القول في الجملة الثالثة هو تذكير للمؤمنين على أن الدابة قد أخرجها الله تعالى على الكافرين من قبل في خرجتها الأولى لأنهم كانوا يكذبون على الله ورسوله فيما بينهم، الكيفية الثالثة:- القراءة بأربع جمل: ’’واذا وقع القول عليهم ، اخرجنا لهم دابه من الأرض ، تكلمهم ، ان الناس كانوا بايتنا لا يوقنون‘‘ وتكون "تكلمهم" بتاء مفتوحة وكاف ساكنة ولام مكسورة وميم مضمومة وهاء مضمومة وميم ساكنة بمعنى تجرحهم وتكون "ان" بألف مكسورة ونون مفتوحة مشددة ويكون تقدير القول على خرجة الدابة الثالثة ففي الجملة الثانية والرابعة فيها بيان على أن الدابة تجلو وجوه المؤمنين، وفي الجملة الأولى والثالثة فيه بيان على أن الدابة تخطم أنوف المنافقين {عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "تَخْرُجُ الدَّابَّةُ وَمَعَهَا عَصَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَخَاتَمُ سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَتَخْطِمُ الْكَافِرَ - قَالَ عَفَّانُ: أَنْفَ الْكَافِرِ - بِالْخَاتَمِ، وَتَجْلُو وَجْهَ الْمُؤْمِنِ بِالْعَصَا، حَتَّى إِنَّ أَهْلَ الْخِوَانِ لَيَجْتَمِعُونَ عَلَى خِوَانِهِمْ، فَيَقُولُ هَذَا: يَا مُؤْمِنُ، وَيَقُولُ هَذَا: يَا كَافِرُ" مسند أحمد}، معجزة عددية:- (1) عدد حروف قول الله تعالى ’’لهم دابه من الارض تكلمهم ان الناس كانوا بايتنا لا يوقنون‘‘ هو ستة وأربعون حرفا، فالخرجة الثانية تكون للمؤمنين الذين هم غرباء والله أعلم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ» صحيح مسلم، فمجموع عدد حروف كلمات الحديث هو اثنان وأربعون حرفا {تكتب "الإسلام" و "للغرياء" بالرسم الأول كالتالي: "الاسلم" و "للغربا"} والكلمة التي تتكلم بها الدابة في الخرجة الثانية هي "مؤمن" وعدد حروفها أربعة فمجموع عدد الحروف ما يخص الحديث في الخرجة الثانية هو ستة وأربعون حرفا {(عن ابن عباس رضي الله عنهما في رواية: "تكلمهم: تجرحهم، بمعنى: تكتب على جبين الكافر كافر، وعلى جبين المؤمن مؤمن". وعنه: "تخاطبهم وتجرحهم". قال ابن كثير: "وهذا القول ينتظم المذهبين، وهو قوي حسن جامع لهما") البداية والنهاية لابن كثير}، (2) كذلك مجموع عدد حروف قول الله تعالى ’’اخرجنا لهم دابه من الأرض‘‘، وعدد حروف قول الله تعالى ’’ان الناس كانوا بايتنا لا يوقنون‘‘ هو ستة وأربعون حرفا وهما ما يخصان المؤمنين في خرجة الدابة الثالثة فلما يرى المؤمنون أن المنافقين مخطومون يعلموا حينها أنهم كانوا لا يوقنون بأيات الله تعالى من قبل لما كانوا معهم، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «رُؤْيَا الْمُؤْمِنِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ» صحيح مسلم، (3) رقم الآية في المصحف الشريف هو 3241 بترتيب عدد الجمل في كل كيفية قراءة ابتداء من كيفية القراءات التي يكون فيها لعن الكافرين ظاهرا، والله أعلم. فلا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم ربنا انصرنا والمرابطين وانصر المجاهدين في سبيلك لتكون كلمتك هي العليا على الروم في جميع الملاحم وعلى جميع أعدائك فإنك حق ووعدك حق ولقائك حق وقولك حق والجنة حق والنار حق والنبيين حق وعبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم حق والساعة حق، اللهم ربنا اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم ربنا يسر لحجاج بيتك الحرام حجهم وتقبل منا ومنهم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم، فسبحان الله رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.