فَلَا نَامَتْ أَعْيُنُ الْجُبَنَاءِ
أَلَا يَتَعَلَّمُ الْقَوْمُ الْبُطُولَةَ مِنْ شَيْخٍ طَاعِنٍ فِي السِّنِّ ، يُجَاهِدُ عِشْرِينَ سَنَةً عَدُوًّا مُحْتَلًّا ، يُجَاهِدُ عَدُوًّا ظَالِمًا يَغْتَصِبُ أَرْضًا طَاهِرَةً لَيْسَتْ مِلْكَهُ .
يُطَالِبُهُ الْعَدُوُّ الْمُغْتَصِبُ أَنْ يَرْفَعَ رَايَةَ الِاسْتِسْلَامِ ، يُعْلِنُ هَزِيمَتَهُ بِنَفْسِهِ .
يُطَالِبُهُ أَنْ يُعِيدَ سَيْفَهُ الْبَتَّارَ لِغَمَدِهِ .
يُرِيدُهُ أَنْ يُطْأْطِئَ الرَّأْسُ مَذْلُولَ الْهَامَةِ .
لَكِنَّ رُوحَ الْكِبْرِيَاءِ وَ عُلُوِّ هِمَّةِ الْقَائِدِ تَرْفُضُ الِانْكِسَارَ ، تَرْفُضُ حَيَاةَ الْمَذَلَّةِ وَ الصِّغَارِ .
إِنَّ أَمْثَالَ الْمُخْتَارِ رَضَعُوا لَبَنَ الشَّجَاعَةِ مِنْ ثَدْيِ حُرَّةٍ عَفِيفَةٍ ، رَبَّتْ صِغَارَهَا أَنْ يَسِيرُوا فِي الصُّفُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ مَرْفُوعِي الْقَامَةِ ، لَا يَحْنُونَ الرَّأْسَ إِلَّا لَوْلَاهُمْ .
نَعَمْ هَذِهِ عَقِيدَتُهُمْ ، لَا تَرْضَى بِالدُّنِّيَّةِ ، لَا تَرْضَى عِيشَةَ اَلنَّعَامِ ، يُخْفِي اَلرَّأْسَ فِي اَلرِّمَالِ خَوْفًا مِنْ اَلْعَدُوِّ .
كَلَامُهُمْ رَصَاصٍ مُدَوِّي ، يَهُزُّ كِيَانَ الْعَدُوِّ ، يُزَلْزِلُ الْجِبَالَ الرَّاسِيَةَ
يَقُولُهَا لِلْعَدُوِّ مُدَوِّيَةً :
" نَحْنُ لَنْ نَسْتَسْلِمَ نَنْتَصِرَ أَوْ نَمُوتُ " ثُمَّ يَرْدِفُ : " نَحْنُ لَا نَبْخَلُ بِالْمَوْجُودِ وَلَا نَأْسَفُ لِلْمَفْقُودِ " . .
يَسْمَعُهَا الْعَدُوُّ كَآخِرِ كَلِمَاتٍ يُدَوِّنُ بِهَا صَفْحَةَ الْمَعْرَكَةِ ، لِتَسِيرَ الْجَحَافِلُ وَرَاءَهُ عَلَى نَهْجِهِ ، تَسِيرُ عَلَى نَهْجِهِ ، تُجَدِّدُ الْعَهْدَ وَ لَا تَتَبَدَّدُ .
لِيَسْمَعَهَا الْعَدُوُّ أَنَّ الْأُمَّةَ لَنْ تَمُوتَ ، فَخَلْفَ الْقَائِدِ أَلْفُ قَائِدٍ ، هِيَ جَحَافِلُ قِي الصَّفِّ تَحْمِلُ مِشْعَلَ الْقَائِدِ ، تَعِي رِسَالَتَهُ ، تَسْتَوْعِبُ وَصِيَّتَهُ .
فِي تَارِيخِ الْأُمَّةِ الْحَافِلِ تَتَشَابَهُ الْأَسْمَاءُ وَ الْفَعَّالُ ، تَتَشَابَهُ التَّضْحِيَةُ ، تَتَشَابَهُ الْبُطُولَةُ وَالشَّهَامَةُ ، أَسْمَاءٌ لَا عَدَّ لَهَا كُتِبَتْ قِصَصُهَا فِي سِجِلٍّ ذَهَبِيٍّ عُنْوَانُهُ سِجِلُّ التَّضْحِيَةِ وَ الْفِدَاءِ
يَا سُبْحَانَ اللَّهِ دَائِمًا يَرْفَعُ اللَّهُ شَأْنَ اَلْقَادَةِ الْأَبْطَالِ ، فَالشَّيْخُ اَلطَّاعِنٌ تَشْنُقُهُ الْحِبَالُ ، ثُمَّ يُرْمَى مِنْ عَلَى اَلطَّائِرَةِ يُحَلِّقُ عَالِيًا تُبَارِكُهُ السَّمَاءُ .
وَ قَائِدٌ شَهِيدٌ يُرْعِبُ الْعَدُوَّ فِي سِجْنِهِ ، لِتَرْقَى رُوحُهُ الطَّاهِرَةُ فِي الْمِقْصَلَةِ.
ويكتبٌ اَلشَّهِيدٌِ اَلصَّاعِدٌ رِسالتَه الأخيرَة :
أَ( قَارِبِي الْأَعِزَّاءَ ، أُمِّي الْعَزِيزَةُ : أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ وَلَسْتُ أَدْرِي أَتَكُونُ هَذِهِ الرِّسَالَةُ هِيَ الْأَخِيرَةَ ، وَاللَّهُ وَحْدَهُ أَعْلَمُ . فَإِنْ أَصَابَتْنِي مُصِيبَةٌ كَيْفَمَا كَانَتْ فَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ . إِنَّمَا الْمَوْتُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَيَاةٌ لَا نِهَايَةَ لَهَا ، وَالْمَوْتُ فِي سَبِيلِ الْوَطَنِ مَا هُوَ إِلَّا وَاجِبٌ ، وَقَدْ أَدَّيْتُمْ وَاجِبَكُمْ حَيْثُ ضَحَّيْتُمْ بِأَعَزِّ مَخْلُوقٍ لَكُمْ ، فَلَا تَبْكُونِي بَلِ افْتَخِرُوا بِي . وَفِي الْخِتَامِ تَقَبَّلُوا تَحِيَّةَ ابْنٍ وَأَخٍ كَانَ دَائِمًا يُحِبُّكُمْ وَكُنْتُمْ دَائِمًا تُحِبُّونَهُ ، وَلَعَلَّهَا أُخِيرُ تَحِيَّةٌ مِنِّي إِلَيْكُمْ ، وَأَنِّي أُقَدِّمُهَا إِلَيْكِ يَا أُمِّي وَإِلَيْكِ يَا أَبِي وَإِلَى نُورَةَ وَالْهَوَارِي وَحَلِيمَةَ وَالْحَبِيبِ وَفَاطِمَةَ وَخَيْرَةَ وَصَالِحٍ وَدِينِيَّةَ وَإِلَيْكَ يَا أَخِي الْعَزِيزِ عَبْدِ الْقَادِرِ وَإِلَى جَمِيعِ مَنْ يُشَارِكُكُمْ فِي أَحْزَانِكُمْ . اللَّهُ أَكْبَرُ وَهُوَ الْقَائِمُ بِالْقِسْطِ وَحْدَهُ .
ابْنُكُمْ وَ أَخُوكُمْ الَّذِي يُحِبُّكُمْ مِنْ كُلِّ قَلْبِهِ " أَحْمِيدَةُ )
سُبْحَانُ اللَّهِ . ! وَيَتَرَجَّلُ الْقَائِدُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ عَنْ صَهْوَةِ جَوَادِهِ يَتْرُكُ رَسَائِلَهُ لُغْزًا لِلْعَدُوِّ . .
كَانَ بِإِمْكَانِ الْعَدُوِّ أَنْ يَنْزِعُوا سُتْرَتَهُ الْعَسْكَرِيَّةَ . . كَانَ بِإِمْكَانِهِمْ نَزْعُ كُوفِيَّتِهِ
وَأَنَّ بِإِمْكَانِهِمْ وَضْعُ جُثْمَانِهِ فِي نَفَقٍ وَحَوْلَهُ مَا لَذَّ وَ طَابَ ، كَانَ بِإِمْكَانِهِمْ وَضْعُهُ بَيْنَ أَكْدَاسِ الْعُمُلَاتِ الصَّعْبَةِ وَ الذَّهَبِ . .
أَوْ كَانَ بِإِمْكَانِهِمْ ذَلِكَ وَأَكْثَرُ ، لَكِنَّ اللَّهَ شَاءَ وَ قَدَّرَ أَنْ يَمُوتَ مَوْتَةَ الرِّجَالِ فِي النِّزَالِ ، هُمْ أَرَادُوا اغْتِيَالَهُ ، وَ اللَّهُ أَرَادَ لَهُ الْفَوْزَ بِالشَّهَادَةِ ، لِتَكُونَ مَوْتُهُ شَهَادَةً مُوَثَّقَةً يُشَاهِدُهَا الْعَالَمُ كُلُّهُ ، حَتَّى تَبْقَى ذِكْرَاهَا عَلَى مَرِّ التَّارِيخِ شَاهِدَةً أَنَّ أَبْطَالَ فِلَسْطِينَ شُجْعَانٌ . .
حَقٌّ لِأَسَدِ أَسَدْ غ زةْ وَ فِلَسْطِينَ أَنْ يُدَوِّنَ آخِرَ تَصْرِيحٍ يَخْتِمُ بِهِ سِجِلَّ مُدَوَّنَتِهِ الْحَافِلَةِ بِالْعَطَاءِ : ( لَنْ نَسْتَسْلِمَ نَنْتَصِرَ أَوْ نَمْ وت ! )
وسوم: العدد 1099