من أجل كرامة المواطن في سورية

من أجل كرامة المواطن في سورية

( فلنحترم الإنسان فينا ولنختلف بعدها حول كل شيء)

محمد نجاتي طيارة*

[email protected]

مقدمة
تتواتر إشارات متلاحقة على بروز تيار إصلاحي في قمة السلطة السورية، تبوأ بعض ممثليه وزارتين سياديتين في التعديل الحكومي الأخير ، هما وزارة الإعلام التي أسندت إلى الدكتور مهدي دخل الله ، ووزارة الداخلية التي أسندت إلى اللواء غازي كنعان الذي كان قد تولى رئاسة جهاز الأمن السياسي بعد فترة طويلة من ترؤسه جهاز الأمن والاستطلاع السوري في لبنان.

وبغض النظر عن تصنيف ما قد يضع أحدالمسؤولين في صف الحرس الجديد، وآخر في صف الحرس القديم، فإن الإصلاحية البارزة مجدداً قد تلتقي مع طروحات "التطوير والتحديث" أو "التجديد في ضوء الاستمرارية"، التي عبّرت عن توجهات الرئيس بشار الأسد، أكثر من التقائها مع طروحات الإصلاح الديمقراطي الراديكالية. وقد تمثلت هذه الإصلاحية السلطوية الجديدة بطروحات ( دخل الله) الذي كان قد ترأس تحرير جريدة البعث، وأثارت مقالاته حول إصلاح حزب البعث (أو تجديده) كثيراً من الضجة والخلافات المعلنة بين أفراد النخبة الحاكمة، كما لمّحت مصادر صحفية متعددة إلى توجهاتها عند (كنعان )سواء في نقده للإعلام السوري "الذي لايقرأ" أم في مطالبته بتوحيد الأجهزة الأمنية وووجوب "أن نصل إلى مرحلة يؤدي فيها الشرطي التحية للمواطن قبل أن يتوجه إليه بالسؤال"، الأمر الذي كثفه
رمزياً صحافي سوري شاب ولامع بحديثه عن الطريق الرئيسي الواصل بين وزارتي الإعلام والداخلية في دمشق " وألحقه بتساؤل عن احتمال مجيء الإصلاح السوري من فوق، لا من خانة الطبقة الوسطى كما يدعي المنظرون(1)
بدورنا لانهتم إذا أتى الإصلاح من فوق أم من تحت، المهم أن يأتي أخيراً ويأتي من الداخل لمصلحة مواطنينا وبلدنا قبل أن يفرض علينا من الخارج ولمصلحة الآخرين . وإذا كانت مسائل الإصلاح السوري كثيرة ومتعددة، ويمكن للجدل أن يستمر طويلاً حول أساليبها وأولوياتها، فنحسب أن أحداً لم يعد من الممكن أن يختلف حول قضايا مبدئية تتعلق بكرامة الإنسان والمواطن في سورية، وتستمد منها الشراكة الوطنية قيمها. ومن بين أهم تلك القضايا : ضرورة إنهاء ظاهرة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة، التي مازال بعض المواطنين السوريين يتعرضون لها، ويمكن بالتالي أن يتعرض لها أي مواطن، ولدينا شواهد حديثة ، دفعتنا إلى فتح ملف التعذيب هذا ووضعه على طاولة التوجه الإصلاحي السوري الجديد. على الأقل حتى لا نكون شهود زورعلى فضح جرائم سجن أبو غريب، وحتى لا يحجب صوت
المعركة صوت حقوق الإنسان والمواطن كما حدث في أوطاننا حتى الآن، متضامنون في ذلك مع نداء شديد الطرافة لشاعر وكاتب سوري توجه فيه إلى الحكومة السورية الجديدة بطلب وحيد هو (حمايته من الشتم )الذي نعبتره أيضاً تعبيراً رمزياً مكثفاً عن التعذيب أو إهانة كرامة المواطن (2)
لقد انضمت سورية بموجب المرسوم التشريعي رقم 39 لعام 2004 إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، التي اعتمدت وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 39/46 المؤرخ في 10 كانون الأول/ديسمبر 1984، وبدأ نفاذها منذ 26 حزيران/يونيه 1987.
وكانت الدول الأطراف في هذه الاتفاقية، قد رأت " أن الاعتراف بالحقوق المتساوية وغير القابلة للتصرف، لجميع أعضاء الأسرة البشرية هو، وفقا للمبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة، أساس الحرية والعدل والسلم في العالم، إدراكاً منها أن هذه الحقوق تستمد من الكرامة المتأصلة للإنسان".
ومع الإقرار بأهمية انضمام سورية للاتفاقية المذكورة، بعد تأخر دام 20 عاماً عن التوقيع و17 عاماً عن سريان تطبيقها عالمياً، وذلك على صعيد مكافحة ظاهرة جريمة التعذيب الشائعة في السجون والمعتقلات السورية، فإن ذلك الانضمام جاء منقوصاً عندمت أرفقت الحكومة السورية مصادقتها على الاتفاقية بتحفظات على المادتين 20 و22 من الاتفاقية، التي تنص الأولى منهما على اختصاص لجنة مناهضة التعذيب المشكلة وفق نصوص الاتفاقية، وتخويلها صلاحية القيام بالتحقيق "إذا تلقت معلومات موثوقا بها يبدو لها أنها تتضمن دلائل لها أساس قوى تشير إلى أن تعذيبا يمارس على نحو منظم في أراضى دولة طرف". بينما تنص الثانية على اختصاص اللجنة في "تسلم ودراسة بلاغات واردة من أفراد أو نيابة عن أفراد يخضعون لولايتها القانونية ويدعون أنهم ضحايا لانتهاك دولة طرف في أحكام الاتفاقية" بالتالي فقد تم استبعاد آية آلية للتحقيق في شكاوى التعذيب من قبل اللجنة المختصة.
وإذ يملك الكثيرون ذاكرة مفجعة ترتبط بشيوع جرائم التعذيب في سورية، فضلاًعن توفر شواهد معاصرة على استمرارها، فإن انضمام سورية لاتفاقية مناهضة التعذيب شكّل خطوة على طريق معالجة جراح الماضي وشفاء ذاكرة الوطن، ومن ثم البدء بمكافحة جرائم التعذيب المستمرة. إلا أن ذلك الانضمام جاء معطلاً، وستبقى الاتفاقية المذكورة بدون أية فعالية، شأنها شأن الانضمام إلى العديد من المعاهدات الأخرى المتعلقة بحقوق الإنسان التي سبق لسورية الانضمام إليها، إن لم يتم تجاوز التحفظات المذكورة والانتقال إلى تطبيق بنود
الاتفاقية نصاً وروحاً. لذلك جاء تأكيد جمعية حقوق الإنسان في سورية في تقريرها( حول واقع التعذيب في سورية)(3) على أهمية "إلغاء كل ما يتعارض مع نصوص هذه الاتفاقية من مواد قانونية كالمادة 16 من مرسوم إحداث إدارة أمن الدولة، وضرورة سن نصوص قانونية
خاصة لتجريم ممارسة التعذيب، و تأمين تفتيش دوري على مراكز التوقيف والسجون وإصدار تعميم على موظفي هذه الأماكن يمنع ممارسة أي شكل من أشكال التعذيب، بالإضافة إلى ضرورة التراجع عن عدم الاعتراف باختصاص لجنة مناهضة التعذيب وفقا للمادتين 20و22 من الاتفاقية".
من هذا المنطلق، نفتح ملف التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية في سورية، هذا الملف الذي نعتقد أنه من أكثر الملفات حطاً للكرامةالإنسانية، ونطالب جميع المواطنين السوريين، في أي موقع كانوا، وأولاً المسؤولين منهم، بالعمل سريعاً على إنهائه وطيه إلى الأبد .

          

الهوامش :

*باحث، عضو مجلس إدارة جمعية حقوق الإنسان في سورية، وهو يرحب بجميع الآراء المهتمة الموضوع وتوثيق الشواهد، خصوصاً الجديدة أوالمغايرة منها : [email protected]
1ـ شعبان عبود : إصلاح الإعلام بتحريض من غازي كنعان : النهار19/10/2004
2ـ خلف علي الخلف : طلب وحيد لمواطن سوري من حكومته الجديدة، موقع إيلاف 15/10/2004 .
3 ـ صدر التقرير في كانون الثاني2004 وتعتمد هذه الدراسة عليه بصورة أساسية، ونصه الكامل محفوظ على موقع الجمعية