دمشق لا تأخذها على محمل الجد
تحت عنوان
" دمشق لا تأخذها على محمل الجد "
نشرت صحيفة الراية القطرية يوم الثلاثاء 20 / 1 / 2004 تعليقاً لرئيس الجمعية الأهلية لمناهضة الصهيونية الأستاذ رجاء الناصر على دعوة " رئيس الكيان الصهيوني الرئيس السوري لزيارة القدس جاء فيه : لا يمكن النظر للدعوة التي وجهها رئيس كيان العدو الصهيوني " كتساف " للرئيس السـوري مـن أجل زيارة " إسرائيل " وإجراء مباحثات مباشرة حول " السلام " بشكل منعزل عن النهج التفاوضي العام المتبع من قبل الصهاينة والذي أخذ منحى نمطياً متكرراً يقوم على دفع الطرف العربي إلى تقديم تنازلات متلاحقة ، دون أن يقدم العدو الصهيوني على تقديم مقابل لها ، أو هو يقوم بتقديم مقابل جزئي يمكن التراجع عنه فيما بعد .فدعوة " كتساف " ستؤدي إلى تقديم المفاوض السوري خطوة " تطبيعية " كبرى ودراماتكية دون مقابل ، وستضع المفاوض السوري على طريق التنازلات المتتالية ، في الوقت الذي يؤكد المفاوض الصهيوني المتمثل بحكومة شارون أنه ليس على استعداد للتنازل عن كامل الجولان حتى مقابل " السلام مع سورية " ويطالب حكومة دمشق بمجموعة من الاشتراطات فيما يعتبره مكافحة للإرهاب ترتبط بتصفية حزب الله أو " قدرته العسكرية على الأقل " والمساعدة في القضاء على منظمات المقاومة ، ويعتبر هذه الاشتراطات مقدمة لمفاوضات تبدأ من نقطة الصفر ، أي تلغي جميع نتاج المفاوضات السابقة .كما أن هذه الدعوة أطلقت وسط موجة من التهديدات الأمريكية لسورية لم تتوقف حدودها على إصدار قانون محاسبة سورية ووضعه كسيف مسلط على أعناق المسؤولين السوريين وسط اعتقاد بأن دمشق باتت أكثر استعداداً لتقديم تنازلات في سياساتها الخارجية مقابل التخفيف من الضغوط عليها والحفاظ على " نظامها السياسي " تماماً كما حدث مع القيادة الليبية التي أقدمت على خطوات دراماتكية انقلابية في سياساتها الخارجية مقابل تعهد بدراسة إمكانية الإبقاء على النظام الحاكم .
لكن رغم الرغبة الملحة للقيادة السورية في تحسين علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية واستعدادها للاستجابة لكثير من مطالبها ، فإن هناك عقبات أساسية أمام الإقدام على خطوة دارماتكية في مسارها التفاوضي مع الكيان تقدم فيها تنازلات مجانية كما تطالب تل أبيب . أول هذه العقبات : أن التنازلات المطلوبة منها لن تضعف قدراتها التفاوضية فقط وإنما ستؤثر على تماسكها الداخلي وعلى قدرة النظام في الحفاظ على ذاته في ظل أطماع صهيونية غير محدودة ، بإعادة صياغة المنطقة بما يخدم ديمومة هيمنتها عليها . وثاني تلك العقبات : الخبرة المكتسبة مما يجري في فلسطين حيث أن قبول القيادة الفلسطينية بجميع المبادرات والمشاريع الأمريكية لم يؤد إلى تحقيق أي تقدم جدي في مسيرة التسوية ، بل على العكس تماماً فإن القبول بتلك المبادرات والمشاريع أدى إلى مزيد من الضغوط "الإسرائيلية " والدولية .وثالث تلك العقبات : موقف الشعب السوري بجميع أطيافه الرافض للمسيرة التفاوضية مع الكيان الصهيوني والداعم لمنطق المقاومة وقواها ، باعتبارها خياراً بديلاً لخيار الاستسلام الذي يأتي تحت عنوان " السلام خيار استراتيجي وحيد " هذا الموقف الشعبي لا يمكن أن يستسيغ أي تنازل عن أراضي سورية أو حتى عن أية أرض عربية , كما أنه لا يتقبل أي تطبيع مع العدو الصهيوني ، وكثير من الشبان السوريين شاركوا في أوقات سابقة في عمليات الفدائيين الفلسطينيين التي كانت تنطلق من الحدود الأردنية أو اللبنانية ، كما أن آلافاً من هؤلاء قاتلوا في العراق ضد الاحتلال الأمريكي وهم بمعظمهم ليسوا منتمين إلى حزب البعث ولا يمكن وصفهم بأنهم أنصار للرئيس العراقي السابق صدام حسين أو لتنظيم القاعدة . ورابع هذه العقبات : ترتبط بالتخلي عن حزب الله ، أحد أهم الأوراق السورية في لبنان ، وفي إدارتها لمسيرة التفاوض .ومن المؤكد أن الكيان الصهيوني ومعه الإدارة الأمريكية ليس مهتماً بتحقيق تسوية على المسارين السوري واللبناني ، كما هو غير مهتم أصلاً بتحقيق تسوية على المسار الفلسطيني ، وكل ما يهمه هو الحصول على تنازلات مجانية دون أي مقابل أو ثمن .
وبالنسبة لنا كمواطنين سوريين ، وكناشطين في مجال مناهضة الصهيونية نؤمن بأن السلام مع الصهيونية مستحيل ، وأن المفاوضات غير مجدية ، وهذا الإيمان عززته تجربة " خيار التسوية " الذي كانت محطته الأساسية مؤتمر مدريد ، فرغم أكثر من / 12 / سنة على التفاوض فإن العرب لم يحصلوا على أي شيء على الإطلاق ، بل تراجعت فقط سقف مطالبهم بينما وضع الصهاينة أيديهم على كل الأراضي الفلسطينية ، وها هم يقيمون سوراً واسعاً لاحتجاز الكتلة الأساسية من سكان الضفة الغربية دون أي ردة فعل حقيقية من أية جهة عربية أو دولية , وها هي النظم العربية تتخلى عن مصادر قوتها وعن مصالحها , وتقيم علاقات مع الكيان الصهيوني دون أن تكون لها أية فائدة منها , ولا يزال الجولان محتلاً والأردن خاضعاً لتهديد مستمر بتحويله إلى موطن للفلسطينيين .
إننا في الجمعية الأهلية لمناهضة الصهيونية نرى أن لا فرق بين شارون ونتنياهو , وبارك وكتساف أ, حتى شيمون بيريز وبيلين , وأن هؤلاء جميعاً شركاء في المناورة أو المؤامرة والخديعة .
إننا ندعو لخيار خلق معامل القوة الذاتية عبر نشر ثقافة المقاومة , وعبر تحصين المجتمعات العربية وبناء القوة الذاتية ودعم خيار المقاومة , وتعميق التضامن العربي , وإيقاف مسلسل الهرولة على طريقة " الحمار الذي يلهث خلف الجزرة " ونحن على ثقة بأن المناورات الصهيونية لا تنطلي على أحد سوى الراغبين بالاستسلام .