نصائح إلى كل المنتمين إلى قطاع التربية سواء كانوا مستنصحين أم كانوا من الزاهدين في النصح ( الحلقة الثالثة )

لقد انتهت الحلقة الثانية بوعد تخصيص هذه الحلقة للحديث عن المتعلمين في سن المراهقة نظرا لأهمية هذه الشريحة ، ونطرا لدقة ولخطورة التعامل معها بسبب ما تمر به من أحوال خلال انتقالها من مرحلة الصبا إلى مرحلة  البلوغ والنضج حيث تظهر عليها تطورات فزيولوجية وسيكولوجيا  بشكل يثير توجسها ، وقلقها ،ومخاوفها، كما يثير قلق الآباء والأمهات، و أولياء أمورها ، والمربين  والمربيات.

وأخطر ما في هذه المرحلة هو المشاعر والسلوكات والتصرفات التي تصاحب النمو الفزيولوجي  لهذه الشريحة ، وهو نمو طبيعي من أجل الخروج من طور الصبا إلى طور الرشد أو طور التكليف بلغة الشرع .

وأول ما يثير قلق وخوف الشريحة المراهقة هو نضجها الجنسي ، وظهور علاماته عند الجنسين ، ذلك أن نزول دم الحيض أول مرة  عند الفتيات يعتبر حدثا مفاجئا ومقلقا  لهن ،لأنه علامة على الخروج من طور الصبا والالتحاق بطور الخصوبة ، وهو أيضا  مثير لمخاوف الأسر من تداعيات نضجهن الجنسي ، مما يجعلها تضعهن  تحت الرقابة الدائمة و الصارمة  ، مع الحيطة الشديدة من احتكاكهن بأقرانهن من لذكور  كما كان حالهن في مرحلة صباهن ،وتحذيرهن من ذلك  .

ولا بد من التذكير بالوعي التام مما يصاحب  حدث حيض المراهقات أول مرة من تغييرات في الأمزجة، تختلف حدتها من حالة إلى أخرى ، والتي قد يكون لها دور خطير في  بعض السلوكات والتصرفات  خصوصا الانفعالات غير المعهودة في مرحلة الصبا . وأعتقد أن ديننا الحنيف قد حذر من المحيض ليس فيما يتعلق  بالوقاع فقط ،بل  أيضا اعتزال الصدام الذي يعزى إلى ما يطرأ من تغير أمزجة الحيّض . وقد يغيب عن وعي بعض  الأمهات هذا  التغير في أمزجة بناتهن المراهقات بالرغم من  سبق مرورهن به ، ومن اعترائه لهن إن كن ممن يحضن .وما أكثر الصدامات بين الأمهات وبنتاتهن المراهقات بسبب الحالة النفسية المصاحبة للحيض ، والتي قد يساء فهمها ، وتحمل على أنها تمرد وتطاول منهن، لكنها سرعان ما يزول بتخطي فترات الحيض.

وقد يغيب  كذلك عن وعي بعض المربين والمربيات تغير أمزجة المتعلمات المراهقات ، فيقع الصدام معهن بسبب ذلك. وقد تزداد حدة هذا الصدام  خصوصا عندما يتزامن تغير أمزجة  المربيات  الحائضات مع تغيرها عند المتعلمات اللواتي يكن  في نفس الحالة  .

ولما كان المحيض علامة على الخصوبة الجنسية ، فإن الغريزة الجنسية تصبح أكثر قوة وإلحاحا لدى المراهقات اللواتي يبدو عليهن الانجذاب أو الميل نحو الجنس الآخر ، ويعكس ذلك اهتمامهن  بزينتهن، وذلك بشكل مبالغ فيه، مع طغيان نرجسيتهن .

 و مع شدة إلحاح الغريزة  قد يسقطن في سوء تصريفها ،ولمّا يحن وقته بعد ، فيقعن ضحايا إما بممارستهن للعادة السرية التي لها أسوأ العواقب الصحية والنفسية  أو بانجرافهن نحو هاوية الرذيلة .

وخلاصة القول فيما بتعلق  بموضوع النضج الجنسي  لدى المراهقات أنه يسبب لهن الكثير من الإزعاج والقلق ، ويستهلك  منه وقتهن قدرا معتبرا، إذ يشغلهن عن الانصراف للتعلم والتحصيل ، وقد يكون سببا في فشلهن الدراسي ، وتسربهن .

أما حال المتعلمين  المراهقين مع النضج الجنسي ، فلا يختلف عن حال المتعلمات المراهقات حيث يشتد إلحاح غريزة الجنس عليهم ، ويشتد  كذلك انجذابهم نحوهن ، و هو ما يعكسه أيضا   مبالغتهم في الاهتمام بمظهرهم ، فضلا عن صدور شتى السلوكات التي يتوخون منها إثارة الانتباه إليهم ، ولفت الأنظار مع طغيان النرجسية أيضا ، وغالبا ما  يكون العراك بينهم  وسيلة من وسائل فرض الذوات ، التباهي  بها ،و يكون القصد من ذلك الرغبة في نيل  إعجاب الجن واهتمام الجنس الآخر . وكثيرا ما تحدث الصدامات بينهم داخل فضاءات المؤسسات التربوية أو في محيطها ، وقد تكون بعض هذه الصدامات حتى  مع المربين والمربيات سببها  طغيان عقدة لفت الأنظار وإبراز الذوات.

ولا يسلم كثير من المراهقين أيضا من آثار إلحاح غريزة الجنس عليهم ، وتكون النتيجة أيضا إما السقوط في شرك العادة السرية أو في شرك الرذيلة  ، وتكون العواقب وخيمة. أيضا  وغالبا ما يعزى الفشل الدراسي إلى  كثرة انشغالهم بهذه الغريزة حيث يكلفهم  ذلك هم أيضا وقتا معتبرا هم أحوج  ما يكونون إليه  لصرفه في  تعلمهم وتحصيلهم .

ومما تتميز به مرحلة المراهقة أيضا تمرد المتعلمين  والمتعلمات  على كل أنواع السلط  دينية ،واجتماعية ، وأولها سلطة الآباء والأمهات ،  ثم بعدها سلطة المربين والمربيات ، ويأخذ هذا التمرد أشكالا وأساليب مختلفة تتراوح ما بين طغيان سلوك التلاسن  والعنف اللفظي ، أو سلوك العنف الجسدي الذي قد تسوء عواقبه . وطبيعة هذا التمرد هو كونه رفضا لاشعوريا للانضواء تحت السلوكات والقيود التي تحكم عالم الكبار، حيث يعتبرها المراهقون والمراهقات غير ملزمة لشريحتهم العمرية التواقة إلى الانعتاق  والتحرر من كل  أنواع القيود، وتخطي كل الحواجز المانعة  لحرية تصرفهم ، وذلك بنوع كبير من الإصرار والتحدي لإثبات الذوات ، وتحقيق الشعور بالانتصار والتفوق  على ما يعتبرونهم خصوما أو كذلك يخيل إليهم .  

ولا شد أنه لا مندوحة للمربين والمربيات من الاطلاع الواسع على طبيعة ما يعتري سن المراهقة من أحوال يجدونها في مصادر ومراجع علم نفس المراهقة، ويتزودون  منها بما يمكنهم من التصرف الصحيح والموفق مع  شريحة هذه المرحة العمرية حرصا على ضمان حسن تعلمهم وتحصيلهم الدراسي، فضلا عن استقامة سلوكاتهم وتصرفاتهم داخل وخارج فضاءات المؤسسات التربوية .

ومما يفرضه واجب النصح لرجال ونساء التربية من أجل حسن تعاملهم مع شريحة المراهقين المتعلمين والمتعلمات ، ونجاحهم في مهامهم نقترح ما يلي :

ـ تحطيم  كل حواجز التوجس من المربين والمربيات الناشىء لدى المتعلمين والمتعلمات ، الشيء الذي يفرض الحرص على ربط علاقات جيدة معهم قوامها  المودة والاحترام المتبادلين بحيث يجب تنكب كل ما من شأنه استفزاز اندفاعهم أو مسايرته ومقابلته بالمثل ،خصوصا وهم يمرون بمرحلة التمرد على  كل السلط مهما كانت . ولا بد من تفهم رغبتهم في التحدي خصوصا عندما تكون المواد والمقررات الدراسية مثيرة لمخاوفهم نظرا لصعوبة فهم واستيعاب بعضها ، فيصير حينئذ تحديها بالشغب  الذي يصير مهيمنا في الفصول الدراسية الشيء الذي ينحرف بالممارسة التعليمية التعلمية انحرافات خطيرة ، يكون ثمنها  الباهظ هو هدر زمن التعلم الثمين .  ومعلوم أن ردود فعل المربين والمربيات على الشغب تزيد جذوة اشتعالا بسبب الطبيعة الاندفاعية المتأصلة في المراهقين   

ـ الحرص على تحبيب مختلف  المواد الدراسية للمتعلمين  ، وذلك بتجنب إضفاء المدرسين والمدرسات عليها طابع الوعورة والتعقيد ، وذلك تجنبا لنفور المتعلمين والمتعلمات  منها أو عكس ذلك ابتذالها وامتهانها  تجنبا  أيضا للإعراضهم الكلي  عنها . ومعلوم أن حب  شريحة المتعلمين المراهقين للمواد الدراسية، يتوقف على  مدى محبتهم لمن يدرسونها ، وفي المقابل تتوقف كراهيتهم ونفورهم منها على مدى كراهيتهم لمن يدرسونها . ولا يخلو إنسان مهما كان  مر في فترة من فترات تعلمه من إضمار محبة أو كراهية لمواد دراسية بسبب سوء العلاقة مع مدرسيها أومدرساتها. وقد يشكو مدرسون ومدرسات من إعراض المتعلمين عن مواد تدريسهم دون وعي أو شعور منهم بدورهم في ذلك .

ـ  تجنب كل أنواع العنف المادي والمعنوي مع الشريحة المراهقة من المتعلمين من قبيل التوبيخ الذي  يتسبب لهم في عقد نفسية قد تصير مزمنة إلى درجة النفور التام  من التعلم ينتهي بالتسرب. ومعلوم أن توبيخ وإهانة  المدرسين والمدرسات للمتعلمين  داخل  الأقسام المختلطة دون مراعاة ما تقدم من أحوال المراهقين والمراهقات تترتب عنهما تداعيات خطيرة باعتبارهما استفزازا لطبع التمرد المتأصل في هذه الشريحة  الثائرة  بسبب نضجها الجسماني والنفسي المفاجىء .

ـ اعتماد الطرق التربوية المجربة من طرف خبراء متخصصين عوض اعماد  طرق عفوية وتلقائية  ، وذلك ضمانا للتحكم بشكل جيد في الأهداف المرجوة منها ، وهذا يتطلب الخبرة الديداكتيكية التي تُلتمس في مظانها عند أهل الخبرة والتخصص .

ـ اعتماد طرق  وأساليب التقويم العلمي الدقيق عوض التقويم الانطباعي ، وهذا يقتضي أيضا التماسه في مظانه عند ذوي الخبرة والاختصاص . ولا بد من التنبيه إلى أنه من مفسدات التعليم والتعلم وفشلهما سوء استعمال طرق وأساليب التقويم الفعالة ،والتي تختلف حسب اختلاف المواد الدراسية ، ذلك أنه لكل مادة دراسية  أنواع  من الاختبارات الخاصة بها ، والمقتضية لما يناسبها من  طرق وأساليب التقويم التي تقيس بدقة مدى التمكن من  مختلف القدرات، والمهارات، والكفايات.

ـ تجنب أساليب التشدد أو المجاملة في التقويم نظرا لآثارهما السلبية على المتعلمين ، فالمقوم المتشدد قد يحيف عليهم ، والمقوم المجامل يخدعهم .

ـ عدم تغيب القيم الدينية والأخلاقي في التعامل مع المتعلمين المراهقين  والمتعلمات المراهقات  خصوصا عندما  يتعلق الأمر بطبيعة بعض المواد الدراسية  التي قد يرى مدرسوها ومدرساتها أنها لا تسمح بملامسة تلك القيم ، وفي هذه الحالة ، لا بد من اغتنام فرص لإيجاد فسح زمنية ضيقة لها  نظرا لأهميتها في التنشئة والتربية ، وهذا يقتضي اكتساب المدرسين والمدرسات خبرة في هذا المجال ، ولكن شريطة عدم شحن أذهان المتعلمين والمتعلمات بالقناعات  والتوجهات الشخصية التي تمليها انتماءات سياسية أو حزبية أو دينية ...

وفي الأخير ، وعود على بدء، نذكر مرة أخرى  بما أشرنا إليه  في حلقات سابقة من هذه السلسلة ، وهو ضرورة استصحاب المربين والمربيات ما سميناه سجلات هويات المتعلمين والمتعلمات المتضمنة لمختلف المعلومات الأسرية، والنفسية، والاجتماعية، والصحية ... المساعدة على معرفة مساراتهم التعلمية قصد استثمارها من أجل تسديد تعلمهم وتنشئتهم وتربيتهم . وإن غياب تلك السجلات والعناية بها، يجعل المشتغلين في الحقل التربوي يجهلون طبيعة الناشئة المتعلمة التي يتعاملون معها في مرحلة طفولتها وشبابها  قبل ان تغادر مراحل التعلم الابتدائية، والثانوية الإعدادية والتأهيلية إلى مرحلة التعليم العالي التي سنخصص لها حلقة قادمة إن شاء الله تعالى . 

وسوم: العدد 1105