نصائح إلى كل من ينتمون إلى قطاع التربية سواء كانوا مستنصحين أم كانوا زاهدين في النصح ( الحلقة الثانية )

استكمالا لما جاء في الحلقة الأولى والتي تم التركيز فيها على ضرورة إيجاد سجلات تتضمن معلومات  في غاية الأهمية عن الناشئة المتعلمة كي تظل مصاحبة لها خلال مسارها التعلمي ، والتي تتضمن إفادات عن أوضاعها الاجتماعية المؤثرة في نفسيتها وفي تربيتها وفي  سلوكها العام ، وكذا في سيرورة تعلمها .

 ومما جاء في الحلقة الأولى ضرورة موافاة كل الأطراف التربوية المعنية  بهذه السجلات من أجل الاطلاع عليها ، وأخذها بعين الاعتبار عند تعاملها مع الناشئة المتعلمة . و  لقد تم التنبيه إلى أن الاكتفاء بملفات تتضمن نتائجها خلال سنوات  وأطوار تعلمها لا يمكن أن يفيد المربين في معرفة هذه الناشئة  حق المعرفة ،لأن الاقتصار على رصد النتائج وهي مخرجات هو وقوف عند حد  رصد التفوق أو التعثر الدراسيين دون البحث عن أسبابهما .

 وفي هذه الحلقة سنحاول الوقوف عند أهمية ما سميناه سجلات الهوية للمتعلمين حسب أعمار الناشئة المتعلمة وهي كالآتي :

ـ  أولا :  الناشئة في سن الطفولة ، ونقصد بها  المتعلمين في مرحلة التعليمين الأولي والابتدائي حيث يكون الاطلاع على  أوساطهم الاجتماعية في غاية الأهمية باعتبارهم صناعة أسرهم المختلفة المستويات اجتماعيا وقتصاديا ومعرفيا ... وكل ذلك يصب في صناعة نفسياتهم ، وسلوكهم  المؤثرة في مسارهم التربوي والتعلمي .

وبالنسبة لهاتين المرحلتين  يجب اعتماد معطيات نظريات علم نفس الطفولة بأطوارها المتتابعة  . وما يجب معرفته بالضرورة في هاتين المرحلتين هو طابع البراءة الغالب على الناشئة المتعلمة ، ومصدرها الفطرة بتعبير القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف . وتتدخل الأسر في مسار هذه الفطرة سواء وعت ذلك أم لم تعه . وتتدخل التربية النظامية في مسارها أيضا لتكون الحصيلة إما تثيب تلك الناشئة على الفطرة أو الانحراف بها عنها. وتجدر الإشارة إلى أن حشر الناشئة المتعلمة في مؤسسات تربوية مع اختلاف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والمعرفية للأسر له تأثيرات عليها بحكم الاحتكاك المباشر ، وقد تكون تلك التأثيرات إيجابية أو تكون سلبية ، يجدر بالمربين الوعي بها ، وذلك بتعزيز الإيجابية ، والحد من مخاطر السلبية .   

والتربية  الأسرية تتراوح بين تنشئة أولياء أمور الناشئة وفق قناعاتهم التي لا تكون بالضرورة  صحيحة  ، و بين إهمالها كليا مع التعويل على دور المؤسسات التربوية والتي يختلف تعاملها إيجابا أو سلبا  مع التوجيهات التربوية الرسمية .

وفي حال ضعف التواصل  والتنسيق بين الأسر وبين المربين أو انقطاعه كليا بخصوص تبادل معلومات في غاية الأهمية  والخطورة والتي من شانها أن تؤثر في طبيعة شخصية الناشئة المتعلمة،  فإن هذه الأخيرة تكون عرضة للضياع ، خصوصا عندما يقتصر دور الأسر على ترقب العلامات الرقمية التي يحصل عليها الأبناء في الفروض والاختبارات أو الامتحانات  دون أي انشغال أو اهتمام بما هو أهم من تلك النتائج ، ويتعلق الأمر بالتنشئة السوية.

  صحيح أن العلامات الرقمية  تعتبر مؤشر على سيرورة التعلم  إيجابا او سلبا ، ولكن قد لا يبالي لا المربون، ولا أولياء الأمور إلى أن المؤثرات السيكولوجية الناجمة عن مؤثرات  سوسيولوجية لها تأثير كبير ومباشر في نتائج التحصيل الدراسي .

 وقد يتراشق المربون وأولياء أمور الناشئة التهم  فيما بينهم بسبب سوء التواصل ، وغياب التناغم  بحيث يعزوا أولياء الأمور نجاح  أو تعثر أبنائهم في مسارهم الدراسي إلى طبيعة تربيهم الأسرية متجاهلين دور المربين  بينما يعزو المربون ذلك إلى دورهم متجاهلين بدورهم دور أولياء الأمور  .

وقد يفكر أولياء الأمور في نقل  أبناءهم من مؤسسة  تربوية إلى أخرى رغبة منهم في حصول أبنائهم على أعلى العلامات دون أدنى اهتمام بتنشئتهم التنشئة السوية علما بأن انتقالهم  بين المؤسسات له تأثيرات قد تكون سلبية بل خطيرة في نفسياتهم وفي سلوكاتهم .

 ومن الأخطاء التي يقع فيها أولياء الأمور الحرص على  تسجيل أبنائهم  في بعض المؤسسات التربوية  عمومية أو خصوصية لاعتبارات يعتقدون أن لها دورا في تحقيق أبنائهم نتائج جيدة ، نذكر منها البنى التحتية لتلك المؤسسات ، أو ما تحاط به من هالة دعائية مبالغ فيها تغريهم بإلحاق أبنائهم بها دون أدنى اهتمام أو تفكير في طبيعة التنشئة فيها .

والملاحظ أن الأطفال على العموم يصعب عليهم عند أول عهدهم بالمؤسسات التربوية التأقلم مع الأجواء السائدة فيها وهي تختلف عما كانوا يحظون به من عناية و دفء أسرويين  لا يكون لهما بالضرورة تأثير حسن في تنشئتهم بسبب العواطف المبالغ فيها ، لهذا لا يسلس هؤلاء الأطفال  قيادهم بسهولة  للتربية المؤسساتية إلا بعد  مدة ، وقد يعانون بسبب ذلك الشيء الذي يتسبب على المدى البعيد  في  آثار سلبية على مسار تعلمهم ، وكذا مسار تنشئتهم منها  النفور من الدراسة ، وربما التسرب مباشرة بعد مرحلة الدراسة الابتدائية .  

و قد لا يأبه المربون وأولياء أمور الناشئة المتعلمة على حد سواء بطبيعة العلاقة فيما بينهم حيث تكون العلاقة  بين التنشئة الأسرية ، والتنشئة المؤسساتية  علاقة متوترة   بل قد تكون على طرفي نقيض حيث تتعارض الصرامة في التنشئة المؤسساتية مع  الدلال والدلع في التنشئة الأسرية بحيث تهدم هذه الأخيرة ما تشيده الأولى ، ولهذا يتردد أولياء الأمور على المؤسسات التربوية للتعبير عن قلقهم أو عن غضبهم  أحيانا من تلك الصرامة المؤسساتية 

ويحرص المربون على أن تكون  المؤسسات التربوية عبارة عن  بوتقة تنصهر فيها  مختلف سلوكات وطباع الناشئة المتعلمة التي يتلقونها في أسرهم ، وذلك من أجل تعزيز السوية منها ، ودرء المنحرفة خصوصا وأن تلك السلوكات والطباع لها طابع العدوى  التي مردها إلى الاحتكاك اليومي  المباشر بين المتعلمين المتعلمين حيث يؤثر ذوي الكاريزما في غيرهم ، ومنهم منحرفون سلوكا وطباعا.   ولهذا  من الأهمية بمكان أن يحصل المربون على سجلات هويات المتعلمين كي يتمكنوا من  تلافي كل  الآثار السلبية المترتبة عن التربية الأسرية ،وهكذا يستطيع المربون باطلاعهم على سجلات الهوية اكتشاف أصحاب تلك الكاريزمات  للحد من تأثيراتهم السلبية في المتعلمين القابلين  للتأثر بشكل سريع تحت طائلة  الإعجاب والانبهار ، علما بأن التقليد هو سلوك غالب في مرحلة الطفولة ،  لهذا يجدر بالمربين استثمار تلك السجلات التي تتضمن من المعلومات ما يمكنهم  من اكتشاف طبيعة التنشئة الأسرية لتكييفها وفق متطلبات التنشئة المؤسساتية  التي تذوب فيها الفوارق  بين الناشئة المتعلمة .

وللحديث بقية في حلقة قادمة إن شاء الله تعالى  ستخصص للحديث عن الناشئة المتعلمة في سن المراهقة .

وسوم: العدد 1103