عيد الأضحى المبارك
عيد الأضحى المبارك
عبد
المعز الحصري
الحمد لله الذي شرع لعباده أيام فرح و
سرور ، و أكل و شرب ، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين .
· اللهم أكرمنا بنور الفهم ، و
أخرجنا من ظلمات الوهم و الوهن . تعريف العيد لغة: كل يوم يحتفل فيه بذكرى حبيبة
أو كريمة ( المعجم الوجيز ، مجمع اللغة العربية – مصر ) و يطلق العيد على كل يوم
مسرة ( مراقي الفلاح ،الشرنبالالي أحد مراجع لمذهب الحنفي ) .
· سمي العيد عيدا لأن المسلمين
عادوا من طاعة الله إلى طاعة رسوله – صلى الله عليه و سلم- فبعد رمضان و الذي كان
صيامه فريضة ، عاد المسلمون إلى صيام ست من شوال ، و في عيد الأضحى عاد المسلمون من
فريضة الحج إلى زيارة نبيهم عليه الصلاة و السلام ، و تكرار ذلك كل عام ، فمن
فاتته تلك الفريضة هذه السنة فله عوضا عن ذلك السنة المقبلة .
· و قالوا سمي العيد عيدا لكثرة
عوائد الله تعالى فيه بالإحسان على عباده من بر و رحمة و رضوان .
· و قيل سمي العيد عيدا بعود
السرور و الحبور و بهجة الأمور ، و لا شك أن العيد من الاسلام إنما كان بعد طاعة
عظيمة جليلة ، أي بعد رمضان و بعد الليالي العشر الأولى من ذي الحجة و الوقوف في
عرفات .
· وقد شرع الاسلام عيدين عظيمين
للأمة الاسلامية عيد الفطر و عيد الأضحى و شرع لهم يوم الجمعة عيدا خلال الاسبوع
و كان أول عيد في الاسلام صلاه الرسول – صلى الله عليه و سلم – عيد الفطر ، في
السنة الأولى من الهجرة .
· ومن مميزات العيد في الدنيا
تذكير المسلم بأعياد الآخرة ، أيام يتجلى الله على عباده برؤيتهم له عيانا " وجوه
يومئذ ناضرة ، إلى ربها ناظرة " الآية . " للذين أحسنوا الحسنى و زيادة " .
· ففي العيد تتصافى قلوب العباد
و تلتقي الأرواح و الأكف بالتحيات و التبريكات فينسى المسلم همومه و تهُب على روحٍ
نسمات الأمل و الحياة و كذلك عندما يرى المسلمون ربهم في الجنة فلا يلتفتون إلى شيء
، مما هم فيه من نعيم الجنات ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم و تبقى فيهم
بركته و نوره .
العيد عند أهل العلم
· إذا كان المسلمون يلبسون أحسن
ثيابهم و الجديد منها ، فهذا حري بهم أن يُلبِسوا أنفسهم لباس التقوى طوال السنة
ليكونوا مستعدين للقاء الله فإن من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه و لا يعلم أحد متى
يكون اللقاء ، و في هذا استعداد تام بأن يأخذ المسلم زينته الظاهرة و الباطنة كل
لحظة فهو في مراقبة مع الله وسرور دائم .
· صدق القائل في قوله :
ليس العيد لمن لبس الجديد و
إنما العيد لمن طاعاته تزيد
و قال آخر :
عيد و عيد و عيد صرن مجتمعة
وجه الحبيب و يوم العيد و الجمعة
· و الحق أنه بعد كل يوم مسرة ٍ
و كل طاعة لله هناك عيد – إن صح التعبير – يفرح به المؤمن ليحثه ذلك الفرح على
الاستمرار على الطاعات و التقرب إلى الله . قال تعالى : " قل بفضل الله و برحمته
فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون " .
فإذا كان كثير من الأغنياء الغافلين
يحرصون على الدنيا و ما فيها فإن بعض الفقراء يحرصون على نيل الرحمات و زيادة
القربات و حسن النيات .
· لقد كان أحد علماء الشام رحمهم
الله يقول :
" و أنت عيدي يا سيدي " فيبكي و يبكي
حتى تسيل دموعه على خديه . سمعت هذا الكلام من سيدي الشيخ الفاضل الدكتور محمد هشام
البرهاني – حفظه الله آمين - .
نعم هذا حال العالم العارف بالله لحظة
بلحظة في عبادته كان يرى الله فساعاته كلها عيد إن صح التعبير و هذا عن الأشياخ
الأكابر و كان بعض الأكابر من الأشياخ العارفين في معرة النعمان يبكي و ينتحب حين
يسمع :
و في العيد عادات الكرام
جرت على حفظ اليتامى ووصل الأرامل
و أكرم الكرماء هو الكريم سبحانه
وتعالى الذي فضائله و كرمه سَحّةٌ منصبة على عباده لا تنقطع .
إذا كان هناك كفر دون كفر فإن هناك –
إن صح التعبير - عيد دون عيد .
قال الحسن : كل يوم لا يُعصَى اللهَ
فيهِ فهو عيد ، و كل يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه و ذكره و شكره فهو له عيد ،
قال تعالى : "و لتكبروا الله على ما هداكم " ، " فصل لربك وانحر "
فإن الإشارة في الأولى إلى صلاة عيد
الفطر و في الثانية إلى صلاة عيد الأضحى . ( مراقي الفلاح ) بتصرف .
ما يسن في العيد
يسن إحياء ليلتي العيدين بالطاعات من
صلاة و تسبيح و قراءة قرآن و صلاة على النبي – صلى الله عليه و سلم – و غيرها .
و الحكمة من إحياء ليلتي العيد ، يقول
سيدي علي الخواص : ( الحكمة من إحياء ليلتي العيدين أنه يعقبهما يوما لهو و لعب
فيكون نور العبادة في هاتين الليلتين منبسطا على العيد و يمتد إلى النهار فيمسك هرج
العيد من غير أن يرخي عنانه بالكلية ِ في ميدان الغفلة و السهو بخلاف من بات نائما
إلى الصباح أو غافلا ً عن ربه فإنه يصبح مطلق العنان في الغفلات . المرجع ( لواقح
الأنوار القدسية في العهود المحمدية – عبد الوهاب بن أحمد بن علي الشعراوي .
و أقول و بالله التوفيق لعل بعض حكم
إحياء ليلتي العيدين هو الاستمرار على الطاعة حتى يبقى طاهرا نقيا متصلاً بقلبه مع
الله حتى يستلم الجائزة يوم عيد الفطر و هو سليم من أذى الذنوب و السيئات ولم تنكت
في قلبه أي نكتة سوداء و كذلك يوم عيد الأضحى حيث الأيام و الليالي العشر و التي
فيها العمل الصالح أحب إلى الله فيما سواها .
فيبقى على هذه الحال يشارك حجاج بيت
الله الحرام نقاوتهم الظاهرة و الباطنة فيكون ذلك جدير بقلبه التسامح مع الإخوان و
صلة الأرحام ...... .
و حقيقة الأمر أن ينتقل المسلم و يتقلب
من عبادة إلى عبادة ، من ساعة إلى ساعة ، و لكن فيما يرضي الله تعالى .
و هذا قوله تعالى : " فإذا فرغت فانصب
" الآية فليس هناك انقطاع عن العبادة مطلقاً ، "وما خلقت الإنس و الجن إلا ليعبدون
" الآية .
و في رواية للطبراني مرفوعاً ( من أحيا
ليلة الفطر و ليلة الأضحى لم يمت قلبه يوم تموت القلوب ) .
لا شك أن موت القلوب إنما يكون في
البعد عن الله و الغفلة و غشيان الذنوب ..... .
إن من سنن العيد الاغتسال قبل الخروج
إلى الصلاة و الإستياك و التطيب و لبس أحسن الثياب و الذهاب من طريق و العودة من
طريق آخر و رفع الصوت بالتكبير في الأوقات التي ندب إليه فيها كالعيدين و أيام
التشريق في المساجد و الطرق و المنازل ولا يغلب الحياء علينا فبذلك امتثال أوامر
الله .
فإذا كنا نزين أنفسنا باللباس الجميل و
الجديد فالأولى أن نزين قلوبنا بذكر الله دائما و طهارته من الحسد و الحقد و الكبر
فالقلب هو محل نظر الله تعالى .
و زينة الأعياد تكون بالتكبير .. روى
الطبراني مرفوعا ً " زينوا أعيادكم بالتكبير" .
· إن من أعظم القربات إلى الله
تعالى في أيام عيد الأضحى إهراق دم ، والحكمة من الأضحية إماطة الأذى عمن ذبحت
على اسمه و مغفرة ذنوبه و دفع البلاء عن أهل المنزل و رفع درجاته ، و إدخال
السرور على قلوب الفقراء و الجياع.
روى ابن ماجة و الترمذي و قال حديث حسن
و الحاكم و قال صحيح الاسناد مرفوعا ً ( ما عمل آدمي ٌ من عملٍ يوم النحر أحب إلى
الله من إهراق دم , إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها و أشعارها وأظلافها و إن الدم
يقع من الله بمكان قبل أن يقع من الأرض فطيبوا بها نفساً .
· إن الأضحية هي سنة أبينا
ابراهيم عليه السلام – ابراهيم تعني أب رحيم- و على نبينا أزكى الصلوات و التسليمات
و المضحي حين يضحي يتذكر بذلك ابراهيم حينما قدَّم ابنَه ُ اسماعيل عليهما السلام
ليذبحه قربة لله و الولد أكبر ثمرة .
قال الشافعي - في تفسير قوله تعالى :"
و لنبلونكم بشيء من الخوف و الجوع و نقص من الأموال و الأنفس و الثمرات " الآية – (
الثمرات جمع ثمرة و هي الولد) و في الأضحية رمز لتقديم الأنفس و الأموال رخيصة في
سبيل الله و تقديم ما هو أدنى من الأنفس أولى حتى يكون كل ما نملك هو ملك حقيقي لله
تعالى فنجود بما يجود علينا الكريم فلا ننهر سائلاً أو فقيرا ً أو مسكينا ً أو نقهر
يتيما ً .
أما من لم يستطع أن يضحي فعليه بالنية
الصادقة و صلة الأرحام و الإكثار من الإستغفار ، و على الفقراء المتجردون ذبح
أنفسهم بسيوف المخالفات .
للعلم ( جلد الأضحية يعطى للفقراء لا
أن ندفعه إلى الجزار جزاء أجرته لأن هذا ينقص من أجر الأضحية إلا إذا كان الجزار
فقيرا ً فنعطيه أجرته كاملة ً ثم ندفع إليه الجلد لأنه فقير ُ ) . سمعت هذا الكلام
من سيدي الوالد الشيخ أحمد الحصري رحمه الله تعالى .
و قد روى الحاكم مرفوعا ً و قال صحيح
الإسناد " من باع جلد أضحيته فلا أضحية له " .
ومن السنة أن يشهد المضحي ذبح أضحيته
إن أمكن و له أن يأكل منها و يطعم الجيران و الفقراء و الأصدقاء .
و ندب أكل حلو قبل عيد الفطر ( تمراً
و أن يكون وتراً ) لما روى البخاري عن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه و سلم
لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمراتٍ و يأكلهن وتراً .
وندب في العيد إظهار الفرح و البشاشة و
كثرة الصدقة و التبكير إلى الصلاة .
-الابتكار ( هو المسارعة إلى المصلى )
–والصف الأول و صلاة الصبح في مسجد حيِّه ، و المشي إلى صلاة العيد و التكبير
سراً عند أبي حنيفة و عندهما ( أبي يوسف و محمد ) جهراً و كان ابن عمر رضي الله
عنهما يرفع صوته بالتكبير .
و كان صلى الله عليه و سلم يقول عند
خروجه لصلاة العيد : " اللهم إني خرجت إليك مخرج العبد الذليل " .
ما يمتاز به العيد
· في العيد تربية للروح و تزكية
لها بالصلاة و التكبير في المساجد و الأسواق و المنازل .
· و فيه تربية سلوكية بالإنفاق
في سبيل الله ( كالأضحية ..... ) و إذلال النفس للإخوان .
· و فيه تربية جمالية بالغسل و
التطيب و لبس الجديد من الثياب .
· و فيه تربية اجتماعية بصلة
الأرحام و الأقارب و الجيران .
· و فيه توحيد الأمة باجتماعها
في صعيد واحد ٍ لزيادة ترابطها .
· و فيه تذكير للأمة بيوم الحشر
و الوقوف في صعيد واحد يوم الحساب .
التهنئة بالعيد
روى الحافظ بن حجر عن تحفة عيد الأضحى
لأبي القاسم بسند حسن كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه و سلم – إذا التقوا يوم
العيد يقول بعضهم لبعض : تقبل الله منا و منك . قال : و أخرجه الطبراني أيضا ً في
الدعاء بسند ٍ قوي . انتهى
قال و التعامل في البلاد الشامية و
المصرية قول الرجل لصاحبه : عيد مبارك عليك و نحوه ، و يمكن أن يلحق هذا اللفظ بذلك
في الجواز الحسن و استحبابه لما بينهما من التلازم . انتهى .
و كذا تطلب المصافحة فهي سنة عقب
الصلاة كلها و عند كل لقي ( المرجع : مراقي الفلاح ، للشرنبلالي ).
كلمة أخيرة :
إن أعياد الأمة تكون لاشك بقربها من
ربها و طاعتها له و حفظ كرامتها و صيانتها و الدفاع عن محرماتها فالأمم تحتفل
بالنصر المؤزر على أعدائها و تجعل من ذلك أعياداً تحييها لتحفز شعوبها على
الاستمرار في حفظ حدودها و استذكاراً لأمجادها و إحياءً لذكرى عظمائها .
و صلى الله على سيدنا محمد و على آله
و صحبه وسلم .