فَذْلَكاتٌ لُغَويةٌ سياسيّة (3)
فَذْلَكاتٌ لُغَويةٌ سياسيّة (3)
(من وَحْي الواقع البعيد عن منهج الله عز وجل)
( لو قلّبنا النظر في لغتنا العربية ، لوجدناها قد وَسِعَت كلّ المفاهيم والمصطلحات ، لكن بالنسبة للسياسة ، فاللغة تغوص في عُمْقِ أعماقها .. أي في الصميم ) .
بقلم : الدكتور محمد بسام يوسف
فَذْلَكَةُ التاء *:
( تَعِسَ ) وأخواتها !..
تَلا ، تَاهَ ، تَرَحَ ، تَابَ ، تَاسَ ، تَفَلَ ، تَاخَمَ ، تَجَرَ ، تَرْمَسَ ، تَبِعَ ، تَنَفَّسَ ، تَرْجَمَ
(تَعِسَ) من معاني : هَلَكَ .. والتعاسة ربما يكون مصدرها العبودية للمال ، كما ورد في الحديث الشريف : (تَعِسَ عبد الدينار ، تَعِسَ عبد الدرهم ..) ، أي : هلك كل مَن يجعل من نفسه عبداً للدينار والدرهم ، إذ يتحوّل المال إلى رَبٍّ مزيّفٍ لذاك المخلوق التعيس ، الذي يصبح منحوساً أيضاً ، فيما لو (تَلا) ، أي : اتّبع .. منهجاً بشرياً وضعياً غير منهج الله سبحانه وتعالى ، فيحوّل نفسه إلى عبدٍ ذليلٍ للربّ الذي يُشرّع له ، ويجبره على تنفيذ تشريعه الوَضعيّ الخاطئ ، ما يؤدي به إلى التخلّف ، لأنّ تَخَلَّفَ من معاني (تَلا) كذلك !.. وبذلك يصبح التعيس المنحوس .. متخلِّفاً أيضاً !..
ما ذكرناه ينطبق على الفرد ، وعلى المجتمع والأمة .. فإذا (تَاهَ) الفرد ، أي : ضلَّ طريقه ، بتنفيذ المناهج البشرية الخاطئة الظالمة .. أو إذا (تَاهَت) الأمّة كلها ، لتنفيذها مناهج مستوردةً من الشرق أو الغرب ، وتركت دستورها ومنهجها الذي ارتضاه الله لها .. فإنّ التعاسة ستكون بانتظارها !.. ثم ستقع في مساوئ فعل (تَرَحَ) ، أي : حَزِنَ ، فتكثر فيها الأحزان والأشجان ، أي : الأتراح !..
عندئذٍ سيكون أمام الأمّة طريقان : طريق (تَابَ) ، أي : رجع عن المعصية وعاد إلى الله عز وجلّ ، وإلى تنفيذ منهجه العادل الصالح لكل زمانٍ ومكان ، فيسعد بذلك في الدنيا والآخرة ، أي تسعد بذلك الأمّة وتتقدّم نحو الخير والرشاد .. أو تمضي في الطريق الثاني ، وهو طريق : (تَاسَ) ، أي : صار تَيْساً ، إذ يركبها العناد ، فتصبح كالتَّيْسِ إذا حَرَنَ ، أي : أصرَّ على موقفه وموقعه الخاطئ .. وحينذاك ستقع هذه الأمّة التي كرّمها الله ، في حفرة (تَفَلَ) ، أي : بَصَقَ .. فتصير عرضةً لذلك الفعل القبيح (تَفَلَ) ، الذي تمارسه عليها كلّ أمم الأرض ، التي لا ترغب لها أن تستيقظ من غفوتها أو نومها العميق !..
الأمّة التي تتخلى عن دستورها ومنهجها ودِينها ، يَدْهَمها خطر عظيم ، هو خطر (التَلْمود) : وهو التعاليم اليهودية العنصرية البغيضة ، التي تفعل فعلها في جسد الأمّة المستغرق في نومه ، أو الغافل عن عدوّه !.. والتلمود هو السمّ الزعاف الذي يتغلغل في جسد الأمّة ، خاصةً عندما ينطلق حَمَلَتُه اليهود من كل أنحاء الأرض ، لاحتلال قلب وطننا العربيّ والإسلاميّ ، متّبعين أسلوب (تَاخَمَ) ، أي : جاوَرَ ولاصَقَ !.. وبعد أن يجاورنا اليهود بملايينهم ، قادمين إلينا من كل فَجٍ عميق .. يُعمِلون فينا القتل والتشريد والتمزيق ، منفِّذين بذلك تعاليم تَلمودهم الخبيث ، بمساعدةٍ ومؤازرةٍ من الصليبيين الغربيين الحاقدين !..
لا يكتفي اليهود والصليبيون بما فعلوه ، بل يبذلون جهودهم لإيقاع أمّتنا كلها بين مخالب الـ(تيوقراطيّة) ، وتعني : نظام الحكم الذي يجمع فيه الحاكم بين السلطتين الدنيوية والروحية !.. وقد طُوِّرَ هذا المعنى في عصرنا الحديث إلى أشمل من ذلك ، فأصبح الحاكم في كثيرٍ من بلاد المسلمين ، يجمع كل السلطات - بمختلف أنواعها وأشكالها وألوانها - في شخصه الكريم ، بالترغيب أو الترهيب ، وبقوّة الدستور الذي يفصّله كما يشاء أو بقوّة الحديد والنار .. وبذلك تنقلب سُلطته إلى تسلّطٍ كريهٍ على رقاب الناس ، ويقوم بإصدار القوانين والتشريعات ، التي تكفل له دوام التسلّط ، والتحكّم في أرواح الناس وأقوات العباد وثروات البلاد !.. والحاكم هنا ليس بالضرورة فرداً ، فقد يكون حِزباً أو طائفةً أو مجموعةً مختارة ، اختارها الشعب بأكثريّته الساحقة !.. لشدّة عِشقه لها ، وغَرَامه بها .. إلى درجة أنه ترك لها كل دبابةٍ ومدفعٍ وصاروخٍ.. لقمع المحبّين ، وقهر العاشقين لعدلها ونزاهتها وأمانتها ووطنيّتها !..
يمكن للفئة الحاكمة المذكورة ، أن تقوم ببعض الخطوات الضرورية لتثبيت نفسها على كراسيّ السُلطة .. فمثلاً قد تستخدم طريقة : (تَجَرَ) ، أي : مارس التجارة من بيعٍ وشراء !.. والتجارة هنا ليست بالمال والمتاع ، بل بالكلام والشعارات الطنّانة ، والبيانات الرنّانة .. فتصبح شعارات : التحرير ، والوحدة ، والحرية ، والعدل ، والمساواة ، و.. هي البضاعة التجارية الرائجة ، ويُستخدم لترويج ذلك الـ (تِلِفِزْيون) : وهو جهاز ينقل الأصوات والصوَر !.. فيتحوّل الجهاد والنضال من سوح الوغى والقتال الحقيقية ، إلى ذاك الجهاز العجيب الغريب ، وعندئذٍ يصبح النضال (تِلِفِزْيونياً) صِرفاً !..
وإذا ما تجرّأ مواطن لقول الحق ، كأن يقول مثلاً : إنّ السيد الحاكم وجيشَه (تَرْمَسَ) ، أي : تغيَّبَ عن الحرب ، وسبّب ضياع البلاد والعباد .. فإنّ ساحة المعارك ستصبح فوراً ، كل شارعٍ وبيتٍ وزاويةٍ وفضاءٍ في الوطن ، ويصبح المواطن هو العدوّ الذي ينبغي تصفيته أولاً ، للتفرّغ بعد ذلك إلى العدوّ الحقيقيّ الخارجيّ !.. ولتنفيذ ذلك بحق المواطن ، يتم اتباع أسلوب : (تَبِعَ) ، أي : سار في أثره ، وبالمعنى الحديث : لاحَقَهُ !.. فكل مَن (تَنَفَّس) ، وخرجت من بين أنفاسه كلمة ناقدة أو مُعترِضة .. يصبح متبوعاً ، أي : مُلاحَقاً من قبل أجهزة الحاكم العزيز .. الكثيرة !.. وقد يُستخدم في هذه الحرب الداخلية أسلوب : (تاخَمَ) ، فكل من يتنفّس ، ينبغي أن يُرسَلَ إليه مَن يتاخمه ، أي : يجاوره ويلاصقه ، لتعليمه كيفية التنفّس على منهج السادة الذين يحكمون البلاد والعباد !.. وقد يُستَخدَم الـ (تِلِفون) في هذه الحرب الشرسة أيضاً : وهو جهاز ينقل الأصوات من مكانٍ إلى مكانٍ آخر .. وقد يكون المكان الآخر مَقرّاً حِزبياً أو عسكرياً أو أمنياً !.. إذ يقوم القائمون على أمن الوطن ، وأمن المواطن العزيز وراحته .. بإحصاء كل ذبذبةٍ من ذبذبات صوته ، ثم إحالتها إلى قسم : (تَرْجَمَ) ، أي : بيّن الكلام ووضّحه ، أو نقله إلى لغةٍ أخرى !.. وغالباً ما تقع أخطاء شائعة أثناء عملية الترجمة ، بقصدٍ أو من غير قصد .. تكون كافيةً لترجمة البشر وتحليلهم ، إلى عواملهم الأولية من اللحم والدم والعظم !..
هذا داء الأمّة العُضال ، فهل له من (تِرياقٍ) ، أي : دواءٍ مضاد ؟!.. لأنّ التاريخ لا يرحم المتقاعسين المتثاقلين عن تخليص الأمّة من دائها .. و(تاريخ) كلمة تعني : جملة الأحوال والحوادث التي يمرّ بها كائن أو أمّة أو شعب !.. فَسَجِّل يا تاريخ .. سَجِّل !..
ــــــــــــــ
* الفَذْلَكَة - كما ورد في المعجم الوسيط - تعني : [ مُجْمَلُ ما فُصِّلَ وخُلاصَتُهُ ] ، وهي [ لفظة محدَثة ] .