"ممر السلام" أفيون مخدر أم تحول جذري

"ممر السلام" أفيون مخدر أم تحول جذري؟

صدقي موسى - كاتب وصحفي

[email protected]

كأي مواطن فلسطيني؛ أفرح واستبشر خيرا عندما تقام مشاريع اقتصادية وتنموية تسهم في رفع مستوى معيشة هذا الشعب وتنقذه من شبح الفقر والبطالة وتعزز صموده وثباته على هذه الأرض.

فعندنا 177 ألف عاطل عن العمل خلال الربع الثاني من 2007، وتراجع الإنتاج الصناعي بـ0.84% للربع الثاني من نفس العام، بالإضافة لبنية تحتية واقتصادية مدمرة.

آخر المشاريع التي سمعنا عنها، الاتفاق على مشروع "ممر السلام" بين السلطة الفلسطينية والأردن وكيان الاحتلال واليابان التي تموله بقيمة مئة مليون دولار.

ويشمل المشروع إقامة منطقة زراعية صناعية في مدينة أريحا وإعادة ترميم جسر "دامية" التجاري بين الأردن والأراضي الفلسطينية، وإنشاء مطار تجاري في منطقة الشونة الأردنية لتصدير المنتجات الزراعية القادمة من الأراضي الفلسطينية للخارج.

ومع التقدير لكل الجهود التي تسعى لتعزيز الاقتصاد الفلسطيني وتوفير فرص عمل ودخل لخزينة السلطة، إلا أن هنالك ثلاث ملاحظات رئيسة انوه إليها حول هذا المشروع.

أول هذه الملاحظات: زاد التركيز منذ فترة ليست بالبعيدة على الحل الاقتصادي وتقديمه على الحل السياسي للقضية الفلسطينية بعد أن ثبت فشل الأخير، فعلى مستوى الحواجز بعد أن اتفق اولمرت مع الرئيس أبو مازن على إزالتها نجد أنها لم تتزحزح من مكانها، فما بالنا على مستوى ارض وأسرى وقدس ولاجئين.

وآخر دليل على إفلاس الاحتلال مبادرة شمعون بيرس "الأسرى مقابل الأرض" في إشارة واضحة لاستغبائه للعقل الفلسطيني والعربي، وعدم جدية في إعطاء الفلسطينيين حقهم المشروع، في ظل هذه الأجواء أدركت الولايات المتحدة الأمريكية ومن خلال تجارب مسبقة عبر مسيرة السلام واتفاقات متنوعة أن الفلسطينيين والاحتلال يدورون في باب دوار لا مخرج منه، وعلى أساس التغيير في التكتيكات فتحت الطريق لحليفتها اليابان بمبادرة اقتصادية وهي ما عرف بمشروع "ممر السلام". وبمباركة مسبقة من الاحتلال، ففي تصريح ل"إيلي كوهين" السفير الإسرائيلي لدى اليابان نشرته صحيفة "آساهي" اليابانية 12/8 "في أواخر 2004 بعد أن قال لي جونيتشرو كويزومي رئيس وزراء اليابان آنئذ إنه يرغب في أن تلعب اليابان بدور مؤثر في الشرق الأوسط يختلف عن ما تقوم به الولايات المتحدة والدول الأوربية، سلمته عرضا بعنوان نموذج النجاح مفاده أن تقوم إسرائيل واليابان بدعم الفلسطينيين في أريحا بالضفة الغربية."

و خطورة الأمر هنا أن تقام مثل هذه المشاريع كابر مخدرة، وأفيون للشعب الرابض فوق بركان ملتهب، لأنه سرعان ما يستيقظ على واقع يقول له أن الاحتلال ما زال يجثم على أرضك، يعتقل أبنائك ويقتل أطفالك وما زال يحفر تحت أقصاك، وإخوانك اللاجئين ما زالوا هناك في المخيمات وفي أصقاع العالم، فمثل هذه الأجواء الخداعة التي توحي بالرخاء تكون بيئة خصبة لتفشي سرطان الاستيطان وارتكاب الانتهاكات والجرائم بحق الفلسطينيين.

والخوف هنا أيضا ان تتخذ مثل هذه المشاريع ورقة ضغط على الشعب والمفاوض الفلسطيني ليرضخ للأمر الواقع، ويبتز ويساوم ما بين المال والأرض.

ومع أهمية الموضوع الاقتصادي إلا انه لا يجب إغفال الجانب السياسي، وعدم وإعطاء صورة بأن مشكلة الشعب الفلسطيني اقتصادية وليست مشكلة ارض ومصير شعب. فيجب ان يكون الحل سياسيا شاملا.

فالشعب الفلسطيني رغم ضنك العيش الذي يحياه مع الإرهاب المتواصل، ثابت على أرضه لأنه صاحب حق. بينما نجد أن عدد اليهود الذين هجروا كيان الاحتلال خلال الـ58 عاماً الماضية أكثر من نصف مليون، القسم الأكبر منهم استقروا في الولايات المتحدة. حسب دائرة الإحصاء المركزية في كيان الاحتلال.

فالحركة الصهيونية منذ البداية ركزت على الهجرة الكثيفة والمتسارعة لفلسطين والاستيطان، داعمين ذلك بضخ الأموال وإقامة المشاريع الاقتصادية والتنموية، والاهتمام بالإنتاج الزراعي وبالتالي عندما لم يكن اليهودي يرى ما كان يوعد به من رخاء ونعيم يرجع من حيث أتى.

بينما الفلسطينيين ليست قضيتهم الأساسية الخبز والمال، وإنما يحملون قضية شعب محتل يسعى للتحرر وليس للتسمين والتخمة ، كما انه لا يمكن لأي مشروع اقتصادي أن ينجح دون أن يصحب ذلك تتطور واستقرار في الجانب السياسي.

فأبسط الأمور انه لا يمكن الحديث عن مشروع اقتصادي ناجح والحواجز تعرقل حركة العمال والحافلات، وتعيق دخول المواد الخام.

الملاحظة الثانية: لقد ذقنا الأمرين جراء تبعية الاقتصاد الفلسطيني لكيان الاحتلال، وتحكمه بمواردنا وبحركة عمالنا، واعتمادنا على المساعدات والهبات الخارجية التي إذ انقطعت، همنا على وجوهنا، وخرجنا نحمل الطناجر والملاعق.

وللأسف لم يبن الاقتصاد الفلسطيني على أساس انه اقتصاد مقاوم لشعب يسعى للتحرر من الاحتلال، فاقتصادنا محتل مثل أرضنا وبالتالي لن يتحرر أي شعب طالما موارد معيشته بيد عدوه وصنابير مياهه يتحكم بها.

فالكيان الصهيوني منذ بداياته اعتمد على بناء اقتصاده الذاتي فما بين "1882-1914" تمكنت الحركة الصهيونية من بناء بضعة مستوطنات زراعية، معتمدة على دعم اليهودي الخارجي في إشارة واضحة لأهمية الاقتصاد واستقلاليته والاعتماد على الذات.

ولعل إنشاء الوكالة اليهودية عام 1929 ذات الهدف الاقتصادي الرئيس، دور بارز في تنظيم الاقتصاد للتجمعات الصهيونية في فلسطين وتشكيل كيانات اقتصادية وإنتاجية قادرة على إقامة دولة.

في مقابل ذلك نجد انه منذ قيام السلطة بنية اقتصادية ضعيفة تعتمد على المساعدات الخارجية، فمنذ عام 1983 وحتى 2005 كما تشير الإحصائيات حصل الفلسطينيون على مساعدات اقتصادية أمريكية فقط تزيد قيمتها عن 1.5 مليار دولار من خلال الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

وفي الطرف الآخر تعطي الولايات المتحدة الكيان المحتل أكثر من ملياري دولار على شكل مساعدات سنويا رغم ما يتمتع به من بنية اقتصادية وإنتاجية قوية، فما بالنا بالاقتصاد الفلسطيني الذي لم تكن تسمح فيه المساعدات التي يتلقاها من إقامة مشاريع إنتاجية أو ذات دخل، وإنما ما كان يصله يصرف رواتب، وعلى مشاريع خدماتية، ولم يصرف للقطاع الإنتاجي سوى ما نسبته 9%.

لذلك مثل هذا المشاريع لا يجب أن نقع من خلالها بالأخطاء السابقة ونكون تحت رحمة الاحتلال، الذي إن توفرت لديه نية صادقة لتم الاتفاق على إقامة مطار في الأراضي الفلسطينية لتصدير المنتوجات، وسمح بتوسعته في غير مناطق "أ".

الملاحظة الثالثة: على أي مشروع اقتصادي يقام أن يكون عنوان وحدة، بحيث لا يعمد إلى تطوير الضفة على حساب قطاع غزة، فأي مشاريع تقام يجب أن تأخذ بالحسبان مصالح الشعب الفلسطيني ككل وكوحدة واحدة.

واختم بطرح التساؤلات التالية: كيف نقيم مشاريع اقتصادية دون بنية تحتية وخدماتية؟ وهل سيكون القرار في هذا المشروع والسيادة للفلسطينيين أم نفاجأ بأن الاحتلال هو الآمر الناهي؟ وهل مثل هذه المشاريع التي يراد لها أن تقام، هي اقتصاد كنتونات ام اقتصاد دولة؟ وهل مثل هذا المشروع هو مشروع تخديري أم انه مشروع اقتصادي فاعل؟.