لماذا يكرهون الأكـراد !!!؟
لماذا يكرهون الأكـراد !!!؟
خالد الأحمـد
*في عام (1920) م دخل الجنرال (غورو ) قائد القوات الفرنسية دمشق ، بعد معركة استشهادية في ميسلون أصر فيها وزير الدفاع السوري يومئذ ( يوسف العظمة ) يرحمه الله ؛ أصر أن لايدخل الفرنسيون سوريا إلا على أشلائه ، وهو يعلم أن عدد جيشه السوري وعدته لاتقارن بحال من الأحوال بعدة القوات الفرنسية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى . ولكنه فهم أن مهمته التي أسندت إليه وهي وزارة الدفاع في حكومة فيصل بن الحسين ، هذه المهمة توجب عليه أن يبذل روحــه رخيصة في الدفاع عن بلـده ، وقد حاول ( أصحاب العقل ) أن يقنعوه بالتخلي عن المقاومة ، وفتح الطريق لتدخل قوات ( غورو ) الفرنسـية ، وكأنها في نـزهـة بين بيروت ودمشـق ، يقول الأستاذ شوقي أبو خليل في كتابه ( الإسلام وحركات التحررالعربية ) ص133:
(( كان يوسف العظمة متديناً متمسكاً بإسلامه ، مؤدياً لصلاته ، صائماً ومزكياً ومتحلياً بفضائل الدين الإسلامي ، وكان يعلم أنه سيخسر المعركة ، لكنه اعتقد أن مشي فرسا على جثث المقاومة ، واستيلائها على أرض خربة مدمرة أفضل وأشرف للشعب السوري ، أفضل من فتح أبواب بلاده لجيشها ، يدخلها ويمشي في شوارعها مستعلياً ، وكان يعلم أنه مقبل على الموت ، لذا فقد قال لساطع الحصري وهو يودعه قبل انطلاقه إلى ميسلون : إني أترك ابنتي الوحيدة ليلى أمانة في أعناقكم )) .
(( وأبرز من قاتلوا واستشهدوا في ميسلون من علماء المسلمين الذين اعتقدوا أن الاشتراك في ميسلون فريضة جهاد مقدسة ، يجب أن يؤديها المسلم ولو استشهد فيها ومنهم على سبيل المثال : الشيخ عبدالقادر كيوان ، خطيب الجامع الأموي ، والشيخ كمال الخطيب من مدرسي القرآن في الأموي ، والشيخ محمد توفيق الدرة ، مفتي الجيش الخامس ، والشيخ ياسين كيوان ، وهو تار ورع ، ومن الشهداء ايضا الشيخ سليم الدرة ، والشيخ عمر الصباغ ، وصادق هلال وأحمد الموصلي ومحمد نوري الحصري وعبده الصباغ وأمثالهم كثير ...)) وقد نقل الأستاذ شوقي أبو خليل عن محي الدين السفرجلاني صاحب كتاب فاجعة ميسلون ، طبع عام ( 1966) في دمشق .
وفي أوائل شهر آب (1920)م دخل الجنرال غورو دمشق (عاصمة الأمويين ) ، وكان أول مافعله بعد وصوله أن توجه إلى قبر البطل صلاح الدين الأيوبي ، وركل القبر بقدمه وقال : ها نحن عدنا ياصلاح الدين .
مع أنهم سموها انتداب فرنسي ، يريدون أن يحضروا مستعمرات الرجل المريض ( السلطنة العثمانية ) ، فهاهم كشفوا عن حقيقة نواياهم ، وبواعث احتلالهم للعالم الإسلامي ، إنها حرب صليبية شـعواء سـافرة كما يقول وليد الأعظمي يرحمه الله .
ولذلك يكرهون الأكراد لأن صلاح الدين البطل المسلم الكردي الذي وحد بلاد الشام مع وادي النيل واستطاع أن ينتصر على الصليبيين في حطيـن ، مع أنه كان مثلاً للشهامة والقيم وحقوق الإنسان التي يتعللون ويتذرعون بها .
وفي عام (1962) قدم النواب الإسلاميون مشروعاً في المجلس النيابي السوري [ آخر مجلس شعب حقيقي انتخب من الشعب ] ، قدم فيه النواب الإسلاميون مشروعاً يقضي بأن لايرسل إلى الجزيرة السورية حيث يغلب السكان الأكراد ، لايرسل لها إلا الموظفون الملتزمون بدينهم وإسلامهم ، كي يتعاملوا مع الأكراد بهذا القاسم المشترك ( الإسلام ) ، ولكن المشروع أحبط في المجلس ، بحجة أنه طائفي ورجعي .
وعندما عملت في قرى الأكراد و حولها عام (1966م) ، وكان من أصحابي إمام المسجد لقرية ( كربيجنك ) وهو مثقف ثقافة إسلامية لابأس بها ، ومن حزب ( البارتي ) كما يسمى يومها أي الحزب الكردي ، قلت له : أنت مسلم وثقافتك الإسلامية جيدة ، فكيف تدعو إلى دعوة قومية !!؟ قال لي : لقد دعا العرب قبلنا إلى القومية ، والعرب هم مادة الإسلام ، وقلدناهم فدعونا إلى قوميتنا ، واليوم لو يعود العرب إلى الدعوة الإسلامية ، ويتركون الدعوة إلى القومية نسبقهم في العودة إلى الإسلام والدعوة إليه .
وكنا معاشر الإسلاميين نعامل من قبل الأكراد معاملة مميزة ، وكنا نشعر بحبهم لنا ، وكنا نرى أيضاً ، ســوء معاملتهم من الموظفين العرب المتحللين أو المتحررين من الإسلام ، وكنا نرى أن القرى الكردية ( اليزيدية ) ، والقرى الكردية غير المسلمة ، أو قرى الأشوريين مثل ( تل تمر ) على الخابور قرى تستقطب أنظار الموظفين الحكوميين السوريين من كبار الموظفين ، وتستولي مثل هذه القرى على معظم اهتمام الدولة والمسؤولين ، بينما تهمل قرى الأكراد المسلمين .
وهذا يتضح لنا أن الأكراد يكرهون لأنهم مسلمون ، والمتحللون أو المتحررون من الإسلام ، عملاء لأعداء المسلمين الذين يكرهون الأكراد لأنهم مسلمون ، ولذلك يكره هؤلاء العملاء الأكراد لأنهم مسلمون . وأكبر الأدلـة أن القرى الكرديـة غير المسلمة ( مدللـة ) عند السلطات الحاكمة ، عملاء أعداء المسلمين .
كما نسمع اليوم ومنذ نصف قرن أن دول المنطقة كلها [ تركيا وسوريا والعراق وإيران ] مع الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا التي تدعي حمايتها لحقوق الإنسان ، الجميع يتفقون على عدم السماح بقيام دولة كردية ، وقد أقاموا دولة للصهاينة في قلب العالم الإسلامي ، وجمعوا أشتات الصهاينة الحاقدين على الإسلام والمسلمين من شتى بقاع العالم ، وقدمت لهم المليارات من الدول الكبرى في العالم بريطانيا سابقاً وروسيا ثم أمريكا حالياً ، ولايسمحون للأكراد [ المسلمين ] بإقامة دولة لهم في منطقة يتواجد فيها منذ مئات السنين أضعاف يهود العالم كله ، يمنعونهم من إقامة دولة لهم ، ويجمعون أشتات الصهاينة ليقيموا لهم دولة في فلسطين على حساب المسلمين . فهاهو العالم يقف كله أو معظمه مع الصهاينة أعداء المسلمين لقيموا دولتهم في فلسطين ، ويقف كله أو معظمه ضد إقامة الدولة الكردية لأن أهلها مسلمون .
ويتضح أن مشكلة الأكراد أنهم مسلمون ، وقد حاول بعض الأكراد أن يركبوا الموجة الماركسية ، عقوداً من الزمن ، ولكن أعداء المسلمين لم ولن ينسـوا أن الأكراد مسلمون وأن صلاح الدين الأيوبي يرحمه الله بطل كردي مسلم . وحتى لو تظاهر بعض الأكراد بالماركسية فلن يقبلهم أعداء المسلمين . وبالتالي ليس لهم ، كما ليس لنا ـ نحن العرب ـ إلا العودة إلى ديننـا والالتزام بـه ، وتطبيق شريعته في حياتنا . لتعود لنا عزتنا وكرامتنا المهدورة .
إن إخواننا الأكراد في سوريا يعيشون في قهر وظلم ، ولكن إخوانهم العرب المسلمين الذين يرفضون التحرر من دينهم ، ويصرون على التمسك به يعيشون في القهر والظلم نفسـه أو أشـد ، وليس لهم ـ الأكراد والحركة الإسلامية ـ إلا التعاون معاً من أجل سوريا بلد لجميع أبنائه ، وهذا منطق الإسلام ، وليس منطقاً نتاجر بـه ، لن يجد العرب عزاً في غير الإسلام ، كما لن يجد الكرد عزاً في غير الإسلام ، فلنعد إلى الإسلام ، عرباً وكرداً ، ونبني سوريا التي نريدها لجميع أبنائها ، كما وصفت في المشروع السياسي لسوريا المستقبل ، رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سوريا حيث جاء فيه مايلي :
1. نريد سوريا بلداً ذا هوية عربية إسلامية ، فالإسلام دين للمواطن المسلم ، وحضارة للمواطن غير المسلم .
2. نريدها بلداً تسود فيه كلمة الحق والعدل .
3. نريدها بلداً ينعم فيها الجميع بظل شريعة الله عزوجل .
4. نريدها بلداً تتحقق فيه الوحدة الوطنية ، وينبذ التعصب الطائفي ، وتتعايش فيه مختلف الديانات والأعراق والمذاهب .
5. نريدها بلداً ينتهي فيه الصراع بين التيارات الإسلامية والقومية ، ويتنافس فيه الجميع لمصلحة الوطن .
واليوم يطرح الإخوان المسلمون في سوريا ، الدعوة إلى مؤتمر وطني ، تسهم فيه جميع التيارات السورية ، وعلى رأسها الأخوة الأكراد ، يسهمون في معالجة حالة الاستبداد والاضطهاد ورفع الظلم عن الشعب السوري عرباً وأكراداً ، وحسب ما نأمل أن يكون الأخوة الأكراد أول من يستجيب لهذه الدعوة إلى مثل هذا المؤتمر ، من أجل مصلحة سوريا المستقبل .
*
كاتب سوري في المنفى