برنامج "معكم" ضحية أكاذيب الانفتاح والتطوير
برنامج "معكم" ضحية أكاذيب الانفتاح والتطوير!
آخر الفضائح الرقابية في التلفزيون السوري
محمد منصور*
في مطلع شهر حزيران (يونيو) الماضي، جرت مصادمات عنيفة في بلدة (الرحيبة) التي تبعد حوالي خمسين كيلومتراً شمال شرق العاصمة دمشق، بين أهالي القرية والشرطة أثناء تنفيذ عمليات هدم منازل مخالفة. قتل فيها أربعة أشخاص وجرح أكثر من 15 آخرين. ووصفت بلدة الرحيبة بأنها كانت ساحة حرب حقيقية أثناء وقوع الصدامات فيها.
وكانت الصدامات قد اندلعت بين المواطنين وقوات الأمن عندما بدأت اللجان المكلفة بالهدم مدعومة من قوة أمنية بتنفيذ عمليات هدم'71 منزلا 'مخالفا' في البلدة في أعقاب صدور قرار بذلك من محافظة ريف دمشق تطبيقا لقوانين منع المخالفات الصادرة مؤخرا.' والمعروف أن كثيراً من مسؤولي البلديات يقبضون رشاوى كبيرة لتسهيل البناء العشوائي المخالف، ولهذا استفز الكثير من المواطنين في بلدة الرحيبة أن يكون نفس المسؤولين الذين قبضوا منها الرشاوى الكبيرة من أجل السماح لهم بالبناء، هم من يقومون بتنفيذ عمليات الهدم، بحجة تطبيق القانون، وهم الذين قبضوا ثمن مخالفة القانون!
هذا الحدث الكبير، الذي قرر مجلس الشعب السوري لاحقاً، تشكيل لجنة لتقصي الحقائق في أحداثه، تحمست معدة برامج في التلفزيون السوري لتغطيته في برنامجها الأسبوعي الخدمي (معكم) على القناة الأولى... بعد أن وصلتها احتجاجات ونداءات من أهالي البلدة.. فالحدث يندرج تماماً ضمن اهتمامات البرنامج، وهو لا يعكس أي بعد سياسي لا سمح الله... إنها عملية احتجاج مهما كانت طبيعتها، إلا أنها تتصل بمسألة بناء مخالف وعمليات هدم لا أكثر ولا أقل!
لكن ما حدث بعد ذلك، أن الزميلة (سمر شمة) معدة البرنامج المذكور، والتي تشغل وظيفة (رئيسة دائرة البرامج في الفضائية السورية) عوقبت على فعلتها الإعلامية الشنيعة، وصدر قرار بإقالتها من رئاسة البرامج في الفضائية أولاً... وبإبعادها من البرنامج الذي تعده بدأب وإخلاص منذ سنوات... ومعها المذيعة التي قدمت المادة!
الطريف في الأمر أن مخرجة البرنامج (سهير سرميني) مديرة القناة الأولى، التي تتحمل مسؤولية ما بث مرتين... الأولى لأنها مخرجة البرنامج، والثانية لأنها مديرة القناة التي بث فيها البرنامج، استثنيت من غضب السيد وزير الإعلام، لأنها من (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)... وجرى اعتبار الأمر بأنه مسؤولية معدة البرنامج ـ بل ومذيعته - لا مخرجته!
شخصياً أنا أبرئ السيدة سرميني من هذه المسؤولية، لأن التوجه نحو عكس نبض الشارع الحقيقي والاقتراب من أوجاع وآلام الناس هو آخر هموم عملها التلفزيوني... وهذا التوجه هو بالفعل ما كانت تحرص عليه الزميلة المبعدة سمر شمة... وأعتبر إيقافها على العمل وساماً على صدرها... ووصمة عار في جبين كل من يتبجحون بتطوير الإعلام السوري، ولا ينفكون يطلقون الأكاذيب ليل نهار عن سعي التلفزيون السوري للاقتراب من جمهوره المحلي، وعكس صورته وهمومه وتطلعاته بأمانة وصدق... وبلا أي رقابة... وباي باي يا رقابة!
قرار طرد الخبرات: استهجان متواصل!
ما زال قرار وزير الإعلام السوري بطرد الخبرات الإعلامية وسد كل أبواب العمل وأشكال التعامل معها في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بحجة أنها تجاوزت السن القانونية، حتى للعمل على الفاتورة... ما زال هذا القرار يتفاعل في الأوساط الإعلامية السورية، ويلقى مزيدا من صيحات الاستهجان والاستغراب، من هذه العقلية التي تزدري خبرات الرواد، وتحجر عليهم في سجن الإقامة الجبرية المهنية!
إعلامي سوري لامع يعمل في إحدى المحطات الخليجية، عبر عن صدمته من القرار... واعتبر أن القرار لا يشكل طرداً للإعلاميين الكبار الذين كانوا يعملون في البلد، بل يسد منافذ الرجوع على أولئك الذين هم خارج البلد. وأضاف هذا الإعلامي بأننا مهما عملنا في الخارج فنحن ضيوف على هذه المحطات، ولابد أن نعود إلى بلدنا. إذا قررت العودة غداّ لأي سبب من الأسباب... فماذا سأعمل؟!
بالمناسبة إذا كانت لدينا قامة مثل (حمدي قنديل) تريد أن تقدم برنامجاً في التلفزيون أو الفضائية السورية... كيف سنتعامل معها وقد تجاوزت السن القانونية؟! فعلاً مشكلة كبيرة يا جماعة!
بلاوي الخادمات: دراما الشر المطلق!
خصص برنامج (نشوى) للإعلامية نشوى الرويني على قناة (دبي) حلقة هذا الأسبوع لمناقشة موضوع الخادمات في البيوت.. وركز البرنامج في معالجته كالعادة على الحكايات والقصص التي يرويها ضيوف البرنامج من أكثر من بلد عربي.. والتي نقلت جوانب ـ سلبية في الغالب - من خبرتهم في التعامل مع الخادمات، ومعاناتهم في تحمل ما يخفي هؤلاء من مؤامرات ودسائس وسلوكيات تعود بالضرر على مخدوميها!
المصدر الأساسي لضيوف البرنامج كان من الخليج ومن مصر.. ومعظم المتحدثين هم من المخدومين لا الخادمين.. وقد تنوعت شكوى السادة المخدومين ما بين إيذاء أو محاولة الإيقاع بين أبناء الأسرة الواحدة، حيث تقوم الخادمة بـ (التلسين) على سيدتها، ورمي الدسائس بينها وبين زوجها... وما بين حالات السرقة التي يضعف فيها الوازع الأخلاقي لدى الخادمة، وصولا إلى انهيار هذا الوازع تماماً، بتخدير إحدى الخادمات للسيدة المسنة التي ترعاها، كي تتفرغ ـ أي الخادمة- لاستقبال عشاقها من الرجال ومطارحتهم فنون الغرام.. أو تحويل البيت إلى محطة استراحة فاخرة لأهلها وأقاربها في أيام العطل التي يسافر فيها أصحاب البيت تاركين بيتهم في (أيد أمينة) لدى خادمة أخرى... لم تكن تكتفي باستضافة أقاربها، بل كانت تتصرف أيضاً في سرقة المواد التموينية، وتهريبها إلى بيت أختها لدرجة أن سيدة المنزل الذي تخدم فيه هذه الخادمة (الوحشة) ـ على حد تعبيرها- اكتشف في النهاية أنها تنفق على تموين بيت آخر من دون أن تدري!
قصص وحكايات لا تنتهي بدا فيها السادة متضررين مادياً ونفسياً وأخلاقياً وصحياً من خادماتهم؛ رغم أنهم لم يكونوا يقصرون في معاملتهن بأحسن معاملة، ويطعمونهن ألذ الأطعمة، ويشترون لهن الثياب الفاخرة في الأعياد وكأنهن من بقية اهلهم.. وقد حاول الكثير من السادة الذين ظهروا في البرنامج أن يفسروا سر نكران الجميل الذي قوبلوا به من قبل خدمهم، فلم يجدوا أي تفسير لما حدث... سوى (الغل) أو (الحقد)!
لا أدري إذا كان البرنامج قد استضاف قبل ذلك بعض الخادمات اللواتي تعرضن لسوء المعاملة أو الاغتصاب أو الضرب... لكن من الواضح أن السيدة نشوى قد تعاطفت مع السادة المخدومين على حساب الخادمات.. ولهذا تعاملت مع القصص التي أدلى بها ضيوفها باعتبارها (شرا من طرف واحد)... شرا مصدره خادمات حاقدات عديمات الأخلاق، و'واسعات الذمة'! في القول والفعل وصون الأمانات!
لقد عاينت خلال عملي السابق في الخليج الكثير من القصص المأساوية عن خدم أو سائقين، لم يكونوا يتمكنون من النوم لأكثر من ثلاث أو أربع ساعات في اليوم... فطلبات السادة وأبنائهم وأحفادهم لا تعرف دواماً رسمياً، ولا ليلاً أو نهاراً... وقد عرفت خدماً وسائقين كانت تتداولهم العائلة والأصدقاء على سبيل الإعارة المجانية، فيخدمون في بيت (كفيلهم) وفي بيوت والديه وأشقائه وأقاربه وأحياناً جيرانه على اعتبار أن الله قد أوصى بسابع جار!
وعرفت خدماً كانوا يسكنون في غرف خدم ملحقة لا تصلح حتى للكلاب... وكثير من هؤلاء كانوا مطالبين بأجورهم الزهيدة، أن يدفعوا رسوم تجديد إقامتهم السنوية، التي تعتبر قاصمة للظهر بالنسبة لرواتبهم الضئيلة... كما عرفت أحد الحراس في استراحة سكن شبابي، كان لا يستطيع أن يذهب لزيارة أهله في الباكستان (أي زوجته وأولاده الصغار) سوى مرة واحدة كل أربعة أعوام... لأن ثمن بطاقة الطائرة يساوي عشر راتبه الشهري لأربع سنوات!
وفوق هذا كله، رأيت ثقافة الاستعلاء واستعباد الآخرين، تعلم للأطفال الصغار في الخليج، كما يعلمون مبادئ القراءة والحساب... فإهانة الخادمة معنوياً ولفظياً من قبل الأولاد الصغار أسهل من شربة الماء، ونادراً ما تلقى استهجاناً من الأهل، إلا إذا استخدمت شتائم جنسية لا يحسن التلفظ بها، ورفع الأحذية في وجه السائق وهو يوصل الأبناء إلى مدارسهم وهم جلوس في المقاعد الخلفية حالة اعتيادية مألوفة جداً! إلا أن أغرب ما في ظاهرة انتشار الخادمات في الخليج هو أننا لا نفهم لماذا تحتاج ربات البيوت لخادمات ما دمن لا يعملن خارج منازلهن، ونسبة النساء العاملات قليلة جداً في الخليج... وحدث ولا حرج عن غياب وسائل التثقيف التي يمكن أن تملأ فراغ حياتهن، ومن هنا فإن المرء يطرح سؤالاً بديهياً عن حاجة هؤلاء للخادمات، كي ينظفن ويطبخن ويغسلن ويربين الأولاد، ما دمن لا يفعلن شيئاً ذا قيمة، فضلا عن أن التكنولوجيا الحديثة ساهمت في تسهيل مصاعب الأعمال المنزلية وجعلتها عملاً مسلياً!
لا أريد أن يكون الكلام محصوراً بالمجتمع الخليجي... فالمجتمعات العربية كلها تسير باتجاه تكريس ثقافة الخدم... واعتبارها مفردة من مفردات الحياة العصرية، ووسيلة من وسائل الرفاهية والمباهاة. وهذا أمر يخلق جيلاً يتعلم من داخل بيته، ومن أمه وأبيه، أن الاعتماد على الذات عمل شاق ومرهق، يستوجب علاجاً وحلاً... والحل يكمن في استخدام الآخرين... ودفعهم لمساعدتنا عن طريق القيام بالأعمال التي ينبغي أن نقوم بها بأنفسنا!
من الضروري أن ننظر إلى مشكلة سوء سلوك الخدم باعتبارها جزءاً من مشكلتنا نحن... فقد استمرأنا تحت ضغط الحاجة أو دونها، ضرورة وجود الخدم، وقررنا معاملتهم وفق ضوابط شخصية تتفاوت قسوتها وتراحمها من بيت إلى آخر، لأنه ليس هناك قانون يمكن أن يحكم العلاقة اليومية أخلاقياً واجتماعياً داخل بيت مغلق. ومن الإنصاف أن نتحدث عن حالة التمييز وسوء المعاملة التي تدفع الكثير من الخادمات للانتحار أو الهرب... ومن الإنصاف أن نرى أن جوهر العلاقة بين السادة والخدم يبقى بيئة خصبة لأمراض نفسية وسلوكية مثيرة... لأن مسرح هذه العلاقة هو البيت، لا مكان العمل حيث يمكن أن تسود قيم الزمالة بغض النظر عن التراتبية... أما البيت فهو مكان الراحة والرفاهية للسادة، وجحيم المشقة التي لا تنتهي بالنسبة للخدم... ولهذا علينا أن نفكر مئة مرة في دفع ضريبة هذه العلاقة، حين نشعر أننا مضطرون لإدخال الخدم إلى بيوتنا!
*ناقد فني من سورية