المقاطعة

نور جندلي

منذ فترة قريبة التقيت ببعض الصديقات اللواتي لم أرهن منذ فترة طويلة ..  وجلسنا نتجاذب أطراف الحديث  ونحتسي فنجانا من القهوة علا بخاره الساخن فملأ المكان بشيء يشبه الضباب ... وتنقلنا في مواضيعنا التي تناقشنا بها من موضوع لآخر ..  ومن حديث لآخر حتى سألتني إحداهن من اللواتي يهتممن بأطفالهن ويبحثن عن الجودة في كل شيء .. عن نوع الحليب الذي أقدمه لطفلي فقلت لها بلا أي تردد  حليب ( ... ) 

الوطني .. فبادرت بالسؤال : ولكن لم لا تستعملين حليب ( ... ) الأمريكي .. يقال إنه أفضل بكثير ... فقلت لها والحماس يحدوني .. لأنني مقاطعة للمنتجات الأمريكية  رنت ضحكة عالية في المكان  وللأسف ظن الجميع أنها دعابة من دعاباتي ألقيت بها فجأة على مسامعهن  ولكنني لم أتمالك نفسي  فدمعت عيناي وهمست في سري : ( يبدو أنني الوحيدة المقاطعة ) !!!

وفي أحد المرات التقيت صديقة أخرى وفتحنا معا موضوع المقاطعة و أخبرتها أنني معها للنهاية فسألتني وما الفائدة منها  وهل شراء هذه الحاجيات سوف يدمر الاقتصاد الأمريكي واستطردت .. أنا بصراحة أعشق البضائع الأمريكية و لن أتخلى عنها لأي سبب كان ..فأنا أنتقيها انتقاء من أنواع مختلفة من السلع والبضائع !!

لم تنه حديثها إلا وظهرت في ذاكرتي صورة أحبتي في فلسطين الذين يقتلون كل يوم بأسلحة أمريكية  .. ويدمرون بأسلحة أمريكية .. ويذبحون بسكاكين أمريكية ..لاحت لي صورة محمد الدرة وهو محتم بوالده من سيل الرصاص الأمريكي الذي أمطرت سماءه الطفولية به وصورة  الرنتيسي و ولده وهم جرحى وصورة الشيخ أحمد ياسين وهو مصاب  بل لم ينته الكابوس الذي راودني عن فلسطين إلا ورأيت أبرياء العراق يذبحون .. وعلى يد من ؟؟ القوات الأمريكية .. صورة مروعة لهم ... تلك التي يتلوون فيها ألما فلا يجدون الدواء .. ويتضورن جوعا .. فلا يجدون الغذاء .. ونحن ... ها نحن نستضيفهم عبر بضائعهم في بيوتنا .. ونحمل أعلامهم على ملابسنا .. أي عار قد ألم بنـــــا ؟؟؟؟ لم أستطع الصمت أكثر وقلت لصديقتي التي كانت تضع أمامها مشروبا أمريكيا  .. هيا تفضلي يا عزيزتي واشربي دماء الأبرياء تفضلي وساعدي في قتلهم لست مختلفة في نظري عن شارون و لاعن غيره  فكلكم متفقون  مهما أبديت من تعاطف مع الشعب المناضل  ربما لن نستطيع هز الاقتصاد الأمريكي بعلبة مشروبات غازية  ولكن كيف استطعنا أن نحوي في جوفنا أطعمة لا بل أسلحة من صنع العدو  أين كرامتنا ؟؟ - كرامة العربي الأصيل - ؟؟ أين حبنا لأمتنا ؟؟ ماذا حدث ؟؟ وكيف وصلنا إلى هذه الدرجة من الذل و المهانة بأن نضعف أمام  علبة حليب صناعي .. أو شرائح بطاطس .. أو حتى علبة مشروب غازي .. أخبروني هل أنا أهذي بعبارات لا معنى لها  هل أحمل شعارات ورايات في غير زمانها ؟؟ و هل أحارب في جبهتي وحيدة ؟؟ أخبروني .. هل المقاطعة ضرب من الجنون  أم الجنون في أن لا نقاطع من الذي يملك إجابة شافية  لسؤال معقد .. بات يتوغل حزنا في أعماقي الثائرة ..